تم نسخ النصتم نسخ العنوان
حدثنا هناد بن السري حدثنا بن المبارك عن عكرم... - ابن عثيمينالقارئ : حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال : سمعت ابن عباس، يقول : حدثني عمر بن الخطاب، قال :  لما كان يو...
العالم
طريقة البحث
حدثنا هناد بن السري حدثنا بن المبارك عن عكرمة بن عمار حدثني سماك الحنفي قال سمعت بن عباس يقول حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له حدثنا عمر بن يونس الحنفي حدثنا عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل هو سماك الحنفي حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله بالملائكة قال أبو زميل فحدثني بن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين قال أبو زميل قال بن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا بن الخطاب قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله عز وجل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنيمة لهم
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي، قال : سمعت ابن عباس، يقول : حدثني عمر بن الخطاب، قال : لما كان يوم بدر ، ح وحدثنا زهير بن حرب، واللفظ له، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو زميل هو سماك الحنفي، حدثني عبد الله بن عباس، قال : حدثني عمر بن الخطاب، قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ، فما زال يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين . فأمده الله بالملائكة ، قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس، قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه، كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة ، فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين ، قال أبو زميل، قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ فقال أبو بكر : يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ . قلت : لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيبا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت : يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . إلى قوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا . فأحل الله الغنيمة لهم .

