شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن ابن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ) متفق عليه . عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) رواه مسلم . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أحمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا ) متفق عليه .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الخوف والتحذير من الأمن مِن مكر الله :
قال فيما نقله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلُها .
قوله رضي الله عنه: " حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الصادق المصدوق " : يعني الصادق فيما يقول، والمصدوق، فيما يوحى إليه من الوحي، فيما يقال له من الوحي، فهو صادق لا يُخبر إلا بالصدق، مصدوق لا يُنبأ إلا بالصدق صلوات الله وسلامه عليه.
وإنما قدم هذه المقدمة، لأنه سيخبر عن أمر غيبي باطن في ظلمات ثلاث: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة : إذا جامع الرجل امرأته، وألقى فيها الماء في رحمها بقي أربعين يوماً وهو نطفة على ما هو عليه، ماء، لكنه يتغير شيئاً فشيئاً، يميل إلى الحمرة، حتى يتم عليه أربعون يوماً.
فإذا تمَّ عليه أربعون يوماً، إذا هو قد استكمل الحُمرة وصار قطعة دم علقة، فيمضي عليه أربعون يوماً أخرى وهو علقة، يعني قِطعة دم، لكنها جامدة، ولكنه يثخن ويغلظ شيئاً فشيئاً، حتى يتم له ثمانون يوماً.
فإذا تمَّ له ثمانون يوماً فإذا هو مضغة، قطعة لحم، هذه المضغة قال الله تعالى فيها: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فتبقى أربعين يوماً، تُخلق من واحد وثمانين يوماً إلى مائة وعشرين يوماً، ولا يتبين فيها الخلق تبيناً ظاهراً إلا إذا تم لها تسعون يوماً في الغالب.
فإذا مضى عليها أربعون يوماً وهي مضغة، أرسل الله إليها ملك ، الملك الموكل بالأرحام، لأن الله عز وجل قال: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ : الملائكة جنود لله عز وجل، كلٌ موكل بشيء، الموكل بالأرحام، والموكل بالنفوس يقبضها، والموكل بالأعمال يكتبها، والموكل بالأبدان يحفظها، وظائف عظيمة للملائكة، أمرهم الله عز وجل بها.
ملك الأرحام يأتي إلى كل رحم، فينفخ فيه الروح بإذن الله عز وجل، هذه الروح أمر لا يعلمه إلا رب العالمين، قال الله تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً : ينفخها في البدن، قطعة لحم في الرحم، قطعة لحم ماء، ليس بها حراك ولا إحساس ولا شيء، فإذا نفخ هذه الروح دخلت فيه ، في هذا البدن، تسير فيه كما تسير الجمرة في الفحمة بإذن الله، أو الطين في المدر اليابس، تدب في هذا الجسد حتى تدخل في الجسد كله، فيكون إنساناً، ويتحرك، وتحس الأم بتحركه بعد مائة وعشرين يوماً، وحينئذ يكون إنساناً، ولا قَبل ليس بشيء، قبل لو طاح الجنين قبل تمام مائة وعشرين يوماً، فليس له حكم مِن جهة الصلاة عليه، يؤخذ ويدفن في أي حفرة من الأرض، ولا يُصلى عليه، ولا شيء.
إذا تم مائةً وعشرين يوماً، يعني أربعة أشهر، حينئذ صار إنساناً، إذا سقط بعد ذلك، فإنه يُغسل، ويُكفن، ويصلى عليه، لو كان كبر اليد، يُصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين إن كان مسلماً.
وإن كان من أولاد النصارى، يعني أمه وأبوه نصراني كلهم نصراني فهو ما يدفن في مقابر المسلمين، يُخرج برا ويدفن بدون تغسيل ولا تكفين، لأنه وإن كان طفلاً فإن الرسول سئل عن أولاد المشركين فقال : هم منهم .
المهم أنه إذا تم له أربعة أشهر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويسمى، يسمى لأنه يبعث يوم القيامة، ويعق عنه على الأرجح ليشفع لوالديه يوم القيامة .
