يقول في رسالته يوجد عندنا بعض التجار الذين يدينون لمدة سنة يكون مثلاً عنده مائة أو مائتين قطمة هيل في دكانه ويجيء الذي يريد أن يتدين منه من هذه القطم الهيل ويقول له التاجر استلم منه مثلاً عشرة عشرين حسب الذي استدان منه ويتسلمها الضعيف ثم يجيء آخر يستدين ثم يدينها إياه مرةً ثانية وهي بمكانها ما حركت ويدينها عدة أشخاص فهل هذا يجوز على أنه يدينها عدة أشخاص وهي بمكانها هل هذا ما فيه شيء من الربا ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : يقول في رسالته يوجد عندنا بعض التجار الذين يديّنون لمدة سنة يكون مثلاً عند التاجر مائة أو مائتين قطمة هيل في دكانه ويجيء الذي يريد أن يتدين منه من هذه القطم الهيل ويقول له التاجر استلم منه مثلاً عشرة عشرين حسب الذي استدان منه ويتسلمها الضعيف ثم يجيء ءاخر يستدين ويديّنها إياه هذا التاجر مرة ثانية وهي بمكانها ما حركت ويديّنها عدة أشخاص فهل هذا يجوز على أنه يدينها عدة أشخاص وهي بمكانها، هل هذا ما فيه شيء من الربا؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
السائل : اللهم صلي وسلم على رسول الله.
الشيخ : هذه المسألة التي ذكرها السائل ابتلي بها كثير من المسلمين مع الأسف الشديد وهي في الواقع مرة ومحزنة لكنها مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم لتركبن سنن من كان قبلكم قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ هذه المسألة هي من الحيل التي كان اليهود يرتكبون مثلها أو أقل أو أكثر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نفعل مثل فعلهم من هذه الحيل.
السائل : نعم.
الشيخ : من المعلوم أن الرجل لو أعطى شخصا عشرة ألاف ريال نقدا سلمها له ورقا.
السائل : نعم.
الشيخ : وقال هذه العشرة باثني عشر ألفا إلى سنة من المعلوم للجميع أن هذا ربا.
السائل : نعم.
الشيخ : وأنه محرم وأن المرابي عليه من الوعيد والعقوبة ما هو معلوم لكل المسلمين فالله تعالى يقول في الذين يرابون فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والنبي صلى الله عليه وسلم لعن ءاكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء والحديث في مسلم وفيه أحاديث كثيرة تدل على غلظ هذا العمل، عمل الربا وأنه من كبائر الذنوب العظيمة فإذا كان معلوما أن ما صورناه من قبل من الربا وهو صريح فإن التحيّل على هذا بأي نوع من أنواع الحيل يعتبر وقوعا فيه إذ الحيلة على المحرم لا تقلبه مباحا.
السائل : نعم.
الشيخ : بل تزيده قبحا إلى قبحه لأن الحيلة -نعم- لأن الحيلة على المحرم يجتمع فيها أمران محذوران أحدهما الوقوع في المحرم والثاني المخادعة لله ورسوله.
السائل : نعم.
الشيخ : ونحن نضرب مثلا بما هو أكبر من ذلك الكفر فالكافر الصريح الذي يعلن في كفره هو واقع في الكفر وقد فعل هذا الذنب العظيم لكن المنافق الذي يُظهر الإسلام ويظهر بمظهر الرجل الصالح وهو يبطن الكفر هذا أشد ذنبا وأعظم ولهذا جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار الذين يصرحون بالكفر فالمتحيل على الربا أشد من المعطي للربا صراحة أو أشد من الأخذ للربا صراحة لأنه جمع بين المحذورين محذور الربا ومحذور التحيل والخداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وهذا الحديث يسد على المتحيلين جميع أنواع الحيل، يقال لهم: أنتم قصدتم هذا، فلكم ما قصدتم.
السائل : نعم.
