تعليق على بعض كتب جماعة التَّبليغ والتَّنبيه على ما تقع فيه هذه الجماعة من البدع .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : النَّفر في سبيل الله ، يقصدون بهذا ما اعتادوه من الخروج أيامًا ؛ يخرجون إلى مختلف البلاد ومعهم العامة من الناس ، فدعوتهم قائمة على ركائز ستَّة ذَكَرَها في أول الرسالة ، وما فيها شيء من الكلام إلا هذه الأخيرة ، فقال : قال الله - تبارك وتعالى - : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .
هذه الآية مناسبة للموضوع ؛ وهو الخروج في سبيل تعلُّم العلم وتعليمه ، لكن انظر فيما بعد عطف على الآية السابقة فقال : وقال - أيضًا - : إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ . هذه الآية لا علاقة لها بهذا العنوان ، العنوان : النفير في سبيل - كما قلنا - طلب العلم ، وهذا هو الذي يقصدونه كما سيأتي في تمام كلامهم ، أما الآية الثانية فإنما هو النفير في سبيل الجهاد في سبيل الله حينما يأتي الكفار ويهاجمون البلاد الإسلامية ؛ فحين ذاك يجب على كلِّ مسلم يستطيع أن يحمل السلاح أن ينفر في سبيل الله - عز وجل - ، فحَمَلَ آية الجهاد اللي هو فرض عين على آية الخروج في سبيل طلب العلم الذي هو فرض كفاية ؛ ليس فرض عين طلب العلم ، والآية الأولى التي ذكرها صريحة في ذلك ؛ لأنها قالت : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مش كلهم ، بينما الآية الثانية التي هي الخروج في سبيل الله قال : إِلَّا تَنْفِرُوا جميعًا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا إلى آخره .
يقول في هذا المبدأ السادس الذي أُقِيمَت عليها الدعوة دعوتهم : " ومغزى هذا المبدأ هو التخلِّي عن مشاغلنا اليومية للتمرُّن وللجهد في إجراء الحياة على السنة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم ، ودعوة الآخرين إلى التمرُّن والجهد ؛ فإنه كما قلت في الصفحات الأولى : إننا لا نستطيع التخلِّي من المشاغل البشرية لطول العمر ؛ فإنه أمر محظور ، ولكننا نستطيع دون صعوبة ما إن نوفِّر علينا شهورًا في العام أو أيامًا في الشهر كما نوفِّر للنزهة والاستجمام " إلى آخر كلامه . قال : " وهذا الخروج في سبيل الله نوع من الجهاد " ، " وتدلُّ التجربة " - الشاهد الآن هنا - قوله : " وتدل التجربة والمشاهدة على أن هذا الخروج للدعوة إذا كان لأربعين يومًا في كل عام فهو خير " . خير معاون على نيل المقصود .
الآن نحن قلنا ونشهد أن محمد رسول الله ، والآن التزموا هؤلاء الخروج لأربعين يومًا ، عدد الأربعين من أين جاء ؟ إذا كنَّا ندعو الناس لاتِّباع سنة الرسول - عليه السلام - ؛ فعدد الأربعين من أين جاء ؟
ليس مَثَل هذا إلا مَثَل الطرق التي ورثناها ، وأنا أعتقد أن هذه الطريقة صوفية جديدة ، وهذا أنا أقول به منذ سنين لما أُسأَل عن جماعة التبليغ ، أقول : صوفية جديدة ؛ لأن دعوتها دعوة ليس فيها بغض في الله ، وهم يقرِّرون في دروسهم أن من الإيمان الحبَّ في الله والبغض في الله ، ولكن من الناحية التطبيقية البغض في الله غير وارد إطلاقًا ، وكلامهم السابق يدل إلى ذلك ، بل لهم كلمات لعلي أذكِّركم بكلامهم السابق ؛ أنُّو كل مسلم لازم يكون موقفنا تجاهه موقف مسالم ونحو ذلك . ومغزى هذا المبدأ الرابع هو التعرُّف على مكانة مسلم والنصح له وتأدية ما له علينا من حقوق دون الطمع في أن يؤدِّي حقوقنا ، وعلى كلِّ مسلم أن يحترم أخاه ويحبه وينصح له مهما ساءت حالته الدينية .