قال النبي عليه الصلاة والسلام : ويؤمر الملك بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد :
كتب الرزق : يعني هل هو قليل، أو كثير؟ ومتى يأتيه؟ وهل ينتقص أو لا ينتقص؟ المهم يكتب كاملاً .
يكتب أيضاً أجله : في أي يوم؟ في أي مكان؟ في أي ساعة؟ في أي لحظة؟ عن بُعد عن قُرب؟ يكتب كاملاً بأي سبب من الأسباب موته؟
يكتب عمله: صالح، سيء، نافع، قاصر على الشخص نفسه؟ المهم يكتب كل أعماله.
ويكتب مآله: وما أدراك ما المآل؟ شقي أم سعيد؟ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ .
كل هذا يكتب، وأين يكتب؟ وردت آثار أنه يُكتب في جبينه على جبهته، كل هذه تكتب .
فإن قال قائل: كيف تتسع الجبهة لكتابة هذه الأشياء كلها؟
قلنا: لا تسأل عن أمور الغيب. وش أنت حتى تسأل عن أمور الغيب؟ قل آمنت بالله وصدقت بالله وبرسوله، لا تسأل: كيف؟
وقد وقع الآن في وقتنا ما يشهد لمثل هذا ، كمبيوتر كبر اليد يكتب به الإنسان آلاف الكلمات، وهو من صنع البشر، فما بالك بصنع الله عز وجل.
والمهم أن المسائل التي يُخبر بها الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت ما تدركها بحسك، الواجب عليك أن تصدق وتسلم، لأنك لو لم تصدق أو تسلم إلا بما تدركه بحسك لم تكن مؤمناً، ما كنت مؤمناً بالغيب، الذي يؤمن بالغيب هو كل ما جاء عن الله ورسوله، قال: آمنت بالله ورسوله وصدقت.
قال: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار : ولكن أبشروا يا إخوان هذا الحديث مقيد : بأنه لا يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وأما الذي يعمل بعمل أهل الجنة من قلبه وإخلاص فإن الله لا يخذله عز وجل، الله أكرم من العبد، إذا عملت بعمل أهل الجنة بإخلاص -نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- فإن الله لا يخذلك، لكن فيما يبدو للناس .
والدليل على هذا القيد ما ثبت في صحيح البخاري : أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، وكان شجاعاً مقداماً، لا يترك للعدو شاذة ولا فاذة إلا قضى عليها، فتعجب الناس منه، من شجاعته، من إقدامه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم قال: إنه من أهل النار : أعوذ بالله، هذا الشجاع الذي يفتك بالعدو من أهل النار؟ فكبُر ذلك على المسلمين، وعظُم عليهم، وخافوا، كيف هذا يصير من أهل النار ؟
فقال رجل: والله لألزمنه : أمشي معه أشوف وش نهاية هذا الرجل؟ فمشى معه، في أثناء القتال أصابه سهم ، هذا الرجل الشجاع أصابه سهم فجزع، فأخذ بسيفه فسلَّه، فوضعه في صدره، واتَّكأ عليه حتى خرج من ظهره، أعوذ بالله، قتل نفسه جزعاً، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: وبم؟ قال: الرجل الذي قلت إنه من أهل النار -حصل له كيت وكيت -
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس -الحمد لله على هذا القيد- فيما يبدو للناس وهو من أهل النار : يظنون أنه صالح، لكن في قلبه فساد وهو من أهل النار.
قال في حديث ابن مسعود: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها : هذا عكس الأول.
الأول هل وجدنا له شاهد في الواقع ؟ نعم قصة هذا الرجل.
وهذا أيضاً له شاهد في الواقع، يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
وقع هذا في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : رجل يقال له الأُصيرم من بني عبد الأشهل، كافر، منابذ للدعوة الإلهية، ضد المسلمين، فلما كان في غزوة أحد، وخرج الناس من المدينة يغزون، ألقى الله في قلبه الإسلام، فأسلم وخرج يجاهد، خرج يجاهد .
