هل تنطبق آية : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )) على حكَّامنا اليوم ؟
الشيخ محمد ناصر الالباني
السائل : مجموعة كثيرة من الإخوة يسألون ، تقول : يسأل مجموعة كثيرة من الإخوة ، فيقولون : قول الله - تبارك وتعالى - : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ؛ هل ينطبق هذا على حكَّام اليوم ؟
الشيخ : لا شك أن حكَّام اليوم يختلفون كلَّ الاختلاف ، ففيهم من معروف أصله لم يكن مسلمًا ، وإنما صار مسلمًا حينما فُرض رئيس دولة في بعض البلاد الإسلامية ، وبعض الآخر معروف أنه مسلم بن مسلم ، لكنه يقصِّر في كثير من العبادات والطاعات المفروضة عليه ، زيادة على ذلك أنه لا يحكم بما أنزل الله ، ونوع آخر من الحكَّام يحافظون على الصلوات وعلى شعائر الإسلام ، ولكنهم مقصِّرون بلا شك في تطبيق كثير من الأحكام الإسلامية ، ولذلك فمن الخطأ الفاحش شرعًا وواقعًا أن نُسوِّي في الحكم بين كل هؤلاء الحكام الذين يُمكن أن نقول إنهم لا يحكمون بما أنزل الله ، وعلى التفصيل السابق منهم من لا يحكم مطلقًا ، وإنما جعل القوانين الغربية الكافرة له نظامًا ودستورًا ومنهاجًا ، ومنهم من يجاهد أن يطبِّق بعض الأحكام الإسلامية ، ومنهم من يُكثر من ذلك ، كلٌّ بحسبه ، والذي يمكن أن نقول فيه كلامًا فصلًا ، ويجب على كل مسلم أن يعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا ؛ هو أن الكفر ليس أمرًا يتعلق بالعمل ، وإنما الكفر يتعلق بالقلب ؛ لأنَّ مادة " كفر " في اللغة معناه السَّتر ، وستر الشيء هو معناه يساوي الجحد ؛ لأنه لماذا ستره ؟ لكي يُخفي حقيقة ذلك الأمر ، ولذلك فقد شرح كثير من العلماء هذه الحقيقة ، ويحضرني الآن كمثال الإمام الغزّالي في كتاب " الإحياء " ، وفي كتابه الأول " كتاب العقائد " ، ذكر أن الإنسان المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بجَحده لما دخل فيه ، متى يكفر المسلم ؟! إذا جحد شيئًا كان يعتقده من الإسلام فكفر به ، وهذه حقيقة لا بد لكل مسلم أن يؤمن بها ؛ أن الكفر أمر اعتقادي ، وهذا الاعتقاد أحيانًا يبقى مكتومًا يعرفه ربُّنا - عز وجل - ، ولكن صاحب هذا الاعتقاد الكافر قد يتلفَّظ بكلمة الإسلام ، فماذا يحكم الإسلام على هذا المتكلم ؟ ويجب أن تعلموا معي - أيضًا - أن هناك إسلام وهناك إيمان ، الإسلام يشمل الأحكام العملية ، الإيمان يتعلَّق بالأمور القلبية ، فالكافر هو الذي يعلن كفره بلسانه ، ويقاتل الداعي إلى الإسلام ، لكن المنافق يُظهر الإسلام ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، لكن هو في قلبه جاحد وكافر ، وهو كما قال - تعالى - يوم القيامة : في الدَّرك الأسفل من النار .
