تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآيات ( 42 - 47 ) من سورة النجم . - ابن عثيمينالشيخ : انتهينا إلى قوله تبارك وتعالى :  وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى  وهذه الآية فيها قراءتان : القراءة الأولى : فتح الهمزة  وَأَنَّ إِلَى رَبِّك...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآيات ( 42 - 47 ) من سورة النجم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : انتهينا إلى قوله تبارك وتعالى : وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وهذه الآية فيها قراءتان : القراءة الأولى : فتح الهمزة وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى والثانية : كسر الهمزة وَإنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وكلاهما قراءتان صحيحتان سبعيتان إذا قرأ الإنسان بإحداهما صح بل الأولى للإنسان الذي يعرف القراءات أن يقرأ بهذه القراءة مرة وبهذه القراءة مرة أخرى لكن لا على ملأ من الناس وسماع منهم لأن العامة إذا سمعوك تقرأ على خلاف ما يعلمون فسيحصل بذلك مفسدة إما أن يقولوا : إن هذا الرجل لا يعرف القرآن وإما أن يتشككوا في القرآن حيث يظن العامي أن القرآن لا يمكن أن يبدل أو يغير كذلك ننصح إخواننا الذين أعطاهم الله تعالى علما في القراءة ألا يقرؤوا إلا بالقراءة المعروفة عند العامة حتى لا يحصل اللبس لكن فيما بينك وبين نفسك إذا كنت تدرك القراءة الثانية إدراكا تاما فاقرأ بها أحيانا لأن الكل سنة الكل كلام الله عز وجل فإذا كانت بالكسر وَإنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى صارت هذه الجملة وما بعدها ليست في صحف إبراهيم وموسى بل تكون استئنافية وإذا كانت بالفتح وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى صارت هذه الجملة وما بعدها مما جاء في صحف إبراهيم وموسى وعلى كل فهي كلام الله عز وجل وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى في أي شيء ؟ في أمور الدين والدنيا فإلى الله المنتهى في مسائل العلم عندما تشكل علينا مسألة من مسائل العلم إلى أين ننتهي ؟ أجيبوا إلى الله ورسوله كما قال تعالى : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقول شيئا من عنده إنما هو من عند الله عز وجل فيكون المنتهى إلى الله في الحكم بين الناس وفي الحكم في الناس إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى أيضا منتهى الخلائق لأن هذا الخلق الموجود الآن سوف يفنى وينتقل إلى خلق آخر ينتقل إلى خلق آخر كما قال عز وجل : أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ المنتهى على هذا التقدير هو يوم القيامة فإلى الله المنتهى إلى الله المصير فمنتهى أحوالنا وأحكامنا وجميع ما يصدر منا وعلينا إلى الله عز وجل وإذا كان إلى الله المنتهى فإلى من تشكو إذا أصابك الضر ؟ إلى من ؟ إلى الله عز وجل وإذا أردت النفع فمن تطلب ؟ الله عز وجل لأنه إلى الله المنتهى وكم من إنسان انعقد له أسباب الرزق وإذا به يحرم منه على آخر لحظة ربما يشتغل بإنشاء محطة مثلا على أنه يريد أن يرتزق بها وإذا كان الله لم يرد هذا احترقت المحطة إذًا لا يجلب لك الخير إلا الله ولا يمنع عنك الضرر إلا الله عز وجل فاجعله منتهاك في كل أمورك وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى هل المراد حقيقة الضحك أو المراد لازم ذلك وهو الفرح ؟ وكذلك يقال في أبكى هل المراد حقيقة البكاء أو المراد الحزن ؟ إذا نظرنا إلى ظاهر اللفظ قلنا إيش ؟ الضحك الحقيقي والضحك الحقيقي لا ينشأ إلا عن سرور وَأَبْكَى البكاء الحقيقي والبكاء لا يحصل إلا عن حزن فالله تعالى أضحك في الدنيا وأبكى وأضحك في الآخرة وأبكى الكفار في الدنيا الآن يضحكون على من ؟ على المسلمين على المؤمنين : إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا إيش ؟ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ لكن هذا ضحك سيعقبه بكاء في يوم القيامة فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا إيش ؟ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ فالذي أضحك في الدنيا وأبكى والذي أضحك في الآخرة وأبكى هو الله عز وجل إذًا هو مقدر ما يكون به الضحك ومقدر ما يكون به البكاء وأتى بالأمرين وهما متقابلان ليعلم بذلك أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وهو القادر على خلق الضدين
