الشيخ : من أوضح الأمثلة في ذلك الجرح بالمخالفة في المذهب، إذا ثبت أن راويًا ما توفّرت فيه شرطا الثقة وهما العدالة والضبط والحفظ حينئذ جاء الجرح يقول كان مثلًا مرجئا أو كان خارجيا أو نحو ذلك من المخالفة المعروفة بأهل السنة فهذا جرح ، لكن ليس جرحًا يُسقط الاحتجاج برواية هذا الراوي وإن كان يكون مطعونٌ في مذهبه ، لأن علم الحديث كما يقول الحافظ ابن تيمية وابن حجر وغيرهما : إنما يقوم على العدالة والحفظ أما المذهب فله علاقة بالنجاة يوم القيامة أو بالهلاك لا سمح الله وذلك أمره إلى الله تبارك وتعالى ، فما دام أن هذا الراوي لا يزال في دائرة الإسلام وهو عدل أي غير فاسق وهو ضابط حافظ أي ليس سيء الحفظ فحينئذ لا يضر جرحه بمخالفته للمذهب الصحيح هذا مثال.
وهناك أمثلة كثيرة لأنواع من الجرح لا يُعتبر ذلك طعنا في الراوي مسقطاً للاحتجاج بحديثه، وذلك كما لو كان له رأي يخالف الرأي الصحيح في بعض المسائل الفقهية كأن يكون مثلًا ممن يرى إباحة الملاهي الأغاني والموسيقى وهذا مذهب قديم كان معروفاً في أهل الحجاز أنهم كانوا يترخّصون في سماع آلات الطرب، مع أن الراجح عند جماهير العلماء أن آلات الطرب كلها نهي عنها منهي عنها في أحاديث كثيرة ، وقد جمع في ذلك بعض علماء الحديث رسائل منهم أبو بكر بن أبي الدنيا حيث له رسالة اسمها *ذمّ الملاهي* كذلك الإمام أبو بكر الآجري له أيضا رسالة في تحريم الشطرنج والملاهي وهذه الرسالة مطبوعة ، لكن كان هناك من لم تصله الحجة المقنعة له بتحريم آلات الطرب فبقي على الأصل وهو ثقة حافظ عدل صادق، فالصنف هذا إذا توفرت فيه شروط الراوي الثقة لا يُطعن فيه بسبب أنه كان يتعاطى مثل هذه الملاهي سماعاً أو عملاً .