تم نسخ النصتم نسخ العنوان
حكم كفارة اليمين لتارك الصلاة - ابن بازالسؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المنطقة الشرقية الخبر، باعثتها إحدى الأخوات من هناك تقول: (أ. م) أختنا تقول: أمي حلفت بالله على...
العالم
طريقة البحث
حكم كفارة اليمين لتارك الصلاة
الشيخ عبدالعزيز ابن باز
السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المنطقة الشرقية الخبر، باعثتها إحدى الأخوات من هناك تقول: (أ. م) أختنا تقول: أمي حلفت بالله على شيء، ولكنها رجعت ففعلت، فأخرجت كفارة اليمين خمسين ريالًا وأعطتها أخاها؛ لأنه فقير وخال من العمل، ولكنها لا تصلي، فهل كفارتها صحيحة؟ وإذا كانت غير صحيحة فماذا تفعل؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإن الله  قد أوضح الكفارة -أعني: كفارة اليمين- في كتابه الكريم، حيث قال سبحانه: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] .. الآية، فقد أوضح سبحانه كفارة اليمين، وأنها إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعمه الإنسان أهله، أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، يعني: عتق رقبة، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ذلك يعني: كان فقيرًا لا يستطيع صام ثلاثة أيام، وبناء على هذا فالذي أخرجته أم السائلة وهو خمسون درهمًا عن كفارة اليمين لا تجزئ؛ لأنه خلاف ما شرعه الله، فلابد من التكفير بما شرعه الله، فعليها أن تخرج الكفارة لعشرة من الفقراء المسلمين، وهي خمسة آصع من الرز أو التمر أو الحنطة لكل واحد نصف الصاع، يعني: كيلو ونصف تقريبًا، وإن عشتهم شيئ مصنوع مطبوخ أو غدتهم كفى ذلك، وإن كستهم على قميص قميص أو إزار ورداء كفى ذلك.
أما كونها لا تصلي فهذا منكر عظيم، وكفر شنيع، فالواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه، والرجوع إليه جل وعلا والندم على ما مضى، والإقلاع من ذلك، والبدار إلى التوبة إلى الله مع فعل الصلاة؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وأعظم أركانه بعد الشهادتين، فمن تركها فقد ترك عمود الإسلام، ومن ترك ذلك كفر كفرًا أكبر في أصح قولي العلماء، وإن كانت تجحد وجوب ذلك أو تستهزئ بالصلاة أو بأهلها كان كفرها كفرًا إجماعيًا بين أهل العلم جميعًا، نسأل الله السلامة.
وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة ، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله الأنصاري  عن النبي ﷺ أنه قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة والمراد: جنس المكلف رجل أو امرأة؛ لأن أحكام الشرع تعم الجميع، فهذا يدل على أن من ترك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها يكون كافرًا كفرًا أكبر؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك... وهذا كفر معرف، وشرك معرف؛ فهو الشرك الأكبر، والكفر الأكبر نسأل الله العافية.
فالواجب على أمك -أيها السائلة- أن تتوب إلى الله توبة صادقة، وأن تبادر بذلك، والتوبة الصادقة تشمل أمورًا ثلاثة: الندم على الماضي، والحزن على الماضي.
وترك المعصية والإقلاع منها.
والثالث: العزم الصادق على عدم العودة.
وإذا كانت المعصية تتعلق بأمور الناس فلابد من إعطائهم حقوقهم أو تحلله منها، كما قال عليه الصلاة والسلام: من كان عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون درهم ولا دينار يعني: قبل يوم القيامة، فإنه يوم القيامة ليس هناك دراهم ولا دنانير إنما هي الأعمال؛ ولهذا قال: فإن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه، فهذه حاله يوم القيامة، يجازى بأحد أمرين: إما بالأخذ من حسناته للمظلوم، فإن لم تكن له حسنات أو لم تكفه حسناته؛ لأن المظلمة كبيرة، أخذ من سيئات المظلوم فطرحت على الظالم نسأل الله العافية، فيجب الحذر.
