المقصود بكلمة العلم ؟ ومن هم العلماء ؟ وكيف التوصل إلى معرفة العلم الصحيح من غيره ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : ... أما بعد :
فهذه هذا اللقاء من جملة اللقاءات المتعددة التي تُعقد مع فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، والذي يزور البلاد بدعوة من جمعيَّة إحياء التراث الإسلامي ، ونسأل الله - عز وجل - أن ينفعنا في هذه الجلسة ، والموضوع الذي نرجو أن يتحدَّث فيه فضيلة الشيخ هو ما هو العلم ؟ يعني ما المقصود بكلمة العلم ؟ ومن هم العلماء ؟ وكيف التوصُّل إلى معرفة العلم الصحيح من غيره ؟ وبعد ذلك - إن شاء الله - نستمع إلى أسئلة أخرى ، والتي ستكون مكتوبة على ورق .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ، أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
فإن الباعث على البحث في العلم النافع العلم الشرعي الذي تقوم به الحجَّة على المسلم إنما هو ما نسمعه ما بين آونةٍ وأخرى من فتاوى تصدر من بعض من يُظنُّ أنهم من أهل العلم ، وفي الغالب تكون هذه الفتاوى مُخالفةً لما جرى عليه عمل الأئمة السَّابقين من السلف الصالح والأئمَّة المجتهدين ، وكان أقرب مثال وقع لي آنفًا سؤال كنت سُئلت عنه فيما مضى من بعض الجلسات ؛ ألا وهو معنى وفي سبيل الله في آية مصاريف الزكاة ؛ إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية ، ثم قال - تعالى - : وفي سبيل الله ، كان السؤال : هل في سبيل الله يختصُّ بالجهاد في سبيل الله ؟ أم يشمل - أيضًا - مصالح أخرى للمسلمين ؛ كبناء المساجد ، والمدارس ، واتخاذ المرافق والمنافع العامة للمسلمين ؟ فهل في سبيل الله في هذا الموضع من آية مصاريف الزكاة يشمل غير الجهاد في سبيل الله ممَّا ألمحنا إليه آنفًا ؟ فيجوز إذا كانت الآية تشمل تلك الأمور ، فيجوز للغنيِّ أن يُعطيَ ماله لبناء مسجد ، أو لبناء مدرسة ، أو مستشفى ، أو غير ذلك ؟ فكان جوابي أنَّ معنى قول الله - عز وجل - في هذه الآية الكريمة وفي سبيل الله خاص في مسألتين اثنتين لا ثالث لهما :
الأولى : ما هو معروف لدى الجميع ؛ ألا وهو الجهاد في سبيل الله ، فهذا مصرف من مصارف الزكاة ، يصرفه المكلَّف بها في سبيل الله ، في الجهاد في سبيل الله .
الأمر الثاني : ممَّا جاء الدليل الشرعي ليُوسِّع كلمة في سبيل الله أو وفي سبيل الله ، فيُدخل في هذه الجملة إنفاقَ المال في الإحجاج للفقير إلى بيت الله الحرام ، فيكون معنى وفي سبيل الله أي : في الجهاد والحج ، ولم يأتِ عن أحد من السلف ، بل ولا الأئمة المجتهدين توسعة لهذه الجملة بأكثر من الأمرين المذكورين ، وفي سبيل الله أي : في الجهاد في سبيل الله ، وفي الإحجاج - أيضًا - للفقير المحتاج إلى بيت الله الحرام .
الأمر الثاني هذا - الإحجاج للفقير - قد جاء فيه حديث صحيح في " سنن أبي داود " و " مسند الإمام أحمد " وغيرهما أن رجلًا من الصحابة يُعرف بأبي طلْق حجَّ مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجَّة الوداع ، فلما رجع جاءت زوجته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تشكوه إليه - عليه الصلاة والسلام - ، وقالت : يا رسول الله ، إن زوجي أبا طلق لم يحجِّجني على جمله فلان . فأرسل الرسول - عليه السلام - خلف أبي طلْق ، فسأله عن هذه الشكوى ، فقال : يا رسول الله ، جملي هذا أعددته في سبيل الله - عز وجل - . فقال - عليه الصلاة والسلام - : لو أنك أحججتها عليه لَكان ذلك في سبيل الله ، فأخذ الإمام أحمد - رحمه الله - من بين الأئمَّة الأخرين الذين حصَروا معنى وفي سبيل الله في الجهاد في سبيل الله ، أخذ الإمام أحمد من هذا الحديث معنًى آخر ، فأضافه إلى المعنى الأول ؛ فقال : وفي سبيل الله أي : الجهاد ، والإحجاج - أيضًا - في سبيل الله ، كما دلَّ عليه هذا الحديث الصحيح .
لم يأتِ عن أحد من السلف معنًى أوسع من هذا المعنى الذي سمعتموه وهو الإحجاج ، بينما نجد اليوم فتاوى تصدُر من هنا وهناك أنَّ معنى هذه الجملة وفي سبيل الله واسع ؛ بحيث يدخل تحته كل المصالح التي يَنتفع فيها المسلمون ، ومن ذلك - ما أشرنا إليه آنفًا - بناء المساجد ، والمدارس ، ونحو ذلك ، هذا كان السبب لإثارة هذا البحث الآن ، وهو ما هو العلم الذي يذكره الله - عز وجل - في غير ما آية ، ويشيد الرسول - عليه السلام - بفضله في أحاديث كثيرة ، الله - عز وجل - يقول مثلًا : هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول - مثلًا - : من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة ، والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرة جدًّا ، منها قوله - عليه السلام - : من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ؛ فما هو هذا العلم الذي مدح الله - عز وجل - أهله ، ثم أكَّد ذلك نبيه - عليه الصلاة والسلام - في الأحاديث الكثيرة ؟ أَهُوَ مجرَّد أن نسمع قولًا لعالم مهما كان شأن هذا العالم يفسِّر لنا آية أو يفسِّر لنا حديثًا تفسيرًا لم يُسبق إليه من علماء السلف الصالح ، ومَنْ جاؤوا من بعدهم ، أو مَن كان منهم من الأئمة المجتهدين ، وأتباعهم الذي سلكوا طريق الأولين ، هل هذا هو من العلم في شيء ؟ الجواب : نسمعه من كلام ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - فإنه يقول :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويهِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرَّسول وبين رأي فقيهِ
كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرًا من التَّعطيل والتشبيه "
ما هو العلم ؟ كلام عربي واضح مبين ، العلم قال الله ، أول مرتبة هذه ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم قال الصحابة ، وهذا طبعًا إذا اتفقوا على شيء كان اتفاقهم حجة ، كما أوضحنا ذلك في كلمة سابقة منذ ليال قريبة ، استدلالًا بمثل قوله - تبارك وتعالى - : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين ، فسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة الكرام ، فلا يجوز مخالفتهم ، فالعلم إذًا إنما نأخذه من قول الله - عز وجل - ، ثم من قول نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم ممَّا جاءنا عن أصحابه الكرام .
