تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة شرح الشيخ للحديث القدسي المروي عن أنس وكل... - الالبانيالشيخ : ... سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول  قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي يا ابن آدم لو بل...
العالم
طريقة البحث
تتمة شرح الشيخ للحديث القدسي المروي عن أنس وكلامه على الفقرة الثانية وهي قوله (فاستغفروني أغفر لكم ) وبيان ما يتعلق بذلك من بقية الأحاديث .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ... سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة رواه الترمذي و قال حديث حسن ، قراب الأرض بكسر القاف و ضمّها أشهر هو ما يقارب ملأها ثم قرأنا هذا الحديث عليكم في الدّرس الماضي و علّقنا بما يسّر الله تبارك و تعالى على الجملة الأولى منه و بخاصّة قوله عليه الصّلاة و السّلام عن ربّه يا ابن آدم إنّك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي فبيّنّا أن الدّعاء في الإسلام له أهمّية عظيمة جدّا و أن الدّعاء و اللّجأ و التّضرّع إلى الله عزّ و جلّ هو سنّة الأنبياء و أنّ مما أصيب به بعض الناس من الانحراف عن الإسلام قولهم إنّ الدّعاء لا يلجأ إليه المخلصون الواقفون لله عزّ و جلّ حتّى قال قائلهم " طلبك منه تهمة له " و بيّنّا أن هذا انحراف عن هذا الحديث وما في معناه من أحاديث بل و آيات كثيرة أشرنا إلى بعضها ليلة إذٍ .
و الآن نتابع التّعليق على ما بقي من هذا الحديث فالرّسول صلى الله عليه و سلّم يحكي عن ربّه أنه قال يا ابن آدم إنّك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي و الغرض من هذه الفقرة هو لفت نظر المسلم أن يكون دائما راغبا إلى الله عزّ و جلّ متضرّعا إليه أن يغفر له ذنوبه و أن لا ينسى أنّه بحاجة إلى عفو ربّه عزّ و جلّ و مغفرته قال تعالى يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثم استغفرتني غفرت لك عنان السّماء يعني السحاب وهذا كناية على أن العبد المسلم مهما كانت ذنوبه كثيرة بحيث أن بعض الناس ضعفاء الإيمان قد يقعون في اليأس من أن يغفرها الله عزّ وجل هذه الذّنوب له لكثرتها و لهولها و لخطورتها ففي هذا الحديث لفت نظر العبد أن لا ييأس من روح الله لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وهذا نص القرآن الكريم و إنما على العبد أن يتوجّه إلى الله تبارك و تعالى بقلب خالص في عبادته لربّه أن يغفر له ذنوبه فالله عزّ و جلّ يغفر هذه الذّنوب مهما كانت كثيرة ولو بلغت السّحاب فالله عزّ و جلّ غفور رحيم ولكن هنا ملاحظة لابدّ من التّذكير بها مرّة بعد أخرى ففي هذا الحديث تطميع للعبد لاشكّ في مغفرة الله عزّ و جلّ و عفوه الواسع لكن ذلك منوط و مربوط بطلب العبد من ربّه عزّ و جلّ أن يغفر له ، فليس هذا التطميع المذكور في هذا الحديث للعبد في عفو الله عزّ و جلّ هو مجرّد أمل من العبد أن يغفر الله له ذنوبه مهما كانت كثيرة و إنما ذلك بقيد و بشرط أن يستغفر الله عزّ و جلّ لأنّه يقول لو بلغت ذنوبك عنان السّماء ثم استغفرتني غفرت لك إذن فهذا أيضا تأكيد لضرورة توجّه العبد بالدّعاء إلى الله عزّ و جلّ و طلب المغفرة منه و يؤيّد هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم فهذا الحديث يصرّح بأن المغفرة التي يطمّع ربّنا عزّ و جلّ فيها عباده هي مربوطة بتوجّه العباد إليه بطلبهم المغفرة منه و ليس في هذا الحديث كما يتوهّم بعض الغافلين التّشجيع على الإكثار من الذّنوب لأن الحديث يقول لو لم تذنبوا لذهب الله بكم فيأخذون الطرف الأول من الحديث و يستنبطون منه حض المسلم على التوجّه إلى معصية الله عزّ و جلّ لكن الحقيقة أن الحديث لم يسق من أجل هذا و لا يعقل أن يكون في الشّرع تطميع من الله عزّ و جلّ للعباد على المعصية و إنما سيق الحديث إلى تلافي ما قد يقع فيه الإنسان من المعصية و الذّنوب أن يتلافى ذلك بماذا ؟ بالإستغفار و التّضرّع إلى الله عزّ و جلّ بأن يغفر له لذلك قال لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله لم يقل جاء بقوم يذنبون فيغفر الله لهم و إنما قال يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم إذن المغفرة منوطة بطلب العبد لها من الله تبارك و تعالى و في ذلك إثبات كما شرحنا ذلك في الدّرس الماضي لعبوديّة العبد و خضوعه لربّه عزّ و جلّ و عدم استغنائه عن عفوه و مغفرته .
في هذا الحديث حديث أبي هريرة الذي ذكرته آنفا إشارة إلى طبيعة الإنسان التي فطره الله تبارك و تعالى عليها وهي أن الإنسان لم يطبع و لم يفطر على عدم المعصية لأن الله تبارك و تعالى بحكمته خلق المخلوقات على قسمين قسم مكلّف و قسم غير مكلّف .