فحينما نجد حاكمًا مقصِّرًا في تطبيق الأحكام الشرعية كثيرًا أو قليلًا ، لكن نجده يحافظ على الصلاة مثلًا ، فهذا لا يجوز تكفيره ؛ لماذا ؟ لأنَّنا ما سمعنا منه جحده للإسلام ، أو لبعض أحكام الإسلام التي عاشها زمانًا طويلًا ، من أجل ذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير الآية السابقة الذكر : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، قال في تفسيرها : " كفر دون كفر " ، " كفر دون كفر " ، الآية كما يشرح ذلك إمام المفسِّرين محمد بن جرير الطبري في تفسيره المشهور به : " إنما نزلت في حقِّ اليهود والنصارى " ، الذين لا يحكمون بما أنزل الله يعني بشريعة الإسلام ، فمن كان من حكَّام المسلمين بمنزلة اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بأحكام الإسلام فكفره كفر ردَّة ليس من الإسلام في شيء ، لكن من كان كفره كفرًا عمليًّا ؛ بمعنى هو يؤمن بأن هذه الأحكام هي حق ، وهي شرع ، وينبغي أن يحقِّقها ، ولكن يجد لنفسه عذرًا ، وليس هو بعذر شرعًا ، لكن المهم أنه يعترف بهذه الأحكام الشرعية ، لكنه لا يطبِّقها ، فكُفر هذا النوع من الحكام يسمِّيه ابن عباس كفر عملي ، لم ؟ - وهذه حقيقة هامة جدًّا - لأنه يختلف عن الذين يُنكرون الحكم بما أنزل الله بقلوبهم وبألسنتهم ، فإذا وجدنا إنسانًا من هذا النوع يجحد شرع الله وأحكام الله بلسانه وقلبه ، فهذا ليس مسلمًا قطعًا ، وجدنا إنسانًا آخر يشهد ويعترف بأنه هذا إسلام ، وينبغي أن يطبَّق ، ولكن عمليًّا لا يطبِّقه ، ففيه شَبَه بينه وبين القسم الأول من الناحية العملية ، هؤلاء كفروا بها بقلوبهم ، وأنكروها - أيضًا - بأعمالهم ، أما هذا المسلم أقرَّ بحكم الله - عز وجل - في قلبه ، ولكنه لم يطبِّقه بعمله ؛ فهو في عمله يعمل عمل الكافر ، ولذلك تتبيَّن لكم هذه الحقيقة حينما تسمعون في خطبة الرسول - عليه السلام - في حجَّة الوداع ، كان من جملة ما خطب به أصحابَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ووعظَهم وذكَّرَهم ، قال لهم : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضكم ، إيش معنى كفَّارًا ؟ يعني ملاحدة ؟ يعني تنكرون شريعة الله بعد أن آمنتم بها وعملتم بها ؟ لا ، ليس هذا هو المقصود ، وإنما يعني : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا بأعمالكم تعملون عمل الكفار ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، هذا معنى الكفَّار هنا في هذا الحديث ، كذلك - مثلًا - قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، قتاله كفر كقوله في الحديث الذي قبله : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ، قتاله كفر ؛ أي : عمل الكفار الذين لا يمنعهم أنَّهم في دين واحد أن يقتلَ بعضهم بعضًا ، فلا تفعلوا فعل الكفار ، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ، لذلك يقول أهل العلم : " الكفر كفران ، كفر اعتقادي ، وكفر عملي " ، فمن كفر كفرًا اعتقاديًّا ؛ فليس من المسلمين ، ومن كفر كفرا عمليًّا ؛ أي : عمل بعمل الكفار ، لكنه لا يستحلُّه بقلبه ، ولا يقول هذا حلال ، وإنما يعترف بأنه حرام ، لكن " الله يلعن الشيطان " - كما يقول العصاة ! - .
لذلك يجب أن تعلموا أنما إذا لم نفرِّق بين من يستحلُّ المعصية بقلبه ، وبين من يستحلُّ المعصية بعمله دون قلبه ؛ لا يبقى هناك مسلم إلا وينبغي أن تحكمَ عليه بالكفر ؛ ليه ؟ يوم يسرق السارق هل نكفِّره ؟ السرقة والزنا ونحو ذلك هو مثل القتل ، كلاهما محرَّم ، فإذا قال الرسول - عليه السلام - قتال المسلم لأخيه المسلم كفر ، ولا يفسَّر بالكفر الإعتقادي ، وإنما يُفسَّر بالكفر العملي ؛ فهل إذا زنا المسلم هو كافر كفر ردَّة ؟ الجواب : لا بد من التفصيل ، هذا الزاني ، وذاك السارق ، وذاك الكاذب ، وكل إنسان يرتكب معصية ؛ لا بد من التفريق بين ما إذا كان يستحل ذلك بقلبه وهو كافر مرتد عن دينه ، وبين أن لا يستحلَّ ذلك بقلبه ، ولكنه يستحلُّه بعمله ؛ فهو يعمل عمل الكفَّار الذين لا يُحلِّلون ولا يحرِّمون ، فهذا الذي يستحل المعصية بعمله ليس بقلبه ؛ فهذا مسلم فاسق ، وليس كافرًا ؛ لأنه ما كفر بالله ورسوله في قلبه وفي اعتقاده ، هذا ممَّا يجب التفريق به ، حتى ما يصيبَنا ما أصاب الخوارج من قبل ، الذين قاتلَهم علي بن أبي طالب ؛ لأنهم كفَّروا المسلمين بمجرَّد توهُّمهم ، ليتهم كانوا مصيبين أنهم حكموا بغير ما أنزل الله ، فقال - عليه السلام - في حقِّ هؤلاء : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وعبادته مع عبادتهم ، يمرقون من الدِّين كما يمرق السَّهم من الرَّميَّة . الأصل الذي يُنجي المسلم من الخلود في النار هو الاعتقاد الصحيح ، وارتكاب المعاصي هي تؤهِّله أن يدخل النار إذا لم يغفر الله - عز وجل - له ، أما إذا كان لا يكفر المسلم بشيء من شرع الله لا يجوز تكفيره ، فقد قال - عليه السلام - : نُهيت عن قتل المصلين .
