تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة الشيخ للحديث عن تفتيشه عن الورقة الضائعة... - الالبانيالشيخ : فقلت في نفسي : لا بد مِن أن تتمَّ مسيرتك هذه ، وذلك بالبحث عن الورقة في مجلدات الحديث ، ومجلدات الحديث عِندنا في المكتبة الظاهرية أكثر مِن خمسما...
العالم
طريقة البحث
تتمة الشيخ للحديث عن تفتيشه عن الورقة الضائعة في مخطوطات المكتبة الظاهرية وما حصل له من هذا التفتيش من فوائد كثيرة.
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : فقلت في نفسي : لا بد مِن أن تتمَّ مسيرتك هذه ، وذلك بالبحث عن الورقة في مجلدات الحديث ، ومجلدات الحديث عِندنا في المكتبة الظاهرية أكثر مِن خمسمائة مجلد ، فبدأت أبحث ، وهنا البحث عن الورقة الضائعة أسهل بكثير ، لأن المجاميع تبقى صغيرة الحجم مِن حيث الطول والقصر ، أما موضوع علم الحديث ففيه أكثرها كبيرة ، والورقة الضائعة قصيرة ، لكن أنا دخلت في بحث آخر وهو اقتناء وتحصيل على مثل هذه المواضيع والكتب النفيسة ، فبدأت آخذ عناوين ولو كان كتاب مجلد كبير ، وأسجل عندي في مسودات ، وانتهيت مِن خمس مائة مجلد دون أن أعثر على الورقة الضائعة.
وكما يقولون عندنا في الشام : " بلا طول سيرة " يعني باختصار : أتيتُ على كل المخطوطات الموجودة في المكتبة الظاهرية ، وأنا طامِع أنه لعله في العلم الفلاني لعله لعله ، لأنه قضية خطأ من المـــــُجلِّد ، فأتيت على كتب السيرة وكتب التاريخ كتب الأدب كتب التصوف ، يعني كل العلوم التي فيها كتب مخطوطة ، ويسَّر الله عز وجل لي هذا البحث بحيث لا يتيسَّر إلا لموظَّف رسمي مكلَّف ، وصل التيسير إلى درجة أنني كنت أضع السُّلَّم على الخزائن ، لأنه في رفوف عالية لا تطولها اليد ، فأقف على السُّلم ، والرَّف مثلًا - طوله متر -، أبدأ من هنا أسحب أنتهي من هنا وأنا على السلم ، إذا وجدت شيئًا نفيسًا نزلت وسجَّلت ، ثم تابعت مسيرتي ، وهكذا مررتُ على المكتبة كلها وما عثرت على الورقة الضائعة ، لكني شاعر بأني أنا الرابِح ، صار عندي مئات الأسماء والعناوين مِن الكتب النفيسة .
في الأخير أعلم عندهم شيء يسمَّى بـ " الدَّست " أو " الدَّشت " لغة ، وهي عبارة عن أوراق مكدَّسة في خزائن ما أحد يتردَّد عليها أو يمد يده إليها ، فسألت الموظف المختص ، وكان يعني ممن يسَّره الله لخدمتي العِلمية ، فكان يتجاوب معي ، قلت له : يا أبو مهدي ، وين الدَّشت هذا ؟ قال لي : هَيْ ورَّاني خزانتين ثلاثة ، فأخذت أبحث في هذه الورقات الفلتانِة فما وجدت شيئًا ، لكني وجدت أيضًا نفائس ، ومنها عندنا في المكتبة الظاهرية نسختان مِن * مسند الشهاب * للقُضاعي ، وكلتاهما ناقصتان ، إحداهما شرقية والأخرى مغربية ، والمغربية خطُّها مغربي جميل جدّاً ومُعتنى بها من بعض الحفَّاظ أهل الحديث ، ومكتوب بجانب كثير أن لم أقل كل الأحاديث : ضعيف موضوع إلى آخره ، لكن ينقص منها الكرَّاس الأول ، والنسخة الأخرى مشرقية ما لنا ولها الآن .
وإذا بي أُفاجئ بهذا " الدَّشت " وجدت الكرَّاس الناقص من النسخة المغربية ، وبذلك تمَّت النسخة النفيسة ، فأخذتها فرِحًا مسرورًا وانطلقت إلى المدير المسؤول عن المخطوطات ، قلت له : هذا الكرَّاس مِن " الدَّشت " ، وهذا هو الكتاب الموضوع عندكم في الفهرس أنه مجهول الهوية لا يُعرف مين المؤلف وإيش الكتاب ، فقلت له : هذا هو الكتاب وهذا المؤلف ، وما اهتم في ذلك ، لأنه كما يقولون عندنا في الشام : " كلٌّ مين يغني على ليله ! " ، فأنا بهمني هذا البحث هو ما بهمُّه .
ثم دارت السنين والأيام وإذا به أخونا عبد المجيد السلفي يقوم بطباعة تحقيق هذا الكتاب من هذه النسخة ، والشيء بالشيء يُذكر لتعرف طبائع الناس ، طبع الكتاب * مسند الشهاب * للقضاعي في المكتب الذي يعمل فيه شعيب.

السائل : مؤسسة الرسالة .

الشيخ : نعم ؟

السائل : مؤسسة الرسالة ؟

الشيخ : مؤسسة الرسالة ، فأنا كنت كتبت للتاريخ على هذا الكرَّاس : " استخرجه من الدَّشت ناصر " ، كلمة ناصر فقط ، فهو ماذا فعل ، وضع ورقة وغطَّى هذه الحقيقة ، والآن تجد صورة للعنوان الرئيسي لهذا الكتاب في نسخة * مسند الشهاب * التي حقَّقها أخونا حمدي ومطموس على هذه الحقيقة العلمية ، ما الذي يدفعه لذلك ؟ الجواب تعرفه !
الشاهد : هذا من النفائس التي حصَّلت عليها في هذا البحث.
وأخيرًا يئست من الحصول على الورقة الضائعة ، لكن ما ندمت أبداً ، لأن المكسب كان أكثر مما أتصور .
المهم رجعت فيما بعد إلى الأسماء التي كنت سجَّلتها لهذه المؤلفات والمؤلفين فكتبتها مِن جديد على بطاقات ، ورتَّبت البطاقات على أسماء المؤلفين كل مؤلف وما له .

السائل : هذا مجهود لك لنفسك فردي يعني ؟

الشيخ : طبعاً فردي ، أنا ما عملت يوماً ما موظَّفًا في دائرة من الدوائر ، وهذا من فضل الله عليَّ .
ثم بعد أن انتهيت مِن ترتيب هذه القصاصات على أسماء المؤلفين ، رتَّبت المؤلفات على الترتيب الهجائي ، وكان من ذلك * فهرس لمنتخبات لمخطوطات المكتبة الظاهرية * .
ثم جاءت المرحلة الأخيرة وهي الثمرة المباركة من ذاك الجهد الأول ، فبدأت أقرأ هذه المخطوطات وأستخرج منها الفوائد الحديثية بأسانيدها ، وعندي الآن وهي التي تُساعدني على تغذية مشاريعي العلمية نحو أربعين مجلد ، فيها الأحاديث التي استخرجتها من هذه المخطوطات بأسانيدها ، ورتَّبتها لتسهيل المراجعة أيضًا على الحروف الهجائية ، فهذا مختصر عن قصة الورقة الضائعة ، ولكي لا نضيِّع شيئًا مِن الوقت في أمر قد لا يهمك ، منشوف إيش عندك من سؤال آخر .

Webiste