تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح حديث معدان بن أبي طلحة أن عمر بن ال... - ابن عثيمينالشيخ : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء؟ شوف هذا الكلام، طعنه بأصبعه في صدره وقال: يا عمر، وهذه كناية عن كونه يُستغرَب أن تُشكل على عمر وهو عمر ب...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح حديث معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر قال إني رأيت كأن ديكا نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا حضور أجلي وإن أقواما يأمرونني أن أستخلف وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته ولا الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وإني قد علمت أن أقواما يطعنون في هذا الأمر أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام فإن فعلوا ذلك فأولئك أعداء الله الكفرة الضلال ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بإصبعه في صدري فقال يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ثم قال اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويقسموا فيهم فيئهم ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء؟ شوف هذا الكلام، طعنه بأصبعه في صدره وقال: يا عمر، وهذه كناية عن كونه يُستغرَب أن تُشكل على عمر وهو عمر بن الخطاب، لم يقل : يا هذا ، ولم يقل أما تكفيك، بل ناداه باسمه وقال: كيف تشكل عليك هذه يا عمر، ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء، والجواب : تكفي، وهي واضحة، وقد بينها الله عز وجل حتى ذكر في آخرها : يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم .
اقرأ آية الكلالة، قال الله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ، في الكلالة : هذا متعلِّق تنازعها عاملان : الأول ، والثاني : يفتيكم، كأنه قال : يستفتونك بالكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة، صورتها : إن امرؤ هلك ليس له ولد : يعني لا بنين ولا بنات، وله أخت شقيقة أو لأب، فلها نصف ما ترك، وكون الأخت نصف ما ترك يقتضي ألا يكون لها أب ولا جد، أليس كذلك، إذن : انتفى الولد من بنين وبنات وانتفى الأب، والجد، لأنه لو كان هناك أب أو جد لم يكن للأخت النصف.
فعرفنا الآن أن الكلالة : من ليس له ولد أو والد، واضحة يعني الصورة تبين لك المعنى، لكن حكمة الله عز وجل أن تأتي المسألة على هذه الصيغة لا نعلمها، يعن: من الممكن أن يقول الله تبارك وتعالى الكلالة : من ليس له والد ولا ولد، لكن الله تعالى جعلها في الصورة الواقعة، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، أخ يرث أخته، ومتى يرثها؟ إن لم يكن لها والد، لأنه إذا كان لها والد لشاركه في الإرث، ما نقول حجبه، وله أخت وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، لو كان لها ولد لم يرثها أخوها، لأن ولدها إن كان ذكرا حجب أخاها، وإن كانت أنثى شارك أخاها، والله تعالى يقول : وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ، فدل ذلك على أن المسألة واضحة، وإن الإنسان ليعجب أن تخفى مثل هذه المسألة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى استغرب النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب على صدره وقال : ألا تكفيك، وهو يدل على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والعقل والإيمان والذكاء فاإنه عرضة لأن يُحال بينه وبين الفهم.
يقول : وإني إن أعش أقض فيها بقضية إلخ.
إن أعش أين ذهبت الياء؟ حذفت لأن أعش جزمت بالشرط، فآخرهاساكن، والياء ساكنة فحذفت الياء، على حد قول ابن مالك في الكافية :
" إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق *** وإن يكن ليناً فحذفه استحق ".
أما أقض فحذفت الياء أيضاً لجواب الشرط، أقض فيها بقضية يقض فيها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ بالقرآن، والظاهر والله أعلم أنه رضي الله عنه مات وهو لم يقض بهذه القضية، لكن الأمر والحمد لله واضح، حيث قال الله تعالى في الآية التي تلوناها الآن، قال في آخرها : يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ، فالمسألة ولله الحمد واضحة.
ثم قال : " اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا عليهم، وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إلي ما أشكل من أمرهم ".
