بيان خطأ قول " رابعة العدوية " : " ما عَبَدْتُك طمعًا في جنَّتك ولا خوفًا من نارك ، وإنما عَبَدْتُك لأنك تستحقُّ العبادة " .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ... ذكرنا أنه ليس من الإسلام في شيء ما يُنقل عن " رابعة العدوية " أنها كانت تُناجي ربَّها فتقول في مناجاتها إياه - عز وجل - : " ما عَبَدْتُك طمعًا في جنَّتك ولا خوفًا من نارك ، وإنما عَبَدْتُك لأنك تستحقُّ العبادة " ، فهذا الكلام كلام شعري خيالي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب ؛ ذلك لأن المؤمن الصادق كلما كان إيمانه المتضمِّن معرفته لله - عز وجل - قويًّا كلما ازداد خوفًا من الله - تبارك وتعالى - من جهة ، وكلما ازداد طمعًا ورغبةً فيما عند الله - عز وجل - من نعيم مقيم من جهة أخرى .
فإنسان نتصوَّر فيه هذا الإيمان القوي لا يمكن أن يصدر منه : " لا أعبدك طمعًا في جنَّتك ولا خوفًا من عذابك " ؛ لأنُّو معنى هذا أن المتكلم لم يعرف ربَّه ، والإيمان يستلزم المعرفة ، أما المعرفة فلا تستلزم الإيمان ، كلُّ مؤمن عارف ، وهذه نقطة يجب عليكم جميعًا أن تتنبَّهوا لها حتى لا تتأثَّروا بكثير من الآراء الفلسفية التي قد تقرؤونها في الكتب أو تسمعونها منقولة عنها ، كلُّ مؤمن فهو عارف بالله - عز وجل - ، لكن العكس ليس كذلك ، ليس كلُّ عارف هو مؤمن ؛ ولذلك فمن الأخطاء الشائعة إذا أرادوا مدح رجل عالم فاضل مؤمن بالله - عز وجل - حقَّ الإيمان وصفوه بأنه العارف بالله ، ربنا - عز وجل - وَصَفَ الكفار في كثير من المواضع بالمعرفة ، ولكن نفى عنهم الإيمان ، الله - عز وجل - يقول في حقِّ أهل الكتاب ومعرفتهم بصدق نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قال فيهم : يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ، ما قال عنهم يؤمنون به ؛ لأن المعرفة شيء والإيمان شيء آخر ، كل مؤمن لا بد أنه عرف ما آمَنَ به ، لكن ليس كلُّ من عرف شيئًا آمَنَ به ، فهؤلاء هم اليهود والنصارى عرفوا النبي - عليه السلام - ، وأنه هو الذي بُشِّرَ به في كتبهم ومع ذلك كذَّبوه وما صدَّقوه ولا آمنوا به .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم .
كذلك : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ، هذا الاستيقان هو عين المعرفة ، ولكن لم يقترن معه إيمان ؛ فلم يُفِدْهم شيئًا .
إذًا إذا عرف المؤمن ربَّه بأنه غفور رحيم ، وأنه شديد العقاب ، وكانت هذه المعرفة معرفةً جازمةً آمَنَ بها صاحبُها إيمانًا جازمًا لا يمكن هذا الإنسان أن يعبد الله دون أن يطمع فيما عنده من نعيم ودون أن يخشى ما عنده من جحيم ؛ لأنَّ إنسانًا عاديًّا عاش تحت حكم ملكٍ من البشر ، وكان هذا الملك جبَّارًا بطَّاشًا يظلم الناس ؛ لا بد أن يخشاه وأن يخاف منه ؛ لأنه يرى دائمًا وأبدًا ينتقم من الناس بغير حقٍّ ، فهو لعلمه بهذا الواقع يأخذ حذره ويخشاه ، وبالعكس ؛ لو كان هناك ملك كريم سخي يجود على الناس بعطائه بدون حساب وبدون سؤال ؛ لا يمكن أن يعيش الإنسان تحت راية هذا الملك ولا يرغب فيما عنده مجَّانًا ، طبيعة الإنسان هكذا ، فماذا نقول بالنسبة لربِّ العالمين ملك الملوك ؟ قلوب الملوك كلّها بيده - تبارك وتعالى - ، إذا عرفناه أنه غفور رحيم ، وأنه ذو الفضل العظيم ؛ كيف نتصوَّر أننا نؤمن به حقَّ الإيمان ثم لا نطمع فيها عنده - تبارك وتعالى - من خير ومن فضل ومن ثواب ومن جنة عرضها السماوات والأرض ؟ هذا لا يمكن أن يُتصوَّر إلا من إنسان إما أنه غير مؤمن أو غافل .