الشيخ : هذا الحديث فيه الإمداد بالملائكة، والملائكة عالمٌ غيبي، خلقهم الله من نور، لم يركّب فيهم شهوة المخالفة، بل هم سمّاعون لله عز وجل مطيعون له، أعطاهم الله تعالى تمام الانقياد، وقوة التنفيذ، كما قال الله تعالى في الملائكة الموكلين بالنار : لا يعصون الله ما أمَرَهُم . والثاني : ويفعلون ما يؤمرون . فلا يعصون الله ما أمرهم : هذا تمام الانقياد، ويفعلون ما يؤمرون : قوة التنفيذ، لأن الخلاف قد يكون للعجز، وقد يكون للمعاندة، والملائكة عليهم الصلاة والسلام ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء.
وهم أنواع، من جهة أعمالهم ووظائفهم أنواع كثيرة وهم عدد لا يُحصيهم إلا الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أطّت السماء، وُحق لها أن تئط ، يعني أنها جديرة بالأطيط. والأطيطر: هو صريع الرحل، رحل لبعير إذا شُدّ عليه شيء ثقيل فتجده يصرصر. حُقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أصابع إلا فيه ملكٌ قائم لله راكعٌ أو ساجد ، مع سعَتها، وعظَمها، وهذا يدل على كثرة الملائكة .
ويدل لهاذا أيضاً أن البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، سبحان الله!
هؤلاء الملائكة ملائكة رحمة، ليس فيهم ضرر على أحد، وهم أقوياء في أفعالهم، بخلاف الجن عالَمٌ غيبي لكنهم مخلوقون من النار، ولذلك كان فيهم الضرر أكثر، ولكن الملائكة أقوى منهم. لما قال عفريت من الجن لسليمان عليه السلام : أنا آتيك به قبل ان تقوم من مقامك وإني عليه لقويٌ أمين * قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرْفُك بلحظة حملته الملائكة بدعاء هذا الرجل فأتت به، بلحظة قال : فلمّا رآه مستقراً عنده قوله مستقرّاً : هذه ليست مستقراً التي يُقدرها النحويون، يقدر النحويون مثلاً : كان زيد في البيت أي : مستقراً، ويمنعون أن يخرج هذا المتعلّق، لا بد أن يكون محذوفاً، لكن الذي في الآية ليس الاستقرار العام، بل الاستقرار خاص ، يعني وجد أنه مُثبَت منذ زمن مستقر تام.
المهم أن الملائكة عليهم السلام، عالمٌ غبي، لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يحتاجون لذلك، لأن ليس لهم أجواف كما قال السلف رحمهم الله.
في بدر كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قليلين، ثلاثمئة وتسعة عشر رجلاً أو نحو ذلك، وقريش كانوا ما بين التسعمئة والألف، وفي هذا الحديث أنهم كانوا ألفاً، ومعلوم أن قريشاً أتوا بحدّهم، وحديدهم، وكانوا كما قال الله عز وجل عنهم : خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، بقوتهم، حدّهم وحديهم وأشرافهم، والمسلون بالنسبة لهم قليلون، أذلّة، لأنهم لم يخرجوا لقتال، وإنما خرجوا للعير، ولكن الله جمع بينهم وبين عدوّهم بغير ميعاد، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه، ويتوسّل إليه، بأنواع الوسائل. فلننظر:
يقول : فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فهذا من التوسل، أعني استقبال القبلة في الدعاء من أسباب إجابة الدعاء، إلا إذا كان استدبار القبلة أليَق، كدعاء الخطيب في خطبة الجمعة، فإنه لا يلتفت إلى القبلة، وإنما يكون وجهه إلى الناس، لأن مصلحة هذا تربوا على مصلحة استقبال القبلة.
ومنها أيضا أنه مدّ يديه إلى الله عز وجل، ومد اليدين إلى الله تدلّ على استعطاف الداعي، وأنه مد يد فقير إلى غني عز وجل، وهو من أسباب استجابة الدعاء، كما جاء في الحديث : إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع غليه يديه أن يردهما صفرا ، وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجل يطيل السّفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب.
ولكن هل يمدّ يديه في كل دعاء ؟ .
هذه المسألة نقول الجواب : ما ورد رفع اليدين فيه فلا إشكال في سنية الرفع فيه مثل : الاستسقاء في الخطبة، ومثل رفع اليدين عند الوقوف بعرفة، رفع اليدين عند الوقوف على الصفا وعلى المروة، وأشياء كثيرة، هذا لا شك في أن رفع اليدين فيه ثابت بعينه.
الثاني : ما ثبت فيه عدم الرفع : كالدعاء في الصلاة ، فإن المصلي يدعو بين السجدتين، ويدعو في الاستفتاح، ويدعو في الفاتحة أيضاً، ولا يرفع يديه، إنما يرفع يديه في الصلاة خاصة في القنوت فقط، هذه نقول لمن رفع يديه وهو جالسبين السجدتين، أو رفع يديه وهو يتلو التشهد فنقول هذا بدعة ويُنهى عنه.
كذلك رفع اليدين في حال الخطبة في غير ما ورد به النص، وهو الاستسقاء، والاستصحاء، فلو رفع الخطيب يديه أنكرنا عليه، كما أنكر الصحابة رضي الله عنهم على أحد أمراء بني أمية، حين رفع يديه في الخطبة في غير ما ورد به النص، هذا نقول رفع اليدين فيه بدعة يُنهى عنها.
ما عدا ذلك هل نقول إن الأصل هو الرفع، لأن ذلك من آداب الدعاء، أو نقول إنه لا يرفع إلا في مقام الابتهال والإلحاح، يعني شدة الدعاء ، أما الدعاء العادي فإنه لا تُرفع فيه الأيدي، هذا محل احتمال أن نقول لا رفع إلا في الدعاء الذي فيه ابتهال إلى الله تعالى وإلحاح.
أما الدعاء العادي مثل أن أقول : غفر الله لي ولك، أو يقف الإنسان عند قبر الميت بعد الدفن ويقول : اللهم اغفر له اللهم ثبته ، وأمثلة ذلك كثيرة، نقول مادام ليس فيه ابتهال وشدة في الدعاء فلا ترفع . فهاذان احتمالان :
