تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهم... - ابن عثيمينالقارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- " في باب ت...
العالم
طريقة البحث
شرح حديث عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا: ومن يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتشفع في حد من حدود الله تعالى ؟) ثم قام فاختطب، ثم قال: ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ). متفق عليه. وفي رواية: فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتشفع في حد من حدود الله ؟) فقال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. قال: ثم أمر بتلك المرأة، فقطعت يدها.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين :
نقل المؤلف -رحمه الله تعالى- " في باب تحريم الشفاعة في الحدود :
عن عائشة رضي الله عنها : أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلمه أسامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَتشفع في حدٍ من حدود الله تعالى ؟ ثم قام فاختطب ، ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايْم الله لو أن فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم- سرقت لقطعت يدها متفق عليه .
وفي رواية : فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله ؟ فقال أسامة: استغفِر لي يا رسول الله ، قال : ثم أمر بتلك المرأة، فقطعت يدها "
.

الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- : " باب تحريم الشفاعة في الحدود " :
الحدود : هي العقوبات التي قدرها الله ورسوله على فاعل المعصية ، فمنها حد الزنا ، ومنها حد القذف ، وحد السرقة ، وحد الحرابة .
وأما القتل بالردة فليس من الحدود ، لأن المرتد إذا تاب ولو بعد أن رفع إلى السلطان فإنه يسقط عنه القتل ، لكن هذه الحدود لا بد منها ، ولا تسقط إلا إذا تاب الإنسان قبل أن يقدر عليه ، لقول الله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسعون في الأرض فسادا أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض * ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم .
ثم ذكر المؤلف حديث عائشة رضي الله عنها : أن امرأة من بني مخزوم سرقت : وقد بينت السرقة بأنها كانت تستعير المتاع وتجحده ، يعني تأتي إلى الناس وتقول : أعرني الدلو، أعرني القدر أعرني الإناء أعرني الإناء فيعيرونها إحسانا إليها ، ثم تجحد العارية وتقول : ما أعرتموني ، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جحد العارية بمنزلة السرقة ، لأن السارق يدخل البيوت في خفية ويأخذ ، وهذه سرقت أموال الناس بخفية ، أخذتها منهم على أنها عارية ، وأنها إحسان من أهلها أي : من أهل الأموال ثم تجحد .
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يدها ، وكانت من بني مخزوم ، من أشرف قبائل قريش ، فأهمهم ذلك ، أي : لحقهم الهم في هذا ، كيف تقطع يد المخزومية ؟! فطلبوا من يشفع إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقالوا : من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، ولم يذكروا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا من هو أعلى قدراً من أسامة بن زيد ، فإما أن يكونوا قد حاولوا ذلك ولم يفلحوا ، وإما أن يكونوا من الأصل علموا أنهم لن يشفعوا في حد من حدود الله ، المهم أنهم طلبوا من أسامة بن زيد رضي الله عنه .
وأسامة هو أسامة بن زيد بن حارثة ، وزيد بن حارثة كان عبداً مملوكاً ، وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه ، وكان يحبه ويحب ابنه أسامة .
تكلم أسامة مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة لعله يرفع عنها القطع ، فتلون وجه رسول الله : تغير لونه وقال له مُنكرًا عليه : أتشفع في حد من حدود الله : يعني ما كان ينبغي أن تشفع في حد من حدود الله .
ثم قام فاختطب : يعني خطب خطبة بليغة ، لأن اختطب أبلغ من خطب لزيادة الهمزة والتاء ، وقد قال علماء اللغة العربية : " إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى " ، يعني زيادة الحروف في الكلمة تدل على زيادة معناها ، المهم أن قوله اختطب يعني خطب خطبة بلغية .
ثم قال : إنما أهلك من كان قبلكم -يعني من الأمم- أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليهم الحد : أهلكهم يعني بذنوبهم بالعذاب والعقوبات ، أهلكهم هذا الأمر ، إذا سرق فيهم الشريف تركوه، قالوا : هذا شريف ما يمكن نقطع يده ، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، فصارت إقامتهم لحدود الله على حسب أهوائهم ،
وفي هذا دليل على أن من سبقنا كانوا يسرقون ، وأن السرقة كثيرة فيهم بين الغني والفقير والشريف والضعيف موجودة .
ثم أقسم عليه الصلاة والسلام ، وهو البار الصادق بدون قسم ، أقسم قال : وايم الله -أي: أحلف بالله- لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها : اللهم صل وسلم عليه ، هكذا العدالة وهكذا تنفيذ حكم الله، لا اتباع الهوى، أقسم بأن فاطمة بنت محمد وهي أشرف من المخزومية حسبا ونسباً لأنها رضي الله عنها سيدة نساء أهل الجنة ، أقسم أنها لو سرقت لقطع يدها .
وفي قوله : لقطعت يدها قولان :
القول الأول : أن الرسول نفسه يباشر القطع ، وهذا أبلغ .
والثاني أنه يأمر من يقطع يدها ، وأيا كان فإن الرسول عليه الصلاة والسلام بين أنه لا يمكن أن يَدرأ الحد عن أحد لشرفه ومكانته أبدًا ، الحد حق لله عز وجل .
وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع يد المرأة المخزومية فقطعت : وهي امرأة من أشراف قريش ومع ذلك لم يسقط عنها الحد .
وهكذا يجب على ولاة الأمر أن يكون الناس عندهم سواء في إقامة الحدود ، وألا يحابوا أحداً لقربه أو لغناه أو لشرفه في قبيلته أو غير ذلك ، الحد لله عز وجل ، تجب إقامته لله عز وجل ، انظر إلى قوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، ومِن أخذ الرأفة الشفاعة لهم ، لا تشفع لأحد في حد ، أقمه ولا ترفق به ولا ترحمه ، ولا تقل : هذا شريف هذا ضعيف هذا أبو أولاد أبداً لا يهمك ، يعني لو زنى إنسان وهو محصن وثبت عليه الحد وله أولاد صغار وزوجات سوف يكنَّ أرمل بعده ، ويكون الأولاد أيتاما بعده لا تبالي بهذا ، أقم الحد عليه ، ارجمه ولو مات ، بل ارجمه حتى يموت ولا تقل : والله هذا له أولاد صغار وزوجات لا يهمك هذا، أقم الحد على كل من أتى بمعصية توجب الحد .
ولما كانت الأمة الإسلامية على هذه العدالة وعدم المبالاة ، وأنها لا تأخذها في الله لومة لائم ، كان لها العزة والقوة والنصر المبين ، ولما تخاذلت الأمة الإسلامية عن إقامة حدود الله ، وصارت المحسوبيات والوساطات تعمل عملها في إسقاط حدود الله عز وجل : تدهورت الأمة الإسلامية إلى الحد الذي ترون الآن ، فنسأل الله تعالى أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها وتمسكها بدينها إنه على كل شيء قدير .

Webiste