تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما توجيهكم للذين يخوضون في أعراض طلبة العلم... - ابن عثيمينالسائل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.الشيخ : ألسنا قلنا ما في سلام يا حمد؟ أنسيت؟ نعمالسائل : في بعض المجالس يا شيخ بارك الله فيك يخوضون في بعض طلاب...
العالم
طريقة البحث
ما توجيهكم للذين يخوضون في أعراض طلبة العلم والعلماء والأمراء؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ : ألسنا قلنا ما في سلام يا حمد؟ أنسيت؟ نعم

السائل : في بعض المجالس يا شيخ بارك الله فيك يخوضون في بعض طلاب العلم والعلماء، ويبدأ يجرحون ويعدلون فنريد نصيحة لهؤلاء ويشتغلون بما ينفعهم؟

الشيخ : نعم من المعلوم أن الغيبة من كبائر الذنوب، والغيبة: ذكرك أخاك بما يكره، هكذا فسرها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد حذر الله عنها في كتابه بأبلغ تحذير فقال جل وعلا: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ من الذي يقدم له لحم أخيه ميتاً فيأكله؟ لا أحد يأكله، كلٌ يكرهه، وهذا تمثيلٌ يستفاد منه غاية التحذير من الغيبة، وإذا كانت الغيبة في ولاة الأمور من العلماء أو الأمراء كانت أشد وأشد، لأن غيبة العلماء يحصل بها انتقاص العلماء، وإذا انتقص الناس علماءهم لم ينتفعوا من علمهم بشيء فتضيع الشريعة، إذا لم ينتفع الناس بعلم العلماء فبماذا ينتفعون؟ أبجهل الجهال؟ أم بضلال الضلال؟ ولهذا نعتبر الذي يغتاب العلماء قد جنى على الشريعة أولاً، ثم على هؤلاء العلماء ثانياً، وجه الجناية على الشريعة ما ذكرته أنه يستلزم عدم قبول ما تكلم به هؤلاء العلماء من شريعة الله، لأنهم قد نقص قدرهم وسقطوا من أعين الناس فلا يمكن أن ينتفعوا بعلمه، وأما كونه غيبةً للشخص فهذا واضح.
أما الأمراء فغيبتهم أيضاً أشد من غيبة غيرهم، لأنها تتضمن الغيبة الشخصية التي هي من كبائر الذنوب، وتتضمن التمرد على الأمراء وولاة الأمور، لأن الناس إذا كرهوا شخصاً لم يستجيبوا لتوجيهاته ولا لأوامره، بل يضادونه وينابذونه، وتعمر مجالسهم بسبه والقدح فيه فيحصل بهذا شر عظيم، لأن قلوب الرعية إذا امتلأت حقداً وبغضاً لولاة الأمور انفلت الزمام، وحل الخوف بدل الأمان، وهذا شيء مشاهد ومجرب.
ولهذا نرى أن الواجب على عامة الناس وعلى طلبة العلم بالأخص إذا سمعوا عن عالمٍ ما لا يرونه حقاً أن يتثبتوا أولاً من صحة نسبته لهذا العالم، كم من أناس نسبوا إلى العلماء ما لم يقولوه، ثم إذا ثبت عنده أنه قاله يجب عليه من باب النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين أن يتصل بهذا العالم يقول: بلغني عنك كذا وكذا، هل هذا صحيح؟ فإما أن ينكر وحينئذٍ نطالب من نقل عنه هذا القول نطالبه بالبينة، نقول العالم أنكر ما قال قلت فيه وإما أن يقر فإذا أقر أبين له وجهة نظري، أقول: هذا القول الذي قلته غير صحيح، فإما أن يقنعني وإما أن أقنعه، وإما أن يكون لكلٍ منا وجهٌ فيما قال، فيكون هو معذوراً باجتهاده وأنا معذورٌ باجتهادي وليس لي أن أتكلم في عرضه، لأنني لو استبحت لنفسي أن أتكلم في عرضه لكنت أبحت له أن يتكلم هو أيضاً في عرضي وحينئذٍ يحصل التنافر والعداوة والبغضاء.
أما الأمراء فهم الأمر الثاني أيضاً، الكلام في الأمراء كثير وأنتم تعرفون الآن، أضرب لكم مثلاً سهلاً: إذا أمر ولي الأمر بشخص أن يؤدب تأديباً شرعياً يستحقه شرعاً فهل هذا المؤدب مع ضعف الإيمان في عصرنا هل سيقبل هذا الأدب ويرى أنه حق؟ أو يرى أنه ظلم وأن هذا الأمير معتدٍ عليه؟ أيهما؟ الثاني: هذا الواقع، يعني: لسنا في عصر كعصر الصحابة يأتي الرجل يقول: يا رسول الله زنيت فطهرني.
فإذا أمر ولي الأمر أن يؤدب هذا الرجل صار يشيع -كما قال بعض العلماء عن شخصٍ أشاع عنه قضية معينة فيما سلف، قال: إنك شخصٌ تذيع الشكية وتكتم القضية تذيع الشكية وتكتم القضية - صار هذا الرجل الذي أمر ولي الأمر أن يؤدب صار يذيع في الناس أنه مظلوم وأن هذا ظلمه وما أشبه ذلك.