انتبهوا، يقول : إنه يُشهد الله على أمراء الأمصار في معاملتهم للناس، لأن أمراء الأمصار يُسأل عنهم بالدرجة الأولى الخليفة ، الذي إمرته عامة على جميع الرعية، فهو رضي الله عنه لا يحيط بهم علماً، لأنهم متفرقون وفي أماكن بعيدة، لكنه أشهد من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور عليهم وهو الله عز وجل، وبين أنه إنما بعث الأمراء لا ليسيطروا على الناس، ولا لأن يتسلطوا على الناس، ولا ليأخذوا أموالهم، ولا ليضربوا أبشارهم، وإنما بعثهم لهذه الأمور الأربعة : ليعدلوا عليهم : يعني ليضعوا العدل فيهم في الحكم بينهم وفي الحكم عليهم، ولهذا قال : ليعدلوا عليهم ولم يقل ليعدلوا بهم أو بينهم أو فيهم، حتى يشمل العدل في الحكم بينهم والعدل في التحاكم بينهم، هذه واحدة، ثانيا : وليعلموا الناس دينهم سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم : يعني يعلمهم الشريعة، الدين والسنة، والدين والسنة متلازمان، لأن السنة جاءت بالدين، والدين أخذ من السنة .
والثالث : قال ويقسم فيهم فيئهم، الفيء هو ما يوضع في بيت المال وخمس خمس الغنيمة، والمال المجهول صاحبه وما أشبه ذلك، يقسم الفيء بينهم.
ولا يستأثر به : لأن من الأمراء من يستأثر بالأموال، ومعنى يستأثر بها أي : يختص بها وحاشيته، ويدع الناس، وهذا لا شك أنه ظلم،
لكن موقف الرعية من هذا الظلم أن يصبروا،
وأن لا يشكوا بعضهم إلى بعض تصرف الأمراء هذا، بل الواجب كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم : إنكم ستجدوا بعدي أثَرة فاصبروا
ما قال : اشكوا للناس، أو أثيروا الناس على أمرائهم قال : اصبروا حتى تلقوني على الحوض ، ولا أظن أحداً أنصح للخلق من رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق، لا أظن أحداً أنصح للخلق من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكم يقل إذا رأيتم الأثرة فانشروا تلك الأثرة، واشكوا الحكام على الرعية حتى تمتلئ قلوبهم غيظا وحقدا على ولاتهم بل قال اصبروا، ولم يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام إلا ما تكون عاقبته خيرا، نحن نصبر وإن استأثروا علينا بالأموال، وإن ركبوا أفخم المراكب، وبنوا أفخم القصور وكنا نتمنا كسرة الخبزة، نصبر، لأننا لو نابذناهم أو امتلأت قلوبنا حقدا عليهم لترتب على ذلك من الشرور أكثر مما استأثروا به، لكن أمرنا الناصح الأمين الحكيم أمرنا أن نصبر.
ثم قال : ويرفعوا إلي ما أشكل عليهم من أمرهم ، خطوط عريضة للحكم، لا يرفعوا إلي كل قضية، لو رفعت كل قضية للحاكم العام، الذي هو الخليفة، لضاعت الحقوق، إذا قدرنا مثلا أن هناك عشرة آلاف قرية، وكل قرية فيها أمير، وكل أمير يرفع كل صغير وكبير للخليفة متى يحيط بهذا المرفوع؟ إلى يوم القيامة، فتتعطل الأمور، لكن قال : يرفعوا إلي ما يُشكل فقط من أمرهم، وما كان واضحا فلا حاجة إليه، والأمراء أمناء في الأصل وربما يكون لكل قرية نظام يناسب أهلها، يعني كون المظام يجرى على كل أحد، وإن كان لا يناسب ولا يطابق المصلحة في هذا البلد هذا فيه قصور أو تقصير، قد يكون مثلاً هذه القرية قد يناسب أن تفتح أبواب التجارة في النهار دون الليل، فماذا نحكم عليهم؟ نقول : ألا تفتحوا في الليل؟ قالوا : القرية الفلانية تفتح بالليل، نقول لا، تختلف،