الشيخ : وإنما لكل امرئٍ ما نوى والعملية التي أشار إليها الأخ السائل هي موجودة بكثرة مع الأسف ومنتشرة، وهي من ظهور الربا الذي يؤذن بالهلاك والخطر على هذه الأمة، ومن العجب أنه لو وجد حانات زنا أو خمر لكان كل الناس ينكرونها، لكن توجد هذه الحانات الربوية ولكن الناس ساكتون، لا أحد ينكر ولا أحد يشمئز منها، وذلك لأنها كثرت، وكما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس.
السائل : نعم.
الشيخ : هذه الأكياس من الهيل كما قال الأخ تبقى في دكان التاجر مدة سنين يمكن أو شهور أو أسابيع، أو ما شاء الله من هذا.
السائل : نعم.
الشيخ : يأتي إليه التاجر ويشتريها منه حسب ما اتفق مع الفقير على الربح.
السائل : نعم.
الشيخ : لأنه يتفق أولاً مع الفقير على أني بديّنك العشر إحدى عشر أو خمسة عشر أو أكثر أو أقل، ثم يذهب هذا التاجر وهذا المستدين إلى صاحب الدكان، ويشتري التاجر منه السلعة بثمن يتفقان عليه، ثم مع ذلك في الحال في نفس المجلس يبيعها على المستدين حسب ما اتفقا عليه من الربح أو من المرابحة، ثم بعد ذلك يبيعها المستدين على صاحب الدكان بأنزل مما باعها صاحب الدكان به على التاجر.
السائل : نعم.
الشيخ : ثم يأخذ دراهم ويخرج بها في جيبه. هذه هي القضية، الألعوبة والمكر والخديعة. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة وسماها الصفقة الربوية الثلاثية، هذا معنى ما سماها به، لأنه غاب عني لفظه الأن.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : ومع ذلك قال: هذه حرامٌ بلا ريب وربا. وكان رحمه الله يحكي في مسألة التورق قولين لأهل العلم، ثم يختار هو التحريم، فدل ذلك على أن هذه المسألة ليست هي مسألة التورق التي يتمحش بعض الناس بها، ويقول: إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق. نحن نقول هكذا: إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق، لكن ليست مسألة التورق بهذه الحيلة الظاهرة البيّنة، مسألة التورق كما قال الفقهاء رحمهم الله إذا احتاج الإنسان إلى نقد واشترى ما يساوي مائة بمائة وعشرين إلى أجل.
السائل : نعم.
الشيخ : وطبعاً اشتراه على الوجه السليم الصحيح وليس فيه العشرة إحدى عشرة والعشرة خمسة عشر، ولا شيء، أنا احتجت مثلاً إلى دراهم، فأتيت إلى صاحب الدكان قلت: بع علي هذا الشيء إلى سنة. هو الأن يسوى مائة، قلت له: بمائة وعشرين. وأخذته وذهبت بعته، هذه هي مسألة التورق.
السائل : نعم.
الشيخ : أما هذه المسألة فليست من التورق في شيء، ولا تنطبق على التورق إطلاقاً.
السائل : نعم.
الشيخ : ذلك لأنهما أولاً يتفقون على المرابحة، فيكون التاجر باع على المستدين ما لا يملك بربح، وهذا وإن لم يكن معيّناً لكنه في ذمته.
ثانياً أنها يحصل فيها بيع الشيء قبل حوزته وقبضه.
السائل : نعم.
الشيخ : ثالثاً يحصل فيها بيع الشيء قبل نقله عن محله وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
وكون بعض الناس يقول: أنا قبضتها لأنني عددتها فمجرد العدد ليس قبضا بلا شك، ولا أحد يقول إنه قبض، لأن القبض معناه أن يكون الشيء في قبضتك وفي حوزتك، وأي شيء يكون هذا العدد أن تقبضه أي شيء يكون من القبض، ولكن العلماء يقولون: ما يحتاج إلى عدد فلا بد من عدده لقبضه.
السائل : نعم.