فلما حصل ما حصل على المسلمين، وقُتل منهم من قُتل، وذهب الناس ينظرون في القتلى، في قتلاهم، وجدوا الأُصيرم، فقال له قومه: ما الذي جاء بك، لقد عهدناك يعني ضد هذه الدعوة، وش الي جابك، أَحَدَب على قومك ؟ يعني عصبية، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، وأقرئوا رسول صلى الله عليه وسلم مني السلام، وأخبروه بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم مات، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأظنه قال: إنه من أهل الجنة ، فهذا الرجل أمضى عمره كله في الكفر، وضد الإسلام وضد المسلمين، وكانت خاتمته هذه الخاتمة، عمل بعمل أهل النار، حتى لم يكن بينه وبينها إلا ذراع، فسبق عليه الكتاب، فعمل بعمل أهل الجنة، فكان من أهل الجنة.
ساق المؤلف هذا الحديث من أجل أن نخاف، أن نخاف وأن نرجو، نخاف على أنفسنا من الفتنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون دائماً يسأل الله الثبات: اللهم ثبتني بالقول الثابت، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول : اللهم مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب، صرف قلبي إلى طاعتك : هذا وهو النبي عليه الصلاة والسلام .
وأيضاً نأخذ من هذا الحديث ألا نيأس، لا نيأس من شخص نجده على الكفر أو على الفسق، ربما يهديه الله في آخر لحظة، ويموت على الإسلام، نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وإياكم، وأن يتوفانا على الإيمان بمنه وكرمه.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الخوف والتحذير من الأمن مِن مكر الله :
قال فيما نقله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يُجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يُرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره : إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلُها .
قوله رضي الله عنه: " حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الصادق المصدوق " : يعني الصادق فيما يقول، والمصدوق، فيما يوحى إليه من الوحي، فيما يقال له من الوحي، فهو صادق لا يُخبر إلا بالصدق، مصدوق لا يُنبأ إلا بالصدق صلوات الله وسلامه عليه.
وإنما قدم هذه المقدمة، لأنه سيخبر عن أمر غيبي باطن في ظلمات ثلاث: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة : إذا جامع الرجل امرأته، وألقى فيها الماء في رحمها بقي أربعين يوماً وهو نطفة على ما هو عليه، ماء، لكنه يتغير شيئاً فشيئاً، يميل إلى الحمرة، حتى يتم عليه أربعون يوماً.
فإذا تمَّ عليه أربعون يوماً، إذا هو قد استكمل الحُمرة وصار قطعة دم علقة، فيمضي عليه أربعون يوماً أخرى وهو علقة، يعني قِطعة دم، لكنها جامدة، ولكنه يثخن ويغلظ شيئاً فشيئاً، حتى يتم له ثمانون يوماً.
فإذا تمَّ له ثمانون يوماً فإذا هو مضغة، قطعة لحم، هذه المضغة قال الله تعالى فيها: مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ، فتبقى أربعين يوماً، تُخلق من واحد وثمانين يوماً إلى مائة وعشرين يوماً، ولا يتبين فيها الخلق تبيناً ظاهراً إلا إذا تم لها تسعون يوماً في الغالب.
فإذا مضى عليها أربعون يوماً وهي مضغة، أرسل الله إليها ملك ، الملك الموكل بالأرحام، لأن الله عز وجل قال: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ : الملائكة جنود لله عز وجل، كلٌ موكل بشيء، الموكل بالأرحام، والموكل بالنفوس يقبضها، والموكل بالأعمال يكتبها، والموكل بالأبدان يحفظها، وظائف عظيمة للملائكة، أمرهم الله عز وجل بها.