أنتم تعلمون - مثلًا - من الأحاديث المتعلقة بالصلاة : من ترك الصلاة ؛ فقد كفر ، اتَّفق جماهير العلماء على أن تارك الصلاة له حالتان :
الحالة الأولى : يتركها جحدًا ، فأجمعوا على أن هذا كافر ، مثل ما يقول بعض الشباب المنحرف اليوم لما بتقول له : يا أخي ما تصلي ؟ صلِّي ، فبيقول لك " بلا صلاة بلا كذا " ، هذا كفر ؛ لأنه جحد ، كفر بإجماع المسلمين .
الحالة الثانية : من تاركي الصلاة ، يتركها وهو مؤمن بها ، معتقد لفرضيَّتها ، لكن كسلان ، لكن ملتهي بالدنيا ، طبعًا هذا ليس مما يُمدح عليه ، بل يُذمُّ أشد الذم ، ولكن هل عمله هذا يجعله في منزلة الأول الذي يجحد شرعية الصلاة ؟ الجواب : جماهير العلماء يقولون من ترك الصلاة كسلًا لا يكفر ، إنما يكفر مَن جحدها ، حتى رواية عن الإمام أحمد كالذي اشتُهر عنه بأنه يقول بتكفير تارك الصلاة ولو كسلًا ، في رواية أخرى يوافق فيها جماهير العلماء أن تارك الصلاة كسلًا ليس بكافر ، وإنما هو فاسق ، بعضهم يقول يُقتل ، وهذا هو الصواب ، يُقتل حدًّا ، وبعضهم يقول يُحبس ويُسجن ، والقول الأول هو الأصح .
المهم أنه لا بدَّ من التفريق في ما يتعلَّق بالإيمان بالشرائع والأحكام بين مَن ينكر شيئًا منها بقلبه ؛ فهو كافر ، وبين مَن لا يُنكر بل يُقرُّ ، لكنه يقصِّر في العمل ، فهذا كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد ، فمن أدَّاها وأحسن أداءها ، وأتمَّ ركوعها وخشوعها وسجودها ؛ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يؤدِّها ، ولم يتم ركوعها وسجودها وخشوعها ؛ لم يكن له عند الله عهد ؛ إن شاء عذَّبه ، وإن شاء غفر له ، فإذًا تارك الصلاة في أيِّ صورة كان الترك لا يُقال إنه كافر مُعذَّب مُخلَّد في النار ، لأنُّو أن المخلد في النار إنما هو المشرك ، كما قال - تبارك وتعالى - : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فلما ذكر الرسول - عليه السلام - في حديث خمس صلوات ذكر الذي يُحافظ ، فهو له عهد عند الله أن يُدخله الجنة ، وذكر الذي لا يُحافظ على الصلاة ، وكلَ أمره إلى الله ، قال : إن شاء عذَّبه ، وإن شاء غفر له ، فإذًا هو لا يُحكم عليه بالكفر ؛ لأنه لو كان كافرًا لَدخل في قوله - تعالى - : إن الله لا يغفر أن يشرك به . هذا ما يُمكن أن يقال بالمناسبة .