وأمر الصلاة أمر عظيم، وقد تساهل بها الكثير من الناس وهذا من الفساد العظيم، والخطر العظيم، يقول الله : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، ويقول سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]، ويقول سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، ويقول : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] إلى أن قال سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۝ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:9-11]، والفردوس: هو أعلى الجنة وأوسطها وأشرفها، ويقول جل وعلا: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۝ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:19-23] إلى أن قال : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۝ أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34-35]، وقال : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، الغي عند أهل التفسير هو الخسار والدمار، والعاقبة الوخيمة، وقيل: أنه وادي في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه، فتوعد الله من أضاع الصلاة بهذا الوعيد العظيم، وقال سبحانه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، توعدهم بالسهو عنها فكيف بتركها؟ الترك أعظم، وقال  في المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [النساء:142]، فأخبر عن المنافقين أنهم يتكاسلون عن الصلاة، وذمهم على هذا، فكيف بمن تركها؟ يكون أقبح من فعل المنافقين.
فيجب الحذر على كل مسلم كل مكلف ينتسب إلى الإسلام يجب عليه الحذر، يجب أن يبادر بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها في جماعة إذا كان رجلًا، وإن كانت امرأة ففي البيت تحافظ على ذلك وتلزم هذه الصلاة، تسأل الله العون عليها، وما سبق من تقصير ففيه التوبة اللازمة، التوبة النصوح، والله يتوب على التائبين سبحانه وتعالى. نعم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، إذا أذنتم لي سماحة الشيخ: هل هناك فرق بين من يترك الصلاة عمدًا أو تهاونًا أو تكاسلًا؟
الشيخ: نعم مثل ما تقدم، الفرق بينهما: أن من ترك الصلاة عمدًا جاحدًا لوجوبها أو مستهزئًا بها فهذا يكون كافرًا عند جميع العلماء مرتدًا عن الإسلام، يجب قتله؛ لأنه بدل دينه؛ لأنه كذب الله ورسوله باعتقاده عدم وجوبها أو باستهزائه بها، والله يقول: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ۝ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
أما الذي يتركها تهاونًا، ويقول: أنا أؤمن بها وأنا أعرف أنها واجبة وفريضة، يعترف بهذا ولكنه يتساهل فلا يصلي أو يصلي الجمعة دون غيرها، أو في رمضان دون غيره، فهذا هو الذي محل الخلاف، ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكون كافرًا كفرًا أصغر أو ظلمًا أصغر وفسقًا أصغر ما دام يقر بالوجوب فلا يكون كفره كفرًا أكبر، مثلما جاء في الحديث الآخر: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ومثل قوله ﷺ: .... ربكم .... من آبائكم، ومثل قوله ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن بالنسب والنياحة على الميت قالوا: هذا كفر دون كفر، فيكون قوله ﷺ في حق التارك للصلاة: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر يعني: الكفر الأصغر، وهكذا يقولون في الحديث الآخر: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة قالوا: يكون المراد بهذا الكفر والشرك الكفر الأصغر والشرك الأصغر.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها؛ لأنها عمود الإسلام؛ ولأنها أعظم الأركان -كما تقدم- بعد الشهادتين؛ ولأن من ضيعها أضاع دينه؛ فلهذا قالوا: إنه كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها، قالوا: ولأن إطلاق النبي ﷺ: فقد كفر يدل على الكفر الأكبر؛ ولأن قوله أيضًا ﷺ: بين الرجل وبين الكفر والشرك.. يدل على الكفر الأكبر، يعني: كفر معرف بـ (أل)، وشرك معرف بـ ( أل )، وهذا ينصرف إلى الكفر الأكبر، قالوا: ولأن أصحاب النبي ﷺ اتفقوا على تكفير تارك الصلاة، ولم يتفقوا على تكفير تارك الزكاة والصيام إذا لم يقاتل دون ذلك ولم يستهزئ بذلك، وذلك لما رواه التابعي الجليل عبدالله بن شقيق العقيلي قال: لم يكن أصحاب النبي ﷺ يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة فذكر عن الصحابة جميعًا أنهم يرون ترك الصلاة كفر، يعني: وإن لم يجحد الوجوب، والله المستعان. نعم.
المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا.

Webiste