فإذا جاء مُفسِّر إلى آية مثل هذه الآية ، وفي سبيل الله فوسَّع المعنى توسعة دخل فيها صرف أموال الزكاة في بناء المساجد ، صرف أموال الزكاة في بناء المدراس ، وهكذا ، لا ينبغي أن ننصاع لمثل هذه التوسعة أو لمثل هذا التفسير ؛ لأنه تفسير بالرأي ، مُخالف لتفسير السلف الصالح ، لو رجعنا إلى كتب التفسير ؛ لا سيَّما ما كان منها من الأمهات ، ومن المراجع الأساسية التي يعتمد عليها كلُّ المفسرين الذين جاؤوا من بعدهم كـ " تفسير ابن جرير الطبري " ، محمد بن جرير الطبري المُفسِّر والمُحدِّث و المُؤرِّخ المشهور ، أو رجعنا في ذلك إلى " تفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي " ، أيضًا المُفسِّر والمُحدِّث والمُؤرِّخ ؛ لم نجد لمثل هذا التفسير في جملة وفي سبيل الله أنه بالمعنى العام الشامل لكل طرق الخير ، وإنما وجدنا فيهما وفي غيرهما من كتب التفسير ، بل وكتب الفقه - أيضًا - في سبيل الله الجهاد والحج إلى بيت الله الحرام ، فحينما نجد مثل هذا التوسُّع فلا ينبغي لنا أن نتقبَّل مثله ؛ لأنه خلاف ما كان عليه سلفنا الصالح ، وقد ذكرنا أكثر من مرَّة بأننا حينما ندعو الناس إلى اتباع كتاب الله ، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فإنما ينبغي أن يكون اتِّباعنا لهذين المصدرين على ما كان عليه سلفنا الصالح فهمًا لهما ، وتطبيقًا لهما في حياتهم المباركة ، فحينما نراجع تفسير هذه الآية لا نجد هذا التوسع ، فيكون هذا التفسير فيه انحراف عما كان عليه السلف الصالح ، وهذا وحده يكفي لنتبيَّن خطأ مثل هذا التفسير .
كثيرًا ما نسمع - أيضًا - فتاوى تخالف ما كان عليه السلف الصالح ، والأئمة الأربعة ، وغيرهم مما يذهب إليه بعض الكُتَّاب الإسلاميين اليوم ، زعموا من باب التيسير والتوسعة للناس ، فلا بد أنكم سمعتم من يصرح بإباحة آلات الطرب ، مع أن العلماء قديمًا وأتباعهم حديثًا يُفسِّرون قوله - تعالى - : ومن الناس من يشتري لهو الحديث لِيُضلَّ عن سبيل الله فسَّروا لهو الحديث بالغناء ، الذي فيه إلهاء للَّذين يتعاطوْن هذا الغناء عن القيام بواجبات إسلامية كثيرة ، وقد يكون منها المحافظة على الصلاة ، فحينما يأتي بعض الناس يُفسرون هذا التفسير لهو الحديث بالكلام الذي يُخالف الشريعة مثلًا ، أو فيه إثارة الغوغاء والضَّوضاء على كلام الله فقط ، ولا يُفسرونه - أيضًا - بأنه الغناء - أيضًا - ، مع مجيء الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تحريم آلات الطرب ، مما يؤيِّد هذا التفسير الوارد عن السلف ، أن من لهو الحديث هو الغناء ، فمن تلك الأحاديث مثلًا - ولست في صددها كلها - ما أخرجه البخاري في " صحيحه " تعليقًا ، ووصله جمع كثير من المحدثين بالسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ليكوننَّ في أمَّتي أقوامٌ يستحلُّون الحرَ أي : الزنا ، والحرير أي : الحرير الحيواني ، والمسمَّى في بعض البلاد بالبلدي - أي : غير النباتي - ، يستحلون الحرَ والحرير والمعازف ، يُمسون في لهو ولعب ، ويُصبحون وقد مسخوا قردة وخنازيز ، نسمع اليوم كثيرًا من الناس من يُعلنها صريحة ، إما كتابة أو محاضرة بأن آلات الطرب جائزة ، على ما تفنَّن الكفار الأوروبيون اليوم من ابتكار آلات كثيرة وكثيرة جدًّا ، إذا سمعها السامع انهارت قواه ، وذهبت معانيه الإسلامية ، والمروءة الإسلامية ، وصار لا يهتم بما يقع هناك من فسق أو فجور .
حينما نسمع مثل هذه الفتاوى يجب أن نقفَ أمامها متسائلين ، ولا يجوز أن نقف أمامها مستسلمين ؛ لنقول لهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، كيف توسِّعون معنى وفي سبيل لله بحيث أنه يدخل فيها بناء المساجد ، فلا يبقى غنيٌّ يتبرع من ماله الكثير الوفير تبرعًا فوق ما فرض الله - عز وجل - عليه من الزكاة ، فهو لا يعمل خيرًا إلا في حدود الفرض ، أما التطوع فقد منعَ نفسه منه ؛ لأن هؤلاء العلماء أوجدوا له طريقًا ، أنُّو كل سبيل خير تنفقه فيمكنك أن تعتبر ذلك من الزكاة المفروضة .