هذا ليس من الإسلام ؛ لأنُّو من الإيمان هو الحب في الله والبغض في الله ، هذا رفع البغض في الله ، من باب إيش ؟ مسايسة ومداراة ، هكذا لا تقوم الدولة المسلمة أبدًا ، ولا يتحقَّق المجتمع الإسلامي إذا كنت أنا بدي حب المصلح وبدي أحب إيش ؟ المفسد ، وبدي أوادد المصلح ، وبدي أوادد المفسد .
فالمهم الناحية الأخيرة الخروج لأربعين يومًا هذا يعرفه كل مسلم أنه لم يكن من هدي الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولا من هدي الصحابة ، ولا من هدي السلف الصالح ؛ لا سيَّما وفي هذا الخروج شيء من الغرابة ، لو أنه خرج جماعة من أهل العلم والفقه كنا نقول : لا بأس . وإنما هالتقييد هاد ليس له أصل ، لكن من خطَّتهم أنهم ينزلون في قرية في بلدة ، فإذا ما وجدوا في إنسان يعني تجاوب معهم من الناحية الروحية قالوا له : اخرُجْ معنا . طيب ؛ هذا يخرج معهم ماذا يستفيد ؟ وهذا في الواقع له صلة بما قلته في كلمة أخيرة ، هذا سيطبع الغرور في هؤلاء العامة ؛ لأنهم يُصوَّر لهم أنهم خرجوا للدعوة ؛ يعني صاروا دعاة ، وهنّ في الواقع بحاجة كبيرة جدًّا إلى أن يتعلَّموا مبادئ الدين ، فبدل هذا الخروج ليحضروا مجالس العلم في المساجد ، في المدارس الشرعية ، ويتعلَّموا بدل هذا الخروج ؛ هذا الخروج فيه إبعاد لهم عن أهلهم عن عملهم وعن العلم - أيضًا - ؛ لأن العلم في هذا الخروج لا يتحقَّق .
ليستفيد من هذا الخروج - نحن نعرف هذا من التجربة - ناس أُوتوا حظًّا من العلم ؛ لأنُّو السفر يقع فيه بعض المسائل التي لم يعتَدْها المقيم ، هذا صحيح ، لكن عامة الناس ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الخروج ، فإذا ذكرنا هذا أنه يخرج معهم العامة وهم لا يعلمون شيئًا من العقيدة فضلًا عن الفقه ، ثم وجدنا أنهم يلتزمون الإخراج والخروج لعدد معيَّن أربعين ؛ هذا رقم ما أنزل الله به من سلطان . ما أدري كأنُّو هذا الرقم له يعني معنى أو مغزى خاص في أذهان بعض المسلمين ، فهنا - مثلًا - هؤلاء يلتزمون الخروج أربعين يومًا ، وناس يلتزمون عددًا مُتَتَابعًا من الأربعين ، وهناك الصلاة النارية المعروفة ؛ لأن عددها أربعة آلاف وأربعة مئة وأربع وأربعين ، ما صار خمس وأربعين إلا كل أربعات ؛ أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين ، هذا بلا شك هو من وحي الشيطان ، وهذا الذي يتقيَّد بمثل هذه الأرقام وهو يعلم أنها لم تأتِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما اتَّخذ الرسول - عليه السلام - متبوعًا فريدًا وحيدًا أبدًا .
نحن - مثلًا - حينما يعقد أحدنا الأذكار المعدودة ثلاثة وثلاثين تسبيحة ، وثلاثة وثلاثين تحميدة ، ثلاثة وثلاثين تكبيرة ؛ إنما يفعل ذلك إسلامًا للنَّصِّ ؛ لأن الله - عز وجل - قال : وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ؛ لِمَن هذا التسليم ؟ لرسول ربِّ العالمين ، هذا من خواصِّه ، فنحن الآن نتلقى أرقامًا في كل عصر في كل مصر أرقام جديدة من الأذكار وفي غير الأذكار ، حتى في الخروج للدعوة لم تأتِ هذه الأرقام إطلاقًا ؛ فهل هذا يلتقي مع شهادتنا لنبيِّنا - صلوات الله وسلامه عليه - بأنه رسول الله ؟ الجواب : لا .