كذلك إذا عرفناه أنه عزيز ذو انتقام ، وأنه جبَّار ؛ كيف نعيش نتعبَّد الله - عز وجل - ولا نخافه ولا نخشاه ؟ من هنا تفهمون السِّرَّ في قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث الصحيحة : أما إنِّي أخشاكم لله وأتقاكم لله ، ومن هنا تعرفون السِّرَّ في وصف الله - عز وجل - بعضَ عباده المصطفين الأخيار بقوله : "" يعبدوننا "" رَغَبًا هكذا الآية ؟ رَغَبًا وَرَهَبًا ، "" يعبدوننا "" رَغَبًا وَرَهَبًا ، يُطمع فيما عند الله ويخشون ما عند الله ، كيف نتصوَّر إنسانًا يقوم بحقِّ هذه العبودية التي أثنى بها الله - عز وجل - على هؤلاء العباد المصطفين الأخيار ؟ كيف نتصوَّر أن فردًا منهم يقول : " ما عبَدْتُك طمعًا في جنتك ولا خوفًا من عذابك " ؟ هذا كلام هراء ، أو كلام إنسان جاهل ، أو غير مؤمن بالله - عز وجل - .
البحث في هذا طويل ، لكن هناك نكتة ؛ في الأحاديث الصحيحة تفسيرًا لمثل قول ربِّنا - تبارك وتعالى - : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ، جاء في الحديث الصحيح في تفسير وَزِيَادَةٌ ، قال - عليه الصلاة والسلام - : هي رؤية الله في الآخرة ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى الجنة ، وَزِيَادَةٌ ؛ أي : رؤية الله - عز وجل - في الآخرة .
وجاء في أحاديث أخرى أن المؤمنين في الجنة حينما ينظرون إلى ربِّهم - تبارك وتعالى - ينسَون كلَّ نعيم رأوه وأحسُّوا به في جنة ربِّهم - تبارك وتعالى - ، حين ذاك كيف نتصوَّر إنسانًا مؤمنًا وعالمًا بمثل هذه النصوص وغيرها يعرف أن في الجنة رؤية الله - عز وجل - ؟ كيف يقول : " ما عَبَدْتُك طمعًا في جنَّتك " ، وهو يعلم أنه لا سبيل إلى رؤية الله - عز وجل - إلا في الجنة ؟! لهذا وهذا وكثير ممَّا لم نذكر لا بد للمؤمن حقًّا أن يخشى الله - عز وجل - كما جاء في هذا الحديث : عينان لا تمسُّهما النار : عينٌ بكَتْ من خشية الله ، فهذا البكاء إنما هو أثر لهذا الإيمان المتسلِّط على هذا الباكي ، وهذا لا يكون إلا بمعرفته لربِّه - عز وجل - وفهمه لصفاته التي اتَّصف بها ربُّنا - تبارك وتعالى - .
فإنسان نتصوَّر فيه هذا الإيمان القوي لا يمكن أن يصدر منه : " لا أعبدك طمعًا في جنَّتك ولا خوفًا من عذابك " ؛ لأنُّو معنى هذا أن المتكلم لم يعرف ربَّه ، والإيمان يستلزم المعرفة ، أما المعرفة فلا تستلزم الإيمان ، كلُّ مؤمن عارف ، وهذه نقطة يجب عليكم جميعًا أن تتنبَّهوا لها حتى لا تتأثَّروا بكثير من الآراء الفلسفية التي قد تقرؤونها في الكتب أو تسمعونها منقولة عنها ، كلُّ مؤمن فهو عارف بالله - عز وجل - ، لكن العكس ليس كذلك ، ليس كلُّ عارف هو مؤمن ؛ ولذلك فمن الأخطاء الشائعة إذا أرادوا مدح رجل عالم فاضل مؤمن بالله - عز وجل - حقَّ الإيمان وصفوه بأنه العارف بالله ، ربنا - عز وجل - وَصَفَ الكفار في كثير من المواضع بالمعرفة ، ولكن نفى عنهم الإيمان ، الله - عز وجل - يقول في حقِّ أهل الكتاب ومعرفتهم بصدق نبيِّنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - قال فيهم : يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ، ما قال عنهم يؤمنون به ؛ لأن المعرفة شيء والإيمان شيء آخر ، كل مؤمن لا بد أنه عرف ما آمَنَ به ، لكن ليس كلُّ من عرف شيئًا آمَنَ به ، فهؤلاء هم اليهود والنصارى عرفوا النبي - عليه السلام - ، وأنه هو الذي بُشِّرَ به في كتبهم ومع ذلك كذَّبوه وما صدَّقوه ولا آمنوا به .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم .
كذلك : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ، هذا الاستيقان هو عين المعرفة ، ولكن لم يقترن معه إيمان ؛ فلم يُفِدْهم شيئًا .
