تم نسخ النصتم نسخ العنوان
كلمة للشيخ عن داء الحسد. - ابن عثيمينالشيخ : أهمها ما يفشو بين الناس، الأقران من طلبة العلم، أو التجار، أو المشتغلين في مهنة واحدة من الحسد، الحسد الذي هو كراهة ما أنعم الله به على العبد، و...
العالم
طريقة البحث
كلمة للشيخ عن داء الحسد.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : أهمها ما يفشو بين الناس، الأقران من طلبة العلم، أو التجار، أو المشتغلين في مهنة واحدة من الحسد، الحسد الذي هو كراهة ما أنعم الله به على العبد، وليس هو تمني زوال نعمة الله عن الغير، بل هو مجرد أن يكره الإنسان ما أنعم الله به على غيره، فهذا هو الحسد، سواء تمنى زواله، أو أن يبقى ولكنه كاره له، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال : الحسد كراهة الإنسان ما أنعم الله به على غيرك، والحسد قد لا تخلو منه النفوس، يعني قد يكون أمرا اضطراريا للنفس، ولكن جاء في الحديث : "إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ"، يعني أن الإنسان يجب عليه إذا رأى في قلبه حسدا للغير أن لا يبغي عليه بقول أو فعل، فإن ذلك من خصال اليهود الذين قال الله عنهم : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }، ثم إن الحاسد يقع في محاذير، المحذور الأول : كراهته ما حكم الله به، فإن كراهته لما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما حكم الله به كونا، ومعارضة لقضاء الله عز وجل، ثانيا : أن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود، بذكره بما يكره، وتنفير الناس عنه، والحط من قدره، وما أشبه ذلك، الثالث : ما يقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلا، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم، وضاق صدره، وصار يرقب هذا الشخص، كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن، واغتم، وضاقت عليه الدنيا. رابعا : أن في الحسد شبها باليهود، ومعلوم أن من أتى خصلة من خصال الكفار صار منهم في هذه الخصلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "من تشبه بقوم فهو منهم". خامسا : أنه مهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبدا أن يرفع نعمة الله عن الغير، لا يمكن أن يرفع نعمة الله على غيره، فإذا كان هذا غير ممكن، فكيف يقع في قلبه الحسد. سادسا : أن الحسد ينافي كمال الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" فكما أنك تكره أن تزول نعمة الله عليك، فإذا لم تكره أن تزول نعمة الله على غيرك، فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وهذا ينافي كمال الإيمان. سابعا : أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله، فتجده دائما مهتما بهذه النعمة التي أنعم الله بها على غيره ولا يسأل لله من فضله، مع أن الله أرشد إلى أن يسأل الله الحاسد من فضله، فقال : { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ }، { اسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ }. ثامنا : أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليك، على الحاسد، يعني أنه يرى أنه ليس في نعمة، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه، وحينئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها، بل يتقاعس. تاسعا : أن الحسد لا شك أنه خلق ذميم، لأن الحاسد بهذا الخلق الذميم تجده يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه، ويحاول بقدر ما يمكن بقدر ما يمكن أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود، بالحط من قدره أحيانا، وبازدراء ما يقوم به من الخير أحيانا، إلى غير ذلك. عاشرا : أن الحاسد إذا بغى على المحسود فإن المحسود يأخذ من حسناته يوم القيامة، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء، وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار. والخلاصة : أن الحسد خلق ذميم، ومن الأسف أكثر ما يوجد بين العلماء وطلبة العلم، يوجد بين التجار، يوجد بين الخرازين، يوجد بين النجارين، يوجد بين الحدادين، يوجد بين البنائين لا شك، كل ذي مهنة يحسد من شاركه فيها، لكن المشكل أنه بين العلماء أشد، أشد، وبين طلبة العلم أشد، مع أنه كان الأولى والأجدر أن يكون أهل العلم، علماء وطلبة أبعد الناس عن الحسد، وأقرب الناس إلى كمال الأخلاق، وأنت يا أخي إذا رأيت الله قد أنعم على عبده نعمة فاسع أن تكون مثله، لا تكره ما أنعم الله عليه، قل اللهم زده من فضلك وأعطني أفضل منه، { واسألوا الله من فضله }، والحسد لا يغير الشيء عن حاله، لكنه كما ذكرنا آنفا في هذه المفاسد أو هذه المحاذير العشرة، ولعل من تأمل يجد أكثر.
