هذان الحديثان ، حديث أبي هريرة وأبي سعيد ، وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين : فيها دليل ، بل فيهما دليل على أن الإنسان يكفر عنه بما يصيبه مِن الهم والنَصَب والغم وغير ذلك ، وهذا مِن نعمة الله سبحانه وتعالى ، يبتلي سبحانه وتعالى عبده بالمصائب ، وتكون تكفيرا لسيئاته ، وحطا لذنوبه ، والإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يبقى مسرورا دائما ، بل هو يومٌ يسر ويوم يحزن ، ويوم يأتيه شيء ويوم لا يأتيه ، فهو مصاب بمصائب في نفسه ، ومصائب في بدنه ، ومصائب في مجتمعه ، ومصائب في أهله ، ولا تحصى المصائب التي تصيب الإنسان ، ولكن : "المؤمن أمره كله له خير ، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له" ، فإذا أُصبت بالمصيبة فلا تظن أن هذا الهم الذي يأتيك أو هذا الألم الذي يأتيك ، ولو كان شوكة لا تظنَّ أنه يذهب سُدى ، بل ستعوض عنه خيرا منه ، ستُحط عنك الذنوب كما تحط الشجرة ورقها ، وهذا من نعمة الله وإذا زاد الإنسان على ذلك الصبر والاحتساب ، يعني احتساب الأجر كان له مع هذا أجر ، فالمصائب تكون على وجهين : تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر ، واحتسب هذه المصيبة على الله ، فيكون فيها فائدتان : تكفير الذنوب ، وزيادة الحسنات ، وتارة يغفل عن هذا : يضيق صدره ، يصيبه أصبعه جرح أو ما أشبه ذلك ، ويغفل عن نية الاحتساب ، احتساب الأجر والثواب على الله ، فيكون في ذلك تكفير لسيئاته .
إذًا هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه ، رابح بكل حال ، فإما أن يربح تكفير السيئات وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر ، لأنه لم ينو شيئا ولم يحتسب الأجر ، وإما أن يربح شيئين : تكفير السيئات ، وحصول الثواب من الله عز وجل .
لهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة تبطه فليتذكر الاحتساب ، احتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى على هذه المصيبة حتى يؤجر عليها مع تكفيرها للذنوب ، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى وجوده وكرمه ، الذي يبتلي المؤمن ثم يثيبه على هذه البلوى أو يكفر عنه سيئاته ، فالحمد لله رب العالمين ، سبحان الله سبحان الله .