شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين . قال الله تعالى (( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )) ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل ضعفاء المسلمين وفقرائهم والخاملين منهم " :
المراد بهذا الباب : تسلية مَن قدّر الله عليه أن يكون ضعيفاً في بدنه، أو ضعيفاً في عقله، أو ضعيفاً في ماله، أو ضعيفاً في جاهه، أو غير ذلك مما يعدّه الناس ضعفاً ، فإن الله سبحانه وتعالى قد يجعل الإنسان ضعيفاً من وجه لكنه قوي عند الله عز وجل، يحبه الله ويُكرمه ، وينزله المنازل العالية ، وهذا هو المهم ، المهم أن تكون قوياً عند الله عز وجل، وجيهاً عنده، ذا شرف يكرمك الله به .
ثم ذكر قول الله تعالى مُخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوة وَالْعَشِيّ : اصبر نفسك أي: احبسها مع هؤلاء القوم الذين يدعون الله بالغداة : أول النهار ، والعشي: آخر النهار ، والمراد بالدعاء هنا: دعاء المسألة ، ودعاء العبادة.
فإن دعاء المسألة دعاء ، كقوله تعالى في الحديث القدسي : مَن يدعوني فأستجيب له ، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .
ودعاء عبادة، وهو أن يتعبد الإنسان لربه بما شرعه ، لأن العابد يدعو بلسان الحال، ولسان المقال، فالصلاة مثلاً عبادة تشتمل على قراءة القرآن، وذكر الله، وتسبيحه، ودعائه أيضاً، والصوم عبادة وإن كان في جوهره ليس فيه دعاء، لكن الإنسان لم يَصُم إلا رجاء ثواب الله، وخوف عقاب الله، فهو دعاء بلسان الحال .
وقد تكون العبادة دعاءً محضاً يدعو الإنسان ربه بدعاء فيكون عابداً له، وإن كان مجرد دعاء، لأن الدعاء يعني افتقار الإنسان إلى الله، وإحسان ظنه به، ورجاءه، والخوف من عقابه .
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ معنى يدعون يعني : يسألونه حاجاتهم، ويعبدونه ، لأن العابد كما قلت : داعٍ بلسان الحال، بالغداة: أول النهار، والعشي: آخر النهار، ولعل المراد بذلك: يدعون ربهم دائماً، لكنهم يخصون الغداة والعشي بدعائه الخاص، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ : يعني لا يريدون عرضاً من الدنيا، إنما يريدون وجه الله عز وجل .
وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ : يعني لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم ، بل كن دائماً ناظراً إليهم، معهم في دعائهم وعبادتهم وغير ذلك ، وهذا كقوله تعالى : وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، هنا قال : وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ يعني: اجعل عيناك دائماً فيهم ، وهنا قال : وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا : لا تنظر إلى أهل الدنيا وما متعوا به من النعيم، من المراكب، والملابس، والمساكن، وغير ذلك، كل هذا زهرة الدنيا، والزهرة آخر مآلها الذبول واليبس والزوال، وهي أسرع أوراق الشجرة ذبولاً وزوالاً، ولهذا قال : زهرة، وهي زهرة حسنة في رونقها وجمالها وريحها إن كانت ذات ريح ، لكنها سريعة الذبول، وهكذا الدنيا، زهرة تذبل سريعاً، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم حظاً ونصيباً في الآخرة.
يقول : لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى : رزق الله بماذا ؟ بالطاعة، كما قال تعالى : لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة : اللهم صل وسلم عليه ، كلمتان عظيمتان، الإنسان إذا نظر إلى الدنيا ربما تعجبه فيلهو عن طاعة الله، فيقول : لبيك ، يعني أجبتك إلى طاعتك ولم تهمني الدنيا ، ثم يوطن نفسه ويرغبها بشيء أحسن من نعيم الدنيا فيقول : إن العيش عيش الآخرة ، لبيك إن العيش عيش الآخرة ، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، عيش الدنيا مهما كان زائل، ومهما كان فإنه محفوف بالحزن، ومحفوف بالآفات، ومحفوف بالنقص، وكما يقول الشاعر في شعره الحكيم:
" لا طِيب للعيش ما دامت مُنغصةً *** لذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ " .
العيش مآله إحدى أمرين، بل العيش مآله أحد أمرين:
إما الهرم حتى يعود الإنسان إلى سن الطفولة، والضعف البدني مع الضعف العقلي، ويكون عالة حتى على أهله، حتى أهله يملونه .
وإما الموت، فكيف يطيب العيش للإنسان ؟ العاقل لولا أنه يُؤمل ما في الآخرة وما يرجوه من ثواب الآخرة، لكانت حياته عبثاً.
على كل حال أمر أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يَصبِر نفسه مع هؤلاء الذين يدعون الله بالغداة والعشي يريدون وجهه .
والآية كما ترون ليس فيها أمر بالضعفاء خاصة، وإن كان سبب النزول هكذا، لكن العبرة بالعموم ، الذين يدعون الله ويعبدونه سواء كانوا ضعفاء أم أغنياء، كن معهم دائماً .
لكن الغالب أن الملأ والأشراف يكونون أبعد عن الدين من الضعفاء والمستضعفين ، ولهذا تجدون الذين يكذبون الرسل مَن ؟ الملأ ، قال الملأ في قوم صالح : قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم مع أهل الحق ودعاة الحق وأنصاره إنه جواد كريم .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أَلا أُخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مُتضعَّف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أُخبركم بأهل النار، كُل عُتلٍ جواظ مُستكبِر ، متفق عليه .
العُتل : الغليظ الجافي ، والجوّاظ : بفتح الجيم وتشديد الواو ، وبالظاء المعجمة وهو : الجَموع الـمَنوع ، وقيل : الضخم المختال في مِشيته ، وقيل القصير البطين " .
قال -رحمه الله تعالى- : " باب فضل ضعفاء المسلمين وفقرائهم والخاملين منهم " :
المراد بهذا الباب : تسلية مَن قدّر الله عليه أن يكون ضعيفاً في بدنه، أو ضعيفاً في عقله، أو ضعيفاً في ماله، أو ضعيفاً في جاهه، أو غير ذلك مما يعدّه الناس ضعفاً ، فإن الله سبحانه وتعالى قد يجعل الإنسان ضعيفاً من وجه لكنه قوي عند الله عز وجل، يحبه الله ويُكرمه ، وينزله المنازل العالية ، وهذا هو المهم ، المهم أن تكون قوياً عند الله عز وجل، وجيهاً عنده، ذا شرف يكرمك الله به .
ثم ذكر قول الله تعالى مُخاطباً نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَوة وَالْعَشِيّ : اصبر نفسك أي: احبسها مع هؤلاء القوم الذين يدعون الله بالغداة : أول النهار ، والعشي: آخر النهار ، والمراد بالدعاء هنا: دعاء المسألة ، ودعاء العبادة.
فإن دعاء المسألة دعاء ، كقوله تعالى في الحديث القدسي : مَن يدعوني فأستجيب له ، وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .
ودعاء عبادة، وهو أن يتعبد الإنسان لربه بما شرعه ، لأن العابد يدعو بلسان الحال، ولسان المقال، فالصلاة مثلاً عبادة تشتمل على قراءة القرآن، وذكر الله، وتسبيحه، ودعائه أيضاً، والصوم عبادة وإن كان في جوهره ليس فيه دعاء، لكن الإنسان لم يَصُم إلا رجاء ثواب الله، وخوف عقاب الله، فهو دعاء بلسان الحال .
وقد تكون العبادة دعاءً محضاً يدعو الإنسان ربه بدعاء فيكون عابداً له، وإن كان مجرد دعاء، لأن الدعاء يعني افتقار الإنسان إلى الله، وإحسان ظنه به، ورجاءه، والخوف من عقابه .