لا ينطبق إلا على الناس الذين لم يتنبَّهوا أوَّلًا لِلَوازم شهادة الشهادة للرسول - عليه السلام - بالنبوة والرسالة ، أو تنبَّهوا ولكن ما عرفوا ، ما عرفوا الرسول - عليه السلام - ، ما عرفوا سيرته ، ما عرفوا شريعته ، والواقع أنُّو هذه نقطة مهمة جدًّا ؛ لأنُّو معرفة ما كان عليه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يتطلَّب دراسة السنة وعلم الحديث .
وبهذه المناسبة أقول : هذه الرسالة على صغرها ، انظروا الآن ما فيها من أحاديث غير ثابتة عن الرسول - عليه السلام - ، مع بعض التعابير التي لا تناسب الشريعة ؛ من ذلك ما كنا تكلَّمنا عليه أكثر من مرة أن الإنسان خليفة الله في الأرض ، فهو يقول هنا : " وإذا آمن العبد بربِّه واعترف بعظمته وكبريائه وأقام الصلاة إلى آخره يدرك مغزى كونه خليفة الله " ، خليفة الله في الأرض هذه واحدة .
وهذه كلمات سريعة ، ثم جاء بحديث : مَن قال : لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة . هذه القطعة حديث صحيح بلا شك ، لكن البحث في التمام : " قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجُزَه عن محارم الله " . يقول في التخريج : " رواه الطبراني " . صحيح رواه الطبراني ، لكن ما فائدة هذا التخريج إذا كان الطبراني رواه بإسناد غير صحيح ؟
لذلك أنا أقول كلمة ربما لا تعجب الكثيرين ، لكنها الحق والحق أقول : إن تخريج الأحاديث على هذه الطريقة المذكورة - رواه الطبراني ، رواه أبو داود ، رواه أحمد - ؛ هذا أبعد ما يكون عن النُّصح للقرَّاء ؛ لا سيَّما وأن جماهير القرَّاء اليوم لِبُعدهم عن الدروس بصورة عامة ، ولِبُعدهم عن الدروس الحديثية بصورة خاصَّة ؛ بمجرَّد أن أحدهم يسمع رواه فلان صار هذا حديث مثبت في تعبير العامة ، حديث مثبت رواه فلان ، ما يعرف المسكين أنُّو رواه فلان ترجمة هذا التخريج رواه فلان يعني هذا الفلان ساق إسناده منه إلى الرسول - عليه السلام - بهذا الحديث ، ولا ندري هل هذا الإسناد صحيح أو غير صحيح ؟ هذا معنى رواه الطبراني ، الناس ما يفهمون هذا الفهم ، وهو المطابق للواقع ، وإنما يفهمون رواه الطبراني هو حديث مثبت وانتهى الأمر ؛ لذلك فمقتضى النُّصح للقرَّاء ليس مجرَّد العزو للحديث إلى مخرِّجه ، وإنما مقرونًا ببيان مرتبته ، وإلا فهذا التخريج أقرب إلى الغشِّ للقرَّاء منه إلى النُّصح ، وهذا مثال .
مثال آخر : " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جدِّدوا إيمانكم . قيل : يا رسول الله ، كيف نجدِّد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله رواه أحمد " . طبعًا هذا ح يقولوا حديث مثبت لأنُّو رواه أحمد ، لكن هذا حديث ضعيف ، وأحمد رواه في " المسند " بسند ضعيف ؛ ولذلك أنا كنت خرَّجته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " تحت رقم 900 .
ومن هذا القبيل حديث قال : " عن معاذ بن جبل : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " . كمان " رواه أحمد " ، وهو - أيضًا - حديث ضعيف .
طبعًا في أحاديث صحيحة كثيرة ، لكن أنا بيهمني بيان الأحاديث الضعيفة ؛ أوَّلًا : لما يتعلق بهذه الرسالة ، ثانيًا : لفائدة الحاضرين .
ثم قال : " عن الحسن مرسلًا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَن جاءه الموت وهو يطلب العلم لِيحيا به الإسلام ؛ فبينَه وبين النبيِّين درجة واحدة في الجنة " . وهذا بطبيعة الحال لو كان إسناده إلى الحسن - وهو البصري - صحيحًا لَكان ضعيفًا ؛ لأن الحسن تابعي لم يذكر واسطة بينه وبين الرسول - عليه السلام - ؛ ولذلك علماء الحديث يقولون : " مراسيل الحسن البصري كالريح " ؛ يعني لا قيمة لها .