وهكذا فالأمثلة تتعدَّد في تفسير نصوص من الكتاب ، ونصوص من السنة على خلاف ما كان عليه علماء المسلمين قديمًا ؛ فإذًا ما هو العلم حتى إذا قيل لنا قوْلٌ فلا نقول والله أفتى بهذا فلان العالم ؟ يجب أن نفهم العلم على حقيقته ما هو ؟ وبذلك نعرف من هم العلماء ؟ قد سمعتم آنفًا أن العلم قال الله ، قال رسول الله ، قال الصحابة ، وليس العلم - وهذا تسمعونه صراحة من بعض هؤلاء الذين يأتونكم بالفتاوى الجديدة - بيقلك هذا رأيي وأنت حر ، ليس في الإسلام هذا رأيي وأنت حر ، وإنما عليك أن تُفتي بما قال الله ، وما قال رسول الله ، وبما كان عليه سلفنا الصالح ، فإن كان ليس هناك رأي لهؤلاء العلماء الذين مضَوْا في مسألة جدَّت ، والله هنا لا بد من اجتهاد ، ولا بد من إبداء الرأي ، لكن الرأي المبني على تلك المصادر الثلاثة الكتاب والسنة والإجماع ، أما أن ينتصب الإنسان فيُفتي بفتوى يخالف فيها من كان قبلنا من السلف ، بل ويُخالف فيها نصوص الكتاب والسنة بتأويل هذه النصوص تأويلًا يتَّفق مع ما يذهب عليه من الرأي ، وختامًا يقول هذا رأيي ! يقول أهل العلم : " إذا جاء الأثر بطل النظر " ، إذا جاء الأثر عن الله ورسوله أو أصحابه ؛ فلم يبقَ هناك مجال للنظر ، ويقولون - بعبارة أخرى - : " لا اجتهاد في مورد النَّصِّ " ، " وإذا جاء نهر الله - أيضًا يقولون بلسان عربي قديم - بطل نهر معقِل " ، فهذا الرأي إنما يُمكن أن يكون له وجاهة ، وأن يكون له قَبول فيما إذا لم يُخالف ، إما آية ، وإما حديث ، أو ما كان عليه السلف من تفسير آية ، أو من تفسير حديث صحيح . لذلك يجب أن نعرف كيف نتفقَّه ، وكيف نتعلَّم .
ونحن لا نفرض - كما يتوهَّم بعض الناس ، بل وقد يُصرِّح بعضهم - لا نريد من كل إنسان أن يصير عالمًا وفقيهًا في كتاب الله ، وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإن هذا ليس بالأمر المتيسِّر لأكثر الناس ، حتى لكثير من هؤلاء الذين نَصبوا أنفسهم لإبداء آراء لهم تخالف الكتاب والسنة ، ليس من السَّهل لأمثال هؤلاء أن يجتهدوا الاجتهاد الذي يستند على الكتاب وعلى السنة ، فالاعتماد على الكتاب لا بد فيه أن يرجع المعتمد إلى ما أشرنا إليه من كتب التفسير ، والاعتماد على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا بد في ذلك من الاعتماد على ما صحَّ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا حينما يريد أن يجتهد وأن يُبديَ رأيه في مسألة حدثت ؛ لا بد أن يكون استند إلى عمومات الأدلَّة من كتاب الله ، ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإلَّا فمَن لم يكن بهذه المثابة لا يكون عالمًا ؛ لأن العلماء جميعًا اتفقوا على أن العالم هو الذي يقول في كل ما يذهب إليه قال الله قال رسول الله ، والمقلِّد ليس عالمًا بإجماع العلماء ، المقلِّد الذي يقول قال الشيخ الفلاني ، أو أفتى الشيخ الفلاني بكذا ؛ هذا ليس من العلم في شيء ، بل هذا من الجهل الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح ، وهو ما أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنه يَقبِض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلُّوا وأضلُّوا هذا حديث صحيح ، وقد صرَّح فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن العلم ينقرض رويدًا رويدًا ، ولا يذهب العلم انتزاعًا ينتزعه ربُّنا من أهل العلم والفضل ، وإنما يموت أهل العلم سنة الله في خلقه ، ثم يبقى ناس لا يعرفون من العلم شيئًا ، وأعود لأذكِّركم ؛ العلم قال الله قال رسول الله ، وليس قال فلان وأفتى فلان ، وهذا هو واقعنا في العصر الحاضر .
لذلك ننصح إخواننا المسلمين جميعًا ، وبخاصَّة من كان منهم معنا على هذا الخطِّ والصراط المستقيم في اتِّباع كتاب الله ، وفي حديث رسول الله ؛ أن يسألوا هؤلاء المفتين ، لا أقول أن يجتهدوا هم - وهُم ليسوا أهل اجتهاد ! - ، وإنما أن يسألوا المفتين حينما يُفتونهم برأي له في مسألة ، من أين جئت بهذا ؟ إذا كان من لغة العصر الحاضر اليوم التَّدقيق في ما يتعلق بجمع الأموال ، ويُلفتون النظر بأن من النظام الإسلامي أن يُحاسب الحُكَّام والولاة الذين يُثرون ويغتنون بعد أن انتصبوا في وظائفهم ؛ أن يُسألوا : من أين لكم هذا المال ؟ فأولى من المال العلم ، أن يُقال لهم : من أين جئتم بهذا الذي تفتنون به الناس ؟ إن قالوا : قال الله ؛ قلنا لهم : فسروا لنا قول الله بما فسره السلف ، لا بما أنتم ترونه ويراه غيركم من أهل الرأي في هذا العصر ! وإذا قالوا لنا : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ نسألهم هل هذا الحديث صحيح أم ليس بصحيح ؟ فإذا قالوا هذا حديث صحيح فنُحمِّلهم تَبْعَتَهُ ، وليس علينا نحن من مسؤولية ؛ لأنُّو المفروض أن يكونوا أهل أمانة ، فإذا أفتونا بحديث ضعيف وكان الواقع أنه حديث ، لا أفتونا بحديث كان واقعه ضعيفًا وقالوا إنه حديث صحيح ؛ فعليهم ما حُمِّلوا ، لأنهم هم المسؤولون عن أداء الأمانة إلى الناس .
