حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : يا رسول الله ، أوصِني . قال : ( عَلَيكَ بالإِيَاسِ مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ ، وَإِيَّاكَ والطَّمَعَ ؛ فَإِنَّهُ الفَقرُ الحَاضِرُ ، وَصَلِّ صَلاَتَكَ وَأَنتَ مُوَدِّعٌ ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعتَذَرُ مِنهُ ) .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : وعن سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - قال : جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : يا رسول الله ، أوصِني . قال : عَلَيكَ بالإِيَاسِ مِمَّا في أَيْدِي النَّاسِ ، وَإِيَّاكَ والطَّمَعَ ؛ فَإِنَّهُ الفَقرُ الحَاضِرُ ، وَصَلِّ صَلاَتَكَ وَأَنتَ مُوَدِّعٌ ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعتَذَرُ مِنهُ . هذا الحديث فيه حِكم عديدة ، يقول في تخريجه : رواه الحاكم والبيهقي في الزهد ، وقال الحاكم - واللفظ له - : صحيح الإسناد .
هذا رجل جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستوصيه ، يطلب منه وصيَّة تبقى في ذهنه أبد حياته ، وفي بعض الروايات قال له : وأوجِزْ لي في الوصية ، هذا رجل عاقل حكيم ، فأوجَزَ له - عليه السلام - في الوصية ، وقال له : عليك بالإياس ممَّا في أيدي الناس ؛ يعني يجب على المسلم أن يكون تعلُّقه دائمًا بالله - تبارك وتعالى - ، وأن يكون راغبًا فيما عنده من خير ، وأن يقطع أمَلَه من الناس أن يُفيدوه أو أن يُغنوه ؛ فإن الله - عز وجل - هو وحدَه الغنيُّ الحميد .
هذا بطبيعة الحال لا يعني ألَّا يتَّخذ الإنسان الأسباب ، ولكن يعني شيئًا طالما غفلَ الناس اليوم لغلبة المادية الأوروبية الغازيَة للمسلمين في عقر دارهم ؛ وهو أنهم يهتمُّون بالأسباب أكثر من اهتمامهم بتوكُّلهم على ربِّ الأرباب - سبحانه وتعالى - ، فيظلُّ الإنسان اليوم - إلا مَن شاء الله وقليلٌ ما هم - يهتمُّ بالأسباب كأنه هو الكل في الكل ، لا يُخَطِّر في باله أبدًا أن هذه الأسباب قد لا تفيده شيئًا ، وبالأولى وأحرى أنه لا يخطِّر في باله أنه هو حينما يتَّخذ الأسباب يتَّخذها لأن الله - عز وجل - أمَرَ بها ، وليست لأنها سببًا فقط ، ويجب أن نفرِّقَ بين الأمرين .
هناك فرق واضح بين مَن يتَّخذ السبب الذي هو موصل إلى المسبَّب عادةً لأنه سبب ، وبين مَن يتَّخذ السبب سببًا ؛ لأن الله - عز وجل - أمَرَه بالأخذ بذلك السبب ، فرق كبير جدًّا ، الأمر الأول عادة الماديين الكفار أو أشباههم من الضالين والمنحرفين من المسلمين ، الأمر الآخر هو طبيعة المسلم يأخذ السبب إذا كان الله - عز وجل - أمَرَ به ، أو على الأقل أذِنَ له به ؛ ليس لأنه سبب فقط ، وما حصيلة هذا التفريق ؟ ذلك لأن الأسباب من حيث كونها أسبابًا لمسبَّبات تنقسم شرعًا إلى قسمين ؛ أسباب مشروعة وأسباب غير مشروعة ، فالمسلم حينما يجد هناك سببًا لرزق ما لكنه يعلم أن الله - عز وجل - نهى عنه ؛ فهو لا يتخذه سببًا ، ولو كان هو في واقع الأمر سببًا كونيًّا ولكنه ليس سببًا شرعيًّا .
هذا التفريق مع أنه أمر واضح من الناحية العلمية الشرعية ، ولكنه - مع الأسف الشديد - أمرٌ يكاد أن يكون مهجورًا في العالم الإسلامي فضلًا عن عالم الكفر ؛ ذلك لما يدل عليه انكباب المسلمين على جلب الأموال وجمعها وتكنيزها من أيِّ طريق كان ؛ سواء كانت هذه الطرق طرقًا شرعية أو غير شرعية ؛ لذلك فحينما الإنسان يتذكَّر بمثل هذه المناسبة وهو يسمع قول الرسول - عليه السلام - أن يقطع المسلمُ الإياسَ ممَّا في أيدي الناس ؛ هل معنى هذا أن لا يفتِّش مثلًا عن عمل ؟ ألَّا يسأل عن سبب رزق ؟ الجواب : لا ، لكن لا تضع أمَلَك في الإنسان ، وإنما ضَعْ أمَلَك في خالق الإنسان أوَّلًا ، ثم حينما تُفتِّش عن السبب الذي أوَّلًا : لا تجعله عمدتك ، ثانيًا : فكِّر هل هذا السبب شَرَعَه الله لك أم لا ؟
فإن علمت أنه غير مشروع اجتنَبْتَه ، وإلا فإذا واقَعْتَه فلم تعلِّق أمَلَك بالله - عز وجل - ولم تقطع الإياس مما في أيدي الناس ، وكل الناس - إلا القليل ، مع الأسف الشديد - لا يعملون بهذا الحديث إطلاقًا . كثيرًا ما نلتقي مع ناس متعبِّدين صالحين ، لكننا سرعان ما نكتشف منهم ارتكابهم لمخالفات شرعية في بيوعهم وفي شرائهم ، هذا - مثلًا - يرابي ، ولا أعني مُراباة اليهود المكشوفة ، وإنما يكفي أنه يتعامل مع البنوك ويضع ماله في البنك ، ومنهم مَن يأخذ الربا الذي يسمُّونه بغير اسمه بالفائدة ، ومنهم مَن يتورَّع زعم ، فيترك لهم الفائدة أو الربا بالأصح ، يقول أنُّو أنا ما آكل الربا ، يتوهَّم أنه رجل متَّقي ، حينما نُصدَم بمثل هذا الواقع المؤلم ونُذكِّر بأن هذا - يا أخي - حرام وإن كنت لا تأكل الربا فأنت تُطْعِمُه ، ونبيُّك - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في الحديث الصحيح : لَعَنَ الله آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهدَيه .
فأنت لا يكفي أن تتورَّع عن أن تأكل الربا ، بل يجب - أيضًا - أن تتورَّع عن أن تُطعِمَ الربا غيرك ، فنُفجأ بما يُنافي هذا التوجيه النبوي الكريم ، بيقول لك : يا أخي ، إي شو بدنا نساوي ؟ إي هيك إذا بدنا نتعامل فقط برؤوس الأموال اللي عندنا ما بيمشي الحال ، إذا بدنا نحطّ مالنا في البيت بيجوز أنُّو الحراميَّة يتسلَّطوا علينا ، بيجوز يقتلونا في الليل ، بتلاقي بقى بيصدر في خيال من أفظع الخيالات التي تسيطر هي فعلًا على عقول الكفار ، أما المسلم فهو مطمئن ، عنده هذا الحديث ، وقبل ذلك عنده آية هي تعالج هذه المشكلات النفسية التي رانَتْ على قلوب كثير من المسلمين اليوم في الصميم ، فالله - عز وجل - يقول : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، كأنَّ المسلمين كفروا بهذه الآية حينما تنصحه بأن لا يتعامل بالربا ، أن لا يأكل الحرام ، أن لا يبيع الخمر ، أن لا يبيع الدخان ؛ ما في شيء مكتوم ؛ لا يبيع الخمر ولا يبيع الدخان رأسًا بيتعلق بالأسباب ، ما بيقطع الإياس مما في أيدي الناس ويتوكَّل على ربِّ الأرباب ، بيتعلَّق بالأسباب وهي غير مشروعة ، فأين أنت وهذه الآية الكريمة : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا إلى آخر الآية ؟
