تم نسخ النصتم نسخ العنوان
شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( خَرَجَ... - الالبانيالشيخ : أما الحديث الثالث فهو صحيح - أيضًا - ، وكان قد تقدَّم معنا في أول هذا الكتاب ، فذاك الحديث هو من حديث ابن عمر ، أما هذا فهو من حديث أبي هريرة ، ...
العالم
طريقة البحث
شرح حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُم يَرتَادُونَ لأَهلِهِم فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ، فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ ، فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : أما الحديث الثالث فهو صحيح - أيضًا - ، وكان قد تقدَّم معنا في أول هذا الكتاب ، فذاك الحديث هو من حديث ابن عمر ، أما هذا فهو من حديث أبي هريرة ، ومخرجه غير مخرج ذاك ، فستسمعون بعض الاختلاف بين هذا وذاك ؛ فلا يشكلنَّ الأمر عليكم ؛ لأن الرواة يزيد بعضهم على بعض ؛ يحفظ هذا شيئًا لا يحفظه ذاك ، والعكس بالعكس .
يقول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُم يَرتَادُونَ لأَهلِهِم . أول جملة نُفاجأ في هذه الرواية هذه الزيادة : يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ؛ لأن الحديث الذي سبقت الإشارة إليه وكان تقدَّمَ معنا في أول الكتاب ليس فيه هذه الجملة : بينما ثلاثةُ نفرٍ ممَّن كان قبلكم يتمشَّون إذ أصابَهم المطرُ إلى آخر الحديث ؛ لم يُذكر في ذاك الحديث حديث ابن عمر ما الذي أخرج هؤلاء في طريقهم في الصحراء حتى أصابَهم المطر فلجؤوا إلى الغار ، هنا يبيِّن لنا السبب فيقول : يَرتَادُونَ لأَهلِهِم ؛ أي : يطلبون الرزق والمعاش يضربون في الأرض كما أمر الله - عز وجل - ، فهذا هو الذي خَرَجَ بهم ذلك المخرج ، فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ .
فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ، هذه - أيضًا - تعبير ، أو هذا تعبير لم يرد هناك ، عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ ، وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إلَّا اللهُ ، فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ، فَقَالَ أَحَدُهُم : اللَّهُمَّ إِن كُنتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَتِ امرَأَةٌ تُعجِبُنِي ، فَطَلَبْتُهَا ، فَأَبَتْ عَلَيَّ ، فَجَعَلْتُ لَهَا جُعلًا ، فَلَمَّا قَرَّبَتْ نَفسَهَا تَرَكتُهَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي إِنَّما فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقالَ الآخَرُ : اللَّهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنَّهُ كانَ لِي وَالِدَانِ ، فَكُنْتُ أَحلُبُ لَهُمَا في إِنَائِهِمَا ، فَإِذَا أَتَيْتُهُمَا وَهُمَا نَائِمَانِ قمْتُ حَتَّى يَستَيقِظَا ، فَإِذَا استَيقَظَا شَرِبَا ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ ثُلُثُ الحَجَرِ . وَقَالَ الثَّالِثُ : اللهُمَّ إِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي استَأجَرْتُ أَجِيرًا يَومًا فَعَمِلَ إلى نِصفَ النّهَارِ ، فَأَعطَيْتُهُ أَجرَه فَسَخِطَهُ وَلَم يَأخُذْهُ ، فَوَفَّرْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَت ذَلِكَ المَالُ ، ثُمَّ جَاءَ يَطلُبُ أَجرَهُ فَقُلْتُ : خُذْ هذَا كُلَّهُ ، وَلَو شِئْتُ لَم أُعطِهِ إِلَّا أَجرَهُ الأَوَّلَ ، فَإِن كُنْتَ تَعلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ رَجَاءَ رَحمَتِكَ وَخَشيَةَ عَذَابِكَ ؛ فافرُجْ عَنَّا ، فَزَالَ الحَجَرُ وَخَرَجُوا يَتَمَاشَونَ .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ، ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عمر . هكذا في نسختي ، فمَن كانت عنده كذلك فليصحِّحها وليجعَلْها من حديث ابن عمر . ورواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عمر بنحوه . وتقدَّم ؛ أي : في أول الكتاب في الإخلاص في العمل لله - عز وجل - .
نعود إلى الحديث ونتفقَّه في بعض فقراته ، ونشرح ما قد يغمض منها .
خَرَجَ ثَلاثَةٌ فِيمَن كانَ قَبلَكُمْ يعني من أهل الكتاب . يَرتَادُونَ لأَهلِهِم فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ ، هذا من أسلوب العرب أن يُطلق في السماء على اعتبار أنها موضع المطر على المطر ، فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ يعني أصابَهم المطر ، على حدِّ قول الشاعر :
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ " ، إذا نزل السماء بأرض قومٍ يعني قامت الساعة ، وإنما المقصود هنا السماء هنا المطر .
" إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرضِ قَومٍ *** رَعَيْنَاهُ وَإِن كَانُوا غِضَابَا "
فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ أي : المطر ، فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ أي : إلى غار في جبل ، هذا من الاختصار الذي جاء في هذا الحديث وبيانه في حديث ابن عمر المشار إليه والمتقدِّم في أول الكتاب ، فَلَجَؤُوا إِلى جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيهِم صَخرَةٌ أي : فسدَّت عليهم الغار كما في ذاك الحديث . فَقَالَ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ : عَفَا الأَثَرُ يعني بسبب نزول الأمطار لو فَقَدَهم أهلُهم لم يستطيعوا أن يتتبَّعوا أثرهم ؛ لأن الأثر انمحى بسبب الأمطار والسيول ، فكأن هذا البعض - أي : أحدهم - يقول : إننا انقطعنا عن الدنيا ، فلا أحد يعرف أين صرنا . عَفَا الأَثَرُ ، وَوَقَعَ الحَجَرُ أي : الصخرة التي سدَّت عليهم الغار . وَلَا يَعلَمُ بِمَكَانِكُم إِلَّا اللهُ ؛ فَادعُوا اللهَ بِأَوثَقِ أَعمَالِكُم ، ولا يعلم بمكانِكم هنا إلا الله ، وأنا مرِّيت عليها ولا انتبهت لها ، وهكذا يقع للقارئ أو المصحِّح ؛ لأنُّو يقرأ أحيانًا من ذهنه .

Webiste