الشيخ : لا شك أن حكَّام اليوم يختلفون كلَّ الاختلاف ، ففيهم من معروف أصله لم يكن مسلمًا ، وإنما صار مسلمًا حينما فُرض رئيس دولة في بعض البلاد الإسلامية ، وبعض الآخر معروف أنه مسلم بن مسلم ، لكنه يقصِّر في كثير من العبادات والطاعات المفروضة عليه ، زيادة على ذلك أنه لا يحكم بما أنزل الله ، ونوع آخر من الحكَّام يحافظون على الصلوات وعلى شعائر الإسلام ، ولكنهم مقصِّرون بلا شك في تطبيق كثير من الأحكام الإسلامية ، ولذلك فمن الخطأ الفاحش شرعًا وواقعًا أن نُسوِّي في الحكم بين كل هؤلاء الحكام الذين يُمكن أن نقول إنهم لا يحكمون بما أنزل الله ، وعلى التفصيل السابق منهم من لا يحكم مطلقًا ، وإنما جعل القوانين الغربية الكافرة له نظامًا ودستورًا ومنهاجًا ، ومنهم من يجاهد أن يطبِّق بعض الأحكام الإسلامية ، ومنهم من يُكثر من ذلك ، كلٌّ بحسبه ، والذي يمكن أن نقول فيه كلامًا فصلًا ، ويجب على كل مسلم أن يعتقد ذلك اعتقادًا جازمًا ؛ هو أن الكفر ليس أمرًا يتعلق بالعمل ، وإنما الكفر يتعلق بالقلب ؛ لأنَّ مادة " كفر " في اللغة معناه السَّتر ، وستر الشيء هو معناه يساوي الجحد ؛ لأنه لماذا ستره ؟ لكي يُخفي حقيقة ذلك الأمر ، ولذلك فقد شرح كثير من العلماء هذه الحقيقة ، ويحضرني الآن كمثال الإمام الغزّالي في كتاب " الإحياء " ، وفي كتابه الأول " كتاب العقائد " ، ذكر أن الإنسان المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بجَحده لما دخل فيه ، متى يكفر المسلم ؟! إذا جحد شيئًا كان يعتقده من الإسلام فكفر به ، وهذه حقيقة لا بد لكل مسلم أن يؤمن بها ؛ أن الكفر أمر اعتقادي ، وهذا الاعتقاد أحيانًا يبقى مكتومًا يعرفه ربُّنا - عز وجل - ، ولكن صاحب هذا الاعتقاد الكافر قد يتلفَّظ بكلمة الإسلام ، فماذا يحكم الإسلام على هذا المتكلم ؟ ويجب أن تعلموا معي - أيضًا - أن هناك إسلام وهناك إيمان ، الإسلام يشمل الأحكام العملية ، الإيمان يتعلَّق بالأمور القلبية ، فالكافر هو الذي يعلن كفره بلسانه ، ويقاتل الداعي إلى الإسلام ، لكن المنافق يُظهر الإسلام ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، لكن هو في قلبه جاحد وكافر ، وهو كما قال - تعالى - يوم القيامة : في الدَّرك الأسفل من النار .
فحينما نجد حاكمًا مقصِّرًا في تطبيق الأحكام الشرعية كثيرًا أو قليلًا ، لكن نجده يحافظ على الصلاة مثلًا ، فهذا لا يجوز تكفيره ؛ لماذا ؟ لأنَّنا ما سمعنا منه جحده للإسلام ، أو لبعض أحكام الإسلام التي عاشها زمانًا طويلًا ، من أجل ذلك قال ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير الآية السابقة الذكر : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، قال في تفسيرها : " كفر دون كفر " ، " كفر دون كفر " ، الآية كما يشرح ذلك إمام المفسِّرين محمد بن جرير الطبري في تفسيره المشهور به : " إنما نزلت في حقِّ اليهود والنصارى " ، الذين لا يحكمون بما أنزل الله يعني بشريعة الإسلام ، فمن كان من حكَّام المسلمين بمنزلة اليهود والنصارى الذين لا يؤمنون بأحكام الإسلام فكفره كفر ردَّة ليس من الإسلام في شيء ، لكن من كان كفره كفرًا عمليًّا ؛ بمعنى هو يؤمن بأن هذه الأحكام هي حق ، وهي شرع ، وينبغي أن يحقِّقها ، ولكن يجد لنفسه عذرًا ، وليس هو بعذر شرعًا ، لكن المهم أنه يعترف بهذه الأحكام الشرعية ، لكنه لا يطبِّقها ، فكُفر هذا النوع من الحكام يسمِّيه ابن عباس كفر عملي ، لم ؟ - وهذه حقيقة هامة جدًّا - لأنه يختلف عن الذين يُنكرون الحكم بما أنزل الله بقلوبهم وبألسنتهم ، فإذا وجدنا إنسانًا من هذا النوع يجحد شرع الله وأحكام الله بلسانه وقلبه ، فهذا ليس مسلمًا قطعًا ، وجدنا إنسانًا آخر يشهد ويعترف بأنه هذا إسلام ، وينبغي أن يطبَّق ، ولكن عمليًّا لا يطبِّقه ، ففيه شَبَه بينه وبين القسم الأول من الناحية العملية ، هؤلاء كفروا بها بقلوبهم ، وأنكروها - أيضًا - بأعمالهم ، أما هذا المسلم أقرَّ بحكم الله - عز وجل - في قلبه ، ولكنه لم يطبِّقه بعمله ؛ فهو في عمله يعمل عمل الكافر ، ولذلك تتبيَّن لكم هذه الحقيقة حينما تسمعون في خطبة الرسول - عليه السلام - في حجَّة الوداع ، كان من جملة ما خطب به أصحابَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ووعظَهم وذكَّرَهم ، قال لهم : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعضكم ، إيش معنى كفَّارًا ؟ يعني ملاحدة ؟ يعني تنكرون شريعة الله بعد أن آمنتم بها وعملتم بها ؟ لا ، ليس هذا هو المقصود ، وإنما يعني : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا بأعمالكم تعملون عمل الكفار ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، هذا معنى الكفَّار هنا في هذا الحديث ، كذلك - مثلًا - قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، قتاله كفر كقوله في الحديث الذي قبله : لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ، قتاله كفر ؛ أي : عمل الكفار الذين لا يمنعهم أنَّهم في دين واحد أن يقتلَ بعضهم بعضًا ، فلا تفعلوا فعل الكفار ، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض ، لذلك يقول أهل العلم : " الكفر كفران ، كفر اعتقادي ، وكفر عملي " ، فمن كفر كفرًا اعتقاديًّا ؛ فليس من المسلمين ، ومن كفر كفرا عمليًّا ؛ أي : عمل بعمل الكفار ، لكنه لا يستحلُّه بقلبه ، ولا يقول هذا حلال ، وإنما يعترف بأنه حرام ، لكن " الله يلعن الشيطان " - كما يقول العصاة ! - .
لذلك يجب أن تعلموا أنما إذا لم نفرِّق بين من يستحلُّ المعصية بقلبه ، وبين من يستحلُّ المعصية بعمله دون قلبه ؛ لا يبقى هناك مسلم إلا وينبغي أن تحكمَ عليه بالكفر ؛ ليه ؟ يوم يسرق السارق هل نكفِّره ؟ السرقة والزنا ونحو ذلك هو مثل القتل ، كلاهما محرَّم ، فإذا قال الرسول - عليه السلام - قتال المسلم لأخيه المسلم كفر ، ولا يفسَّر بالكفر الإعتقادي ، وإنما يُفسَّر بالكفر العملي ؛ فهل إذا زنا المسلم هو كافر كفر ردَّة ؟ الجواب : لا بد من التفصيل ، هذا الزاني ، وذاك السارق ، وذاك الكاذب ، وكل إنسان يرتكب معصية ؛ لا بد من التفريق بين ما إذا كان يستحل ذلك بقلبه وهو كافر مرتد عن دينه ، وبين أن لا يستحلَّ ذلك بقلبه ، ولكنه يستحلُّه بعمله ؛ فهو يعمل عمل الكفَّار الذين لا يُحلِّلون ولا يحرِّمون ، فهذا الذي يستحل المعصية بعمله ليس بقلبه ؛ فهذا مسلم فاسق ، وليس كافرًا ؛ لأنه ما كفر بالله ورسوله في قلبه وفي اعتقاده ، هذا ممَّا يجب التفريق به ، حتى ما يصيبَنا ما أصاب الخوارج من قبل ، الذين قاتلَهم علي بن أبي طالب ؛ لأنهم كفَّروا المسلمين بمجرَّد توهُّمهم ، ليتهم كانوا مصيبين أنهم حكموا بغير ما أنزل الله ، فقال - عليه السلام - في حقِّ هؤلاء : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وعبادته مع عبادتهم ، يمرقون من الدِّين كما يمرق السَّهم من الرَّميَّة . الأصل الذي يُنجي المسلم من الخلود في النار هو الاعتقاد الصحيح ، وارتكاب المعاصي هي تؤهِّله أن يدخل النار إذا لم يغفر الله - عز وجل - له ، أما إذا كان لا يكفر المسلم بشيء من شرع الله لا يجوز تكفيره ، فقد قال - عليه السلام - : نُهيت عن قتل المصلين .
