تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بيان الشيخ للصواب في مسألة اتخاذ الكنف في البي... - الالبانيالشيخ : ومن تمام الفائدة أن نذكر أنَّ هذا الحديث تمامُه أنَّ راويه وهو أبو أيوب الأنصاري كما سمعتم قال: " فلما أتينا الشام وجدنا الكنف موجهة إلى القبلة ...
العالم
طريقة البحث
بيان الشيخ للصواب في مسألة اتخاذ الكنف في البيوت وذكر ما فهمه راوي الحديث وهو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه في هذه المسألة، مع ذكر القواعد الأصولية الدالة على ذلك.
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ومن تمام الفائدة أن نذكر أنَّ هذا الحديث تمامُه أنَّ راويه وهو أبو أيوب الأنصاري كما سمعتم قال: " فلما أتينا الشام وجدنا الكنف موجهة إلى القبلة فنحن نستغفر الله "، تعلمون أنَّ بلاد الشام كانت بلاد الروم، وأن هؤلاء ليس عندهم احترام لبيت الله الحرام وللكعبة المشرفة، ولذلك فهم كانوا لا يراعون أدب بنيان الكُنُف في البيوت بحيث لا يوجهونها إلى الكعبة، كانوا نصارى، كانوا كفارًا، ولذلك يقول أبو أيوب الأنصاري: أنهم -يعني الصحابة- لما فتحوا الشام وجلسوا فيها ما جلسوا أو أقاموا، فقد وجدوا الكُنُف هناك موجهة إلى الكعبة قال: " نحن نستغفر الله ".
والشاهد من تمام هذا الحديث ومن قول أبي أيوب هذا:
أنّ راوي الحديث هو نفسه فهم مِن الحديث العموم، لا استثناء ولا فرق عند راوي الحديث بين أن يكون الاستقبال في البينان أو أن يكون في الصحراء، وكلاهما حكمهما واحد.
حينما نذكر هذا دليلًا للقائلين بعدم التفريق بين الصحراء والبنيان لا يخفى علينا أنَّ هناك بعض الأحاديث التي تُصرح أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رُؤي مستقبل القبلة أو مستدبرها حين كان يقضي حاجته، وحينئذ فالواجب يقتضينا أن نذكّر إخواننا بقاعدة أصولية هامة من أصول الفقه، هذه القواعد التي تساعد طالب العلم على الفقه الصحيح، وعلى ترجيح قول على قول بالجمع بين هذه الأدلة المختلفة ضمن قاعدة من قواعد الشريعة، هذه القاعدة هي التي تقول: " إذا كان هناك حديثان متعارضان أَحدهما من فعله عليه الصلاة والسلام، والآخر مِن قوله، فإذا لم يمكن التوفيق بين هذين الحديثين من فعله وقوله، كان الواجب والحالة هذه الرجوع إلى القول وليس إلى الفعل، ذلك لأن القول تشريع عام وخطاب للمسلمين، أما فعله عليه الصلاة والسلام فقد يعتوره ويحيط به في هذه الحالة عدة احتمالات ":
الاحتمال الأول: أن يكون ما فعله عليه الصلاة والسلام قبل ما قاله تشريعًا للناس.
ويحتمل أن يكون ذلك الفعل إنما صدر منه عليه الصلاة والسلام لعذر كضيق المكان وما شابه ذلك، كما سمعتم آنفًا عن أبي أيوب الأنصاري أنهم وجدوا الكُنف في الشام فلم يسعهم أن يغيروها فاستقبلوا القبلة واستغفروا الله.
والاحتمال الثالث والأخير: أنه مِن الممكن أن يكون الفعل الذي خالف قوله عليه الصلاة والسلام خصوصيةً له لا يشاركه فيها غيره، ما الدليل ؟
خطابه للأمة فيكون الفعل الذي فعله على خلاف مخاطبته لأمته خاصًّا به عليه الصلاة والسلام، هذه هي القاعدة الأولى، وهي: " إذا خالف فعلُه قولَه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يمكن التوفيق بينهما بوجه من وجوه التوفيق الكثيرة المعروفة عند العلماء لابد حينذاك من تبني القول وترك الفعل لاحتمال من تلك الاحتمالات الثلاثة ".
ثم هناك قاعدة أخرى وهي التي تقول: " إذا تعارض حاظرٌ ومبيح -حاظر ما يحظِّر ويحرم، ومبيح: نص يحرم ونص يبيح- ولم يمكن التوفيق بينهما فحينذاك لابد من تبني النص الحاظر وترجيحه على النص المبيح "، وذلك لأن الأصل في الأشياء الإباحة كما تعلمون، ولأن الشريعة لم تأتِ أحكامها جملة وطفرة واحدة، وإنما جاءت أنجمًا وحسب الحوادث، وكلُّكم يعلم قصة تسلسل التشريع في الخمر وأنها لم تحرم البتة، وإنما حُرِّمت على مراتب ومنازل ودرجات إلى أن جاء النص الأخير: فهل أنتم منتهون فقال عمر كما هو معلوم: " انتهينا يا ربي "، فالخمر إذن التي هي أمُّ الخبائث كانت حتى العهد المدني كانت مباحة، فبالأولى والأحرى أن يكون ما هو دون ذلك من الأشياء التي قد تكون حُرمت من بعد أن تكون كانت مباحة على الأصل وفُعلت ثم جاء النهي عن ذلك، فحينئذ صحت القاعدة التي ذكرناها ثانية وهي: " إذا تعارض الحاظر والمبيح قُدم الحاظر على المبيح ".
وإذا تأملنا في الأحاديث الناهية عن استقبال القبلة ببول أو غائط، والأحاديث المبيحة لوجدنا القاعدتين تنطبقان على ترجيح القول على الفعل، لأن القول مُقدَّم على الفعل، والحاظر مقدَّم على المبيح، ففعله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على الإباحة وهو فعل، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على الحظر وهو قول، فاجتمع القول والحظر في هذه المسألة فكان الترجيح يُلزمنا بأن نأخذ بقول العلماء الذين قالوا بأن الحديث على عمومه، وأنه لا فرق بين الصحراء والبنيان.
والنظر الصحيح والسليم في بعض النصوص الأخرى من جهة، وفي تقدير تلك النصوص كلها من جهة الكعبة، يقتضينا أن نرجح أيضًا من هذه الزاوية قول العلماء الذين قالوا بعدم التفريق بين الصحراء والبينان.

Webiste