الأول : أن الأصل الرفع في الدعاء ، وأنه من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة.
والثاني : أن الرفع إنما يكون عند الإلحاح الإبتهال .
وفيه أيضاً الإلحاح بالدعاء بالتكرار سواء كان بنفس اللفظ أو كان بمرادفه، لقوله : اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني . فآتي وأنجز : مترادفان، ويجوز أيضا أن تكرر بنفس اللفظ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي اللهم اغفر لي، ويكرر بنفس اللفظ.
وفيه أيضا أن من الوسائل ذكر الحال التي يقتضي العطف، لقوله : اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض ، فإن هذا توسّل بالحال التي يقتضي العطف والرحمة .
وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن التوسل في الدعاء يكون بأمور :
أولاً : التوسل إلى الله تعالى بأسمائه. كأن تقول : اللهم يا غفور اغفر لي، ويدل لهذا قول الله تعالى : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، ويكون هنا الاسم المتوسل به مطابقاً للحاجة، إذا كنت ترد أن تسأل المغفرة ماذا تقول ؟ يا غفور. تريد أن تسأل الرحمة تقول يا رحيم، الرزق يا رزّاق، وما أشبه ذلك.
الثاني : التوسل على الله تعالى بصفاته، ليس بالاسم بل بالصّفة، كقوله صلى الله عليه وسلم : الله بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني ما علمت الوفاة خيراً لي ، هذا توسل بصفة العلم. ومنه دعاء الاستخارة : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، إلى آخره.
الثالث التوسل إلى الله تعالى بحال العبد، مثل أن تقول : اللهم إني فقير محتاج، ومنه قول موسى : ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير ، وقد اجتمعت الثلاثة في الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في قوله : اللهم إن ظلمت نفسي ظُلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .
التوسل إلى الله بحاجة الداعي في الحديث : اللهم إن ظلمت نفسي ظُلماً كثيرا .
التوسل إلى الله بصفته : ولا يغفر الذنوب إلا أنت .
التوسل بالاسم : إنك أنت الغفور الرحيم .
الرابع : التوسل إلى الله تبارك وتعالى بصالح الأعمال، على رأسها الإيمان، ثم الأعمال، أعمال الجوارح ، دليل ذلك قوله تعالى عن أولي الألباب : ربّنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا أي بسبب إيماننا اغفر لنا، فهذا توسل بالإيمان . والتوسل بالعمل الصالح مثل توسل أصحاب الغار الثلاثة، الذين دخلوا غاراً فانطبقت عليهم صخرة، لم يستطيعوا زحزحتها، فتوسل كل واحد منهم بصالح عمله، وإخلاصه، أحدهم توسل بالبر التام، والثاني بالعفة التامة، والثالث بالأمانة التامة، وكل واحد منهم يقول : اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرُج عنا ما نحن فيه .
الخامس التوسل إلى الله تبارك تعالى بدعاء الرجل الصالح ، لا بذاته أو جاهه، ولكن بدعائه، وهذا كثير، فما أكثر الذين يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بالاستسقاء، والجمعة الثانية بالاستصحاء .
أما التوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز، وهو من الشرك، لكنه ليس شركاً أكبر بل هو أصغر.
ووجه ذلك : أن من توسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد توسل بشيء لم يثبت أنه وسيلة، وكل شيء يجعله الإنسان سبباً، ولم يثبت في الشرع أنه سبب فهو نوع من الشرك، فالتمائم مثلا التي تعلق خوفاً من العين فهذه ليست سببا شرعيا، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها سبب شرعي ولذلك كانت من الشرك.
ووجهه أن هذا الذي فعلها يعتقد أنها نافعة، فجعل فيها نفعاً بدون علم، فكأنه خالقٌ لها لتكون سبباً، هذا وجه كونها من الشرك.
أيضا جاه النبي صلى الله عليه وسلم هل ينفعك أنت ؟ . لا، ليس من عملك، ولا من كسبك، وإنما ينفع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا لم يرد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتوسلون بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
من فوائد هذا الحديث : قتال الملائكة مع المسلمين، قتال حسّي محسوس، بدليل قصة الرجل الذي رأى رجُلاً من المشركين يشتد، وسمع صوتاً يقول : أقدم حيزوم، فقتله من عند وجهه حتى سقط على ظهره، ولم يرَ أحداً، ولكن الذي قتله من الملائكة، فهل يُعد معجزة ، آية رسول أو كرامة.
إذا كان ذلك في غزو فيه الرسول عليه الصلاة والسلام فهو آية بلا شك ، لأن القائد هو النبي عليه الصلاة والسلام ونُصر بالملائكة. وإن كان بعده فهو كرامة، أو في عهده ولكن لم يكن مع الغزو، ولكن يجب علينا أن نعلم أن كلَّ كرامة لولي فإنها آية لمن اتبعه، لأنها شهادة من الله أن هذا الولي على حق .
ومنها الفائدة العظيمة : وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد اجتهادات، ويكون الصواب على خلافه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه، أبو بكر كان ليّناً رضي الله عنه، وذكر حُجّته، وعمر كان شديداّ. فلننظر يقول ، اقرأ الموضع هذا .
القارئ : قال أبو زميل : قال ابن عباس : فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟. .

الشيخ : في هذا دليل على خصوصيّة الصحبة، صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنهما عنده بمنزلة ذوي الرأي الرشيد الذي يشاورهما في هذا الأمر العظيم، وإلا ففي الصحابة أناسٌ كثيرون أهلٌ للمشورة.
القارئ : فقال أبو بكر : يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام .

الشيخ : ذكر ثلاثة أشياء : أولا قرابتهم، أنهم بنوا العم والعشيرة، لأنهم كلهم من قريش، والثاني : أن الفداء الذي يؤخَذ يتقوون به على الكفار، يأخذونه من هؤلاء وربما يقاتلونهم به.
والثالث : أنهم إذا أُسروا، ورأوا الإسلام وسماحته، وأهل الإسلام وأخلاقهم، فإنهم ربما أسلموا. إذا قُتلوا لم يكن واحدٌ من هذه الثلاثة، فهذه مرجّحات رأي أبي بكر رضي الله عنه.
القارئ : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ، قلت : لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان نسيبا لعمر فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها .

الشيخ : نسيبا أب : قريبا منه .
عمر رضي الله عنه هذا الرأي : أن يُقتَلوا، وأن يكون القاتل لهم أقرب الناس إليهم، علي يقتل عقيل، ونسبة عقيل له : أخوه، يضرب عنقه، وعمر يقول : مكنّي من فلان كان نسيباً له فأضرب عنقه، والفرق بين الوجهتين متباعد جداً، لكن وجهة عمر : أن هؤلاء صناديد الكفر، وأشراف قريش، وأنه يجب أن نذلّهم أقوى ذل، ونهينهم أقوى إهانة.
القتل، ليكون لنا عزّاً معنوياً، هذا رأي عمر ، وفي هذه القصة دليل عظيم على الفرق بين خُلق عمر وخلق أبي بكر رضي الله عنهما، عمر كان شديداً وأبو بكر العكس.
وفيه دليل على جواز معارضة الأفضل، إذا كان المعرض يرى أن الحق معه ، وأنه لا تجوز المداهنة في الحق، فهاهما الرجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، كلاهما موضع استشارة، وكل واحد منهم أتى بالرأي الذي رأى أنه خير. لم يقل عمر : أبو بكر أخص برسول الله صلى الله عليه وسلم مني فلا أتكلم، أو لا أخالفهم، لأن أبا بكر بدأ برأيه أولا .
القارئ : فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت .

الشيخ : يعني : مال إلى قول أبي بكر ، وهو أخذ الفداء وإطلاقهم.
القارئ : فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . إلى قوله : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا . فأحل الله الغنيمة لهم .

الشيخ : الحمد لله ، الآية الكريمة قال الله عز وجل : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ يعني : حتى يقتل، ويكون له الهيبة، قبل أن يكن له أسرى يأخذ الفداء منهم، وهذه الآية تدل على رُجحان رأي عمر رضي الله عنه، ولذلك جعل النبي صلى الله ليه وسلم وأبو بكر يبكيان، لأنهما خالفا الصواب في هذا .
ولكن هل يؤاخذان عليه ؟ . الجواب : لا ، بلا شك، لأنه لم تنزل آية في بيان الحكم، إلا أنهما من شدة الورع صارا يبكيان لعدم توفيقهما للصواب .
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تريدون عرَض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيزٌ حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيم الكتاب الذي سبق هو أن الله تعالى سَيُبْقي هذه الرسالة، وسيكون النصر لها أخيراً، فكانت حكمة الله تقتضي أن يبقى المسلمون على ما هم عليه حتى ينتصروا بوجه آخر، ولهذا قال : فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ، فأحلّ الله الغنيمة لهم.

Webiste