معنى قول السلف في الصفات : " أمرُّوها كما جاءت " ، والرَّدُّ على المعتزلة والأشاعرة والماتريدية في تعطيلهم للصفات أو بعضها .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : والسلف - كما قلنا - ما خرجوا عن هذه القاعدة ، إنَّهم فسَّروا القرآن على ما يفهمه كلُّ عربي ، وهذا هو المقصود في بعض العبارات التي تُنقل عن بعض السلف كسفيان بن عيينة وغيره حينما يقولون : " أمرُّوها كما جاءت " ، لا يعنون أمرُّوها كما جاءت بدون فهم ، وإنما أمرُّوها كما جاءت بدون تأويل ؛ لأن المعنى فيها واضح كما ضربنا مثلًا آنفًا بصفة السمع والبصر ؛ فلا ينبغي أن نقفَ ههنا ونتأوَّل كما فعل بعض غلاة المعتزلة . قد لا يعلم بعض هؤلاء المتأخِّرين ممَّن خرجوا عن السلف وعن الخَلَف في وقوفهم أمام الجهل المُطبق تجاه آيات الله وأحاديث رسول الله المتعلِّقة بالصفات ، قد لا يعلم هؤلاء أنَّ بعض المعتزلة فسَّروا الآية السابقة : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، قالوا : السميع البصير يعني العليم ، وهذا المثال يوضِّح لإخواننا الحاضرين ما معنى كلمة تعطيل الصفات ؟ أي : إنكارها ، ولا يكون إنكارها بطبيعة الحال إلا بطريق التَّعطيل ممَّن ينتمي للإسلام ، وهو التأويل ، فلما قالت المعتزلة : وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ أي : العليم ، فقد وضح لكلِّ من كان عنده علم أن هذا إنكار لصفة السمع والبصر . ولماذا أنكر المعتزلة هاتين الصفتين ؟ للسبب الذي يُنكره المتأوِّلة لكثيرٍ من آيات الصفات كالاستواء واليد ونحو ذلك مما أشرنا إليه آنفًا ، ما هو هذا السبب ؟ قالت المعتزلة : إذا قلنا بأن لله سمعًا فقد شبَّهناه بنا ، وإذا قلنا بأن لله بصرًا فقد شبَّهناه بنا ؛ ولذلك نحن نقول - يعني المعتزلة - إن الله لا يُوصف بأنه سميع وبأنه بصير ، وإنما المقصود بهذه الآية في هاتين الصفتين أنه عليم .
ما الذي استفادَه المعتزلة بهذا التأويل ؟ هو نفسه الذي استفاده المتأوِّلة بتآويلهم الكثيرة ، وهو في الحقيقة لا شيء ؛ ذلك لأنَّهم حين قالوا : السَّمِيعُ البَصِيرُ العليم ، فنحن اليوم نقول : فلان عليم ، والله - عز وجل - حكى عن يوسف - عليه السلام - حين قال لعزيز مصر : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ، فما الذي استفاده المعتزلة من هذا التأويل لتلك الآية المباركة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، حينما قالوا : لا سمع ولا بصر ، وإنما المعنى العليم ؟ ما استفادوا شيئًا ؛ لأن هذه الصفة - أيضًا - مما يُوصف بها المخلوق . إذًا ما المخرج ؟ المخرج هو التزام النَّصِّ القرآني بتنزيهه وإثباته ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذا هو التنزيه ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ العليم في آيات أخرى ، فنقول : هو سميع لكن سمعه ليس كسمعنا ، البصير بصره ليس كبصرنا ، علمه ليس كعلمنا ، ويكفي أن نقول : أنُّو هو الخالق لهذه المخلوقات بما فيها من سمع وبصر كما قال : فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ، لكن كل أحد يعلم أنَّ سمع هذا المخلوق الأول وهو آدم - عليه الصلاة والسلام - الذي وصفه الله نفسه بأنه جعله سميعًا بصيرًا ؛ كلنا نعلم أن سمعه وبصره مُحدث ، وأن المُحدث كله لا يشبه الخالق - سبحانه وتعالى - .