إذًا لا ننسى أن الناس جميعًا طائفتان مُصرَّح بهما في القرآن ؛ حيث قال - عز وجل - : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، أهل الذكر هم أهل القرآن ؛ لأن الذكر قد ذُكِر في غير هذه الآية ، واتفق العلماء من أجل ذلك على أن المقصود بالذكر هنا وهناك إنما هو القرآن ، فالله - عز وجل - حينما قال : إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون كان المقصود بهذا الذكر هو القرآن الكريم ، كذلك لمَّا قال - عليه الصلاة والسلام - في الآية السابقة التي قسمت الناس إلى علماء وغير علماء ، لما قال : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ؛ فالمقصود بالذكر في هذه الآية - أيضًا - هو عين المقصود في الآية السابقة ؛ ألا وهو القرآن .
فإذا سألنا أهل القرآن ، وأيضًا من البداهة في مكان أنه ليس المقصود بأهل القرآن هنا هم الذين يرتِّلون القرآن ، ويحفظون حروفه ، وأحكامه المتعلقة بعلم التجويد ، وقد يُطرِبون فيه طربًا غير مشروع ، لكنهم لا يفقَهون شيء من معاني ما يتلون ، ليس المقصود بأهل القرآن هؤلاء الذين يَحفظون حروفه دون معانيه ، وإنما المقصود بالقرآن إنما هم أهل العلم ؛ أي : أهل الفهم بكتاب الله - عز وجل - وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
لا يمكن - إذا لم نقل لا يجوز - لمسلم أن يتصوَّر عالمًا بالقرآن بتفسيره وبمعانيه وهو جاهل بالسنة ، ولذلك يجب أن نستحضر في بالنا وفي خاطرنا أننا حينما نُفسِّر هذه الآية فاسألوا أهل الذكر بأهل القرآن ، وأنه المقصود به أهل العلم بالقرآن والفهم لمعانيه ؛ يجب أن نستحضر أنهم - أيضًا - على علم بالسنة ، وإلا فمن كان جاهلًا بالسنة ، أو لا يُميِّز صحيحها من ضعيفها ، وضعيفها من موضوعها ؛ فهذا لا يمكنه أن يفْقه القرآن بصورة باتَّة ، لا يمكن لإنسان أن يُفسِّر القرآن إلا اعتمادًا على سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
وهذا مما يدل عليه القرآن نفسه ؛ لأن الله - عز وجل - قد قال فيه مخاطبًا به نبيَّه : وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم ، فبيان الرسول - عليه السلام - للقرآن هو سنَّته ، هذا البيان إذا لم يعرفه العالم ؛ فلن يستطيع أبدًا أن يُفسِّر القرآن تفسيرًا صحيحًا ، ولذلك فنحن نرى في هذا العصر ، وقبل هذا العصر كثيرًا من الناس لا يعرفون من السنة شيئًا يُذْكر ، ومع ذلك فهم يتجرَّؤون على الآيات القرآنية ، ويفسِّرونها بأهوائهم بما لا يُفهم ، حتى ولا في عرف اللغة التي نزل بها القرآن .
إذًا الآية الكريمة الكريم تقسم الناس إلى قسمين ، علماء وغير علماء ، واجب العلماء أن يفتوا غير العلماء ، واجب غير العلماء أن يسألوا أهل العلم بصريح هذه الآية ، فكل من القسمين عليه واجبه ، من ليس عالمًا فاسألوا أهل الذكر أهل العلم ، ومن كان من أهل العلم ؛ فعليه أن يُبلِّغ هذا العلم ، وإلَّا شَملته اللعنة التي جاء ذكرها في القرآن ، ووعيد حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - : من سُئِل عن علم فكتمَه ألجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من النار .
ولذلك ؛ أي : تحقيقًا لوجوب السؤال ممَّن ليس بعالم أن يسأل أهل العلم ، قد قال - عليه السلام - في حديث معروف : ألا سألوا حين جهلوا ، فإنما شفاء العيِّ السؤال ، فإذا نحن سألنا من ليس عالمًا بالكتاب والسنّة فلم نسأل عالمًا ؛ فإذا أفتانا هذا الذي ليس عالمًا بالكتاب والسنة ، أو أفتانا على خلاف الكتاب والسنة ، فلم يُقدِّم إلينا علمًا ؛ فلا يجوز لنا حينئذٍ أن نتَّبعَه ، وإلا بنكون ضللنا معه ، كما سمعتم في الحديث السابق : إن الله - عز وجل - لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنه يَقبِضُ العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علمٍ ، فضلُّوا وأضلُّوا ، فإذا كان هناك بعض الناس لا يهُمُّهم أن يضِلوا بسبب إفتائهم بالرأي المخالف للعلم الصحيح ؛ فينبغي على جماهير المسلمين الذين ليسوا من أهل العلم ، وواجبهم - كما ذكرنا - أن يسألوا ، فينبغي عليهم أن يتنبَّهوا ، وأن لا يضِلُّوا مع من ضلَّ من هؤلاء الذين يُفتون بغير علم ، وسبيل ذلك هو أن نتأدَّب بأمر الله - عز وجل - في القرآن هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، وإن لم نفعل كما يأمرنا ربُّنا في هذه الآية ضللنا مع الضالين ، وكنا من أهل الجحيم .
نسأل الله - عز وجل - أن يحفظنا وإياكم من كلِّ ما يُضلِّلنا ، ويخرجنا عن سواء السبيل ، ولعل في هذا القدر كفاية لبيان أن العلم النافع إنما هو قال الله ، قال رسول الله ، قال الصحابة .
السائل : جزاك الله خيرًا .
الشيخ : وإياك .
فهذه هذا اللقاء من جملة اللقاءات المتعددة التي تُعقد مع فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، والذي يزور البلاد بدعوة من جمعيَّة إحياء التراث الإسلامي ، ونسأل الله - عز وجل - أن ينفعنا في هذه الجلسة ، والموضوع الذي نرجو أن يتحدَّث فيه فضيلة الشيخ هو ما هو العلم ؟ يعني ما المقصود بكلمة العلم ؟ ومن هم العلماء ؟ وكيف التوصُّل إلى معرفة العلم الصحيح من غيره ؟ وبعد ذلك - إن شاء الله - نستمع إلى أسئلة أخرى ، والتي ستكون مكتوبة على ورق .