مثله قوله : " عن وائلة بن الأسقع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَن طلب العلم وأدركه كان له كِفْلان من الأجر ؛ فإن لم يدرِكْه كان له كفل من الأجر " . هو هذا الحديث مع كونه ضعيف السند فالقسمة فيه في اعتقادي قسمة ضيزى ، هاللي بيطلب العلم بيحصله له كفلين ، اللي ما بيحصلو له كفل واحد ، ما أظن فيه عدالة في الموضوع !
ثم قال في المبدأ الرابع عنده : " إكرام المسلم : عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أكرم شابٌّ شيخًا من أجل سنِّه إلا قيَّضَ الله له عند سنِّه مَن يكرمه " . هذا حديث جميل ، لكنه حديث منكر من حيث الرواية غير صحيح ، وهو - أيضًا - من حصة كتابي " الأحاديث الضعيفة " .
ويغني عنه الحديث اللي بعده على سبيل المثال من الأحاديث الثابتة : " إنَّ من إجلال الله إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام السلطان المقسط " ، هذا حديث ثابت .
ثم قال : " عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ملعون مَن ضارَّ مؤمنًا أو مَكَرَ به " . لكن لأول مرَّة بيقول المؤلف : " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب " ، لكن تُرى هل يفهم القارئ معنى غريب يعني ضعيف ؟ الله أعلم .
فهذه كلمة موجزة عن هذه الرسالة أحببت أن أتكلَّم حولها ؛ لأنُّو كثيرًا ما نُسأل عن الجماعة ، وقد وقفنا على هذه الرسالة فعرفنا من مصدر موثوق شيء مما يتعلَّق بها ، ومن قبل ذلك كنَّا نسمع بعض الأشياء نحن على علم بها ، وبعض الأشياء نتوقَّف لأنَّا ما سمعناها إلا من بعض المصادر ، من ذلك - مثلًا - أن عندهم هذا إذا جلسوا على الطعام بدؤوا بالملح ، ونحن نعرف السِّرَّ في هذا البدء ؛ لأنُّو هناك حديث موضوع أن البدء بالملح في الطعام يدفع عن صاحبه سبعين داءً ، فمثل هذا الحديث الموضوع جعلوه منهجًا لهم ، ولنا صديق دكتور كان خالَطَهم في الكويت مدة طويلة ، قال لهم : يا جماعة ، أنتم يعني تحفزوا الناس فعلًا كلام العام اتباع الرسول - عليه السلام - كما سمعتم هنا ، لكن من حيث الواقع في أشياء فعلها الرسول - عليه السلام - ما بيفعلوها ، وفيه أشياء ما فعلها الرسول - عليه السلام - بيفعلوها ؛ إما من باب الاستحسان في الدين كما رأيتم في الخروج أربعين يومًا ، أو من باب العمل بالحديث الضعيف كما يقولون اليوم جماهير الناس : " يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال " ، ثم هم لا يفرِّقون - بسبب عدم دراستهم لعلم الحديث - بين الحديث الضعيف والحديث الموضوع ؛ فأيُّ حديث وجدوه في أيِّ كتاب عملوا به ؛ إن كان صحيحًا فنيَّالهم ، وإن كان ضعيفًا فالحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال ، لكنه قد يكون موضوعًا ولا علم عندهم به ، وهذا مثال ؛ البدء بالملح بين يدي الطعام ، لو بدهم يأكلوا حلوى لازم يتملَّحوا قبلها ؛ لأنُّو هيك يعني جاء الحديث ، والحديث موضوع لا يجوز العمل به اتفاقًا .
هذا ما رأيت أن أتكلَّم به في هذه المناسبة ، وأرجو الله - عز وجل - أن يُلهِمَنا العمل بالسنة وعلى منهج السلف الصالح .