ولذلك فالحقُّ الذي يجب على المسلم أن يُؤمِنَ به أوَّلًا ويستريح به من فتنة التشبيه والتعطيل الذي وقع فيه المعتزلة قديمًا ، ثم تَبِعَه بعض مَن ينتمي إلى السنة من الأشاعرة والماتريدية هو الجمع بين التنزيه وبين الإثبات ، لأنه لا مفرَّ لأيِّ شخصٍ أو لأيِّ طائفةٍ من أن تُثبِتَ لله - عز وجل - ولو بعض الصفات ، ومهما أثبت لله - عز وجل - من صفة فسيجد هذه الصفة موجودة في خلق من خلق الله - تبارك وتعالى - ، فنحن نقول دبر كل صلاة مثلًا آية الكرسي الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وها نحن الآن أحياء ، هل إذا كنَّا نحن أحياء معنى ذلك أنَّنا شبَّهنا أنفسنا في صفة الحياة بحياة الله - عز وجل - ، وهي أزليَّة لا أوَّل لها ، ولا خالق لها ، بل هو كائن حيث لا شيء كما جاء في الأحاديث الصحيحة ؟ لا أحد يخطر في باله أبدًا مثل هذه الشبهة إلا على طريقة هؤلاء المعطِّلة التي أدَّت بهم إلى أن يُنكروا حقائق واقعية بسبب انحرافهم عن الشريعة الإسلامية كتابًا وسنَّة ، وبالأحرى انحرافهم عن منهج السلف الصالح .
هؤلاء يلزمهم أن يقولوا أحد شيئين على طريقتهم في إنكار المعتزلة لصفة السمع والبصر ، وطريقة إنكار الأشاعرة وأمثالهم لصفة النُّزول والمجيء والاستواء ونحو ذلك ؛ يجب أن يقولوا أحد شيئين : نحن الأحياء لسنا بأحياء ؛ لماذا ؟ لأننا إذا قلنا أنا حيٌّ وأنت حيٌّ صار في مشاركة مع الحيِّ - سبحانه وتعالى - القيُّوم ، وهل يقول إنسان هذا لكي ينزِّه الله - عز وجل - عن مشابهته للحوادث ؟ لا تلازم بين الأمرين أبدًا ، ولذلك هم لم يقعوا في هذه الطَّامَّة ؛ لم يقُلْ أحدٌ منهم : نحن لسنا أحياء ، وإنما يقولون : حياتنا ليست كحياته - تبارك وتعالى - ، حياته ذاتية ، وحياتنا مكتسبة بخلقه - تبارك وتعالى - ، أو أن يقولوا - وهي أطمُّ - : ما دمنا نحن أحياء فالله ليس بحيٍّ ؛ لأنه يصير في تشبيه ، لا هذا بالذي يلزم أن يقوله الإنسان ، وما وقعوا في مثل هذه الطَّامَّة الكبرى أبدًا ، لكن قالوا ما يشابِهُها تمامًا .
وتأمَّلوا معي تجدون الأمر بهذا الوضوح التام ؛ ما الفرق بين أن نقول : الإنسان حيٌّ والله حيٌّ ، لكن حياة الله ليست كحياتنا ؟ وهذه بدهية ، وما الفرق بين أن يقول الإنسان : الله سميع وبصير ، لكن ليس كسمعنا وبصرنا ؟ هذا مثل هذا تمامًا ؛ لأنه وضعنا التنزيه ثم أثبتنا ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، ما الفرق إذًا بين أن نقول استوى لا كاستوائنا ، ويجيء لا كمجيئنا ، وينزل لا كنزولنا ؟! وما معنى حينئذٍ أن السلف لم يفهموا معنى ينزل الله في كلِّ ليلة في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا ؟ من يقول أن السلف لم يفهموا هذا ؟ السلف فهموا وآمنوا كما قال - تعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .
ما الذي استفادَه المعتزلة بهذا التأويل ؟ هو نفسه الذي استفاده المتأوِّلة بتآويلهم الكثيرة ، وهو في الحقيقة لا شيء ؛ ذلك لأنَّهم حين قالوا : السَّمِيعُ البَصِيرُ العليم ، فنحن اليوم نقول : فلان عليم ، والله - عز وجل - حكى عن يوسف - عليه السلام - حين قال لعزيز مصر : اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ، فما الذي استفاده المعتزلة من هذا التأويل لتلك الآية المباركة لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، حينما قالوا : لا سمع ولا بصر ، وإنما المعنى العليم ؟ ما استفادوا شيئًا ؛ لأن هذه الصفة - أيضًا - مما يُوصف بها المخلوق . إذًا ما المخرج ؟ المخرج هو التزام النَّصِّ القرآني بتنزيهه وإثباته ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذا هو التنزيه ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ العليم في آيات أخرى ، فنقول : هو سميع لكن سمعه ليس كسمعنا ، البصير بصره ليس كبصرنا ، علمه ليس كعلمنا ، ويكفي أن نقول : أنُّو هو الخالق لهذه المخلوقات بما فيها من سمع وبصر كما قال : فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ، لكن كل أحد يعلم أنَّ سمع هذا المخلوق الأول وهو آدم - عليه الصلاة والسلام - الذي وصفه الله نفسه بأنه جعله سميعًا بصيرًا ؛ كلنا نعلم أن سمعه وبصره مُحدث ، وأن المُحدث كله لا يشبه الخالق - سبحانه وتعالى - .
