تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح باب : قول الله تعالى : (( وهو الذي... - ابن عثيمينالشيخ : الباء للملابسة والغاية يعني خلقها حقا لم يخلقها أحد سواه وخلقها بالحق الغاية منها الحق كما قال تعالى :  وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاع...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح باب : قول الله تعالى : (( وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق )) .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الباء للملابسة والغاية يعني خلقها حقا لم يخلقها أحد سواه وخلقها بالحق الغاية منها الحق كما قال تعالى : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وخلق بمعنى أوجد من عدم فالسماوات كانت عدم والأرضون كانت عدم وخلقها الله عز وجل وبين لنا سبحانه وتعالى أنه خلقها في ستة أيام بين ذلك إجمالا وبينه تفصيلا وهذا من حسن التعليم من حسن تعليم الله أنه يذكر الشيء إجمالا ثم يذكر تفصيلا كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لماذا ؟ لأن الإجمال يوجب قرار هذا الشيء في النفس ثم تشوف النفس إلى التفصيل فيرد عليها التفصيل وهي متهيأة لقبول ما يرد عليها هذه الأيام الستة فصلها الله عز وجل في سورة فصلت ولهذا سميت فصلت قال تعالى : قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا هذه يومين خلقها في يومين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها هذه ثلاثة أمور في أربعة أيام مع اليومين السابقين بمعنى اليومان السابقان واليومين في الأمور الثلاثة ولهذا قال : سواء للسائلين سواء يعني لا تزيد كم هذه ؟ أربعة أيام خلق الأرض في يومين جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في يومين فالجميع في أربعة أيام ولا بأس أن نستطرد على هذه الآية لأنها مهمة قال : جعل فيها رواسي من فوقها ولم يقل في وسطها أو من تحتها لأن هذه الرواسي التي جعلت من فوق لها مصلحة عظيمة أن كانت فوق الأرض لأنها أضبط للتوازن ولما يحصل من هذه الجبال العظيمة من كهوفها ومغاراتها وغير ذلك من المصالح العظيمة، الشعاب العظيمة التي تملأ الرياض من أين تأتي ؟ من الجبال لأن الأراضي المنبسطة ما تأتي منها الأودية ولذلك تجد الأودية التي فيها الجبال الشامخة تجدها أقوى انتفاعا وأعظم كذلك أيضا هذه الجبال العظيمة من فوق الأرض تصد الرياح العظيمة العاتية التي تأتي من هنا وهناك ففيها مصالح يعرفها أهل الجغرافيا حيث قال : وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها أنزل الله فيها البركة ولهذا تحمل بني آدم وأنعام بني آدم وأرزاق بني آدم على كثرة من يولد ويموت في هذه الأرض هي مباركة لها قدر فيها أقواتها جعل في كل إقليم قوته الذي يحتاج إليه وجعل هذه الأقوات توجد في إقليم دون إقليم وفي بلد دون بلد ليتبادل الناس التجارة فيما بينهم فينقل هؤلاء إلى هؤلاء وهؤلاء إلى هؤلاء ولهذا قال : قدر فيها أقواتها وقبلها قال : وجعل فيها رواسي لأن الأقوات مقدرة بحسب الحاجة وبحسب المصلحة التي تقوم بين بني آدم في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء بعد أن خلق الأرض وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام استوى إلى السماء وهي دخان أي كالدخان قال بعض العلماء : إن هذا بخار الماء لأن الأرض والسماء كانت ماء كما قال تعالى : وكان عرشه على الماء استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين انظر الحكمة العظيمة السماوات ما فصل فيها كما فصل في الأرض ولا مدّد خلقها كما مدّد خلق الأرض مع أنها أعظم من الأرض بأضعاف مضاعفة لكن ليتبين للناس عناية الله سبحانه وتعالى بما يباشرهم من المصالح والناس أين هم في السماء أم في الأرض ؟ في الأرض فانظر عناية الله ثم ليتبين لك أن كون الله خلق السماوات والأرض في أربعة أيام والسماء في يومين ليس عجزا منه أين يخلق الأرض بلحظة ولذلك خلق السماوات وهي أعظم منها في يومين نصف مدة الأرض فإذا تمديد الله خلق الأرض إلى أربعة أيام ليس لعجز أو لضعف لكن لحكمة بدليل أنه خلق السماء وهي أعظم منها بمدة أقصر من خلق الأرض ومع ذلك : قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها هذا يحتمل أنه للتهديد أو للتخيير لينظر عز وجل كيف انقياد السماوات والأرض إليه ماذا قالتا ؟ أتينا طائعين وهنا قال أتينا طائعين مع أن السماء والأرض جماد والجماد لا يجمع جمع مذكر سالم لأن شرط جمع المذكر السالم كما عرفتم في الألفية أن يكون اسما أو صفة لمذكر عاقل فكيف قال أتينا طائعين قال بعض المفسرين قولا عجيبا قال : قالتا أتينا بمن فينا والذي فيهما إنس وجن وملائكة طائعين فغلب العاقل على غير العاقل والصواب خلاف ذلك لأن الناس لم يخلقوا بعد حين خلق السماوات والأرض لكن المعنى أنهما لما كانا يخاطَبان ويخاطِبان صارا بمنزلة العاقل فقال أتينا طائعين وهذا أمر لا شك فيه.
الخلاصة أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ذكر مجملا وذكر ذلك مفصلا ولو شاء لخلقهما بلحظة كن فيكون قال للقلم اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة والقلم جماد ومع ذلك كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة لأن أمر الله لا يرد لو قال للسماء والأرض كونا أرضا كونا سماء كانتا بلحظة لكن قال العلماء : إن الله عز وجل مدد الخلق إلى ستة أيام تعليما للعباد إذا فعلوا أن يفعلوا على وجه الجودة والتأني وإتقان الشيء دون التسرع والتعجل هذه من جهة من جهة أخرى أن الله حكيم الخلق يحتاج إلى تدرج فكانت الحكمة تقتضي أن يخلقهما بالتدرج حتى يصل إلى الكمال كما أن النخل يبذر ثم تنمو شيئا فشيئا حتى تصل إلى الكمال وأيا قلنا من التعليل هذا أو هذا فما هو إلا تعليل ظني وإلا فلله من الحكم والأسرار وراء عقولنا لأن جعل الخلق في ستة أيام دون أن يكون في لحظة يعني لنا أن نقول خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها بلحظة لأمر لا نعلمه ونقول بذلك صادقين أو غير صادقين ؟ صادقين ونكون بذلك عاجزين أو قادرين ؟ عاجزين عن الحكمة قادرين على الجواب نعم نحن عاجزون عن إدراك الحكمة لكننا قادرون على الجواب أن نقول الله أعلم. فإن استنبطنا حكمة وكانت هي الموافقة فهذا من لطف الله بنا وفتحه علينا وإن لم تكن فنسأل الله أن يعفو عن خطئنا طيب صار خلق السماوات والأرض ابتداء من غير وجود سابق هو بيد الله عز وجل وقوله سبحانه وتعالى بالحق عرفتم معناه.

Webiste