المسألة الثانية : مسألة تكون في طلبة العلم، أو في بعض طلبة العلم، وهي أنهم إذا رأوا المنحرف خلقيا أو فكريا أو عمليا يكرهونه، ويتخذون من هذه الكراهة نفورا منه، وبعدا عنه، ولا يحاولون أبدا أن يصلحوه، إلا من شاء الله من طلبة العلم الذين أنار الله قلوبهم، ويرون أن هجره وكراهته والبعد عنه والتنفير عنه، يرون ذلك قربة، وهذا لاشك أنه خطأ، وأن الواجب على طلبة العلم أن ينصحوا وينظروا، كم من إنسان في غفلة فإذا نصح استجاب، وما أشد تأثير جماعة أهل الدعوة في كلمته، الذين يسمون أنفسهم أهل الدعوة والتبليغ، ما أشد تأثيرهم على الناس، وكم من فاسق اهتدى فأطاع، وكم من كافر اهتدى فأسلم على أيديهم لأنهم وسعوا الناس بحسن الأخلاق، فلذلك، نحن نسأل الله أن يجعل إخواننا الذين أعطاهم العلم أن يطعمهم من أخلاق هؤلاء حتى ينفعوا الناس أكثر، وإن كان يؤخذ على جماعة الدعوة والتبليغ ما يؤخذ، لكنه في حسن الأخلاق والتأثير بسبب أخلاقهم لا أحد ينكر، لا أحد ينكر فضلهم، وقد رأيت كتابا للشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وجهه إلى شخص كتب إليه ينتقد هؤلاء الجماعة، فقال في جملة رده، يعني الشيخ قال : " أقلوا عليهم، لا أبا لأبيكم من اللوم، أو سدوا المكان الذي سدوا "، نعم؟ فالحقيقة أن حسن الخلق لا شك أن له تأثيرا عظيما في استجابة الناس للداعي، أما إذا رأوا الإنسان خشنا فإنهم يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، تجده مثلا يسبونه على لحيته مثلا، واللحية أخلاق شرعية، يسبونه على تقصير الثوب، يسبونه على المشي حافيا، نعم؟ لماذا؟ لأنه ما هو خسن الأخلاق فيما بين الناس، ما يدعو بالأخلاق، يدعوا بالجفاء والغلظة، ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة، هذا خطأ، لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة واحدة أبدا، أليس النبي عليه الصلاة والسلام قد بقي في مكة ثلاثة عشر سنة، ثلاثة عشر سنة يدعو الناس، وفي النهاية أخرج، أخرج من مكة، تآمروا عليه { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } ليثبتوك يعني : يحبسوك، { أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } فلا يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين، لاسيما إذا لم تكن ذا قيمة بينهم، لكن اصبر، وأطل النفس، وادع بالحكمة، وأحسن الخلق، وسيتبين لك الأمر فيما بعد، ولا شك أن حسن المنطق له تأثير عظيم بالغ، بالغ، يحكى أن رجلا من أهل الحسبة، مر على فلاح، فلاح يسني على إبله، ما أعرف تعرفون السواني ولا لا؟ أه؟ الإبل تسني : يعني تخرج الماء من البير، وكان في أذان المغرب، وكان هذا الرجل يغني، يغني وهو يؤذن المغرب، لأن الإبل إذا سمعت الغناء تمشي كأنها مجنونة، لأنها تطرب، فكان يغني، وساهي، ويمكن ما سامع الأذان، فجاءه واحد من الحسبة فقال له : يا فيك، يا اللي ما فيك، وتكلم عليه كلام شديد، يا حمار، يا اللي، المهم، المؤذن يؤذن وأنت تغني صوت الشيطان، فقال أنا بغني وإذا ما راح ... العصا ... هذه العصا نكسره عنك، ... يقول لصاحب الحسبة، ليش؟ لأنه جاءه بعنف، مسكين هذا، يمكن يفكر في عشاء عياله بالليل، وساهي يغني، فجاء صاحب الحسبة إلى الشيخ، القاضي، قاله أنا رحت لفلان، وسمعته يغني على إبله وهو يأذن المغرب، ونصحته، وقال والله إذا ما ... نكسره عنك، قال الشيخ طيب، فلما كان من الغد، ذهب الشيخ إلى المكان هذا، وجعل يتوضأ لأن وقت المغرب قريب، أذن المغرب وهذا ماشي يسوق إبله، يسني عليه، فلما أذن جاء ووقف على العامل اللي يسني الإبل، قال له يا أخي ترى أذن المغرب، لو هذا المسجد قريب تذهب وتصلي، بعد الصلاة ترجع، فإن الله يقول : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ } أنت لو رحت تصلي هذا من أسباب الرزق، ربما يمدك الله برزق أكثر، قال الله يجزاك خير، جزاك الله خير، ويضع العصا اللي يسوق بها الإبل ويتوضأ ويمشي معه، وإيش اللي حصل؟ حصل المقصود، الأول هذاك لو تمادى معه، هو عامل ما يهمه، يكسر عليه العصا ولا يهمه، لكن هذا أتاه بالتي هي أحسن، فانقاد تماما، فأنا أقول إن بعض الإخوة طلبة العلم يكون عندهم غيرة لكنهم لا يحسنون التصرف، والواجب أن الإنسان يحسن التصرف، كثيرة فيها منفعة، ولا سيما كتاب ابن جماعة رحمه الله، في آداب السامع في طلب العلم، فإن هذا مهم جدا، ولولا أن الوقت ضيق لجعلنا فيه قراءة مذاكرة فيما بيننا وبينكم، يعني قراءة إمرار،

السائل : الحسد قد يكون اضطراري في النفوس ؟

الشيخ : نعم .

السائل : ... .

الشيخ : مثل ما قال الرسول : "إذا حسدت فلا تبغ"، يعني لا تعتدي على المحسود بقول أو فعل أو حط من قدره أو ما أشبه ذلك، قل الحق، والشيء الثاني : أن تعلم أن الحسد، يعني تتأمل تفكر، هل حسدك هذا يضره؟ وهل حسدك بينفعك؟ أبدا، امش أنت في دربك، وخلي الناس يمشون في دربهم، نعم؟ فالإنسان العاقل يتفكر بأن هذا الحسد لا يمكن أن يستفيد أحد منه، هو في الحقيقة حسرة على الإنسان وتعب ونار في قلبه، ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، امش أنت في دربك ويمكن يصير أحسن من ... نعم ؟

Webiste