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ معنى يدعون يعني : يسألونه حاجاتهم، ويعبدونه ، لأن العابد كما قلت : داعٍ بلسان الحال، بالغداة: أول النهار، والعشي: آخر النهار، ولعل المراد بذلك: يدعون ربهم دائماً، لكنهم يخصون الغداة والعشي بدعائه الخاص، يُرِيدُونَ وَجْهَهُ : يعني لا يريدون عرضاً من الدنيا، إنما يريدون وجه الله عز وجل .
وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ : يعني لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم ، بل كن دائماً ناظراً إليهم، معهم في دعائهم وعبادتهم وغير ذلك ، وهذا كقوله تعالى : وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، هنا قال : وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ يعني: اجعل عيناك دائماً فيهم ، وهنا قال : وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا : لا تنظر إلى أهل الدنيا وما متعوا به من النعيم، من المراكب، والملابس، والمساكن، وغير ذلك، كل هذا زهرة الدنيا، والزهرة آخر مآلها الذبول واليبس والزوال، وهي أسرع أوراق الشجرة ذبولاً وزوالاً، ولهذا قال : زهرة، وهي زهرة حسنة في رونقها وجمالها وريحها إن كانت ذات ريح ، لكنها سريعة الذبول، وهكذا الدنيا، زهرة تذبل سريعاً، نسأل الله أن يجعل لنا ولكم حظاً ونصيباً في الآخرة.
يقول : لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى : رزق الله بماذا ؟ بالطاعة، كما قال تعالى : لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ ، وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى شيئاً يعجبه من الدنيا قال: لبيك إن العيش عيش الآخرة : اللهم صل وسلم عليه ، كلمتان عظيمتان، الإنسان إذا نظر إلى الدنيا ربما تعجبه فيلهو عن طاعة الله، فيقول : لبيك ، يعني أجبتك إلى طاعتك ولم تهمني الدنيا ، ثم يوطن نفسه ويرغبها بشيء أحسن من نعيم الدنيا فيقول : إن العيش عيش الآخرة ، لبيك إن العيش عيش الآخرة ، وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، عيش الدنيا مهما كان زائل، ومهما كان فإنه محفوف بالحزن، ومحفوف بالآفات، ومحفوف بالنقص، وكما يقول الشاعر في شعره الحكيم:
" لا طِيب للعيش ما دامت مُنغصةً *** لذاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ " .
العيش مآله إحدى أمرين، بل العيش مآله أحد أمرين:
إما الهرم حتى يعود الإنسان إلى سن الطفولة، والضعف البدني مع الضعف العقلي، ويكون عالة حتى على أهله، حتى أهله يملونه .
وإما الموت، فكيف يطيب العيش للإنسان ؟ العاقل لولا أنه يُؤمل ما في الآخرة وما يرجوه من ثواب الآخرة، لكانت حياته عبثاً.
على كل حال أمر أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يَصبِر نفسه مع هؤلاء الذين يدعون الله بالغداة والعشي يريدون وجهه .
والآية كما ترون ليس فيها أمر بالضعفاء خاصة، وإن كان سبب النزول هكذا، لكن العبرة بالعموم ، الذين يدعون الله ويعبدونه سواء كانوا ضعفاء أم أغنياء، كن معهم دائماً .
لكن الغالب أن الملأ والأشراف يكونون أبعد عن الدين من الضعفاء والمستضعفين ، ولهذا تجدون الذين يكذبون الرسل مَن ؟ الملأ ، قال الملأ في قوم صالح : قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ ، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم مع أهل الحق ودعاة الحق وأنصاره إنه جواد كريم .
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أَلا أُخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مُتضعَّف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أُخبركم بأهل النار، كُل عُتلٍ جواظ مُستكبِر ، متفق عليه .
العُتل : الغليظ الجافي ، والجوّاظ : بفتح الجيم وتشديد الواو ، وبالظاء المعجمة وهو : الجَموع الـمَنوع ، وقيل : الضخم المختال في مِشيته ، وقيل القصير البطين " .
الفتاوى المشابهة
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين
- تفسير الآية الكريمة:ـ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ... - الفوزان
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- باب فضل حلق الذكر: قال الله تعالى: (( واصبر... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين