تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون. - ابن عثيمينتفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون)قال تعالى: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
تفسير قوله تعالى: (لا أعبد ما تعبدون)

قال تعالى: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:١-٥] كرر في الجمل على مرتين مرتين, لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أي: لا أعبد الذي تعبدونهم, وهم الأصنام, وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وهو الله, وهنا (ما) في قوله: مَا أَعْبُدُ بمعنى: من؛ لأن الاسم الموصول إذا عاد إلى الله فإنه يأتي بلفظ من لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: أنا لا أعبد أصنامكم وأنتم لا تعبدون الله وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ الآن يظن الظان أن هذه مكررة للتوكيد, وليس كذلك؛ لأن الصيغة مختلفة لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ هذا فعل أو اسم؟ فعل, وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ عابد وعابدون اسم, وفي التوكيد لابد أن تكون الجملة الثانية كالأولى, إذاً القول بأنه كرر للتوكيد ضعيف, إذاً لماذا هذا التكرار؟ قال بعض العلماء: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ الآن, وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ في المستقبل, هذا قول, فصار: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ يعني في الحال وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ يعني: في المستقبل، لأن فعل المضارع يدل على الحال, واسم الفاعل يدل على الاستقبال, بدليل أنه عمل, واسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان للاستقبال.
لكن أورد على هذا القول إيراد, كيف قال: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ مع أنهم قد يؤمنون فيعبدون الله؟ وعلى هذا فيكون في هذا القول نوع من الضعف, أجابوا عن ذلك بأن قوله: وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ يخاطب المشركين الذين علم الله تعالى أنهم لن يؤمنوا, فيكون الخطاب ليس عاماً وهذا مما يضعف القول بعض الشيء, فعندنا الآن قولان: الأول: أنها توكيد, والثاني: أنها في المستقبل.

القول الثالث: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ أي: لا أعبد الأصنام التي تعبدونها, وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: لا تعبدون الله, وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: في العبادة, يعني: ليست عبادتي كعبادتكم، ولا عبادتكم كعبادتي, فيكون هذا نفي للفعل لا للمفعول له, أي: ليس نفي للمعبود ولكنه نفي للعبادة, أي: لا أعبد كعبادتكم ولا تعبدون أنتم كعبادتي؛ لأن عبادتي خالصة لله, وعبادتكم عبادة الشرك.

القول الرابع: اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, أن قوله: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ هذا الفعل, فوافق القول الأول في هذه الجملة وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ أي: في القبول, بمعنى: ولن أقبل غير عبادتي, ولن أقبل عبادتكم وأنتم كذلك لن تقبلوا, فتكون الجملة الأولى عائدة على الفعل, والجملة الثانية عائدة على القبول والرضا, أي: لا أعبده ولا أرضى به, وأنتم كذلك لا تعبدون الله ولا ترضون بعبادته, وهذا القول إذا تأملته لا يرد عليه شيء من الأقوال السابقة, فيكون قولاً حسناً جيداً.

ومن هنا نأخذ: أن القرآن الكريم ليس فيه شيء مكرر إلا وفيه فائدة, لأننا لو قلنا: إن في القرآن شيئاً مكرراً بدون فائدة لكان في القرآن ما هو لغو وهو منزه عن ذلك, وعلى هذا فالتكرار في سورة الرحمن: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وفي سورة المرسلات: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ قد يقال: ليس لها فائدة, بل هو تكرار لفائدة عظيمة, وهي: أن كل آية ما بين هذه الآية المكررة فإنها تشتمل على نعم عظيمة, وآلاء جسيمة, ثم فيها من الفائدة اللفظية: تنبيه المخاطب, بحيث يكرر عليه: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن:١٣] ويكرر عليه: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات:١٥] .

Webiste