الشيخ : بمعنى إنه لا يتم قبضه إلا بعدده وهذا أمرٌ صحيح.
السائل : نعم.
الشيخ : وأما مسألة أن نقول: مجرد إنسان يمسحه بيده أو يعده بإشارته يكون هذا قبضاً. فهذا غير مسلّم إطلاقاً.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : ثم إن هذه الصفقة في الحقيقة غير مرادة لأن التاجر لا يقلّب هذا الهيل ولا يسأل عن نوعه ولا يسأل عن عيبه وسلامته وربما يكون هذا قد فسد من طول الزمن وربما تكون الأرضة قد أكلته وهم لا يعلمون بل إني أعتقد أن صاحب الدكان لو أتى بأكياسٍ من الرمل وصفها وقال للناس هذه سكر لهؤلاء الذين يتاجرون بهذه الطريقة لأخذوها على أنها سكر بناء على عادتهم أنهم لا يقلبون ولا ينظرون ولا يفعلون شيئاً.
السائل : نعم.
الشيخ : ولقد حكى لي بعض الناس وهو ثقة أنه جاء ليستدين من شخص فذهبوا إلى صاحب دكان وعنده بضاعة لكن هذه البضاعة لا تساوي القدر الذي يريده المستدين فقال ندبر لها شأنا. فباعها صاحب الدكان على التاجر أولا ثم باعها التاجر على الفقير ثانياً ثم باعها الفقير على صاحب الدكان ثالثاً ثم باعها صاحب الدكان مرةٌ ثانية على التاجر ثم التاجر على المستدين حتى أكملت ما يريده هذا المستدين.
السائل : يعني تبايعوها أكثر من مرة.
الشيخ : تبايعوها أكثر من مرة. هي قيمتها ما تساوي القدر.
السائل : نعم.
الشيخ : لكن لعبوا هذه اللعبة المستديرة حتى وصلوا إلى الدراهم التي يريدها هذا المستدين.
السائل : نعم.
الشيخ : وحدثني شخصٌ ءاخر أيضاً أنهم جاءوا إلى صاحب دكان وعنده سكر وكان السكر يساوي مائة بسعره الحاضر فقال: أنا أريد كذا وكذا من الدراهم ألاف فقال هذا السكر لا يساوي نصف ما تريد. قال: إذا نرفع سعره، نرفع قيمته يعني.
السائل : نعم.
الشيخ : حتى يصل إلى الحد الذي تريده. فرفعوا السعر. سعر الكيس بدل من مائة رفعوه حتى يكون قيمة هذا السكر القليل بالغةً ما يريده هذا المستدين.
السائل : نعم.
الشيخ : ومثل هذه الحيل كلها انفتحت على الناس من ال ... من الباب الأول الذي سأل عنه هذا السائل.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : فلا شك عندنا في أن هذه المعاملة واقع فيها من فعلها في الربا بل هو زائدٌ على الذين يرابون صراحة بأنه يخادع الله ورسوله والذين ءامنوا وما يخدع إلا نفسه وما يشعر.
السائل : أحسنتم.
الشيخ : وسوف يندم عندما يحضره أجله.
السائل : نعم.
الشيخ : ولقد ذكر ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" أن رجلا حضره الموت فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، فجعل يقول العشرة إحدى عشرة العشرة إحدى عشرة.
السائل : نعوذ بالله.
الشيخ : لأنها ملكت قلبه فصار والعياذ بالله ابتلي بها عند موته حتى نسي بها شهادة الحق.
السائل : نعوذ بالله.
الشيخ : فنحن ننصح إخواننا المسلمين عن هذه المعاملات المحرمة التي فيها خداع لله ورسوله والمؤمنين ونقول لهم إنما صنعتم بهذه الطريقة أشد مما يصنعه الذين يرابون صراحةً في البنوك وغيرها.
السائل : نعم.
الشيخ : فإنهم أهون منكم لذلك لأنهم يفعلون الربا وهم يعتقدون أنه ربا ويجدون في نفوسهم خجلا من الله عز وجل وانكسارا ويؤملون أن يجددوا توبة، المهم أنهم يعرفون أنهم على خطأ وأنهم مستحقون للعقوبة فتجدهم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه لكن مثل هؤلاء المتحيلين يرون أنهم على طريقة سليمة حلال فيبقون على ما هم عليه ولا يكادون يرجعون أبدا عن هذا الغي وهذا الضلال نسأل الله لنا ولهم السلامة.
السائل : ءامين.
الشيخ : ثم إنه حسب ما نعلم أن ما يؤخذ من الربح في البنوك أقل مما يأخذه هؤلاء من هؤلاء الفقراء والفقراء لا يدرون يظنون أن هذه الطريقة صحيحة وسليمة فيقولون: كوننا نعمل عملا لا إثم فيه ولو زاد علينا الربح أهون من كوننا نعمل عملا محرما ولكني أقول لهم إن هذه الطريقة أشد إثما من طريقة البنوك.
السائل : نعم.
الشيخ : لأنها كما أسلفنا ربا وخداع.
السائل : نعم.
الشيخ : ولكن يبقى النظر أنه من سياسة التعليم الصحيح الذي مشى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا سد الباب من طريق محرم يجب أن يفتح للناس باب من طريق مباح.
السائل : نعم.
الشيخ : حتى لا يقفوا حيارى، نقول في هذه الحالة الطريق السليم إلى ذلك أن الرجل إذا احتاج سلعةً معيّنة بنفسها مثل أن يحتاج إلى سيارة أو إلى مواد بناء أو غيرها فليذهب إلى أهل المعارض الذين يبيعون هذه الأدوات وهذه الأعيان ويشتري منهم العين التي يريدها بنفسها بثمنٍ أكثر مؤجلة.
السائل : نعم.
الشيخ : وبهذا يسلم، يسلم من الإثم. فمثلا إذا كان يحتاج إلى أسمنت مثلا ذهب إلى أهل الأسمنت واشترى منهم ما يساوي عشرة ألاف باثني عشر ألفا وعمر به وكذلك المواد الأخرى من حديد ومواد صحية وما أشبه ذلك.
السائل : نعم.
الشيخ : وبهذا يسلم، قد يقول أنا لا أريد مواد أو أعيانا، أنا أريد دراهم للتزوج أو ما أشبه ذلك، نقول: لا حاجة بك إلى هذه المعاملة المحرمة فإما أن تشتري الأغراض التي للزواج بمثل ما أشرنا إليه في مواد البناء وإما أن تصبر حتى يغنيك الله لأن الله يقول وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ولا ينبغي للإنسان أن يستدين ليتزوج فهذا الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي ولم يكن له بها حاجة قال التمس ولو خاتماً من حديد فلم يجد فزوّجه بما معه من القرأن ولم يرشده إلى أن يستدين أو يستقرض من أحد بل إنما زوّجه بما معه من القرأن فالمهم أن مثل هذا أقصد أن الحاجة للزواج لا ينبغي للإنسان أن يستبيح لنفسه هذه الطريقة المحرمة من أجله.
السائل : نعم.
الشيخ : أي نعم.
السؤال: أحسنتم. إذاً نقول للمستمع عبد الرحمان العبد العزيز العبد الله السيف من القصيم في بريدة أن أسئلته الثلاثة قد مرت في الإجابة التي أجاب بها فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين، وهي الذي يبيع مثلاً قطم الهيل وهي في مكانها لعدة أشخاص، وكذلك الصنف الثاني الذي يذهب نفس المستدين والمديّن لدكان ءاخر ويشترون السلعة وهي في مكانه أيضا ويسلّم صاحب الدكان النقود للمستدين أو الذي يعطي الفلوس نقدا ويقول العشر اثنا عشر أو أربعة عشر، إلى غير ذلك.
الشيخ : طيب.
الشيخ : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى ءاله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
السائل : اللهم صلي وسلم على رسول الله.
الشيخ : هذه المسألة التي ذكرها السائل ابتلي بها كثير من المسلمين مع الأسف الشديد وهي في الواقع مرة ومحزنة لكنها مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم لتركبن سنن من كان قبلكم قالوا يارسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ هذه المسألة هي من الحيل التي كان اليهود يرتكبون مثلها أو أقل أو أكثر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نفعل مثل فعلهم من هذه الحيل.
السائل : نعم.
الشيخ : من المعلوم أن الرجل لو أعطى شخصا عشرة ألاف ريال نقدا سلمها له ورقا.
السائل : نعم.
الشيخ : وقال هذه العشرة باثني عشر ألفا إلى سنة من المعلوم للجميع أن هذا ربا.
السائل : نعم.
الشيخ : وأنه محرم وأن المرابي عليه من الوعيد والعقوبة ما هو معلوم لكل المسلمين فالله تعالى يقول في الذين يرابون فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والنبي صلى الله عليه وسلم لعن ءاكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال هم سواء والحديث في مسلم وفيه أحاديث كثيرة تدل على غلظ هذا العمل، عمل الربا وأنه من كبائر الذنوب العظيمة فإذا كان معلوما أن ما صورناه من قبل من الربا وهو صريح فإن التحيّل على هذا بأي نوع من أنواع الحيل يعتبر وقوعا فيه إذ الحيلة على المحرم لا تقلبه مباحا.
السائل : نعم.
الشيخ : بل تزيده قبحا إلى قبحه لأن الحيلة -نعم- لأن الحيلة على المحرم يجتمع فيها أمران محذوران أحدهما الوقوع في المحرم والثاني المخادعة لله ورسوله.
السائل : نعم.
الشيخ : ونحن نضرب مثلا بما هو أكبر من ذلك الكفر فالكافر الصريح الذي يعلن في كفره هو واقع في الكفر وقد فعل هذا الذنب العظيم لكن المنافق الذي يُظهر الإسلام ويظهر بمظهر الرجل الصالح وهو يبطن الكفر هذا أشد ذنبا وأعظم ولهذا جعل الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار تحت الكفار الذين يصرحون بالكفر فالمتحيل على الربا أشد من المعطي للربا صراحة أو أشد من الأخذ للربا صراحة لأنه جمع بين المحذورين محذور الربا ومحذور التحيل والخداع لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وهذا الحديث يسد على المتحيلين جميع أنواع الحيل، يقال لهم: أنتم قصدتم هذا، فلكم ما قصدتم.
السائل : نعم.
الشيخ : وإنما لكل امرئٍ ما نوى والعملية التي أشار إليها الأخ السائل هي موجودة بكثرة مع الأسف ومنتشرة، وهي من ظهور الربا الذي يؤذن بالهلاك والخطر على هذه الأمة، ومن العجب أنه لو وجد حانات زنا أو خمر لكان كل الناس ينكرونها، لكن توجد هذه الحانات الربوية ولكن الناس ساكتون، لا أحد ينكر ولا أحد يشمئز منها، وذلك لأنها كثرت، وكما قيل: إذا كثر الإمساس قل الإحساس.
السائل : نعم.
الشيخ : هذه الأكياس من الهيل كما قال الأخ تبقى في دكان التاجر مدة سنين يمكن أو شهور أو أسابيع، أو ما شاء الله من هذا.
السائل : نعم.
الشيخ : يأتي إليه التاجر ويشتريها منه حسب ما اتفق مع الفقير على الربح.
السائل : نعم.
الشيخ : لأنه يتفق أولاً مع الفقير على أني بديّنك العشر إحدى عشر أو خمسة عشر أو أكثر أو أقل، ثم يذهب هذا التاجر وهذا المستدين إلى صاحب الدكان، ويشتري التاجر منه السلعة بثمن يتفقان عليه، ثم مع ذلك في الحال في نفس المجلس يبيعها على المستدين حسب ما اتفقا عليه من الربح أو من المرابحة، ثم بعد ذلك يبيعها المستدين على صاحب الدكان بأنزل مما باعها صاحب الدكان به على التاجر.
