تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " إلى ق... - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فهذا هو اللقاء الثاني والخمسون من ...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " إلى قوله تعالى:"فذكر إن نفعت الذكرى" من سورة الأعلى .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني والخمسون من اللقاءات الأسبوعية التي تعقد في كل يوم خميس من كل أسبوع، إلا أيام في أيام الإجازة أو الأيام التي يحصل فيها إتعاب الناس باللقاء، وهذا هو لقاء الأسبوع الثالث من شهر شوال عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، نتكلم فيه أولاً على ما بقي من سورة سبح اسم ربك الأعلى من قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فهذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول، يقرئه إياه ولا ينساه، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجل إذا جاء جبريل يلقي عليه الوحي، فقال الله له: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ، فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه.
وهنا يقول: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ يعني: إلا ما شاء الله أن تنساه، فإن الأمر بيده عز وجل يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ وربما نُسِّي النبي صلى الله عليه وسلم آية من كتاب الله ، ولكنه سرعان ما يذكرها عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ أي: إن الله تعالى يعلم الجهر ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعاً وَمَا يَخْفَى أي: ما يكون خفياً لا يظهر، فإن الله يعلمه كما قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ فهو يعلم عز وجل الجهر، ويعلم أيضاً ما يخفى.
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى هذا أيضاً وعد من الله عز وجل لرسوله عليه الصلاة والسلام أن ييسره لليسرى، فما هي اليسرى؟ اليسرى: أن تكون أموره ميسرة ولاسيما في طاعة الله عز وجل، ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه: ما من أحد من الناس إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار كل بني آدم مكتوب مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار قالوا: يا رسول الله! أفلا ندع العمل ونتكل يعني على ما كتب؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له فأهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
وهذا الحديث يقطع حجة من يحتج بالقدر على معاصي الله، فيعصي الله ويقول: هذا مكتوب عليَّ، نقول : هذا غلط، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له هل أحد يحجزك عن العمل الصالح لو أردته؟ أبداً، هل أحد يجبرك على معصية لو لم تردها؟ أبداً لا أحد.
ولهذا لو أن أحداً أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثم، ولا يترتب على فعلك لها ما يترتب على فعل المختار لها، حتى إن الكفر وهو أعظم الذنوب قال الله تعالى فيه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
إذن نقول: اعمل أيها الإنسان اعمل الخير تجنب الشر، حتى ييسرك الله لليسرى ويجنبك العسرى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وعده الله بأن ييسره لليسرى، فيسهل عليه الأمور، ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة وضنك إلا ووجد له مخرجاً عليه الصلاة والسلام .
ثم أمره تعالى أن يذكِّر فقال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى يعني: ذكِّر الناس، ذكرهم بآيات الله، ذكرهم بأيام الله عظهم إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى يعني: في محل تنفع فيه الذكرى، وعلى هذا فتكون إن شرطية، والمعنى: إن نفعت الذكرى فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية.
وقال بعض العلماء: المعنى: ذكِّر على كل حال، إن كل هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى، فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنه لا يذكر إلا إذا نفعت، بل المعنى: ذكر إن كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير، فالمعنى على هذا القول: ذكر بكل حال، والذكرى سوف تنفع، تنفع من؟ تنفع المؤمنين، وتنفع المذكر أيضاً، فالمذكِّر منتفع على كل حال، والمذكَّر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفع بها فإن ذلك لا ينقص من أجر المذكِّر شيئاً.
إذن نحن نذكِّر سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع.
وقال بعض العلماء: إن ظن أن الذكرى تنفع وجبت، وإن ظن أنها لا تنفع فهو مخير إن شاء ذكر وإن شاء لم يذكر.
ولكن على كل حال نقول: لا بد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب وإما حرام، وإذا سكت والناس يفعلون المحرم قال الناس: لو كان هذا محرماً لذكر به العلماء، أو لو كان هذا واجباً لذكر به العلماء، فلا بد من التذكير، ولا بد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع.
ثم ذكَرَ الله عز وجل من سيذكَّر ومن لا يذكَّر، وسنتكلم عليه إن شاء الله في الجلسة القادمة أو في اللقاء القادم حتى يكون لنا وقت أكثر بالنسبة للأسئلة، وكما هو عادتنا أن الإنسان يسأل سؤالاً واحداً من على اليمين ومن على الشمال، وأن التعليق على الأسئلة لا يكون إلا بعد انتهاء اللقاء إن كان هناك تعليق، فندأ الأول من على اليمين .

Webiste