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا .
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ، أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
فإن الباعث على البحث في العلم النافع العلم الشرعي الذي تقوم به الحجَّة على المسلم إنما هو ما نسمعه ما بين آونةٍ وأخرى من فتاوى تصدر من بعض من يُظنُّ أنهم من أهل العلم ، وفي الغالب تكون هذه الفتاوى مُخالفةً لما جرى عليه عمل الأئمة السَّابقين من السلف الصالح والأئمَّة المجتهدين ، وكان أقرب مثال وقع لي آنفًا سؤال كنت سُئلت عنه فيما مضى من بعض الجلسات ؛ ألا وهو معنى وفي سبيل الله في آية مصاريف الزكاة ؛ إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية ، ثم قال - تعالى - : وفي سبيل الله ، كان السؤال : هل في سبيل الله يختصُّ بالجهاد في سبيل الله ؟ أم يشمل - أيضًا - مصالح أخرى للمسلمين ؛ كبناء المساجد ، والمدارس ، واتخاذ المرافق والمنافع العامة للمسلمين ؟ فهل في سبيل الله في هذا الموضع من آية مصاريف الزكاة يشمل غير الجهاد في سبيل الله ممَّا ألمحنا إليه آنفًا ؟ فيجوز إذا كانت الآية تشمل تلك الأمور ، فيجوز للغنيِّ أن يُعطيَ ماله لبناء مسجد ، أو لبناء مدرسة ، أو مستشفى ، أو غير ذلك ؟ فكان جوابي أنَّ معنى قول الله - عز وجل - في هذه الآية الكريمة وفي سبيل الله خاص في مسألتين اثنتين لا ثالث لهما :
الأولى : ما هو معروف لدى الجميع ؛ ألا وهو الجهاد في سبيل الله ، فهذا مصرف من مصارف الزكاة ، يصرفه المكلَّف بها في سبيل الله ، في الجهاد في سبيل الله .
الأمر الثاني : ممَّا جاء الدليل الشرعي ليُوسِّع كلمة في سبيل الله أو وفي سبيل الله ، فيُدخل في هذه الجملة إنفاقَ المال في الإحجاج للفقير إلى بيت الله الحرام ، فيكون معنى وفي سبيل الله أي : في الجهاد والحج ، ولم يأتِ عن أحد من السلف ، بل ولا الأئمة المجتهدين توسعة لهذه الجملة بأكثر من الأمرين المذكورين ، وفي سبيل الله أي : في الجهاد في سبيل الله ، وفي الإحجاج - أيضًا - للفقير المحتاج إلى بيت الله الحرام .
الأمر الثاني هذا - الإحجاج للفقير - قد جاء فيه حديث صحيح في " سنن أبي داود " و " مسند الإمام أحمد " وغيرهما أن رجلًا من الصحابة يُعرف بأبي طلْق حجَّ مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حجَّة الوداع ، فلما رجع جاءت زوجته إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تشكوه إليه - عليه الصلاة والسلام - ، وقالت : يا رسول الله ، إن زوجي أبا طلق لم يحجِّجني على جمله فلان . فأرسل الرسول - عليه السلام - خلف أبي طلْق ، فسأله عن هذه الشكوى ، فقال : يا رسول الله ، جملي هذا أعددته في سبيل الله - عز وجل - . فقال - عليه الصلاة والسلام - : لو أنك أحججتها عليه لَكان ذلك في سبيل الله ، فأخذ الإمام أحمد - رحمه الله - من بين الأئمَّة الأخرين الذين حصَروا معنى وفي سبيل الله في الجهاد في سبيل الله ، أخذ الإمام أحمد من هذا الحديث معنًى آخر ، فأضافه إلى المعنى الأول ؛ فقال : وفي سبيل الله أي : الجهاد ، والإحجاج - أيضًا - في سبيل الله ، كما دلَّ عليه هذا الحديث الصحيح .
لم يأتِ عن أحد من السلف معنًى أوسع من هذا المعنى الذي سمعتموه وهو الإحجاج ، بينما نجد اليوم فتاوى تصدُر من هنا وهناك أنَّ معنى هذه الجملة وفي سبيل الله واسع ؛ بحيث يدخل تحته كل المصالح التي يَنتفع فيها المسلمون ، ومن ذلك - ما أشرنا إليه آنفًا - بناء المساجد ، والمدارس ، ونحو ذلك ، هذا كان السبب لإثارة هذا البحث الآن ، وهو ما هو العلم الذي يذكره الله - عز وجل - في غير ما آية ، ويشيد الرسول - عليه السلام - بفضله في أحاديث كثيرة ، الله - عز وجل - يقول مثلًا : هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ، الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول - مثلًا - : من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة ، والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرة جدًّا ، منها قوله - عليه السلام - : من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ؛ فما هو هذا العلم الذي مدح الله - عز وجل - أهله ، ثم أكَّد ذلك نبيه - عليه الصلاة والسلام - في الأحاديث الكثيرة ؟ أَهُوَ مجرَّد أن نسمع قولًا لعالم مهما كان شأن هذا العالم يفسِّر لنا آية أو يفسِّر لنا حديثًا تفسيرًا لم يُسبق إليه من علماء السلف الصالح ، ومَنْ جاؤوا من بعدهم ، أو مَن كان منهم من الأئمة المجتهدين ، وأتباعهم الذي سلكوا طريق الأولين ، هل هذا هو من العلم في شيء ؟ الجواب : نسمعه من كلام ابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى - فإنه يقول :
" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويهِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرَّسول وبين رأي فقيهِ
كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرًا من التَّعطيل والتشبيه "
ما هو العلم ؟ كلام عربي واضح مبين ، العلم قال الله ، أول مرتبة هذه ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ثم قال الصحابة ، وهذا طبعًا إذا اتفقوا على شيء كان اتفاقهم حجة ، كما أوضحنا ذلك في كلمة سابقة منذ ليال قريبة ، استدلالًا بمثل قوله - تبارك وتعالى - : ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين ، فسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة الكرام ، فلا يجوز مخالفتهم ، فالعلم إذًا إنما نأخذه من قول الله - عز وجل - ، ثم من قول نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم ممَّا جاءنا عن أصحابه الكرام .