السائل : نعم.
الشيخ : ثم يأخذ دراهم ويخرج بها في جيبه. هذه هي القضية، الألعوبة والمكر والخديعة. وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة وسماها الصفقة الربوية الثلاثية، هذا معنى ما سماها به، لأنه غاب عني لفظه الأن.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : ومع ذلك قال: هذه حرامٌ بلا ريب وربا. وكان رحمه الله يحكي في مسألة التورق قولين لأهل العلم، ثم يختار هو التحريم، فدل ذلك على أن هذه المسألة ليست هي مسألة التورق التي يتمحش بعض الناس بها، ويقول: إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق. نحن نقول هكذا: إن المشهور من مذهب الحنابلة جواز مسألة التورق، لكن ليست مسألة التورق بهذه الحيلة الظاهرة البيّنة، مسألة التورق كما قال الفقهاء رحمهم الله إذا احتاج الإنسان إلى نقد واشترى ما يساوي مائة بمائة وعشرين إلى أجل.
السائل : نعم.
الشيخ : وطبعاً اشتراه على الوجه السليم الصحيح وليس فيه العشرة إحدى عشرة والعشرة خمسة عشر، ولا شيء، أنا احتجت مثلاً إلى دراهم، فأتيت إلى صاحب الدكان قلت: بع علي هذا الشيء إلى سنة. هو الأن يسوى مائة، قلت له: بمائة وعشرين. وأخذته وذهبت بعته، هذه هي مسألة التورق.
السائل : نعم.
الشيخ : أما هذه المسألة فليست من التورق في شيء، ولا تنطبق على التورق إطلاقاً.
السائل : نعم.
الشيخ : ذلك لأنهما أولاً يتفقون على المرابحة، فيكون التاجر باع على المستدين ما لا يملك بربح، وهذا وإن لم يكن معيّناً لكنه في ذمته.
ثانياً أنها يحصل فيها بيع الشيء قبل حوزته وقبضه.
السائل : نعم.
الشيخ : ثالثاً يحصل فيها بيع الشيء قبل نقله عن محله وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
وكون بعض الناس يقول: أنا قبضتها لأنني عددتها فمجرد العدد ليس قبضا بلا شك، ولا أحد يقول إنه قبض، لأن القبض معناه أن يكون الشيء في قبضتك وفي حوزتك، وأي شيء يكون هذا العدد أن تقبضه أي شيء يكون من القبض، ولكن العلماء يقولون: ما يحتاج إلى عدد فلا بد من عدده لقبضه.
السائل : نعم.
الشيخ : بمعنى إنه لا يتم قبضه إلا بعدده وهذا أمرٌ صحيح.
السائل : نعم.
الشيخ : وأما مسألة أن نقول: مجرد إنسان يمسحه بيده أو يعده بإشارته يكون هذا قبضاً. فهذا غير مسلّم إطلاقاً.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : ثم إن هذه الصفقة في الحقيقة غير مرادة لأن التاجر لا يقلّب هذا الهيل ولا يسأل عن نوعه ولا يسأل عن عيبه وسلامته وربما يكون هذا قد فسد من طول الزمن وربما تكون الأرضة قد أكلته وهم لا يعلمون بل إني أعتقد أن صاحب الدكان لو أتى بأكياسٍ من الرمل وصفها وقال للناس هذه سكر لهؤلاء الذين يتاجرون بهذه الطريقة لأخذوها على أنها سكر بناء على عادتهم أنهم لا يقلبون ولا ينظرون ولا يفعلون شيئاً.
السائل : نعم.