ملك الأرحام يأتي إلى كل رحم، فينفخ فيه الروح بإذن الله عز وجل، هذه الروح أمر لا يعلمه إلا رب العالمين، قال الله تعالى: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً : ينفخها في البدن، قطعة لحم في الرحم، قطعة لحم ماء، ليس بها حراك ولا إحساس ولا شيء، فإذا نفخ هذه الروح دخلت فيه ، في هذا البدن، تسير فيه كما تسير الجمرة في الفحمة بإذن الله، أو الطين في المدر اليابس، تدب في هذا الجسد حتى تدخل في الجسد كله، فيكون إنساناً، ويتحرك، وتحس الأم بتحركه بعد مائة وعشرين يوماً، وحينئذ يكون إنساناً، ولا قَبل ليس بشيء، قبل لو طاح الجنين قبل تمام مائة وعشرين يوماً، فليس له حكم مِن جهة الصلاة عليه، يؤخذ ويدفن في أي حفرة من الأرض، ولا يُصلى عليه، ولا شيء.
إذا تم مائةً وعشرين يوماً، يعني أربعة أشهر، حينئذ صار إنساناً، إذا سقط بعد ذلك، فإنه يُغسل، ويُكفن، ويصلى عليه، لو كان كبر اليد، يُصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين إن كان مسلماً.
وإن كان من أولاد النصارى، يعني أمه وأبوه نصراني كلهم نصراني فهو ما يدفن في مقابر المسلمين، يُخرج برا ويدفن بدون تغسيل ولا تكفين، لأنه وإن كان طفلاً فإن الرسول سئل عن أولاد المشركين فقال : هم منهم .
المهم أنه إذا تم له أربعة أشهر يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويسمى، يسمى لأنه يبعث يوم القيامة، ويعق عنه على الأرجح ليشفع لوالديه يوم القيامة .
قال النبي عليه الصلاة والسلام : ويؤمر الملك بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد :
كتب الرزق : يعني هل هو قليل، أو كثير؟ ومتى يأتيه؟ وهل ينتقص أو لا ينتقص؟ المهم يكتب كاملاً .
يكتب أيضاً أجله : في أي يوم؟ في أي مكان؟ في أي ساعة؟ في أي لحظة؟ عن بُعد عن قُرب؟ يكتب كاملاً بأي سبب من الأسباب موته؟
يكتب عمله: صالح، سيء، نافع، قاصر على الشخص نفسه؟ المهم يكتب كل أعماله.
ويكتب مآله: وما أدراك ما المآل؟ شقي أم سعيد؟ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ .
كل هذا يكتب، وأين يكتب؟ وردت آثار أنه يُكتب في جبينه على جبهته، كل هذه تكتب .
فإن قال قائل: كيف تتسع الجبهة لكتابة هذه الأشياء كلها؟
قلنا: لا تسأل عن أمور الغيب. وش أنت حتى تسأل عن أمور الغيب؟ قل آمنت بالله وصدقت بالله وبرسوله، لا تسأل: كيف؟
وقد وقع الآن في وقتنا ما يشهد لمثل هذا ، كمبيوتر كبر اليد يكتب به الإنسان آلاف الكلمات، وهو من صنع البشر، فما بالك بصنع الله عز وجل.
والمهم أن المسائل التي يُخبر بها الرسول عليه الصلاة والسلام وأنت ما تدركها بحسك، الواجب عليك أن تصدق وتسلم، لأنك لو لم تصدق أو تسلم إلا بما تدركه بحسك لم تكن مؤمناً، ما كنت مؤمناً بالغيب، الذي يؤمن بالغيب هو كل ما جاء عن الله ورسوله، قال: آمنت بالله ورسوله وصدقت.
قال: فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار : ولكن أبشروا يا إخوان هذا الحديث مقيد : بأنه لا يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وأما الذي يعمل بعمل أهل الجنة من قلبه وإخلاص فإن الله لا يخذله عز وجل، الله أكرم من العبد، إذا عملت بعمل أهل الجنة بإخلاص -نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- فإن الله لا يخذلك، لكن فيما يبدو للناس .
