تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله... - ابن عثيمينالقارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه :  أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه...
العالم
طريقة البحث
شرح الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما نقله : " ... عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: ( أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ) فقالوا أجل يا رسول الله، فقال: ( أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) متفق عليه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: ( إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) متفق عليه . عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ) رواه مسلم ... " .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- : " عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فَقَدِم بمال من البحرين، فسَمِعَت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قَدِم بشيء من البحرين؟ قالوا: أجل، فقال: أَبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم ، متفق عليه.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله فقال: إنَّ مما أخافُ عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ، متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خَضِرَة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، رواه مسلم "
.

الشيخ : هذه الأحاديث ذكرها المؤلف -رحمه الله- في باب الزهد في الدنيا والترغيب فيه، وقد ذكر قبل ذلك آيات متعدّدة كلها تدل على أن هذه الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة، وأنها ممرّ ومزرعة، فإن قال قائل: يُقال ورع ويقال زهد فأيهما أعلى وما الفرق بينهما؟
فالجواب أن الزّهد أعلى مِن الورع، والفرق بينهما أن الورع ترك ما يضرّ، والزهد ترك ما لا ينفع، فالأشياء ثلاثة أقسام:
منها ما يضرّ في الآخرة، ومنها ما ينفع، ومنها ما لا يضر ولا ينفع.
فالورع : أن يدع الإنسان ما يضرّه في الآخرة يعني : أن يترك الحرام.
والزهد : أن يدع ما لا ينفعه في الآخرة، فالذي لا ينفعه لا يأخذ به، والذي ينفعه يأخذ به، والذي يضرّه لا يأخذ به من باب أولى.
فكان الزهد أعلى من الورع، أعلى حالًا من الورع، فكلّ زاهد ورع وليس كل ورع زاهدا، ولكن حذّر النبي عليه الصلاة والسلام من أن تفتح الدّنيا علينا فنهلك، لما قدم أبو عبيدة بمال من البحرين وسمع الأنصار بذلك، جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافوه في صلاة الفجر، فلما انصرف من الصلاة تعرّضوا له، فتبسّم عليه الصلاة والسلام : تبسّم يعني ضحك لكن بدون صوت-، تبسّم لأنهم جاؤوا متشوّفين إلى المال فقال لهم : لعلكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة من البحرين؟ قالوا: أجل يا رسول الله : يعني سمعنا بذلك وجئنا لننال نصيبنا فقال عليه الصلاة والسلام : ما الفقرَ أخشى عليكم : الفقر ما أخشاه، الفقر قد يكون خير للإنسان ، كما جاء في الحديث القدسي الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى ، إن من عبادي من لو أغنيته لأفسده الغنى : يعني أطغاه وأضلّه وصدّه عن الآخرة والعياذ بالله ففسد، وإن من عبادي من لو أفقرته لأفسده الفقر .
فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما الفقر أخشى عليكم : يعني لا أخشى عليكم من الفقر، لأن الفقير في الغالب أقرب إلى الحقّ من الغنيّ، وانظروا إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام من الذي يُكذّبهم؟ يكذّبهم الملأ: الأشراف، الأغنياء، وأكثر من يتّبعهم الفقراء، حتى النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من يتّبعه الفقراء، فالفقر لا يُخشى، الذي يُخشى أن تبسط الدّنيا علينا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : أخشى أن تبسط عليكم يعني كما بسطت على من كان قبلنا ، فتهلككم كما أهلكتكم : وهذا هو الواقع، وانظر إلى حالنا نحن هنا ، يعني في المملكة ، لما كان الناس إلى الفقر أقرب، كانوا لله أتقى وأخشع وأخشى، ولما كثر المال كثر الإعراض عن سبيل الله، وحصل الطغيان، وصار الإنسان الآن يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها: سيارة، بيت، فُرُش، لباس، يباهي الناس بهذا، ويُعرض عما ينفعه في الآخرة، وصارت الجرائد والصحف وما أشبهها لا تتكلم إلاّ بالرفاهية وما يتعلّق بالدنيا، وأعرضوا عن الآخرة، وفسد الناس إلاّ من شاء الله.
فالحاصل أن الدنيا إذا فُتحت -نسأل الله أن يقينا وإياكم شرّها- أنها شرّ تطغي الإنسان، كلاّ إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى ، قال فرعون لقومه : يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي : شفت يفتخر بالدنيا، فالدنيا خطيرة جدّا .
وفي هذه الأحاديث أيضا قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن الدنيا حلوة خَضِرَة : حلوة المذاق خضرة المنظر تجلب تفتن، الشيء إذا كان حلوا ومنظره طيباً يفتن الإنسان، فالدنيا هكذا حلوة خَضِرة، حلوة في المذاق، خذرة في المنظر، وإن الله مُستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون : يعني جعلكم خلائف فيها، يخلُف بعضكم بعضا ويرث بعضكم بعضا فينظر كيف تعملون، هل تقدّمون الدّنيا أم الآخرة، ولهذا قال : فاتّقوا الدّنيا واتّقوا النّساء .
ولكن إذا أغنى الله الإنسان، وصار غناه عوناً له لطاعة الله: ينفق ماله في الحقّ وفي سبيل الله، صارت الدّنيا خيرا، ولهذا كان رجل الدنيا الذي ينفق ماله في سبيل الله وفي مرضات الله عزّ وجلّ صار ثاني اثنين بالنسبة للعالم الذي آتاه الله الحكمة والعلم، وصار يعلّم الناس، فهناك فرق بين الذي ينهمك في الدنيا ويُعرض عن الآخرة، وبين الذي يغنيه الله ويكون غناه سببا لسعادته والإنفاق في سبيل الله ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

Webiste