المسألة الثانية : مسألة تكون في طلبة العلم، أو في بعض طلبة العلم، وهي أنهم إذا رأوا المنحرف خلقيا أو فكريا أو عمليا يكرهونه، ويتخذون من هذه الكراهة نفورا منه، وبعدا عنه، ولا يحاولون أبدا أن يصلحوه، إلا من شاء الله من طلبة العلم الذين أنار الله قلوبهم، ويرون أن هجره وكراهته والبعد عنه والتنفير عنه، يرون ذلك قربة، وهذا لاشك أنه خطأ، وأن الواجب على طلبة العلم أن ينصحوا وينظروا، كم من إنسان في غفلة فإذا نصح استجاب، وما أشد تأثير جماعة أهل الدعوة في كلمته، الذين يسمون أنفسهم أهل الدعوة والتبليغ، ما أشد تأثيرهم على الناس، وكم من فاسق اهتدى فأطاع، وكم من كافر اهتدى فأسلم على أيديهم لأنهم وسعوا الناس بحسن الأخلاق، فلذلك، نحن نسأل الله أن يجعل إخواننا الذين أعطاهم العلم أن يطعمهم من أخلاق هؤلاء حتى ينفعوا الناس أكثر، وإن كان يؤخذ على جماعة الدعوة والتبليغ ما يؤخذ، لكنه في حسن الأخلاق والتأثير بسبب أخلاقهم لا أحد ينكر، لا أحد ينكر فضلهم، وقد رأيت كتابا للشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وجهه إلى شخص كتب إليه ينتقد هؤلاء الجماعة، فقال في جملة رده، يعني الشيخ قال : " أقلوا عليهم، لا أبا لأبيكم من اللوم، أو سدوا المكان الذي سدوا "، نعم؟ فالحقيقة أن حسن الخلق لا شك أن له تأثيرا عظيما في استجابة الناس للداعي، أما إذا رأوا الإنسان خشنا فإنهم يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، يسبونه ويذمونه على ما فيه من الأخلاق الشرعية، تجده مثلا يسبونه على لحيته مثلا، واللحية أخلاق شرعية، يسبونه على تقصير الثوب، يسبونه على المشي حافيا، نعم؟ لماذا؟ لأنه ما هو خسن الأخلاق فيما بين الناس، ما يدعو بالأخلاق، يدعوا بالجفاء والغلظة، ويريد أن يصلح الناس كلهم في ساعة واحدة، هذا خطأ، لا يمكن أن يصلح الناس في ساعة واحدة أبدا، أليس النبي عليه الصلاة والسلام قد بقي في مكة ثلاثة عشر سنة، ثلاثة عشر سنة يدعو الناس، وفي النهاية أخرج، أخرج من مكة، تآمروا عليه { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ } ليثبتوك يعني : يحبسوك، { أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } فلا يمكن أن تصلح الخلق بمجرد دعوة أو دعوتين، لاسيما إذا لم تكن ذا قيمة بينهم، لكن اصبر، وأطل النفس، وادع بالحكمة، وأحسن الخلق، وسيتبين لك الأمر فيما بعد، ولا شك أن حسن المنطق له تأثير عظيم بالغ، بالغ، يحكى أن رجلا من أهل الحسبة، مر على فلاح، فلاح يسني على إبله، ما أعرف تعرفون السواني ولا لا؟ أه؟ الإبل تسني : يعني تخرج الماء من البير، وكان في أذان المغرب، وكان هذا الرجل يغني، يغني وهو يؤذن المغرب، لأن الإبل إذا سمعت الغناء تمشي كأنها مجنونة، لأنها تطرب، فكان يغني، وساهي، ويمكن ما سامع الأذان، فجاءه واحد من الحسبة فقال له : يا فيك، يا اللي ما فيك، وتكلم عليه كلام شديد، يا حمار، يا اللي، المهم، المؤذن يؤذن وأنت تغني صوت الشيطان، فقال أنا بغني وإذا ما راح ... العصا ... هذه العصا نكسره عنك، ... يقول لصاحب الحسبة، ليش؟ لأنه جاءه بعنف، مسكين هذا، يمكن يفكر في عشاء عياله بالليل، وساهي يغني، فجاء صاحب الحسبة إلى الشيخ، القاضي، قاله أنا رحت لفلان، وسمعته يغني على إبله وهو يأذن المغرب، ونصحته، وقال والله إذا ما ... نكسره عنك، قال الشيخ طيب، فلما كان من الغد، ذهب الشيخ إلى المكان هذا، وجعل يتوضأ لأن وقت المغرب قريب، أذن المغرب وهذا ماشي يسوق إبله، يسني عليه، فلما أذن جاء ووقف على العامل اللي يسني الإبل، قال له يا أخي ترى أذن المغرب، لو هذا المسجد قريب تذهب وتصلي، بعد الصلاة ترجع، فإن الله يقول : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ } أنت لو رحت تصلي هذا من أسباب الرزق، ربما يمدك الله برزق أكثر، قال الله يجزاك خير، جزاك الله خير، ويضع العصا اللي يسوق بها الإبل ويتوضأ ويمشي معه، وإيش اللي حصل؟ حصل المقصود، الأول هذاك لو تمادى معه، هو عامل ما يهمه، يكسر عليه العصا ولا يهمه، لكن هذا أتاه بالتي هي أحسن، فانقاد تماما، فأنا أقول إن بعض الإخوة طلبة العلم يكون عندهم غيرة لكنهم لا يحسنون التصرف، والواجب أن الإنسان يحسن التصرف، كثيرة فيها منفعة، ولا سيما كتاب ابن جماعة رحمه الله، في آداب السامع في طلب العلم، فإن هذا مهم جدا، ولولا أن الوقت ضيق لجعلنا فيه قراءة مذاكرة فيما بيننا وبينكم، يعني قراءة إمرار،
السائل : الحسد قد يكون اضطراري في النفوس ؟
الشيخ : نعم .
السائل : ... .
الشيخ : مثل ما قال الرسول : "إذا حسدت فلا تبغ"، يعني لا تعتدي على المحسود بقول أو فعل أو حط من قدره أو ما أشبه ذلك، قل الحق، والشيء الثاني : أن تعلم أن الحسد، يعني تتأمل تفكر، هل حسدك هذا يضره؟ وهل حسدك بينفعك؟ أبدا، امش أنت في دربك، وخلي الناس يمشون في دربهم، نعم؟ فالإنسان العاقل يتفكر بأن هذا الحسد لا يمكن أن يستفيد أحد منه، هو في الحقيقة حسرة على الإنسان وتعب ونار في قلبه، ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، امش أنت في دربك ويمكن يصير أحسن من ... نعم ؟