والدليل على هذا القيد ما ثبت في صحيح البخاري : أن رجلاً كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة، وكان شجاعاً مقداماً، لا يترك للعدو شاذة ولا فاذة إلا قضى عليها، فتعجب الناس منه، من شجاعته، من إقدامه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم قال: إنه من أهل النار : أعوذ بالله، هذا الشجاع الذي يفتك بالعدو من أهل النار؟ فكبُر ذلك على المسلمين، وعظُم عليهم، وخافوا، كيف هذا يصير من أهل النار ؟
فقال رجل: والله لألزمنه : أمشي معه أشوف وش نهاية هذا الرجل؟ فمشى معه، في أثناء القتال أصابه سهم ، هذا الرجل الشجاع أصابه سهم فجزع، فأخذ بسيفه فسلَّه، فوضعه في صدره، واتَّكأ عليه حتى خرج من ظهره، أعوذ بالله، قتل نفسه جزعاً، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: وبم؟ قال: الرجل الذي قلت إنه من أهل النار -حصل له كيت وكيت -
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس -الحمد لله على هذا القيد- فيما يبدو للناس وهو من أهل النار : يظنون أنه صالح، لكن في قلبه فساد وهو من أهل النار.
قال في حديث ابن مسعود: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها : هذا عكس الأول.
الأول هل وجدنا له شاهد في الواقع ؟ نعم قصة هذا الرجل.
وهذا أيضاً له شاهد في الواقع، يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
وقع هذا في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : رجل يقال له الأُصيرم من بني عبد الأشهل، كافر، منابذ للدعوة الإلهية، ضد المسلمين، فلما كان في غزوة أحد، وخرج الناس من المدينة يغزون، ألقى الله في قلبه الإسلام، فأسلم وخرج يجاهد، خرج يجاهد .
فلما حصل ما حصل على المسلمين، وقُتل منهم من قُتل، وذهب الناس ينظرون في القتلى، في قتلاهم، وجدوا الأُصيرم، فقال له قومه: ما الذي جاء بك، لقد عهدناك يعني ضد هذه الدعوة، وش الي جابك، أَحَدَب على قومك ؟ يعني عصبية، أم رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، وأقرئوا رسول صلى الله عليه وسلم مني السلام، وأخبروه بأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم مات، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأظنه قال: إنه من أهل الجنة ، فهذا الرجل أمضى عمره كله في الكفر، وضد الإسلام وضد المسلمين، وكانت خاتمته هذه الخاتمة، عمل بعمل أهل النار، حتى لم يكن بينه وبينها إلا ذراع، فسبق عليه الكتاب، فعمل بعمل أهل الجنة، فكان من أهل الجنة.
ساق المؤلف هذا الحديث من أجل أن نخاف، أن نخاف وأن نرجو، نخاف على أنفسنا من الفتنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون دائماً يسأل الله الثبات: اللهم ثبتني بالقول الثابت، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول : اللهم مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب، صرف قلبي إلى طاعتك : هذا وهو النبي عليه الصلاة والسلام .
وأيضاً نأخذ من هذا الحديث ألا نيأس، لا نيأس من شخص نجده على الكفر أو على الفسق، ربما يهديه الله في آخر لحظة، ويموت على الإسلام، نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وإياكم، وأن يتوفانا على الإيمان بمنه وكرمه.
الفتاوى المشابهة
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- كيف الجمع بين حديث ابن مسعود أن النبي صلى ال... - ابن عثيمين
- ما معنى حديث ابن مسعود:" إن أحدكم ليعمل بعمل... - ابن عثيمين
- سؤاله الأخير يقول فيه ما معنى الحديث الوارد... - ابن عثيمين
- مفهوم حديث : "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيم... - الفوزان
- ما تفسير قوله صلى الله عليه وسلم:(فيسبق عليه... - ابن عثيمين
- معنى قوله صلى الله عليه وسلم :" فوالذي نفسي... - ابن عثيمين
- شرح الحديث الرابع من كتاب الأربعين النووية :... - ابن عثيمين
- شرح حديث عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول ال... - ابن عثيمين
- قراءة قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما... - ابن عثيمين
- شرح قول الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما ن... - ابن عثيمين