القرية الفلانية أكثر أمنا من هذه القرية، هذه القرية لو فتحت بالليل أصبح هناك فوضى ، فكل أمير يتبع ما فيه المصلحة لكل قرية هو فيها، لكن إذا أشكل عليه أمر يرفعه إلى الخلافة العامة، ولا شك أن هذا هو الذي يليق بمصلحة الأمة، لأنه إذا كانت المسألة مركزية تعطلت المصالح، إذا قلنا : لا تحل المشكلة إلا في الوزارة مثلا ليس أي مشكلة المشكلة لا بأس، لا تحل أي مسألة إلا في الوزارة، أو قلنا : أي مسألة ترد يمكن حلها تحل في القرية التي فيها الأمير ؟ أيهما أيسر؟ الثاني أيسر، أيسر على الناس من جهة، وأسهل في حمل العبء على الخلافة أو الحكومة من جهة أخرى، لكن إذا كانت مركزية كل مسألة ترفع للجهات العليا صعب على الناس، وتعطلت مصالحهم، ولهذا نحن نعلم علم اليقين أن حال المسلمين على هذا المنوال الذي ذكره عمر ستكون أكمل من حال المركزية، المركزية عذاب! ثم إن المركزية أيضا أحيانا لا يُعد لها عدادها، قد تجد مثلا الموظفين عشرة، سواء كانوا يديرون بلدا واحداً أو كل البلاد يدورون، هذا غير صحيح، يجب إذا اتسعت دائرة العمل أن يزاد في الموظفين، وألا تجعل الأمور راكدة، لا يزاد فيها ولا ينقص هذا غير صحيح، فالمهم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسم للخلفاء من بعده نهجاً سياسياً لو مشى عليه الناس في هذا العصر لوجدوا الراحة، الراحة لهم والرواحة لشعوبهم، لا يُرفع إلى الجهات العليا إلا ما كان مشكلاً، حتى يحل الناس مسائلهم في بلادهم، ولا يحتاجون إلى تعب.
ثم يقول : إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين ، ومعنى الخبيث هنا الرديء المكروه، وليس المحرم، فليس كل خبيث محرَّماً، انتبه لهذه القاعدة لكن كل محرم خبيث، صح؟ لكن ليس خبيث بعنى النجس، لا تفهموا هذا خبيث بمعنى أنه لا يصلح وأنه ردي
ولا تستقيم الحياة به، ولهذا لما قال الله : ويحرم عليهم الخبائث المعنى : أن كل ما حرمه فهو خبيث، وليس المعنى أنه يحرم كل خبيث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وصف البصل بأنه خبيث، وقال : ليس لي تحريم ما أحل الله، وهذه نقطة ينبغي للإنسان أن يفهمها بجمع النصوص بعضها مع بعض حتى يتبين الحكم الشرعي.
قال رحمه الله ورضي عنه : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع . سبحان الله إذا وجد ريحهما من رجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيه قال فأخرجوه إلى البقيع، أين البقيع؟ المقبرة، بقيع الغرقد، وهو بعيد من المسجد، يعني الذي يذهب إلى البقيع أهل المسجد لا يجدون رائحته وإنما أمر أن يُخرج إلى البقيع لا إلى خارج المسجد فقط من أجل الإبعاد لهذا الرجل الذي أكل ما يؤذي الملائكة ويؤذي المصلين، ثم جاء إلى المسجد الذي مأموى الملائكة، مأموى المصلين، تأتي إليهم بما يؤذيهم؟ اخرج من عندهم، أبْعِد.
يقول : فمن أكلهما فليمتهما طبخا .
يمتهما: يعني يذكيهما؟ لا، يعني يطبخهما من أجل أن تذهب الرائحة، وموت كل شيء بحسبه، فليمتهما طبخا أي فليطبخهما حتى تذهب ريحهما، ولكنهم يقولون : إنها إذا طبِخَت ذهبت فائدتهما، فيقال : إن قدِّر أنها تذهب الفائدة فإن الطعم واللذاذة تبقى، وما أحسن رأس البصل إذا كان مطبوخاً تجده حلواً لذيذاً، هذا شيء مشاهد، فإذن : إذا قدر -إذا قدر أن النفع الذي يراد منهما حال كونهما لذيذين- فإنه لا يذهب الطعم، واللذاذة، حيث أننا لا نسلِّم أن الفائدة تزول في الطبخ.

Webiste