إذًا أنت أحد شيئين ، إما أنك لا تؤمن بهذه الآية مطلقًا وهذا الكفر بعينه ، وإما أنك تؤمن بها قلبيًّا ولكنك لا تؤمن بها عمليًّا ، فأنت لم تجعَلْها منهجًا لحياتك وفي منطلقك في معاملتك للناس ؛ ولذلك فأنت من هذه الناحية العملية كالكفار ، هم يتعلَّقون بالأسباب ؛ لذلك نظَّموا حياتهم على هذا التعلُّق وتنظيم من أدقِّ التنظيمات التي عرَفَها ربما التاريخ على وجه الأرض ، ولكن كلُّ ذلك لا يساوي عند الله جناح بعوضة ، لماذا ؟ لأنه قائم على خلاف شرع الله - عز وجل - ؛ ولذلك قال - تعالى - حينما أمَرَ الكفار الذين هم أعداء الإسلام ويحاربون الإسلام في كلِّ زمان ومكان ولو كانوا ينتمون إلى شيء من التديُّن لأنهم من أهل الكتاب ؛ وَصَفَهم بصفات كِدْنا نحن أن ننساها ؛ لماذا ؟ لسببين اثنين ؛ الأول : ابتعادنا عن دراسة الكتاب والسنة ، والسبب الآخر - وهو خطير جدًّا - : مُخالطتنا لهؤلاء الناس ومَن اتَّصل بهم واتَّصف بصفاتهم ولو كان هو ينتمي إلى إسلامنا وديننا ، قال الله في أولئك : قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مَن هُم ؟ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
الشاهد في قوله - تعالى - : وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُولُهُ هَيْ صفة الكفار ليست صفة المسلمين ، لكن المسلم حينما ما بيسأل : حرام حلال ، بيقول لك : يا أخي ، بدنا نعيش ، و" ليوم الله فرج " ، ونحو هذه العبارات اللي تدلُّ على منتهى اللامبالاة والاهتمام بما حرَّمَ الله - عز وجل - ، ومع ذلك فنحن نشكو ضنك العيش وارتفاع الأسعار والظلم من كل الجوانب ، ثم لا نلتفت إلى أنفسنا ، " ودود الخلِّ منه وفيه " .
إذًا يجب أن نأخذ من هذه الفقرة الأولى من هذه الوصية البليغة من نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - عبرةً أن لا نتعلَّق بالأسباب مطلقًا ، وإنما نتعلَّق بخالقها ، ولكن نأخذ الأسباب ما كان مشروعًا منها طاعةً لله - عز وجل - فقط ؛ لأن الله - عز وجل - قد أخبرنا نبيُّه - عليه الصلاة والسلام - في قوله : إنَّ روح القدس نَفَثَ في رُوعي ؛ إن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمل أجلها ورزقها ؛ فأجْمِلُوا في الطلب ؛ فإنما عند الله لا يُنال بالحرام ، أجمِلُوا في الطلب اقتصدوا اسلكوا الطريق الجميل المشروع في طلب الرزق ؛ فإن الله - عز وجل - لم يَشرع لعباده المسلمين أن ينالوا رزقه بالحرام ؛ لا سيَّما وهو القائل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ، الواقع لولا الشرع لكنتُ صوفيًّا بمعنى اتكاليًّا ، لا آخذ بالأسباب ؛ لأن هذه الأسباب مظاهر ، والأمر بيد الله - عز وجل - ، لكن الله لمَّا أمَرَنا باتخاذ الأسباب ففي إطاعتنا لأمر ربِّنا بالأخذ بهذه الأسباب هو من جملة العبودية لله - عز وجل - ، فأنا حينما آخذ بالسبب المشروع أعبد الله ، وحينما أعرِضُ عن السبب غير المشروع أعبد الله ، أما الأخذ بالأسباب بدون أيِّ تفريق بين حلالها وحرامها وجائزها وغير جائزها ؛ فهذا خروج عن تحقيق العبودية الخالصة لله - عز وجل - .
أسأل الله - عز وجل - أن يجعَلَنا من عباده الصالحين المخلصين المتمسِّكين بكتابه والمهتدين بهدي نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - .
هذا رجل جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستوصيه ، يطلب منه وصيَّة تبقى في ذهنه أبد حياته ، وفي بعض الروايات قال له : وأوجِزْ لي في الوصية ، هذا رجل عاقل حكيم ، فأوجَزَ له - عليه السلام - في الوصية ، وقال له : عليك بالإياس ممَّا في أيدي الناس ؛ يعني يجب على المسلم أن يكون تعلُّقه دائمًا بالله - تبارك وتعالى - ، وأن يكون راغبًا فيما عنده من خير ، وأن يقطع أمَلَه من الناس أن يُفيدوه أو أن يُغنوه ؛ فإن الله - عز وجل - هو وحدَه الغنيُّ الحميد .
هذا بطبيعة الحال لا يعني ألَّا يتَّخذ الإنسان الأسباب ، ولكن يعني شيئًا طالما غفلَ الناس اليوم لغلبة المادية الأوروبية الغازيَة للمسلمين في عقر دارهم ؛ وهو أنهم يهتمُّون بالأسباب أكثر من اهتمامهم بتوكُّلهم على ربِّ الأرباب - سبحانه وتعالى - ، فيظلُّ الإنسان اليوم - إلا مَن شاء الله وقليلٌ ما هم - يهتمُّ بالأسباب كأنه هو الكل في الكل ، لا يُخَطِّر في باله أبدًا أن هذه الأسباب قد لا تفيده شيئًا ، وبالأولى وأحرى أنه لا يخطِّر في باله أنه هو حينما يتَّخذ الأسباب يتَّخذها لأن الله - عز وجل - أمَرَ بها ، وليست لأنها سببًا فقط ، ويجب أن نفرِّقَ بين الأمرين .
هناك فرق واضح بين مَن يتَّخذ السبب الذي هو موصل إلى المسبَّب عادةً لأنه سبب ، وبين مَن يتَّخذ السبب سببًا ؛ لأن الله - عز وجل - أمَرَه بالأخذ بذلك السبب ، فرق كبير جدًّا ، الأمر الأول عادة الماديين الكفار أو أشباههم من الضالين والمنحرفين من المسلمين ، الأمر الآخر هو طبيعة المسلم يأخذ السبب إذا كان الله - عز وجل - أمَرَ به ، أو على الأقل أذِنَ له به ؛ ليس لأنه سبب فقط ، وما حصيلة هذا التفريق ؟ ذلك لأن الأسباب من حيث كونها أسبابًا لمسبَّبات تنقسم شرعًا إلى قسمين ؛ أسباب مشروعة وأسباب غير مشروعة ، فالمسلم حينما يجد هناك سببًا لرزق ما لكنه يعلم أن الله - عز وجل - نهى عنه ؛ فهو لا يتخذه سببًا ، ولو كان هو في واقع الأمر سببًا كونيًّا ولكنه ليس سببًا شرعيًّا .