القسم المكلّف يشمل الإنس و الجنّ و الملائكة ثم جعل هذا القسم قسمين قسما معصوما عن المعصية و هم الملائكة فقط وذلك قول الله تبارك و تعالى لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون فملائكة الله هذه صفتهم أنّهم لا يعصون الله تبارك و تعالى و إنّما طبيعتهم أن يأتمروا بأمر الله عزّ و جلّ ومن هنا نستطيع أن نذكّر ببطلان القصّة التي تنسب لهاروت و ماروت و يزعمون أنّهما كانا ملكين و أن الله عزّ و جلّ أنزلهما من السّماء لتعليم الناس السّحر يوم كان السحر مهنة و صنعة تستغلّ لإضلال الناس و حملهم على الخضوع للملوك المتجبّرين و أنّ هؤلاء لما نزلوا إلى الأرض افتتنوا في قصّة طويلة بامرأة جميلة فلم يزالا بها حتّى وقعا عليها و فتنتهما عن دينهما فمسخهما الله عزّ و جل و مسخ المرأة فجعلها هي النّجمة المعروفة بالزهرة فهذه القصّة تروى مع الأسف في بعض كتب التفسير و الحديث لكنّها قصّة لا تثبت نسبتها إلى النّبي صلى الله عليه و آله و سلّم و إنما هي من الإسرائليات وهي تخالف الآية السابقة لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون فكيف ينسب إلى الملائكة بأنهم شربوا الخمر و زنوا بتلك المرأة هذا مستحيل لذلك فالقسم الأول أن الله عزّ و جلّ خلق الملائكة لا يعصون الله كما قال في القرآن الكريم و خلق الثّقلين الإنس و الجنّ مفطورين على المعصية و لكنّ الله عزّ و جلّ لحكمته مكّنهم و قدّرهم على أن لا يغرقوا في المعصية أولا ثم إذ فطرهم على المعصية فقد مكّنهم على الخلاص من أوزارها و آثامها بأن يلجؤوا إلى الله عزّ و جلّ و أن يطلبوا منه المغفرة فالحديث السابق لو لم تذنبوا لذهب الله بكم يعني أن الله عزّ و جلّ سبقت إرادته و حكمته بأن يخلق الخلق المكلف على قسمين قسم لا يعص الله وقسم آخر يعص الله فيقول للبشر لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ليكون هناك خلق آخر غير خلق الملائكة و لتظهر صفة أو أثر من آثار صفة من صفات الله عزّ و جلّ في خلقه ألا و هي صفة المغفرة غفور رحيم فلو لم يكن هناك خلق يعصي الله عزّ و جلّ فليس هناك أثر لصفة الله عزّ و جلّ التي هي المغفرة فإذن في هذا الحديث بيان لواقع هذا القسم المكلّف الذي فُطر على المعصية أن لا يتواكل على هذه الفطرة فيقول ما دام أنّنا خلقنا لسنا معصومين كالملائكة فلابد من المعصية فالجواب نعم لابدّ من المعصية ولكن هذه المعصية قد تكون صغيرة و قد تكون كبيرة و باستطاعة الإنسان أن يجاهد نفسه و أن لا يقع في القسم الأكبر منها أما الشّيء القليل منه فلابد منه ليظهر في هذا الإنسان المكلّف صفة مغفرة الله عزّ و جلّ فيه فنؤّكد و نقول لابد للإنسان أن يخطئ لأن الله عز و جلّ قدّر هذا في خلق الإنسان بخلاف الملائكة كما أكّد ذلك أيضا عليه الصلاة و السّلام في الحديث المعروف صحّته برواية الإمام البخاري و مسلم له عن النبي صلى الله عليه و سلّم قال كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا فهو مدركه لا محالة كتب على ابن آدم موش على الملائكة كتب على ابن آدم حظّه من الزّنا فهو مدركه لا محالة ، فالعين تزني و زناها النّظر و الأذن تزني و زناها السمع و اليد تزني و زناها البطش و الرجل تزني و زناها المشي و الفرج يصدّق ذلك كلّه أو يكذّبه هذه المقدّمات وهي من صغائر الذّنوب كتبت على الإنسان فهو مدركها لا محالة ، فإذن الشّطر الأول من الحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و لجاء بقوم يذنبون يريد أن الله عزّ و جلّ اقتضت حكمته أن يخلق مقابل الملائكة الذين لا يعصون الله بشرا يعصون الله و لكن لم يخلقهم يعصون الله مضطرّين مرغمين مقهورين و إنما لهم الخيرة في ذلك مع ذلك فمهما اختاروا أن يتقوا الله عزّ و جلّ و أن يبتعدوا عن الذّنوب و المعاصي فلابد من أن تزلّ بهم القدم قليلا أو كثيرا لكن الله عزّ و جلّ جعل لهم مخرجا فقال فاستغفروني أغفر لكم كما في الحديث القدسي الآخر أيضا الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلّكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم كلّكم ضال إلا من هديته إذن هل نتواكل على هداية الله عزّ و جلّ كما يقول عامة الناس الفاسقين حينما يدعون إلى أن ينقلبوا إلى صالحين فيقال له اتّق الله فيقول يا أخي الهداية من الله عزّ و جلّ فإذا أراد أن يهدينا هدانا ، نعم هدانا لتطرق الباب لتسمع الجواب قال تعالى في هذا الحديث فاستغفروني أغفر لكم كل هذه الأحاديث يأخذ بعضها برقاب بعض و ترتقي إلى هذه الحقيقة ألا وهي أن الإنسان إذا كان قد جُبل على المعصية أو بعض المعصية فليس معنى ذلك أن يظل في معصيته ملوّثا بأدرانها و أوساخها و إنما عليه أن يسلك سبيل التّطهر منها و ذلك بأن يتوجّه إلى الله عزّ و جلّ و أن يطلب له منه مغفرته .

Webiste