فإذا جاء مُفسِّر إلى آية مثل هذه الآية ، وفي سبيل الله فوسَّع المعنى توسعة دخل فيها صرف أموال الزكاة في بناء المساجد ، صرف أموال الزكاة في بناء المدراس ، وهكذا ، لا ينبغي أن ننصاع لمثل هذه التوسعة أو لمثل هذا التفسير ؛ لأنه تفسير بالرأي ، مُخالف لتفسير السلف الصالح ، لو رجعنا إلى كتب التفسير ؛ لا سيَّما ما كان منها من الأمهات ، ومن المراجع الأساسية التي يعتمد عليها كلُّ المفسرين الذين جاؤوا من بعدهم كـ " تفسير ابن جرير الطبري " ، محمد بن جرير الطبري المُفسِّر والمُحدِّث و المُؤرِّخ المشهور ، أو رجعنا في ذلك إلى " تفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي " ، أيضًا المُفسِّر والمُحدِّث والمُؤرِّخ ؛ لم نجد لمثل هذا التفسير في جملة وفي سبيل الله أنه بالمعنى العام الشامل لكل طرق الخير ، وإنما وجدنا فيهما وفي غيرهما من كتب التفسير ، بل وكتب الفقه - أيضًا - في سبيل الله الجهاد والحج إلى بيت الله الحرام ، فحينما نجد مثل هذا التوسُّع فلا ينبغي لنا أن نتقبَّل مثله ؛ لأنه خلاف ما كان عليه سلفنا الصالح ، وقد ذكرنا أكثر من مرَّة بأننا حينما ندعو الناس إلى اتباع كتاب الله ، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فإنما ينبغي أن يكون اتِّباعنا لهذين المصدرين على ما كان عليه سلفنا الصالح فهمًا لهما ، وتطبيقًا لهما في حياتهم المباركة ، فحينما نراجع تفسير هذه الآية لا نجد هذا التوسع ، فيكون هذا التفسير فيه انحراف عما كان عليه السلف الصالح ، وهذا وحده يكفي لنتبيَّن خطأ مثل هذا التفسير .
كثيرًا ما نسمع - أيضًا - فتاوى تخالف ما كان عليه السلف الصالح ، والأئمة الأربعة ، وغيرهم مما يذهب إليه بعض الكُتَّاب الإسلاميين اليوم ، زعموا من باب التيسير والتوسعة للناس ، فلا بد أنكم سمعتم من يصرح بإباحة آلات الطرب ، مع أن العلماء قديمًا وأتباعهم حديثًا يُفسِّرون قوله - تعالى - : ومن الناس من يشتري لهو الحديث لِيُضلَّ عن سبيل الله فسَّروا لهو الحديث بالغناء ، الذي فيه إلهاء للَّذين يتعاطوْن هذا الغناء عن القيام بواجبات إسلامية كثيرة ، وقد يكون منها المحافظة على الصلاة ، فحينما يأتي بعض الناس يُفسرون هذا التفسير لهو الحديث بالكلام الذي يُخالف الشريعة مثلًا ، أو فيه إثارة الغوغاء والضَّوضاء على كلام الله فقط ، ولا يُفسرونه - أيضًا - بأنه الغناء - أيضًا - ، مع مجيء الأحاديث الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تحريم آلات الطرب ، مما يؤيِّد هذا التفسير الوارد عن السلف ، أن من لهو الحديث هو الغناء ، فمن تلك الأحاديث مثلًا - ولست في صددها كلها - ما أخرجه البخاري في " صحيحه " تعليقًا ، ووصله جمع كثير من المحدثين بالسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال : ليكوننَّ في أمَّتي أقوامٌ يستحلُّون الحرَ أي : الزنا ، والحرير أي : الحرير الحيواني ، والمسمَّى في بعض البلاد بالبلدي - أي : غير النباتي - ، يستحلون الحرَ والحرير والمعازف ، يُمسون في لهو ولعب ، ويُصبحون وقد مسخوا قردة وخنازيز ، نسمع اليوم كثيرًا من الناس من يُعلنها صريحة ، إما كتابة أو محاضرة بأن آلات الطرب جائزة ، على ما تفنَّن الكفار الأوروبيون اليوم من ابتكار آلات كثيرة وكثيرة جدًّا ، إذا سمعها السامع انهارت قواه ، وذهبت معانيه الإسلامية ، والمروءة الإسلامية ، وصار لا يهتم بما يقع هناك من فسق أو فجور .
حينما نسمع مثل هذه الفتاوى يجب أن نقفَ أمامها متسائلين ، ولا يجوز أن نقف أمامها مستسلمين ؛ لنقول لهم : هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، كيف توسِّعون معنى وفي سبيل لله بحيث أنه يدخل فيها بناء المساجد ، فلا يبقى غنيٌّ يتبرع من ماله الكثير الوفير تبرعًا فوق ما فرض الله - عز وجل - عليه من الزكاة ، فهو لا يعمل خيرًا إلا في حدود الفرض ، أما التطوع فقد منعَ نفسه منه ؛ لأن هؤلاء العلماء أوجدوا له طريقًا ، أنُّو كل سبيل خير تنفقه فيمكنك أن تعتبر ذلك من الزكاة المفروضة .