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا نعم أمات في الدنيا وأحيا في الدنيا وأمات أيضا في الدنيا وأحيا في الآخرة أَمَاتَ وَأَحْيَا الآن البشر تجد هذا تنفخ فيه الروح اليوم فيكون الله إيش ؟ قد أحياه والآخر تنزع روحه من بدنه ويكون الله قد أماته وهكذا دواليك هو الذي أمات وأحيا هناك أيضا ميتة عامة وحياة عامة أمات العالم في الدنيا وأحياهم في الآخرة فهو الذي خلق الموت وهو الذي خلق الحياة وهذان أيضا متضادان حياة وموت كلها من عند الله عز وجل لأن الله تعالى على كل شيء قدير وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الزوج بمعنى الصنف ومثاله قوله تعالى : وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ أي : أصناف وقوله تعالى : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ليس المراد زوجاتهم المراد أزواجهم أي : أصنافهم إذًا الزَّوْجَيْنِ يعني إيش ؟ الصنفين ثم بين هذا الزوجين فقال : الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى من مادة واحدة مِنْ نُطْفَةٍ وهي المني إذَا تُمْنَى أي : تراق وتصب في رحم المرأة فالله عز وجل خلق هذين الصنفين المختلفين خلقة المختلفين مزاجا المختلفين عقلا المختلفين فكرا خلقهما من شيء واحد من نطفة ولهذا قال الله تبارك وتعالى في سورة القيامة في آخر السورة قال : فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ إيش ؟ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى الجواب : بلى فالله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى من شيء واحد وهذا يدل على كمال قدرته جل وعلا إذ أنه خلق صنفين مختلفين في كل الأحوال حتى في القوى البدنية يختلف الرجل عن المرأة والعقلية والفكرية والتنظيمية يختلف الذكر عن الأنثى
وبذلك نعرف ضلال أولئك القوم الذين يريدون أن يلحقوا المرأة بالرجل في أعمال تختص بالرجل فإنهم سفهاء العقول ضلال الأديان وكيف يمكن أن نسوي بين شيئين أو بين صنفين فرق الله بينهما خلقة وشرعاً ؟ هناك أحكام يطالب بها الرجل ولا تطالب بها المرأة وأحكام تطالب بها المرأة ولا يطالب بها الرجل وأما قدرا وخلقة فالأمر واضح لكن هؤلاء الذين لم يوفقوا وسلب الله عقولهم وأضعف أديانهم يحاولون الآن أن يلحقوا النساء بالرجال وهذه لا شك أنها فكرة خاطئة مخالفة للفطرة مخالفة للطبيعة كما أنها مخالفة للشريعة أيضاً
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ما معنى تمنى ؟ أي : تصب وتراق في الرحم ومنه سمي المكان منى الذي حول مكة قال العلماء : لأنها تمنى فيه الدماء لأن الهدي أين يذبح ؟ يذبح يوم العيد في منى فتراق فيه الدماء ولذلك سمي هذا المكان باسم ما يحدث فيه ثم قال : وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى على من ؟ على الله وفي هذا دليل على أن الله أوجب على نفسه أن يبعث الناس لأنه لو كان الناس يحيون ويموتون بلا إرجاع لكان هذا عبثاً محضا لأننا نعلم الآن أن الناس في الدنيا يختلفون في الغنى والفقر والقوة والضعف والذكاء والعقل وغير ذلك لو كان الخلق هكذا فقط بدون إرجاع لكان هذا منافياً للحكمة تماماً لكن لا بد من رجوع ولهذا قال : وَأَنَّ عَلَيْهِ وعلى تفيد الأخ تفيد إيش ؟
الطالب : السؤال

الشيخ : السؤال على تفيد إيش ؟ إذا قلت : عليك تفعل كذا يعني يعني واجب فعلى تفيد الوجوب فيكون الله أوجب على نفسه أن ينشئ الناس مرة أخرى ولا مانع أن الله يفرض على نفسه ما شاء كما قال تعالى : كَتَبَ رَبُّكُمْ إيش ؟ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أي : أوجب على نفسه الرحمة كذلك هنا قال : وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى أي : على الله أوجب الله على نفسه أن ينشئ الناس نشأة أخرى للجزاء كل بحسب عمله والنشأة الأخرى تفيد بأن هنالك نشأة قبل وهي النشأة الأولى وهي خلق الناس ابتداء خلق الناس من عند الله عز وجل
ففي قوله : الْأُخْرَى فائدة عظيمة وهي الإشارة إلى أن القادر على الأولى إيش ؟ قادر على الآخرة والنشأة الآخرة أهون من الأولى كما قال عز وجل : وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ هو كله عليه هين لكن الهين يختلف باعتبار ذاته لا باعتبار قدرة الله قدرة الله لا تختلف كُنْ فَيَكُون سواء كان أعلى شيء أو أدنى شيء لكن بالنسبة للمقدور عليه أيهما أهون بالنسبة للمقدور عليه ؟ الإعادة أهون يا إخواني أما بالنسبة لقدرة الله فكلها واحدة لأن المسألة لا تعدو أن يقول : كُنْ فَيَكُون وبهذا نعرف أن بعض المفسرين رحمهم الله وعفا عنهم قالوا في قوله : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ قال المعنى : وهو هين عليه وهذا غلط كيف يقول الله عن نفسه : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ونقول : وهو هين ؟ لكن نقول : الهون له نسبتان : نسبة للمفعول ونسبة للفاعل بالنسبة للفاعل هما سواء لأن كل شيء منهما يتكون بكلمة واحدة : كُنْ فَيَكُون
وبالنسبة للمفعول يختلف لا شك أن الأول أشد من الثاني إذًا النَّشْأَة الأُخْرَى قلنا كلمة الأُخْرَى فيها فائدة وهي الإشارة إلى أن القادر على الأخرى قادر على الأولى من باب أولى ثم استشهدنا لذلك بقوله تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أسأل الله تعالى أن يجعل مصيرنا ومصيركم إلى الجنة وأن يجعل آخر أمورنا خيرا من أولها إنه على كل شيء قدير أما الآن فإلى الأسئلة نبدأ باليمين ولكل واحد سؤال واحد تفضل .

Webiste