الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد :
فقبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أوجه نصيحتين أولهما للزوج والثانية للسائلة الزوجة :
أما نصيحتي للزوج فإني أنصح الزوج هذا وجميع إخواننا المتزوجين أنصحهم بأن يضبطوا أعصابهم عند الغضب ، وأن يتريثوا في أمور الطلاق ولا يتعجلوا ، فإن الطلاق الأصل فيه الكراهة إلا إذا دعت الحاجة إليه ، ولهذا أمر الله عز وجل أن يطلق النساء للعدة فلا يطلقها الإنسان وهي حائض ولا يطلقها في طهر جامعها فيه إلا أن تكون حاملاً ، فإن الحامل يصح طلاقها بكل حال ، كل هذا من أجل التريث وعدم التسرع في الطلاق ، وجعل للمرأة ثلاث حيض تعتد فيها لعل زوجها يراجعها في هذه المدة كما قال الله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } .
والتسرع في الطلاق من الحمق والسفه ، فإن الإنسان إذا طلق زوجته لا يفارق سلعة من السلع يشتري بدلها ، وإنما يفارق امرأة قد تكون هي أم أولاده أيضاً ، فيتفرق الأولاد ويتشتت الشمل فعلى الإنسان أن يتريث وأن لا يتسرع ، وإذا قدر أنه عازم على الطلاق فليطلق بهدواء وليطلق للعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ، فيطلقها إما حاملاً وإما طاهراً من غير جماع .
أما نصيحتي للمرأة السائلة فإني أنصحها وأنصح جميع المتزوجات أن يصبره على أزواجهن وأن يتحملن ما يحدث منهم من مثل هذه الأمور التي قد تؤدي إلى المعاندة ، لأن المعاندة ربما يحصل بها الفراق فيندم كل من الزوجين على ما فعل .
أما موضوع السؤال فالذي تبين لي أن هذا الرجل طلق زوجته الطلقة الأولى طلقة واضحة ليس فيها إشكال ، وأما الثانية والثالثة فهما طلقتان معلقتان على فعل المرأة ، وقد خالفت فيما علق الطلاق عليه ، وفيه هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من يقول : إنه يحنث ويقع عليه الطلاق في المرتين كلتيهما ، وبناء على ذلك تكون المرأة هذه قد بانت من زوجها لأنه طلقها ثلاث مرات ، الطلقة الأولة التي ليست معلقة على شيء ، والطلقتين الأخريين المعلقتين على عدم ذهابها إلى أهلها ولكنها ذهبت .
وذهب بعض العلماء إلى أن الطلقتين المعلقتين تكونان على حسب نية الزوج ، فإن كان قد نوى الطلاق وقع الطلاق بمخالفتها إياه ، وإن كان قد نوى اليمين وهو حملها أن لا تذهب وتهديدها إن ذهبت بالطلاق فإنه لا يقع الطلاق وتلزمه كفارة يمين .
وهذا القول هو الراجح عندي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وإنما ذكرت القول الأول الذي هو قول جمهور أهل العلم وهو وقوع الطلاق ليتبين للسائل ولغيره ممن يستمع أن الأمر في هذه المسألة خطير ، وأن الواجب على الإنسان أن لا يقدم على مثل هذا الفعل ، فإن جمهور أهل العلم يرون أن الزوجة في هذه المسألة حرام على زوجها ، لأنها طلقت منه ثلاث مرات .
أقول إنما ذكرت هذا الخلاف حتى يخاف الناس وحتى لا يكثروا من هذا الأمر الذي يمكنهم أن يحلفوا بالله عز وجل على زوجاتهم ، والزوجة يجب عليها إذا نهاها زوجها عن شيء أن توافقه فيما نهاها عنه ، لأن الله تعالى سمى الزوج سيداً فقال تعالى : { وألفيا سيدها لدى الباب } يعني زوجها .
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النساء عوان عند الرجال ، والعوان جمع عانية وهي الأسيرة ، فللزوج الحق في أن يمنع زوجته مما يخشى منه العاقبة السيئة ، وعلى الزوج أيضاً أن يتقي الله عز وجل في مراعات زوجته وأن يعاشرها بالمعروف كما قال الله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف } ، وقال : { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } .
بناء على القول الراجح عندي في مسألة هذا الرجل فإني أقول له : إن كان نيتك بقولك : إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق ، إن كان نيتك إنها تطلق إذا ذهبت لأنها بعصيانها إياك غير مرغوبة عندك ، فإن الطلاق يقع .
أما إذا كان نيتك أن تخوفها وأن تحملها على ترك الذهاب فإن حكم هذا حكم اليمين وعليك أن تطعم عشرة مساكين عشر كيلوات من الرز ومعهن اللحم الكافي لهن ، وإن شئت فاصنع الطعام أنت وغدي المساكين أو عشهم .