هذه الآية مناسبة للموضوع ؛ وهو الخروج في سبيل تعلُّم العلم وتعليمه ، لكن انظر فيما بعد عطف على الآية السابقة فقال : وقال - أيضًا - : إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ . هذه الآية لا علاقة لها بهذا العنوان ، العنوان : النفير في سبيل - كما قلنا - طلب العلم ، وهذا هو الذي يقصدونه كما سيأتي في تمام كلامهم ، أما الآية الثانية فإنما هو النفير في سبيل الجهاد في سبيل الله حينما يأتي الكفار ويهاجمون البلاد الإسلامية ؛ فحين ذاك يجب على كلِّ مسلم يستطيع أن يحمل السلاح أن ينفر في سبيل الله - عز وجل - ، فحَمَلَ آية الجهاد اللي هو فرض عين على آية الخروج في سبيل طلب العلم الذي هو فرض كفاية ؛ ليس فرض عين طلب العلم ، والآية الأولى التي ذكرها صريحة في ذلك ؛ لأنها قالت : فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مش كلهم ، بينما الآية الثانية التي هي الخروج في سبيل الله قال : إِلَّا تَنْفِرُوا جميعًا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا إلى آخره .
يقول في هذا المبدأ السادس الذي أُقِيمَت عليها الدعوة دعوتهم : " ومغزى هذا المبدأ هو التخلِّي عن مشاغلنا اليومية للتمرُّن وللجهد في إجراء الحياة على السنة النبوية على صاحبها الصلاة والتسليم ، ودعوة الآخرين إلى التمرُّن والجهد ؛ فإنه كما قلت في الصفحات الأولى : إننا لا نستطيع التخلِّي من المشاغل البشرية لطول العمر ؛ فإنه أمر محظور ، ولكننا نستطيع دون صعوبة ما إن نوفِّر علينا شهورًا في العام أو أيامًا في الشهر كما نوفِّر للنزهة والاستجمام " إلى آخر كلامه . قال : " وهذا الخروج في سبيل الله نوع من الجهاد " ، " وتدلُّ التجربة " - الشاهد الآن هنا - قوله : " وتدل التجربة والمشاهدة على أن هذا الخروج للدعوة إذا كان لأربعين يومًا في كل عام فهو خير " . خير معاون على نيل المقصود .
الآن نحن قلنا ونشهد أن محمد رسول الله ، والآن التزموا هؤلاء الخروج لأربعين يومًا ، عدد الأربعين من أين جاء ؟ إذا كنَّا ندعو الناس لاتِّباع سنة الرسول - عليه السلام - ؛ فعدد الأربعين من أين جاء ؟
ليس مَثَل هذا إلا مَثَل الطرق التي ورثناها ، وأنا أعتقد أن هذه الطريقة صوفية جديدة ، وهذا أنا أقول به منذ سنين لما أُسأَل عن جماعة التبليغ ، أقول : صوفية جديدة ؛ لأن دعوتها دعوة ليس فيها بغض في الله ، وهم يقرِّرون في دروسهم أن من الإيمان الحبَّ في الله والبغض في الله ، ولكن من الناحية التطبيقية البغض في الله غير وارد إطلاقًا ، وكلامهم السابق يدل إلى ذلك ، بل لهم كلمات لعلي أذكِّركم بكلامهم السابق ؛ أنُّو كل مسلم لازم يكون موقفنا تجاهه موقف مسالم ونحو ذلك . ومغزى هذا المبدأ الرابع هو التعرُّف على مكانة مسلم والنصح له وتأدية ما له علينا من حقوق دون الطمع في أن يؤدِّي حقوقنا ، وعلى كلِّ مسلم أن يحترم أخاه ويحبه وينصح له مهما ساءت حالته الدينية .
هذا ليس من الإسلام ؛ لأنُّو من الإيمان هو الحب في الله والبغض في الله ، هذا رفع البغض في الله ، من باب إيش ؟ مسايسة ومداراة ، هكذا لا تقوم الدولة المسلمة أبدًا ، ولا يتحقَّق المجتمع الإسلامي إذا كنت أنا بدي حب المصلح وبدي أحب إيش ؟ المفسد ، وبدي أوادد المصلح ، وبدي أوادد المفسد .
فالمهم الناحية الأخيرة الخروج لأربعين يومًا هذا يعرفه كل مسلم أنه لم يكن من هدي الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولا من هدي الصحابة ، ولا من هدي السلف الصالح ؛ لا سيَّما وفي هذا الخروج شيء من الغرابة ، لو أنه خرج جماعة من أهل العلم والفقه كنا نقول : لا بأس . وإنما هالتقييد هاد ليس له أصل ، لكن من خطَّتهم أنهم ينزلون في قرية في بلدة ، فإذا ما وجدوا في إنسان يعني تجاوب معهم من الناحية الروحية قالوا له : اخرُجْ معنا . طيب ؛ هذا يخرج معهم ماذا يستفيد ؟ وهذا في الواقع له صلة بما قلته في كلمة أخيرة ، هذا سيطبع الغرور في هؤلاء العامة ؛ لأنهم يُصوَّر لهم أنهم خرجوا للدعوة ؛ يعني صاروا دعاة ، وهنّ في الواقع بحاجة كبيرة جدًّا إلى أن يتعلَّموا مبادئ الدين ، فبدل هذا الخروج ليحضروا مجالس العلم في المساجد ، في المدارس الشرعية ، ويتعلَّموا بدل هذا الخروج ؛ هذا الخروج فيه إبعاد لهم عن أهلهم عن عملهم وعن العلم - أيضًا - ؛ لأن العلم في هذا الخروج لا يتحقَّق .
ليستفيد من هذا الخروج - نحن نعرف هذا من التجربة - ناس أُوتوا حظًّا من العلم ؛ لأنُّو السفر يقع فيه بعض المسائل التي لم يعتَدْها المقيم ، هذا صحيح ، لكن عامة الناس ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الخروج ، فإذا ذكرنا هذا أنه يخرج معهم العامة وهم لا يعلمون شيئًا من العقيدة فضلًا عن الفقه ، ثم وجدنا أنهم يلتزمون الإخراج والخروج لعدد معيَّن أربعين ؛ هذا رقم ما أنزل الله به من سلطان . ما أدري كأنُّو هذا الرقم له يعني معنى أو مغزى خاص في أذهان بعض المسلمين ، فهنا - مثلًا - هؤلاء يلتزمون الخروج أربعين يومًا ، وناس يلتزمون عددًا مُتَتَابعًا من الأربعين ، وهناك الصلاة النارية المعروفة ؛ لأن عددها أربعة آلاف وأربعة مئة وأربع وأربعين ، ما صار خمس وأربعين إلا كل أربعات ؛ أربعة آلاف وأربع مئة وأربع وأربعين ، هذا بلا شك هو من وحي الشيطان ، وهذا الذي يتقيَّد بمثل هذه الأرقام وهو يعلم أنها لم تأتِ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما اتَّخذ الرسول - عليه السلام - متبوعًا فريدًا وحيدًا أبدًا .
نحن - مثلًا - حينما يعقد أحدنا الأذكار المعدودة ثلاثة وثلاثين تسبيحة ، وثلاثة وثلاثين تحميدة ، ثلاثة وثلاثين تكبيرة ؛ إنما يفعل ذلك إسلامًا للنَّصِّ ؛ لأن الله - عز وجل - قال : وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ؛ لِمَن هذا التسليم ؟ لرسول ربِّ العالمين ، هذا من خواصِّه ، فنحن الآن نتلقى أرقامًا في كل عصر في كل مصر أرقام جديدة من الأذكار وفي غير الأذكار ، حتى في الخروج للدعوة لم تأتِ هذه الأرقام إطلاقًا ؛ فهل هذا يلتقي مع شهادتنا لنبيِّنا - صلوات الله وسلامه عليه - بأنه رسول الله ؟ الجواب : لا .
لا ينطبق إلا على الناس الذين لم يتنبَّهوا أوَّلًا لِلَوازم شهادة الشهادة للرسول - عليه السلام - بالنبوة والرسالة ، أو تنبَّهوا ولكن ما عرفوا ، ما عرفوا الرسول - عليه السلام - ، ما عرفوا سيرته ، ما عرفوا شريعته ، والواقع أنُّو هذه نقطة مهمة جدًّا ؛ لأنُّو معرفة ما كان عليه الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - يتطلَّب دراسة السنة وعلم الحديث .
وبهذه المناسبة أقول : هذه الرسالة على صغرها ، انظروا الآن ما فيها من أحاديث غير ثابتة عن الرسول - عليه السلام - ، مع بعض التعابير التي لا تناسب الشريعة ؛ من ذلك ما كنا تكلَّمنا عليه أكثر من مرة أن الإنسان خليفة الله في الأرض ، فهو يقول هنا : " وإذا آمن العبد بربِّه واعترف بعظمته وكبريائه وأقام الصلاة إلى آخره يدرك مغزى كونه خليفة الله " ، خليفة الله في الأرض هذه واحدة .