أنتم تعلمون - مثلًا - من الأحاديث المتعلقة بالصلاة : من ترك الصلاة ؛ فقد كفر ، اتَّفق جماهير العلماء على أن تارك الصلاة له حالتان :
الحالة الأولى : يتركها جحدًا ، فأجمعوا على أن هذا كافر ، مثل ما يقول بعض الشباب المنحرف اليوم لما بتقول له : يا أخي ما تصلي ؟ صلِّي ، فبيقول لك " بلا صلاة بلا كذا " ، هذا كفر ؛ لأنه جحد ، كفر بإجماع المسلمين .
الحالة الثانية : من تاركي الصلاة ، يتركها وهو مؤمن بها ، معتقد لفرضيَّتها ، لكن كسلان ، لكن ملتهي بالدنيا ، طبعًا هذا ليس مما يُمدح عليه ، بل يُذمُّ أشد الذم ، ولكن هل عمله هذا يجعله في منزلة الأول الذي يجحد شرعية الصلاة ؟ الجواب : جماهير العلماء يقولون من ترك الصلاة كسلًا لا يكفر ، إنما يكفر مَن جحدها ، حتى رواية عن الإمام أحمد كالذي اشتُهر عنه بأنه يقول بتكفير تارك الصلاة ولو كسلًا ، في رواية أخرى يوافق فيها جماهير العلماء أن تارك الصلاة كسلًا ليس بكافر ، وإنما هو فاسق ، بعضهم يقول يُقتل ، وهذا هو الصواب ، يُقتل حدًّا ، وبعضهم يقول يُحبس ويُسجن ، والقول الأول هو الأصح .
المهم أنه لا بدَّ من التفريق في ما يتعلَّق بالإيمان بالشرائع والأحكام بين مَن ينكر شيئًا منها بقلبه ؛ فهو كافر ، وبين مَن لا يُنكر بل يُقرُّ ، لكنه يقصِّر في العمل ، فهذا كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد ، فمن أدَّاها وأحسن أداءها ، وأتمَّ ركوعها وخشوعها وسجودها ؛ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن لم يؤدِّها ، ولم يتم ركوعها وسجودها وخشوعها ؛ لم يكن له عند الله عهد ؛ إن شاء عذَّبه ، وإن شاء غفر له ، فإذًا تارك الصلاة في أيِّ صورة كان الترك لا يُقال إنه كافر مُعذَّب مُخلَّد في النار ، لأنُّو أن المخلد في النار إنما هو المشرك ، كما قال - تبارك وتعالى - : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فلما ذكر الرسول - عليه السلام - في حديث خمس صلوات ذكر الذي يُحافظ ، فهو له عهد عند الله أن يُدخله الجنة ، وذكر الذي لا يُحافظ على الصلاة ، وكلَ أمره إلى الله ، قال : إن شاء عذَّبه ، وإن شاء غفر له ، فإذًا هو لا يُحكم عليه بالكفر ؛ لأنه لو كان كافرًا لَدخل في قوله - تعالى - : إن الله لا يغفر أن يشرك به . هذا ما يُمكن أن يقال بالمناسبة .
الفتاوى المشابهة
- حكم من لم يكفر الكافر - اللجنة الدائمة
- حكم من لم يكفر الكافر أو شك في كفره - ابن باز
- بعض الجماعات التكفيرية تمتنع من شهود صلاة الجم... - الالباني
- يقول في سؤاله الأول أريد تفسيراً لهذه الآية... - ابن عثيمين
- هل صحيح ما يقوله بعض أهل العلم يرى أن قول ابن... - الالباني
- بعض أهل العلم يرى أن قول ابن عباس - رضي الله ع... - الالباني
- الكلام على قوله تعالى:{ ومن لم يحكم بما أنزل ا... - الالباني
- ماهو تفسير الآية الكريمة ( و من لم يحكم بما... - ابن عثيمين
- هل تنطبق آية : (( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أ... - الالباني
- هل تنطبق آية "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائ... - الالباني
- هل تنطبق آية : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأ... - الالباني