الشيخ : ولقد حكى لي بعض الناس وهو ثقة أنه جاء ليستدين من شخص فذهبوا إلى صاحب دكان وعنده بضاعة لكن هذه البضاعة لا تساوي القدر الذي يريده المستدين فقال ندبر لها شأنا. فباعها صاحب الدكان على التاجر أولا ثم باعها التاجر على الفقير ثانياً ثم باعها الفقير على صاحب الدكان ثالثاً ثم باعها صاحب الدكان مرةٌ ثانية على التاجر ثم التاجر على المستدين حتى أكملت ما يريده هذا المستدين.
السائل : يعني تبايعوها أكثر من مرة.
الشيخ : تبايعوها أكثر من مرة. هي قيمتها ما تساوي القدر.
السائل : نعم.
الشيخ : لكن لعبوا هذه اللعبة المستديرة حتى وصلوا إلى الدراهم التي يريدها هذا المستدين.
السائل : نعم.
الشيخ : وحدثني شخصٌ ءاخر أيضاً أنهم جاءوا إلى صاحب دكان وعنده سكر وكان السكر يساوي مائة بسعره الحاضر فقال: أنا أريد كذا وكذا من الدراهم ألاف فقال هذا السكر لا يساوي نصف ما تريد. قال: إذا نرفع سعره، نرفع قيمته يعني.
السائل : نعم.
الشيخ : حتى يصل إلى الحد الذي تريده. فرفعوا السعر. سعر الكيس بدل من مائة رفعوه حتى يكون قيمة هذا السكر القليل بالغةً ما يريده هذا المستدين.
السائل : نعم.
الشيخ : ومثل هذه الحيل كلها انفتحت على الناس من ال ... من الباب الأول الذي سأل عنه هذا السائل.
السائل : نعم نعم.
الشيخ : فلا شك عندنا في أن هذه المعاملة واقع فيها من فعلها في الربا بل هو زائدٌ على الذين يرابون صراحة بأنه يخادع الله ورسوله والذين ءامنوا وما يخدع إلا نفسه وما يشعر.
السائل : أحسنتم.
الشيخ : وسوف يندم عندما يحضره أجله.
السائل : نعم.
الشيخ : ولقد ذكر ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" أن رجلا حضره الموت فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، فجعل يقول العشرة إحدى عشرة العشرة إحدى عشرة.
السائل : نعوذ بالله.
الشيخ : لأنها ملكت قلبه فصار والعياذ بالله ابتلي بها عند موته حتى نسي بها شهادة الحق.
السائل : نعوذ بالله.
الشيخ : فنحن ننصح إخواننا المسلمين عن هذه المعاملات المحرمة التي فيها خداع لله ورسوله والمؤمنين ونقول لهم إنما صنعتم بهذه الطريقة أشد مما يصنعه الذين يرابون صراحةً في البنوك وغيرها.
السائل : نعم.
الشيخ : فإنهم أهون منكم لذلك لأنهم يفعلون الربا وهم يعتقدون أنه ربا ويجدون في نفوسهم خجلا من الله عز وجل وانكسارا ويؤملون أن يجددوا توبة، المهم أنهم يعرفون أنهم على خطأ وأنهم مستحقون للعقوبة فتجدهم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه لكن مثل هؤلاء المتحيلين يرون أنهم على طريقة سليمة حلال فيبقون على ما هم عليه ولا يكادون يرجعون أبدا عن هذا الغي وهذا الضلال نسأل الله لنا ولهم السلامة.
السائل : ءامين.
الشيخ : ثم إنه حسب ما نعلم أن ما يؤخذ من الربح في البنوك أقل مما يأخذه هؤلاء من هؤلاء الفقراء والفقراء لا يدرون يظنون أن هذه الطريقة صحيحة وسليمة فيقولون: كوننا نعمل عملا لا إثم فيه ولو زاد علينا الربح أهون من كوننا نعمل عملا محرما ولكني أقول لهم إن هذه الطريقة أشد إثما من طريقة البنوك.
السائل : نعم.
الشيخ : لأنها كما أسلفنا ربا وخداع.