وهذه كلمات سريعة ، ثم جاء بحديث : مَن قال : لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة . هذه القطعة حديث صحيح بلا شك ، لكن البحث في التمام : " قيل : وما إخلاصها ؟ قال : أن تحجُزَه عن محارم الله " . يقول في التخريج : " رواه الطبراني " . صحيح رواه الطبراني ، لكن ما فائدة هذا التخريج إذا كان الطبراني رواه بإسناد غير صحيح ؟
لذلك أنا أقول كلمة ربما لا تعجب الكثيرين ، لكنها الحق والحق أقول : إن تخريج الأحاديث على هذه الطريقة المذكورة - رواه الطبراني ، رواه أبو داود ، رواه أحمد - ؛ هذا أبعد ما يكون عن النُّصح للقرَّاء ؛ لا سيَّما وأن جماهير القرَّاء اليوم لِبُعدهم عن الدروس بصورة عامة ، ولِبُعدهم عن الدروس الحديثية بصورة خاصَّة ؛ بمجرَّد أن أحدهم يسمع رواه فلان صار هذا حديث مثبت في تعبير العامة ، حديث مثبت رواه فلان ، ما يعرف المسكين أنُّو رواه فلان ترجمة هذا التخريج رواه فلان يعني هذا الفلان ساق إسناده منه إلى الرسول - عليه السلام - بهذا الحديث ، ولا ندري هل هذا الإسناد صحيح أو غير صحيح ؟ هذا معنى رواه الطبراني ، الناس ما يفهمون هذا الفهم ، وهو المطابق للواقع ، وإنما يفهمون رواه الطبراني هو حديث مثبت وانتهى الأمر ؛ لذلك فمقتضى النُّصح للقرَّاء ليس مجرَّد العزو للحديث إلى مخرِّجه ، وإنما مقرونًا ببيان مرتبته ، وإلا فهذا التخريج أقرب إلى الغشِّ للقرَّاء منه إلى النُّصح ، وهذا مثال .
مثال آخر : " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : جدِّدوا إيمانكم . قيل : يا رسول الله ، كيف نجدِّد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله رواه أحمد " . طبعًا هذا ح يقولوا حديث مثبت لأنُّو رواه أحمد ، لكن هذا حديث ضعيف ، وأحمد رواه في " المسند " بسند ضعيف ؛ ولذلك أنا كنت خرَّجته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " تحت رقم 900 .
ومن هذا القبيل حديث قال : " عن معاذ بن جبل : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " . كمان " رواه أحمد " ، وهو - أيضًا - حديث ضعيف .
طبعًا في أحاديث صحيحة كثيرة ، لكن أنا بيهمني بيان الأحاديث الضعيفة ؛ أوَّلًا : لما يتعلق بهذه الرسالة ، ثانيًا : لفائدة الحاضرين .
ثم قال : " عن الحسن مرسلًا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَن جاءه الموت وهو يطلب العلم لِيحيا به الإسلام ؛ فبينَه وبين النبيِّين درجة واحدة في الجنة " . وهذا بطبيعة الحال لو كان إسناده إلى الحسن - وهو البصري - صحيحًا لَكان ضعيفًا ؛ لأن الحسن تابعي لم يذكر واسطة بينه وبين الرسول - عليه السلام - ؛ ولذلك علماء الحديث يقولون : " مراسيل الحسن البصري كالريح " ؛ يعني لا قيمة لها .
مثله قوله : " عن وائلة بن الأسقع قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَن طلب العلم وأدركه كان له كِفْلان من الأجر ؛ فإن لم يدرِكْه كان له كفل من الأجر " . هو هذا الحديث مع كونه ضعيف السند فالقسمة فيه في اعتقادي قسمة ضيزى ، هاللي بيطلب العلم بيحصله له كفلين ، اللي ما بيحصلو له كفل واحد ، ما أظن فيه عدالة في الموضوع !