وهكذا فالأمثلة تتعدَّد في تفسير نصوص من الكتاب ، ونصوص من السنة على خلاف ما كان عليه علماء المسلمين قديمًا ؛ فإذًا ما هو العلم حتى إذا قيل لنا قوْلٌ فلا نقول والله أفتى بهذا فلان العالم ؟ يجب أن نفهم العلم على حقيقته ما هو ؟ وبذلك نعرف من هم العلماء ؟ قد سمعتم آنفًا أن العلم قال الله ، قال رسول الله ، قال الصحابة ، وليس العلم - وهذا تسمعونه صراحة من بعض هؤلاء الذين يأتونكم بالفتاوى الجديدة - بيقلك هذا رأيي وأنت حر ، ليس في الإسلام هذا رأيي وأنت حر ، وإنما عليك أن تُفتي بما قال الله ، وما قال رسول الله ، وبما كان عليه سلفنا الصالح ، فإن كان ليس هناك رأي لهؤلاء العلماء الذين مضَوْا في مسألة جدَّت ، والله هنا لا بد من اجتهاد ، ولا بد من إبداء الرأي ، لكن الرأي المبني على تلك المصادر الثلاثة الكتاب والسنة والإجماع ، أما أن ينتصب الإنسان فيُفتي بفتوى يخالف فيها من كان قبلنا من السلف ، بل ويُخالف فيها نصوص الكتاب والسنة بتأويل هذه النصوص تأويلًا يتَّفق مع ما يذهب عليه من الرأي ، وختامًا يقول هذا رأيي ! يقول أهل العلم : " إذا جاء الأثر بطل النظر " ، إذا جاء الأثر عن الله ورسوله أو أصحابه ؛ فلم يبقَ هناك مجال للنظر ، ويقولون - بعبارة أخرى - : " لا اجتهاد في مورد النَّصِّ " ، " وإذا جاء نهر الله - أيضًا يقولون بلسان عربي قديم - بطل نهر معقِل " ، فهذا الرأي إنما يُمكن أن يكون له وجاهة ، وأن يكون له قَبول فيما إذا لم يُخالف ، إما آية ، وإما حديث ، أو ما كان عليه السلف من تفسير آية ، أو من تفسير حديث صحيح . لذلك يجب أن نعرف كيف نتفقَّه ، وكيف نتعلَّم .
ونحن لا نفرض - كما يتوهَّم بعض الناس ، بل وقد يُصرِّح بعضهم - لا نريد من كل إنسان أن يصير عالمًا وفقيهًا في كتاب الله ، وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإن هذا ليس بالأمر المتيسِّر لأكثر الناس ، حتى لكثير من هؤلاء الذين نَصبوا أنفسهم لإبداء آراء لهم تخالف الكتاب والسنة ، ليس من السَّهل لأمثال هؤلاء أن يجتهدوا الاجتهاد الذي يستند على الكتاب وعلى السنة ، فالاعتماد على الكتاب لا بد فيه أن يرجع المعتمد إلى ما أشرنا إليه من كتب التفسير ، والاعتماد على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا بد في ذلك من الاعتماد على ما صحَّ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهكذا حينما يريد أن يجتهد وأن يُبديَ رأيه في مسألة حدثت ؛ لا بد أن يكون استند إلى عمومات الأدلَّة من كتاب الله ، ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإلَّا فمَن لم يكن بهذه المثابة لا يكون عالمًا ؛ لأن العلماء جميعًا اتفقوا على أن العالم هو الذي يقول في كل ما يذهب إليه قال الله قال رسول الله ، والمقلِّد ليس عالمًا بإجماع العلماء ، المقلِّد الذي يقول قال الشيخ الفلاني ، أو أفتى الشيخ الفلاني بكذا ؛ هذا ليس من العلم في شيء ، بل هذا من الجهل الذي أشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح ، وهو ما أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنه يَقبِض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلُّوا وأضلُّوا هذا حديث صحيح ، وقد صرَّح فيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن العلم ينقرض رويدًا رويدًا ، ولا يذهب العلم انتزاعًا ينتزعه ربُّنا من أهل العلم والفضل ، وإنما يموت أهل العلم سنة الله في خلقه ، ثم يبقى ناس لا يعرفون من العلم شيئًا ، وأعود لأذكِّركم ؛ العلم قال الله قال رسول الله ، وليس قال فلان وأفتى فلان ، وهذا هو واقعنا في العصر الحاضر .
لذلك ننصح إخواننا المسلمين جميعًا ، وبخاصَّة من كان منهم معنا على هذا الخطِّ والصراط المستقيم في اتِّباع كتاب الله ، وفي حديث رسول الله ؛ أن يسألوا هؤلاء المفتين ، لا أقول أن يجتهدوا هم - وهُم ليسوا أهل اجتهاد ! - ، وإنما أن يسألوا المفتين حينما يُفتونهم برأي له في مسألة ، من أين جئت بهذا ؟ إذا كان من لغة العصر الحاضر اليوم التَّدقيق في ما يتعلق بجمع الأموال ، ويُلفتون النظر بأن من النظام الإسلامي أن يُحاسب الحُكَّام والولاة الذين يُثرون ويغتنون بعد أن انتصبوا في وظائفهم ؛ أن يُسألوا : من أين لكم هذا المال ؟ فأولى من المال العلم ، أن يُقال لهم : من أين جئتم بهذا الذي تفتنون به الناس ؟ إن قالوا : قال الله ؛ قلنا لهم : فسروا لنا قول الله بما فسره السلف ، لا بما أنتم ترونه ويراه غيركم من أهل الرأي في هذا العصر ! وإذا قالوا لنا : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ نسألهم هل هذا الحديث صحيح أم ليس بصحيح ؟ فإذا قالوا هذا حديث صحيح فنُحمِّلهم تَبْعَتَهُ ، وليس علينا نحن من مسؤولية ؛ لأنُّو المفروض أن يكونوا أهل أمانة ، فإذا أفتونا بحديث ضعيف وكان الواقع أنه حديث ، لا أفتونا بحديث كان واقعه ضعيفًا وقالوا إنه حديث صحيح ؛ فعليهم ما حُمِّلوا ، لأنهم هم المسؤولون عن أداء الأمانة إلى الناس .
إذًا لا ننسى أن الناس جميعًا طائفتان مُصرَّح بهما في القرآن ؛ حيث قال - عز وجل - : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، أهل الذكر هم أهل القرآن ؛ لأن الذكر قد ذُكِر في غير هذه الآية ، واتفق العلماء من أجل ذلك على أن المقصود بالذكر هنا وهناك إنما هو القرآن ، فالله - عز وجل - حينما قال : إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون كان المقصود بهذا الذكر هو القرآن الكريم ، كذلك لمَّا قال - عليه الصلاة والسلام - في الآية السابقة التي قسمت الناس إلى علماء وغير علماء ، لما قال : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ؛ فالمقصود بالذكر في هذه الآية - أيضًا - هو عين المقصود في الآية السابقة ؛ ألا وهو القرآن .