السائل : نعم.
الشيخ : ولكن يبقى النظر أنه من سياسة التعليم الصحيح الذي مشى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا سد الباب من طريق محرم يجب أن يفتح للناس باب من طريق مباح.
السائل : نعم.
الشيخ : حتى لا يقفوا حيارى، نقول في هذه الحالة الطريق السليم إلى ذلك أن الرجل إذا احتاج سلعةً معيّنة بنفسها مثل أن يحتاج إلى سيارة أو إلى مواد بناء أو غيرها فليذهب إلى أهل المعارض الذين يبيعون هذه الأدوات وهذه الأعيان ويشتري منهم العين التي يريدها بنفسها بثمنٍ أكثر مؤجلة.
السائل : نعم.
الشيخ : وبهذا يسلم، يسلم من الإثم. فمثلا إذا كان يحتاج إلى أسمنت مثلا ذهب إلى أهل الأسمنت واشترى منهم ما يساوي عشرة ألاف باثني عشر ألفا وعمر به وكذلك المواد الأخرى من حديد ومواد صحية وما أشبه ذلك.
السائل : نعم.
الشيخ : وبهذا يسلم، قد يقول أنا لا أريد مواد أو أعيانا، أنا أريد دراهم للتزوج أو ما أشبه ذلك، نقول: لا حاجة بك إلى هذه المعاملة المحرمة فإما أن تشتري الأغراض التي للزواج بمثل ما أشرنا إليه في مواد البناء وإما أن تصبر حتى يغنيك الله لأن الله يقول وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ولا ينبغي للإنسان أن يستدين ليتزوج فهذا الرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه المرأة التي وهبت نفسها للنبي ولم يكن له بها حاجة قال التمس ولو خاتماً من حديد فلم يجد فزوّجه بما معه من القرأن ولم يرشده إلى أن يستدين أو يستقرض من أحد بل إنما زوّجه بما معه من القرأن فالمهم أن مثل هذا أقصد أن الحاجة للزواج لا ينبغي للإنسان أن يستبيح لنفسه هذه الطريقة المحرمة من أجله.
السائل : نعم.
الشيخ : أي نعم.
السؤال: أحسنتم. إذاً نقول للمستمع عبد الرحمان العبد العزيز العبد الله السيف من القصيم في بريدة أن أسئلته الثلاثة قد مرت في الإجابة التي أجاب بها فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين، وهي الذي يبيع مثلاً قطم الهيل وهي في مكانها لعدة أشخاص، وكذلك الصنف الثاني الذي يذهب نفس المستدين والمديّن لدكان ءاخر ويشترون السلعة وهي في مكانه أيضا ويسلّم صاحب الدكان النقود للمستدين أو الذي يعطي الفلوس نقدا ويقول العشر اثنا عشر أو أربعة عشر، إلى غير ذلك.
الشيخ : طيب.
الفتاوى المشابهة
- إذا طلب شخص من آخر أن يدينه مبلغ من المال غا... - ابن عثيمين
- حكم التعامل في البيع والشراء بطريقة التورق - ابن عثيمين
- ما حكم بيع التورق (معناه أن يشتري الرجل بضاعة... - الالباني
- حديث أمرنا أن نتركهم وما يدينون - اللجنة الدائمة
- ماهي مسألة التورق و ما حكمها ؟ - ابن عثيمين
- من مسائل البيوع بيع التورق نرجو أن تحدثنا عن... - ابن عثيمين
- توفي رجل وهو يتعامل بالدين على الوجه التالى... - ابن عثيمين
- ما حكم من استدان بالربا ثم تاب من هذا الفعل ؟ - الالباني
- يقول السائل : عندي كمية من أكياس الأرز وهو ب... - ابن عثيمين
- سؤاله الآخر يقول إن بعض هؤلاء التجار الذين ي... - ابن عثيمين
- يقول في رسالته يوجد عندنا بعض التجار الذين ي... - ابن عثيمين