وغيبة ولاة الأمور من الأمراء قصدي غيبة ولاة الأمور من الأمراء يتضمن محذورين: المحذور الأول: أنها غيبة رجل مسلم، والثاني: أنها تستلزم إيغار الصدور على الأمراء وولاة أمورهم وكراهتهم وبغضهم وعدم الانصياع لأمرهم، وحينئذ ينفلت زمام الأمان، ولهذا ما نرى من المنشورات التي تنشر في سب ولاة الأمور أو الحكومة نرى أن هذا محرم وأنه لا يجوز للإنسان أن ينشرها، لأنه إذا نشرها معناه أنها غيبةٌ لإنسان لا نستفيد من نشرها بالنسبة إليه شيئاً، لا نستفيد إلا أن القلوب تبغضهم وتكرههم، لكن هل هذا سيحسن من الوضع إذا كان الوضع سيئاً؟ أبداً، لا يزيد الأمر إلا شدة، فنرى أن نشر مثل هذه المنشورات نرى أنه محرم وأن الإنسان آثمٌ به، لأنه غيبة بلا شك، ولأنه يوجب أن تكره الرعية رعاتها وتبغضهم ويحصل بهذا مفسدة عظيمة.
هذا إذا سلمنا أن ما نقل في هذه المنشورات صحيح، مع أننا لا ندري هل هو صحيح أو أنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ما ندري.
لكن على تسليم أنه صحيح وصدق هل يحل لنا نشره وهو غيبة، لأن الغيبة: ذكرك أخاك بما يكره ؟ المعلوم أنه لا يحل ولا يجوز، ثم إننا لو نعلم أن هذا المنشور حق نعم لو نعلم أن هذا المنشور حق وأنه سيحل المشكلة لكنا أول من ينشر هذا وأول من يوزعه، لكن نعلم أنه يحتاج إلى إثبات من وجه، ويحتاج أيضاً إلى أن ننظر: هل نشره من المصلحة أو من المفسدة؟ ربما ما يترتب على نشره من المفسدة -أي: على نشره من مفسدة- أعظم بكثير من نفس هذا الخطأ، ولهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله أولاً قبل كل شيء، وألا ينشر معايب الناس بدون تحقق، وألا ينشر معايب الناس إلا إذا رأى أن المصلحة في نشرها، أما إذا كان الأمر بالعكس وترتب على ذلك مفسدة فقد أضاف إلى مفسدة نشر معايب الناس مفسدة أخرى، والله حسيبه، وسوف يلقى جزاءه عند ربه، ونحن نتكلم بهذا عن أدلة فنقول: هل المنشورات في مساوئ الناس سواءً الأمراء أو العلماء هل هي من باب: ذكرك أخاك بما يكره أو لا؟ الجواب: نعم، من باب: ذكرك أخاك بما يكره إذا كان من باب ذكرك اخاك بما يكره فهل هي غيبة أو غير غيبة؟ غيبة، من قال إنها غيبة؟ قاله الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم الخلق وأنصح الخلق وأصدق الخلق، قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ، إذن هي غيبة، الغيبة حلال وإلا حرام؟ حرام بنص القرآن: ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه .
طيب إذا كانت الغيبة حراماً فهل يترتب على هذه الغيبة إصلاح ما فسد؟ أبداً، لا يترتب عليها إصلاح ما فسد، أولًا لأنه كما قلت لكم أولًا من يقول إن هذا حق واقع؟ ثم من يقول إنه سيترتب عليه الإصلاح؟ فتبين بهذا أن نشر هذه المنشورات حرام وتوزيعها حرام، وأن الذي يفعل ذلك آثم وأنه سوف يحاسب على حسب نصوص الكتاب والسنة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت وقال عليه الصلاة والسلام: من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر وهذا ينافي الصبر لا شك.
قد يقول قائل: إن الله تعالى قال في كتابه: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ فنقول: نعم حق، لكن معنى الآية الكريمة: أنه لا يجوز أن تجهر بالسوء من القول إلا إذا ظلمت فتجهر في مظلمتك للشكاية حتى تزال مظلمتك، هذا معنى الآية، يعني: مثلًا إنسان ظلمني إذا ظلمني فهو عاصٍ وآثم، أذهب إلى أي واحد وأقول: والله فلان اعتدي وظلمني لا بأس بذلك، يعني قال إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ولم يقل: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا للظالم حتى نقول إنه عام، إلا من ظلم نفسه، إذا ظلم الإنسان نفسه فله أن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه، لأنه من طبيعة الإنسان أنه يتكلم مع صديقه فيما جرى له من ظلم إنسانٍ عليه، أن في هذا نوع تفريج عنه وإزالة غم ولا حرج في هذا.
أما أن ننشر معايب الناس على وجهٍ نعلم أن مفسدته أكثر بكثير من مصلحته إن كان فيه مصلحة، ولا ندري هل يثبت أو لا؟ فإن هذا لا يشك إنسانٌ عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أن ذلك حرام، فنسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمورنا من العلماء والأمراء، وأن يصلح عامتنا إنه على كل شيءٍ قدير.

Webiste