هذا التفريق مع أنه أمر واضح من الناحية العلمية الشرعية ، ولكنه - مع الأسف الشديد - أمرٌ يكاد أن يكون مهجورًا في العالم الإسلامي فضلًا عن عالم الكفر ؛ ذلك لما يدل عليه انكباب المسلمين على جلب الأموال وجمعها وتكنيزها من أيِّ طريق كان ؛ سواء كانت هذه الطرق طرقًا شرعية أو غير شرعية ؛ لذلك فحينما الإنسان يتذكَّر بمثل هذه المناسبة وهو يسمع قول الرسول - عليه السلام - أن يقطع المسلمُ الإياسَ ممَّا في أيدي الناس ؛ هل معنى هذا أن لا يفتِّش مثلًا عن عمل ؟ ألَّا يسأل عن سبب رزق ؟ الجواب : لا ، لكن لا تضع أمَلَك في الإنسان ، وإنما ضَعْ أمَلَك في خالق الإنسان أوَّلًا ، ثم حينما تُفتِّش عن السبب الذي أوَّلًا : لا تجعله عمدتك ، ثانيًا : فكِّر هل هذا السبب شَرَعَه الله لك أم لا ؟
فإن علمت أنه غير مشروع اجتنَبْتَه ، وإلا فإذا واقَعْتَه فلم تعلِّق أمَلَك بالله - عز وجل - ولم تقطع الإياس مما في أيدي الناس ، وكل الناس - إلا القليل ، مع الأسف الشديد - لا يعملون بهذا الحديث إطلاقًا . كثيرًا ما نلتقي مع ناس متعبِّدين صالحين ، لكننا سرعان ما نكتشف منهم ارتكابهم لمخالفات شرعية في بيوعهم وفي شرائهم ، هذا - مثلًا - يرابي ، ولا أعني مُراباة اليهود المكشوفة ، وإنما يكفي أنه يتعامل مع البنوك ويضع ماله في البنك ، ومنهم مَن يأخذ الربا الذي يسمُّونه بغير اسمه بالفائدة ، ومنهم مَن يتورَّع زعم ، فيترك لهم الفائدة أو الربا بالأصح ، يقول أنُّو أنا ما آكل الربا ، يتوهَّم أنه رجل متَّقي ، حينما نُصدَم بمثل هذا الواقع المؤلم ونُذكِّر بأن هذا - يا أخي - حرام وإن كنت لا تأكل الربا فأنت تُطْعِمُه ، ونبيُّك - صلى الله عليه وآله وسلم - قال في الحديث الصحيح : لَعَنَ الله آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهدَيه .
فأنت لا يكفي أن تتورَّع عن أن تأكل الربا ، بل يجب - أيضًا - أن تتورَّع عن أن تُطعِمَ الربا غيرك ، فنُفجأ بما يُنافي هذا التوجيه النبوي الكريم ، بيقول لك : يا أخي ، إي شو بدنا نساوي ؟ إي هيك إذا بدنا نتعامل فقط برؤوس الأموال اللي عندنا ما بيمشي الحال ، إذا بدنا نحطّ مالنا في البيت بيجوز أنُّو الحراميَّة يتسلَّطوا علينا ، بيجوز يقتلونا في الليل ، بتلاقي بقى بيصدر في خيال من أفظع الخيالات التي تسيطر هي فعلًا على عقول الكفار ، أما المسلم فهو مطمئن ، عنده هذا الحديث ، وقبل ذلك عنده آية هي تعالج هذه المشكلات النفسية التي رانَتْ على قلوب كثير من المسلمين اليوم في الصميم ، فالله - عز وجل - يقول : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ، كأنَّ المسلمين كفروا بهذه الآية حينما تنصحه بأن لا يتعامل بالربا ، أن لا يأكل الحرام ، أن لا يبيع الخمر ، أن لا يبيع الدخان ؛ ما في شيء مكتوم ؛ لا يبيع الخمر ولا يبيع الدخان رأسًا بيتعلق بالأسباب ، ما بيقطع الإياس مما في أيدي الناس ويتوكَّل على ربِّ الأرباب ، بيتعلَّق بالأسباب وهي غير مشروعة ، فأين أنت وهذه الآية الكريمة : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا إلى آخر الآية ؟
إذًا أنت أحد شيئين ، إما أنك لا تؤمن بهذه الآية مطلقًا وهذا الكفر بعينه ، وإما أنك تؤمن بها قلبيًّا ولكنك لا تؤمن بها عمليًّا ، فأنت لم تجعَلْها منهجًا لحياتك وفي منطلقك في معاملتك للناس ؛ ولذلك فأنت من هذه الناحية العملية كالكفار ، هم يتعلَّقون بالأسباب ؛ لذلك نظَّموا حياتهم على هذا التعلُّق وتنظيم من أدقِّ التنظيمات التي عرَفَها ربما التاريخ على وجه الأرض ، ولكن كلُّ ذلك لا يساوي عند الله جناح بعوضة ، لماذا ؟ لأنه قائم على خلاف شرع الله - عز وجل - ؛ ولذلك قال - تعالى - حينما أمَرَ الكفار الذين هم أعداء الإسلام ويحاربون الإسلام في كلِّ زمان ومكان ولو كانوا ينتمون إلى شيء من التديُّن لأنهم من أهل الكتاب ؛ وَصَفَهم بصفات كِدْنا نحن أن ننساها ؛ لماذا ؟ لسببين اثنين ؛ الأول : ابتعادنا عن دراسة الكتاب والسنة ، والسبب الآخر - وهو خطير جدًّا - : مُخالطتنا لهؤلاء الناس ومَن اتَّصل بهم واتَّصف بصفاتهم ولو كان هو ينتمي إلى إسلامنا وديننا ، قال الله في أولئك : قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مَن هُم ؟ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
الشاهد في قوله - تعالى - : وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُولُهُ هَيْ صفة الكفار ليست صفة المسلمين ، لكن المسلم حينما ما بيسأل : حرام حلال ، بيقول لك : يا أخي ، بدنا نعيش ، و" ليوم الله فرج " ، ونحو هذه العبارات اللي تدلُّ على منتهى اللامبالاة والاهتمام بما حرَّمَ الله - عز وجل - ، ومع ذلك فنحن نشكو ضنك العيش وارتفاع الأسعار والظلم من كل الجوانب ، ثم لا نلتفت إلى أنفسنا ، " ودود الخلِّ منه وفيه " .
إذًا يجب أن نأخذ من هذه الفقرة الأولى من هذه الوصية البليغة من نبيِّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - عبرةً أن لا نتعلَّق بالأسباب مطلقًا ، وإنما نتعلَّق بخالقها ، ولكن نأخذ الأسباب ما كان مشروعًا منها طاعةً لله - عز وجل - فقط ؛ لأن الله - عز وجل - قد أخبرنا نبيُّه - عليه الصلاة والسلام - في قوله : إنَّ روح القدس نَفَثَ في رُوعي ؛ إن نفسًا لن تموتَ حتى تستكمل أجلها ورزقها ؛ فأجْمِلُوا في الطلب ؛ فإنما عند الله لا يُنال بالحرام ، أجمِلُوا في الطلب اقتصدوا اسلكوا الطريق الجميل المشروع في طلب الرزق ؛ فإن الله - عز وجل - لم يَشرع لعباده المسلمين أن ينالوا رزقه بالحرام ؛ لا سيَّما وهو القائل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ، الواقع لولا الشرع لكنتُ صوفيًّا بمعنى اتكاليًّا ، لا آخذ بالأسباب ؛ لأن هذه الأسباب مظاهر ، والأمر بيد الله - عز وجل - ، لكن الله لمَّا أمَرَنا باتخاذ الأسباب ففي إطاعتنا لأمر ربِّنا بالأخذ بهذه الأسباب هو من جملة العبودية لله - عز وجل - ، فأنا حينما آخذ بالسبب المشروع أعبد الله ، وحينما أعرِضُ عن السبب غير المشروع أعبد الله ، أما الأخذ بالأسباب بدون أيِّ تفريق بين حلالها وحرامها وجائزها وغير جائزها ؛ فهذا خروج عن تحقيق العبودية الخالصة لله - عز وجل - .
أسأل الله - عز وجل - أن يجعَلَنا من عباده الصالحين المخلصين المتمسِّكين بكتابه والمهتدين بهدي نبيِّه - صلى الله عليه وآله وسلم - .
الفتاوى المشابهة
- ذكر الشيخ لبعض الأسباب الشرعية لجلب الرزق . - الالباني
- من شرح كتاب " الترغيب والترهيب " ، حديث معاذ -... - الالباني
- شرح حديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول ا... - ابن عثيمين
- شرح حديث عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال:... - ابن عثيمين
- الكلام على حقيقة التوكل على الله واتخاذ الأسبا... - الالباني
- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال جاء رجل إ... - الالباني
- شرح قول المصنف رحمه الله : " وعن سعد بن أبي وق... - الالباني
- قال المصنف رحمه الله : " وعن سعد بن أبي وقاص ر... - الالباني
- حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : جا... - الالباني
- حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : جا... - الالباني
- حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال : جا... - الالباني