إذًا إذا عرف المؤمن ربَّه بأنه غفور رحيم ، وأنه شديد العقاب ، وكانت هذه المعرفة معرفةً جازمةً آمَنَ بها صاحبُها إيمانًا جازمًا لا يمكن هذا الإنسان أن يعبد الله دون أن يطمع فيما عنده من نعيم ودون أن يخشى ما عنده من جحيم ؛ لأنَّ إنسانًا عاديًّا عاش تحت حكم ملكٍ من البشر ، وكان هذا الملك جبَّارًا بطَّاشًا يظلم الناس ؛ لا بد أن يخشاه وأن يخاف منه ؛ لأنه يرى دائمًا وأبدًا ينتقم من الناس بغير حقٍّ ، فهو لعلمه بهذا الواقع يأخذ حذره ويخشاه ، وبالعكس ؛ لو كان هناك ملك كريم سخي يجود على الناس بعطائه بدون حساب وبدون سؤال ؛ لا يمكن أن يعيش الإنسان تحت راية هذا الملك ولا يرغب فيما عنده مجَّانًا ، طبيعة الإنسان هكذا ، فماذا نقول بالنسبة لربِّ العالمين ملك الملوك ؟ قلوب الملوك كلّها بيده - تبارك وتعالى - ، إذا عرفناه أنه غفور رحيم ، وأنه ذو الفضل العظيم ؛ كيف نتصوَّر أننا نؤمن به حقَّ الإيمان ثم لا نطمع فيها عنده - تبارك وتعالى - من خير ومن فضل ومن ثواب ومن جنة عرضها السماوات والأرض ؟ هذا لا يمكن أن يُتصوَّر إلا من إنسان إما أنه غير مؤمن أو غافل .
كذلك إذا عرفناه أنه عزيز ذو انتقام ، وأنه جبَّار ؛ كيف نعيش نتعبَّد الله - عز وجل - ولا نخافه ولا نخشاه ؟ من هنا تفهمون السِّرَّ في قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في بعض الأحاديث الصحيحة : أما إنِّي أخشاكم لله وأتقاكم لله ، ومن هنا تعرفون السِّرَّ في وصف الله - عز وجل - بعضَ عباده المصطفين الأخيار بقوله : "" يعبدوننا "" رَغَبًا هكذا الآية ؟ رَغَبًا وَرَهَبًا ، "" يعبدوننا "" رَغَبًا وَرَهَبًا ، يُطمع فيما عند الله ويخشون ما عند الله ، كيف نتصوَّر إنسانًا يقوم بحقِّ هذه العبودية التي أثنى بها الله - عز وجل - على هؤلاء العباد المصطفين الأخيار ؟ كيف نتصوَّر أن فردًا منهم يقول : " ما عبَدْتُك طمعًا في جنتك ولا خوفًا من عذابك " ؟ هذا كلام هراء ، أو كلام إنسان جاهل ، أو غير مؤمن بالله - عز وجل - .
البحث في هذا طويل ، لكن هناك نكتة ؛ في الأحاديث الصحيحة تفسيرًا لمثل قول ربِّنا - تبارك وتعالى - : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ، جاء في الحديث الصحيح في تفسير وَزِيَادَةٌ ، قال - عليه الصلاة والسلام - : هي رؤية الله في الآخرة ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى الجنة ، وَزِيَادَةٌ ؛ أي : رؤية الله - عز وجل - في الآخرة .
وجاء في أحاديث أخرى أن المؤمنين في الجنة حينما ينظرون إلى ربِّهم - تبارك وتعالى - ينسَون كلَّ نعيم رأوه وأحسُّوا به في جنة ربِّهم - تبارك وتعالى - ، حين ذاك كيف نتصوَّر إنسانًا مؤمنًا وعالمًا بمثل هذه النصوص وغيرها يعرف أن في الجنة رؤية الله - عز وجل - ؟ كيف يقول : " ما عَبَدْتُك طمعًا في جنَّتك " ، وهو يعلم أنه لا سبيل إلى رؤية الله - عز وجل - إلا في الجنة ؟! لهذا وهذا وكثير ممَّا لم نذكر لا بد للمؤمن حقًّا أن يخشى الله - عز وجل - كما جاء في هذا الحديث : عينان لا تمسُّهما النار : عينٌ بكَتْ من خشية الله ، فهذا البكاء إنما هو أثر لهذا الإيمان المتسلِّط على هذا الباكي ، وهذا لا يكون إلا بمعرفته لربِّه - عز وجل - وفهمه لصفاته التي اتَّصف بها ربُّنا - تبارك وتعالى - .
الفتاوى المشابهة
- تفسير قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا... - ابن عثيمين
- الكلام على بعض نعيم الجنة وعذاب النار. - الالباني
- هل الرجل الذي يموت مؤمنًا يدخل الجنة أم هو تحت... - الالباني
- فصل الترغيب في البكاء من خشية الله - تبارك وتع... - الالباني
- شرح الحديث الرابع تحت باب البكاء من خشية الله... - الالباني
- بيان أن الناس يدخلون الجنة برحمة الله - تعالى... - الالباني
- سائل يقول : ما ردكم على من يقول : إن العبادة... - ابن عثيمين
- لماذا نعبد الله ؟ هل طمعاً في الجنة أو خوفاً م... - الالباني
- من هي رابعة العدوية ؟ وما جوابكم عن قولها ( رب... - الالباني
- بيان خطأ قول ربيعة العدوية : " ما عبدتك طمعا ف... - الالباني
- بيان خطأ قول " رابعة العدوية " : " ما عَبَدْتُ... - الالباني