الشيخ : أما أحاديث الرسول عليه السلام التي فيها أنه شرب قائما جوابها من وجوه أيضا وهذه يجب أن تكون معلوما هذه الوجوه عند طلاب العلم لأنه قد يعترض سبيلهم بعض الأحاديث المتعارضة فيحار في التوفيق بينها.
فينبغي أن نتذكر قاعدتين اثنتين أصوليتين تساعد كل طالب علم إذا ما كان متقنا لهما على التوفيق بين الأحاديث المتعارضة ، وهذا له يعني أمثلة كثيرة تشبه هذه القضية قد نتعرض لذكر بعضها ، لكن لنبقى حيث نحن الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه أنه شرب قائما في غير ما حديث صحيح هنا يقول الفقهاء في القاعدتين :
الأولى : " إذا تعارض حاظر ومبيح قدّم الحاظر على المبيح " الحاظر أظن كلمة هذه معروفة عندكم من الحظر وهو المنع إذا تعارض نص يحظّر من شيء تحظيرا يمنع منعا وهناك نص آخر يدل على إباحة هذا الشيء فما التوفيق بينهما إذا تعارض حاظر ومبيح قدّم الحاظر على المبيح.
الآن مثال بين أيديكم نهى عن الشرب قائما هذا حاظر شرب قائما هذا مبيح إذن عند التعارض قدّم الحاظر على المبيح.
قاعدة ثانية : " إذا جاء نصان أحدهما قول منه عليه الصلاة والسلام والآخر فعل له عليه الصلاة والسلام حينئذ يقدم القول على الفعل " عند التعارض لماذا لأن القول شريعة عامة أما الفعل فقد يكون أيضا يرد عليه احتمالان قد يكون على الأصل لأنه لما جاء الشرع كما تعلمون جميعا لم يأت بكل أحكامه وتفاصيلها طفرة واحدة وقصة تحريم الخمر كلكم يعرفها فالذهب مثلا ما حرم الحرير ما حرم أول ما قيل له عليه الصلاة والسلام يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر هذا هو أصل الإيمان فبعد ذلك على المدى التشريع ثلاث وعشرين سنة كملت أحكام الشريعة على التدرج المعروف فيمكن حينما يكون هناك قول منه عليه السلام يخالف فعلا له أن يكون الفعل على الإباحة الأصلية بعد ذلك جاء القول المخالف له ويمكن أن يكون لعذر وقع له عليه السلام في الفعل ويمكن أخيرا أن يكون من خصوصياته عليه الصلاة والسلام.
من أجل هذه الاحتمالات التي يمكن أن يحيط بفعله عليه السلام حينما يخالف قوله قال العلماء أن القول مقدم على الفعل هذا هو مثاله عندكم الآن
وقلت أنه قد نذكر مثلا آخر وعليكم السلام ورحمة الله وهذا مثل واقعي وينبغي أن نستحضره في مثل معالجتنا لمثل هذه القضية لقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري ومسلم قوله إذا أتيتم الخلاء فلا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا ثم جاءت أحاديث صحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رئي مستقبلا القبلة أو مستدبرا لها فاختلف العلماء والفقهاء بالتوفيق بين حديث النهي الأول وبين الأحاديث التي ظاهرها الإباحة وهي والحالة هذه مخالفة للنهي فلا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا فقد وجدنا بيوتا كثيرة في الواقع لم يراع فيها هذا الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكان الجواب أنهم تبنوا رأي أحد المذاهب التي تفرق بين البنيان وبين الصحراء فيحملون الحديث الأول فلا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا على الصحراء ويحملون ما وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على البنيان هذا مذهب معروف.
ولكن يخالفه المذهب الآخر وهو الذي تقتضيه طريقة التوفيق بين الأدلة كما ضربنا على ذلك مثلا آنفا بالتوفيق بين أحاديث النهي عن الشرب قائما وأحاديث شربه صلى الله عليه وآله وسلم قائما وقدمنا هنا القاعدتين المذكورتين آنفا " إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح " " وإذا تعارض القول وفعله عليه السلام قدم قوله على الفعل " كما صحّ تطبيق القاعدتين في مسألة الشرب من قيام كذلك هنا يصح تطبيق القاعدتين كلتيهما معا في مسألة عدم استقبال القبلة ببول أو غائط وذلك بأن نقول فعله صلى الله عليه وآله وسلم المخالف للحديث يمكن أن يكون قبل تشريع النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط.
ويمكن أن يكون المكان ضيقا لا يستطيع أن يتحول إنه عم يتصرف وهذا ما وقع لراوي الحديث الأول وهو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه حيث هو الذي روى الحديث الأول بلفظ إذا أتيتم الخلاء فلا تستقبلوا القبلة ببول أو غائط ولكن شرقوا أو غربوا قال رضي الله عنه " فلما أتينا الشام وجدنا الكنف هناك موجهة إلى القبلة فنحن نستغفر الله " هكذا قال راوي الحديث وهنا تأتي قاعدة ثالثة بهذه المناسبة وهي أيضا مهمة جدا

السائل : ما فيه يا شيخ الاستغفار مع الانحراف كنا نستغفر وننحرف

الشيخ : ما يستطيع، الاستغفار لعدم الانحراف هم لو انحرفوا من أجل ماذا الاستغفار إيه .
نعم