ثم قال في المبدأ الرابع عنده : " إكرام المسلم : عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أكرم شابٌّ شيخًا من أجل سنِّه إلا قيَّضَ الله له عند سنِّه مَن يكرمه " . هذا حديث جميل ، لكنه حديث منكر من حيث الرواية غير صحيح ، وهو - أيضًا - من حصة كتابي " الأحاديث الضعيفة " .
ويغني عنه الحديث اللي بعده على سبيل المثال من الأحاديث الثابتة : " إنَّ من إجلال الله إكرامَ ذي الشَّيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه ، وإكرام السلطان المقسط " ، هذا حديث ثابت .
ثم قال : " عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ملعون مَن ضارَّ مؤمنًا أو مَكَرَ به " . لكن لأول مرَّة بيقول المؤلف : " رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب " ، لكن تُرى هل يفهم القارئ معنى غريب يعني ضعيف ؟ الله أعلم .
فهذه كلمة موجزة عن هذه الرسالة أحببت أن أتكلَّم حولها ؛ لأنُّو كثيرًا ما نُسأل عن الجماعة ، وقد وقفنا على هذه الرسالة فعرفنا من مصدر موثوق شيء مما يتعلَّق بها ، ومن قبل ذلك كنَّا نسمع بعض الأشياء نحن على علم بها ، وبعض الأشياء نتوقَّف لأنَّا ما سمعناها إلا من بعض المصادر ، من ذلك - مثلًا - أن عندهم هذا إذا جلسوا على الطعام بدؤوا بالملح ، ونحن نعرف السِّرَّ في هذا البدء ؛ لأنُّو هناك حديث موضوع أن البدء بالملح في الطعام يدفع عن صاحبه سبعين داءً ، فمثل هذا الحديث الموضوع جعلوه منهجًا لهم ، ولنا صديق دكتور كان خالَطَهم في الكويت مدة طويلة ، قال لهم : يا جماعة ، أنتم يعني تحفزوا الناس فعلًا كلام العام اتباع الرسول - عليه السلام - كما سمعتم هنا ، لكن من حيث الواقع في أشياء فعلها الرسول - عليه السلام - ما بيفعلوها ، وفيه أشياء ما فعلها الرسول - عليه السلام - بيفعلوها ؛ إما من باب الاستحسان في الدين كما رأيتم في الخروج أربعين يومًا ، أو من باب العمل بالحديث الضعيف كما يقولون اليوم جماهير الناس : " يُعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال " ، ثم هم لا يفرِّقون - بسبب عدم دراستهم لعلم الحديث - بين الحديث الضعيف والحديث الموضوع ؛ فأيُّ حديث وجدوه في أيِّ كتاب عملوا به ؛ إن كان صحيحًا فنيَّالهم ، وإن كان ضعيفًا فالحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال ، لكنه قد يكون موضوعًا ولا علم عندهم به ، وهذا مثال ؛ البدء بالملح بين يدي الطعام ، لو بدهم يأكلوا حلوى لازم يتملَّحوا قبلها ؛ لأنُّو هيك يعني جاء الحديث ، والحديث موضوع لا يجوز العمل به اتفاقًا .
هذا ما رأيت أن أتكلَّم به في هذه المناسبة ، وأرجو الله - عز وجل - أن يُلهِمَنا العمل بالسنة وعلى منهج السلف الصالح .
الفتاوى المشابهة
- ما قولكم حول جماعة التبليغ ؟ - ابن عثيمين
- بيان أنَّ أساس الدعوة هو العلم ، وهذا الذي لا... - الالباني
- ما هي نصيحتكم لمن ينتمي إلى جماعة ما من الجماع... - الالباني
- بيان الشيخ أن أساس الدعوة هو العلم وهذا الذي ل... - الالباني
- حكم الخروج مع جماعة التبليغ - ابن عثيمين
- ما قولكم في جماعة التبليغ ؟ - ابن عثيمين
- أرجو منكم النصيحة بالنسبة للخروج مع جماعة التب... - الالباني
- نقاش مع تبليغي في حكم خروج جماعة التبليغ المنظ... - الالباني
- البدعة 000 نصيحة لجماعة التبليغ.؟ - الالباني
- تعليق الشيخ على بعض كتب جماعة التبليغ والتنبيه... - الالباني
- تعليق على بعض كتب جماعة التَّبليغ والتَّنبيه ع... - الالباني