ولذلك فالحقُّ الذي يجب على المسلم أن يُؤمِنَ به أوَّلًا ويستريح به من فتنة التشبيه والتعطيل الذي وقع فيه المعتزلة قديمًا ، ثم تَبِعَه بعض مَن ينتمي إلى السنة من الأشاعرة والماتريدية هو الجمع بين التنزيه وبين الإثبات ، لأنه لا مفرَّ لأيِّ شخصٍ أو لأيِّ طائفةٍ من أن تُثبِتَ لله - عز وجل - ولو بعض الصفات ، ومهما أثبت لله - عز وجل - من صفة فسيجد هذه الصفة موجودة في خلق من خلق الله - تبارك وتعالى - ، فنحن نقول دبر كل صلاة مثلًا آية الكرسي الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، وها نحن الآن أحياء ، هل إذا كنَّا نحن أحياء معنى ذلك أنَّنا شبَّهنا أنفسنا في صفة الحياة بحياة الله - عز وجل - ، وهي أزليَّة لا أوَّل لها ، ولا خالق لها ، بل هو كائن حيث لا شيء كما جاء في الأحاديث الصحيحة ؟ لا أحد يخطر في باله أبدًا مثل هذه الشبهة إلا على طريقة هؤلاء المعطِّلة التي أدَّت بهم إلى أن يُنكروا حقائق واقعية بسبب انحرافهم عن الشريعة الإسلامية كتابًا وسنَّة ، وبالأحرى انحرافهم عن منهج السلف الصالح .
هؤلاء يلزمهم أن يقولوا أحد شيئين على طريقتهم في إنكار المعتزلة لصفة السمع والبصر ، وطريقة إنكار الأشاعرة وأمثالهم لصفة النُّزول والمجيء والاستواء ونحو ذلك ؛ يجب أن يقولوا أحد شيئين : نحن الأحياء لسنا بأحياء ؛ لماذا ؟ لأننا إذا قلنا أنا حيٌّ وأنت حيٌّ صار في مشاركة مع الحيِّ - سبحانه وتعالى - القيُّوم ، وهل يقول إنسان هذا لكي ينزِّه الله - عز وجل - عن مشابهته للحوادث ؟ لا تلازم بين الأمرين أبدًا ، ولذلك هم لم يقعوا في هذه الطَّامَّة ؛ لم يقُلْ أحدٌ منهم : نحن لسنا أحياء ، وإنما يقولون : حياتنا ليست كحياته - تبارك وتعالى - ، حياته ذاتية ، وحياتنا مكتسبة بخلقه - تبارك وتعالى - ، أو أن يقولوا - وهي أطمُّ - : ما دمنا نحن أحياء فالله ليس بحيٍّ ؛ لأنه يصير في تشبيه ، لا هذا بالذي يلزم أن يقوله الإنسان ، وما وقعوا في مثل هذه الطَّامَّة الكبرى أبدًا ، لكن قالوا ما يشابِهُها تمامًا .
وتأمَّلوا معي تجدون الأمر بهذا الوضوح التام ؛ ما الفرق بين أن نقول : الإنسان حيٌّ والله حيٌّ ، لكن حياة الله ليست كحياتنا ؟ وهذه بدهية ، وما الفرق بين أن يقول الإنسان : الله سميع وبصير ، لكن ليس كسمعنا وبصرنا ؟ هذا مثل هذا تمامًا ؛ لأنه وضعنا التنزيه ثم أثبتنا ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، ما الفرق إذًا بين أن نقول استوى لا كاستوائنا ، ويجيء لا كمجيئنا ، وينزل لا كنزولنا ؟! وما معنى حينئذٍ أن السلف لم يفهموا معنى ينزل الله في كلِّ ليلة في الثلث الأخير إلى السماء الدنيا ؟ من يقول أن السلف لم يفهموا هذا ؟ السلف فهموا وآمنوا كما قال - تعالى - : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .
الفتاوى المشابهة
- ضلال أهل الكلام في استعمال المجاز لتعطيل صفات... - الالباني
- التشبيه هو أصل تعطيل الصفات - الالباني
- بيان مذهب السلف في كلام الله - تعالى - مع الرّ... - الالباني
- الرد على شبهة المأولين في صفات الله تعالى . - الالباني
- رد الشيخ على المعتزلة إنكارهم صفة الكلام لله ع... - الالباني
- ما توجيهكم في خلاف السلف من أهل السنة والجماعة... - الالباني
- بيان الشيخ لموقف أهل السنة والفرق الثلاثة : ال... - الالباني
- كلام الشيخ على بعض المذاهب اليوم مثل الرافضة و... - الالباني
- الكلام على بعض المذاهب اليوم مثل الرافضة والمع... - الالباني
- معنى قول السلف في الصفات: أمروها كما جاءت. وال... - الالباني
- معنى قول السلف في الصفات : " أمرُّوها كما جاءت... - الالباني