فإذا سألنا أهل القرآن ، وأيضًا من البداهة في مكان أنه ليس المقصود بأهل القرآن هنا هم الذين يرتِّلون القرآن ، ويحفظون حروفه ، وأحكامه المتعلقة بعلم التجويد ، وقد يُطرِبون فيه طربًا غير مشروع ، لكنهم لا يفقَهون شيء من معاني ما يتلون ، ليس المقصود بأهل القرآن هؤلاء الذين يَحفظون حروفه دون معانيه ، وإنما المقصود بالقرآن إنما هم أهل العلم ؛ أي : أهل الفهم بكتاب الله - عز وجل - وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
لا يمكن - إذا لم نقل لا يجوز - لمسلم أن يتصوَّر عالمًا بالقرآن بتفسيره وبمعانيه وهو جاهل بالسنة ، ولذلك يجب أن نستحضر في بالنا وفي خاطرنا أننا حينما نُفسِّر هذه الآية فاسألوا أهل الذكر بأهل القرآن ، وأنه المقصود به أهل العلم بالقرآن والفهم لمعانيه ؛ يجب أن نستحضر أنهم - أيضًا - على علم بالسنة ، وإلا فمن كان جاهلًا بالسنة ، أو لا يُميِّز صحيحها من ضعيفها ، وضعيفها من موضوعها ؛ فهذا لا يمكنه أن يفْقه القرآن بصورة باتَّة ، لا يمكن لإنسان أن يُفسِّر القرآن إلا اعتمادًا على سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - .
وهذا مما يدل عليه القرآن نفسه ؛ لأن الله - عز وجل - قد قال فيه مخاطبًا به نبيَّه : وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم ، فبيان الرسول - عليه السلام - للقرآن هو سنَّته ، هذا البيان إذا لم يعرفه العالم ؛ فلن يستطيع أبدًا أن يُفسِّر القرآن تفسيرًا صحيحًا ، ولذلك فنحن نرى في هذا العصر ، وقبل هذا العصر كثيرًا من الناس لا يعرفون من السنة شيئًا يُذْكر ، ومع ذلك فهم يتجرَّؤون على الآيات القرآنية ، ويفسِّرونها بأهوائهم بما لا يُفهم ، حتى ولا في عرف اللغة التي نزل بها القرآن .
إذًا الآية الكريمة الكريم تقسم الناس إلى قسمين ، علماء وغير علماء ، واجب العلماء أن يفتوا غير العلماء ، واجب غير العلماء أن يسألوا أهل العلم بصريح هذه الآية ، فكل من القسمين عليه واجبه ، من ليس عالمًا فاسألوا أهل الذكر أهل العلم ، ومن كان من أهل العلم ؛ فعليه أن يُبلِّغ هذا العلم ، وإلَّا شَملته اللعنة التي جاء ذكرها في القرآن ، ووعيد حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - : من سُئِل عن علم فكتمَه ألجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من النار .
ولذلك ؛ أي : تحقيقًا لوجوب السؤال ممَّن ليس بعالم أن يسأل أهل العلم ، قد قال - عليه السلام - في حديث معروف : ألا سألوا حين جهلوا ، فإنما شفاء العيِّ السؤال ، فإذا نحن سألنا من ليس عالمًا بالكتاب والسنّة فلم نسأل عالمًا ؛ فإذا أفتانا هذا الذي ليس عالمًا بالكتاب والسنة ، أو أفتانا على خلاف الكتاب والسنة ، فلم يُقدِّم إلينا علمًا ؛ فلا يجوز لنا حينئذٍ أن نتَّبعَه ، وإلا بنكون ضللنا معه ، كما سمعتم في الحديث السابق : إن الله - عز وجل - لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنه يَقبِضُ العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ، فسُئلوا ، فأفتوا بغير علمٍ ، فضلُّوا وأضلُّوا ، فإذا كان هناك بعض الناس لا يهُمُّهم أن يضِلوا بسبب إفتائهم بالرأي المخالف للعلم الصحيح ؛ فينبغي على جماهير المسلمين الذين ليسوا من أهل العلم ، وواجبهم - كما ذكرنا - أن يسألوا ، فينبغي عليهم أن يتنبَّهوا ، وأن لا يضِلُّوا مع من ضلَّ من هؤلاء الذين يُفتون بغير علم ، وسبيل ذلك هو أن نتأدَّب بأمر الله - عز وجل - في القرآن هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، وإن لم نفعل كما يأمرنا ربُّنا في هذه الآية ضللنا مع الضالين ، وكنا من أهل الجحيم .
نسأل الله - عز وجل - أن يحفظنا وإياكم من كلِّ ما يُضلِّلنا ، ويخرجنا عن سواء السبيل ، ولعل في هذا القدر كفاية لبيان أن العلم النافع إنما هو قال الله ، قال رسول الله ، قال الصحابة .
السائل : جزاك الله خيرًا .
الشيخ : وإياك .
الفتاوى المشابهة
- ما هو العلم و من هو العالم ؟ - الالباني
- المقصود بالعلم المحمود في الكتاب والسنة، وبيان... - الالباني
- المقصود بأهل الذكر في قوله - تعالى - : (( فَاس... - الالباني
- المقصود بأهل الذكر في قوله - تعالى - : (( فَاس... - الالباني
- من المقصود في قوله : - الالباني
- كلمة من الشيخ في بيان سبيل طلب العلم الشرعي وا... - الالباني
- المقصود بالعلم المحمود في الكتاب والسنة . - الالباني
- المقصود بالعلم المحمود في الكتاب والسنة . - الالباني
- حقيقة العلم ، ومَن هم العلماء ؟ - الالباني
- كلام الشيخ على العلم النافع والعلماء، ومن هم ا... - الالباني
- المقصود بكلمة العلم ؟ ومن هم العلماء ؟ وكيف ال... - الالباني