تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى " قد أفلح من تزكى " إلى آخر... - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فهذا هو اللقاء الثامن والخمسون من ...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى " قد أفلح من تزكى " إلى آخر سورة الأعلى .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثامن والخمسون من اللقاء المفتوح، والذي ابتدأناه بعد انتهاء موسم الحج في يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ذي الحجة عام أربعة عشر وأربعمائة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم عامنا بالخير والعفو والمغفرة.
بقي علينا من التفسير في سورة الأعلى قول الله تبارك وتعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى .
بقي من قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى هذه الجملة جملة فعلية مؤكدة بـقد: قَدْ أَفْلَحَ والفلاح كلمة عامة يراد بها النجاة من المكروه والفوز بالمحبوب.
وقوله: مَنْ تَزَكَّى أي: مَن تطهر ظاهره وباطنه، فتطهر باطنه من الشرك بالله عز وجل ومن الشك، ومن النفاق، ومن العداوة للمسلمين، والبغضاء، وغير ذلك مما يجب أن يتطهر القلب منه، وتطهر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عباد الله عز وجل، فلا يغتاب أحداً، ولا ينم عند أحد، ولا يسب أحداً، ولا يعتدي على أحد بضرب، أو جحد مالٍ، أو غير ذلك، فالتزكي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهر أو باطن.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ذكر اسم ربه، أي: ذكر الله، ولكنه ذكر سبحانه وتعالى الاسم من أجل أن يكون الذكر باللسان، لأن الذكر باللسان ينطق اللسان فيه باسم الله، فيقول مثلاً: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيذكر اسم الله.
وقد ذكر بعض العلماء أن المراد بذكر اسم الله هنا خطبةُ الجمعة، لقوله بعد ذلك: فَصَلَّى ولكن الصحيح أنها أعم من هذا، أن المراد به كل ذكر اسم لله عز وجل، أي: كل ما ذكر الإنسان اسم الله اتعظ وأقبل إلى الله وصلى، والصلاة معروفة: هي عبادة ذات أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم.
ثم قال تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى بل هنا للإضراب الانتقالي، لأن بل تأتي للإضراب الإبطالي، وتأتي للإضراب الانتقالي، أي: أنه سبحانه وتعالى انتقل ليبين حال الإنسان أنه مؤثر للحياة الدنيا، لأنها عاجلة، والإنسان خلق من عجل، ويحب ما فيه العجلة، فتجده يؤثر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصفها دنيا، دنيا زمناً ودنيا وصفاً.
أما كونها دنيا زمناً فلأنها سابقة على الآخرة فهي متقدمة عليها، والدنو بمعنى القرب، وأما كونها دنيا ناقصة، فكذلك هو الواقع، فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان فإن أمدها الفناء، فإن منتهاها الفناء ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، فإن عاقبتها الذبول ولهذا لا يكاد يمر بك يومٌ في سرور إلا وأعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر:
" فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ "
تأمل حالك في الدنيا، تجد أنه لا يمر بك وقت ويكون الصفو فيه دائماً، بل لابد من كدر، ولا يكون السرور دائماً، بل لابد من حزن، ولا تكون الراحة دائمة، بل لابد من التعب الدنيا على اسمها دنيا.
وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير فيما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ كذلك أيضاً هي أبقى من الدنيا، لأن بقاء الدنيا كما أسلفنا زائل مضمحل، بخلاف بقاء الآخرة فإنه أبد الآبدين.
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى إِنَّ هَذَا أي: ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، وينسى الآخرة، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ فِي الصُّحُفِ الأُولَى أي: السابقة على هذه الأمة صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيهما من المواعظ ما تلين به القلوب، وتصلح به الأحوال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ووقاه الله عذاب النار.
نعم السؤال.

Webiste