تم نسخ النصتم نسخ العنوان
أثر أبي الشَّيخ ابن حيَّان في كتاب " الثواب "... - الالبانيالشيخ : لكن يذكر المصنف روايةً عن بعض المحدثين فيها غرابة ؛ يقول : روى أبو الشَّيخ ابن حبان هكذا في الكتاب ، ولكن " أبو الشَّيخ " إذا اجتمع أبو الشَّيخ ...
العالم
طريقة البحث
أثر أبي الشَّيخ ابن حيَّان في كتاب " الثواب " : روى عن سعيد بن عبد العزيز أنه سُئِلَ : ما الكفاف من الرزق ؟ قال : شِبَع يومٍ وجوع يوم .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : لكن يذكر المصنف روايةً عن بعض المحدثين فيها غرابة ؛ يقول : روى أبو الشَّيخ ابن حبان هكذا في الكتاب ، ولكن " أبو الشَّيخ " إذا اجتمع أبو الشَّيخ وابن حبان فهو تصحيف ، والصواب ابن حيَّان ، أبو الشَّيخ ابن حبان لا يجتمعان ، الصواب " أبو الشَّيخ ابن حيَّان " في كتاب " الثواب " روى عن سعيد بن عبد العزيز أنه سُئِلَ : ما الكفاف من الرزق ؟ قال : شِبَع يومٍ وجوع يوم . هذا زاد على أو ضيَّق في الكفاف ؛ حيث قال : شِبَع يومٍ وجوع يوم . لكن المعنى المعروف هو أن يُرزَقَ ما يكفيه ، وهذا بلا شك في كل يوم وليلة ، وليس أن يجوع ؛ فَمَن جاع لم يُرزَقِ الكفاف .
وهذا في الواقع هذا الحديث والذي قبلَه إنما فيه حضٌّ للمسلم على أن يرضى بالاعتدال في الأمور ، فلا هو يطلب الرزق الواسع خشية أن يُشغِلَه هذا الرزق وتحصيله عن القيام بما يجب عليه من الأمور ، كما أنه لا يحمل على نفسه ولا يشقُّ عليها بأن لا يقدِّم إليها حاجتها وكفافها كما هو توجيه كثير من الصوفيين والطرقيين ؛ الذين يزعمون أن من وسائل تربية النفس الأمَّارة بالسوء إنما هو التجويع .
وتأكيدًا لذلك جاء في كتاب " إحياء علوم الدين " حديث طرفه الأول صحيح ، وطرفه الأخير باطل لا أصل له ، أما الطرف الأول الصحيح فهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : إن الشَّيطان لَيجري من ابن آدم مجرى الدم ، هذا هو الصحيح ، زاد في " الإحياء " : فضيِّقوا مجارِيَه بالجوع ، ضيِّقوا مجاريه العروق يعني بالجوع ، هذه الزيادة لا أصل لها - والحمد لله - كما نصَّ على ذلك مخرِّج ذاك الكتاب ألا وهو " الحافظ العراقي " .
ومن أخطاء بعض العلماء التي لا ينجو أيُّ عالم على وجه الأرض أن هذه الزيادة وقعَتْ حتى في بعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهذا ممَّا يذكِّر طالب العلم بأن الإنسان لا يزال عالمًا ما ظلَّ طالبًا للعلم ؛ لأنه لا أحد يُولد عالمًا ، فيتبيَّن لنا في مطالعتنا لكتب العلماء المُكثرين من التأليف تغايُرًا بين تأليف وتأليف ، بين بحث وآخر ؛ وذلك سنَّة الله في خلقه ؛ لأن الإنسان لما يكون صبيًّا يبدأ يطلب العلم ، ثم لا يزال يترعرع ويزداد علمًا يومًا بعد يوم حتى يستوِيَ إلى مرتبةٍ من مراتب أهل العلم ، ولكن مع ذلك لا يزال بحاجة وبحاجة مصداق قوله - تعالى - : وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .
والعلماء لا سبيل لهم لتحصيل العلم إلا بطريق التلقِّي ، تلقِّي الخَلَف عن السلف ؛ أن يأخذ التلميذ من شيخه ، وأن يأخذ الطَّالب مِن كتب مَن سبقه من أهل العلم ليزداد علمًا على علم .
ومن الظاهر أن شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - لم يتلقَّ فور ابتدائه طلب العلم ، وهذا الأمر الطبيعي أن كتاب " إحياء علوم الدين " فيه ما فيه من أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فهو درس هذا الكتاب ، وكانت عنده حافظة عجيبة وعجيبة جدًّا ، فرسخت محفوظات هذا الكتاب في حافظته ، ثم إذا ما سُئِلَ عن مسألة أفاض في الجواب عليها بذكر الآيات والأحاديث ، ثم مع الزمن بدأ يصفِّي معلوماته سواء من ناحية الرواية أو من ناحية الدراية ، فنجد في بعض كتبه آثارًا من دراسته الأولى ؛ حيث كان لا يزال في طلب العلم ، فيبدو أن هذه الزيادة في هذا الحديث تلقَّاها هو من " الإحياء " أو من غيره من أمثال كتب " الإحياء " التي فيها أحاديث مما هبَّ ودبَّ ، فكما قيل في " الإحياء " نقول من باب أولى في شيخ الإسلام ابن تيمية اقتراها وما افتراها ، ولكن الله - عز وجل - أنعَمَ على شيخ الإسلام بالعلم الصحيح فيما بعد حتى صار مرجعًا في ذلك حتى في علم الحديث بصورة خاصَّة إلى درجة أن بالغ الحافظ الذهبي فقال : " كلُّ حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث " . نعتقد أن في هذا شيئًا من المبالغة ، ولكن العلماء حينما يريدون أن يُظهِرُوا منزلة العالم في علمٍ ما لا سيَّما إذا كان مظلومًا كشيخ الإسلام ابن تيمية مهضوم الحقِّ ، فيقولون مثل هذا الكلام : " كلُّ حديث لا يعرفه ابن تيمية فهو ليس بحديث " .
إذًا الكفاف المذكور في هذين الحديثين هو ما يكفي الإنسان لا ينقص عن حاجته ولا يزيد ، هذا هو الوسط ، وخير الأمور أوساطها .

Webiste