تم نسخ النصتم نسخ العنوان
مشكلاتنا أن والدنا وإخواننا لا حول ولا قوة إ... - ابن عثيمينالسائل : رسالة وصلت من أخواتكم في الله من المنطقة الشرقية مدينة الخبر، الأخوات المستمعات لهن هذا السؤال وسؤال ءاخر يقلن في بداية الرسالة بسم الله الرحما...
العالم
طريقة البحث
مشكلاتنا أن والدنا وإخواننا لا حول ولا قوة إلا بالله لا يطبقون شرع الله من إقامة الصلاة وغيره ولقد حاولنا مراراً وبالحسنى أن ننصحهم ولكن دون جدوى ثم إن والدنا يمنعنا من صيام التطوع ومن حضور حلقات الذكر ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وكان ذلك يحزننا ولكن الأهم كونهم لا يصلون نرجو من فضيلتكم أن تفيدوننا جزاكم الله عنا خير الجزاء .؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : رسالة وصلت من أخواتكم في الله من المنطقة الشرقية مدينة الخبر، الأخوات المستمعات لهن هذا السؤال وسؤال ءاخر يقلن في بداية الرسالة بسم الله الرحمان الرحيم إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

السائل : أما بعد فنحن أخوات من إحدى القبائل المعروفة منّ الله علينا بنعمة الهداية والحمد لله ونسأله المزيد مشكلتنا أن والدنا وإخواننا لا حول ولا قوة إلا بالله لا يطبّقون شرع الله من إقامة صلاة وغيره ولقد حاولنا مرارا وبالحسنى أن ننصحهم ولكن دون جدوى ثم أن والدنا يمنعنا من صيام التطوع ومن حضور حلقات الذكر ومدارس تحفيظ القرءان الكريم وكان ذلك يُحزننا يا فضيلة الشيخ ولكن الأهم كونهم لا يصلون نرجو من فضيلتكم أن تفيدوننا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟

الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى ءاله وأصحابه أجمعين، أما بعد فإن هذا سؤال عظيم جدا يحتاج الجواب فيه إلى أمرين، الأمر الأول توجيه النصيحة إلى أهليكم الذين وصفتموهم بهذه الأوصاف التي لا ينبغي أن تكون ممن ينتسب إلى الإسلام من ترك الصلاة والنهي عن المعروف وغير ذلك مما ذكرتم في السؤال.
إن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل ويخافوه ويرجعوا إلى دينهم الذي ينتسبون إليه فهم ينتسبون إلى الإسلام والمسلم يجب أن يستسلم لله تعالى ظاهرا وباطنا بالإخلاص له واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أهم ذلك الصلاة التي هي عمود الدين والتي لا دين للإنسان إلا بها فإن الصلاة هي العمود لهذا الدين الإسلامي ومن المعلوم أن العمود إذا سقط سقط البناء الذي يحمله هذا العمود ولهذا جاءت النصوص من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بأن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجا عن الملة فمن أدلة ذلك في كتاب الله قوله تعالى في المشركين { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصّل الأيات لقوم يعلمون } فاشترط الله سبحانه وتعالى للإخوّة في الدين هذه الشروط الثلاثة، التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن المعلوم أنه إذا تخلّف الشرط تخلف المشروط.
ومن المعلوم أيضا أن الأخوّة في الدين لا تنتفي إلا إذا خرج الإنسان من الدين بالكلية لأن الأخوة في الدين لا ينفيها الفسق والمعاصي ولو عظمت فها هو قتل المؤمن عمدا من أكبر الكبائر ومع ذلك لا تنتفي به الأخوّة الدينية قال الله سبحانه وتعالى في ءاية القصاص { يا أيها الذين ءامنوا كتِب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه فشيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } فجعل الله سبحانه وتعالى القاتل أخا للمقتول مع عظم جريمته وكونها من أكبر الكبائر.
وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة بينهما مع عِظم اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض.
وأما السنّة فمن أدلتها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" وفيما رواه أهل السنن من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله وسلم قال "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ففي هذين الحديثين نص واضح على أن تارك الصلاة كافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها حدا فاصلا بين الإيمان والكفر ومن المعلوم أن الحد يُميّز بين المحدودين ويُخرج أحدهما من الأخر فلا يتداخلا وهذا واضح جدا في أن المراد بذلك أي بالكفر المذكور في الحديثين الكفر المخرج عن الملة لأن الكفر الذي دون الإخراج من الملة لا يكون فاصلا بين الإيمان والكفر إذ قد يجتمع في الإنسان خصال من الكفر وخصال من الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام "اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة" .
وأما الآثار عن الصحابة فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه " لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " وحظ بمعنى نصيب وهو هنا واقع بعد لا النافية للجنس الدالة بنفيها على انتفاء مدخولها انتفاء كاملا وإذا انتفى النصيب انتفاء كاملا من الإسلام لمن ترك الصلاة لم يبقى إلا أن يكون كافرا بل قد قال عبد الله بن شقيق أحد التابعين المشهورين قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يروْن شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ومثل هذه الصيغة تقتضي حكاية الإجماع منهم ثم إن المعنى والقياس والنظر الصحيح يقتضي ذلك أي يقتضي أن يكون تارك الصلاة كافرا بالله عز وجل كفرا مخرجا عن الملة جاعلا الإنسان من أهل الردة والعياذ بالله وذلك لأن من عرف عظم شأن الصلوات وأهميتها عند الله عز وجل وعرف ثواب من حافظ عليها وعقاب من استهان بها فإنه لا يمكنه أن يدعها وفي قلبه شيء من الإيمان بالله عز وجل وليس الإيمان مجرد الاعتراف بوجود الله عز وجل وأنه هو الخالق الرازق فإن هذا الاعتراف موجود في المشركين الذين استحقوا النار وحُرموا من الدخول الجنة فإن الله تعالى يقول عنهم { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ولم يُنكروا شيئا من أفعال الله عز وجل التي لا يفعلها إلا هو فهم مُقرّون بالله مُقرّون بربوبيته ومع ذلك فهم كفار فهذا الذي يدّعي أنه مؤمن وهو تارك للصلاة لأنه يُقرّ بالله عز وجل نقول له إن هذا الإقرار لا ينفعك لأنه لابد في الإيمان من القَبول والانقياد والإذعان ومن لم يُذعن لله تعالى في أعظم الأعمال البدنية وهي الصلاة فكيف يُقال إنه مؤمن وعلى هذا فنقول لهؤلاء الذين وصِفوا في السؤال نقول لهم اتقوا الله عز وجل في أنفسكم ارجعوا إلى دينكم أقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وصوموا رمضان وحجوا بيت الله واستعينوا بالله عز وجل على القيام بهذه الطاعات وأنتم إذا صدقتم النية وصممتم وعزمتم واستعنتم بالله عز وجل فإن الله تعالى ييسّر لكم الأمور أما إذا أبيتم واستكبرتم وتركتم ما أمر الله به وما فرض الله عليكم فلم تعانوا على طاعة الله أبدا لأن الله يقول { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين } .
ومن المعلوم أننا لو سألناكم وقلنا أتحبون أن تكونوا بعد الموت من أهل الجنة التي عرضها السماوات والأرض والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والتي يُحل فيها رب العزة رضوانه على أهلها فلا يسخط عليهم أبدا والتي ينظر فيها أهل الجنّة إلى الله عز وجل كما يشاء الله تعالى لو خُيّرتم بين أن تكونوا من أهل هذه الدار أو من دار عذابها عظيم أليم شديد يُصلى أهلها نارا كلما نضجت جلودهم بُدّلوا جلودا غيرها ليذوقوا العذاب وإذا استغاثوا أغيثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه { يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما في بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق } لو خيّرتم بين هاتين الدارين لاخترتم إن كنتم عقلاء أن تكونوا من أهل الدار الأولى ولا يمكن أن تحصلوا على هذه الأمنية وهذا الاختيار إلا إذا قمتم بما أمركم الله به ورسوله.
فعليكم أن تتقوا الله عز وجل فإن أبيتم إلا الإصرار على ما أنتم عليه من ترك الصلاة وانتهاك الحرمات فاحذروا أن تعتدوا على غيركم من عباد الله عز وجل بمنعه من طاعة الله ومنعه من أسباب سعادته ومنعه من المعروف فتكونوا ممن قال الله فيهم { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم } لا تعتدوا على عباد الله بمنعهم من الصلاة أو الصيام أو الصدقة أو طلب العلم أو غير ذلك فإن هذا عدوان منكم وظلم لهم، هذا هو الأمر الأول الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يصل إلى مسامع أهليكم وأن ينفعهم بذلك وأن يجعلنا وإياهم من عباد الله الصالحين المخلَصين الذين ليس للشيطان سلطان عليهم وعلى ربهم يتوكلون.
أما بالنسبة لكم فعليكم أن تصبروا وأن تحتسبوا الأجر من الله وأن تنتظروا الفرج منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول "واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا" وإذا نهوكم عن شيء من المعروف كالصيام والصلاة فإنه لا تجب عليكم طاعتهم لأنكم إذا قمتم بذلك قمتم بشيء نافع لكم غير ضار لهم والوالدان لا تجب طاعتهما في أمر ينفع الولد ولا يضر الوالد لأن كونهما ينهيان عن أمر ينفع الولد ولا يضرهما دليل على أنهما إنما أرادا بذلك الإضرار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا ضرر ولا ضرار" .
نعم ينبغي لكم أن تُداروهم بأن تحرصوا على كتمان ما تفعلون من الخير عنهم حتى لا يحصل بذلك جفاء وبغضاء وعداوة بينكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يُصلح أحوال المسلمين وأن يجعل فيهم الخير والبركة والدلالة على الرشد إنه جواد كريم.

السائل : ءامين، جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.

Webiste