رد الشيخ على بعض المؤولة في تأويلهم لبعض صفات الله تعالى .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : ومن هنا ننتقل إلى ما أشرت إليه آنفا من أن لمثل هذا البحث صلة بالعقيدة فهناك آيات الكتاب الكريم وأحاديث في السنة الصحيحة تأتي جمل وعبارات ينصرف كثير من الخلف عن تفسيرها على ظاهرها بطريق يشبه هذه الطريق من التأويل ومن تقدير للمضاف المحذوف فمثلا ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ... إلى آخر الحديث وكقوله عز وجل في القرآن الكريم وجاء ربك والملك صفا صفا فللعلماء هنا موقفان الموقف الأول وهو الموقف الصحيح تفسير هذه النصوص من الكتاب والسنة المتعلقة بصفات الله عز وجل على ظاهرها بدون تأويل، جاء ربك أي ربك، المثل الثاني وهو خطأ بلا شك لمخالفته لمنهج السلف وجاء ربك أي جند ربك مثلا أو عذاب ربك أو نحو ذلك من التقديرات لمضافات محذوفة كذلك تأوّل هؤلاء الخلف خلافا لمذهب السلف الحديث السابق الذكر وأمثاله ينزل الله فقالوا الله ... وإنما ينزل الله أي رحمته فقدروا أيضا هنا مضافا محذوفا فالذي أريد أن نقوله الأن بشيء من الإيجاز والاختصار هو أنه وإن كان تقدير المضاف المحذوف معروفا في اللغة العربية وهذا هو المثال واضح بين أيديكم، رأى الجوع في وجوه أصحابه قلنا رأى أثر الجوع كذلك في القرآن واسألوا القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها أيضا أهل القرية فهنا مضاف محذوف فأقول وإن كان هذا معروفا في اللغة العربية فلا بد من وضع ضابطة وقاعدة متى يجوز أن يقدّر المضاف المحذوف ومتى لا يجوز وإلا صار الأمر فوضى، و ... هذه القاعدة قد وضعها علماء اللغة وليس علماء السلف فقط ولكن الفرق أن الذين وضعوا هذه القاعدة من الخلف لم يلتزموها تطبيقا وعلما، القاعدة العلمية اللغوية تقول الأصل في كل عبارة الحقيقة لا المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة فحينذاك يكون تعذر الحقيقة أي يكون عدم إمكان تفسير الجملة العربية على حقيقتها وعلى ظاهرها دليلا صارفا إلى تفسير العبارة بالمجاز، ذكروا هذا وهذا هو الضابطة والقاعدة كما أشرنا لكن لم يلتزموها إلا من نهج منهج السلف وها نحن الآن بين بعض الأمثلة المعلقة بالله عز وجل وصفاته فهم أولوا جاء ربك بجاء عذاب ربك مثلا أولوا يد الله فقالوا قدرته ونحو ذلك كثير وكثير جدا.
والحديث السابق ينزل الله ... يعني رحمته، ما الذي اضطر هؤلاء ماهي القرينة الصارفة عن تفسير هذه النصوص عن الحقيقة؟ لا شيء سوى أن عقولهم ضاقت عن الإيمان بصفة من صفات الله عز وجل، هذا الله الذي لا يرى ولا يحسّ به وإنما يعلم به كذلك صفاته يقال فيها ما يقال في الذات فنحن لا نعرف الله إلا من آياته ومن آثاره فإذا كان الله عز وجل يقول عن نفسه وجاء ربك وعطف والملك فلماذا نقول جاء عذاب ربك أو جند ربك؟ نريد أن نقول الله لا يجيء لماذا؟ لأنهم يتوهمون أن الله حينما يقول عن نفسه جاء يجيء على رجلين مثلا، يجيء وهو متعب يلهث ونحو ذلك من الصفات التي تتعلق بالبشر لكن الله عز وجل لكي لا يتبادر إلى ذهن أحد مثل هذا المعنى الباطل ويتأول من أجله الجملة الحق قال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ليس كمثله شيء تنزيه وهو السميع البصير إثبات لصفتين من صفات الله عز وجل فهل يتبادر إلى ذهن إنسان حينما يقرأ وهو السميع أن سمعه كسمعنا؟ لا البصير أن بصره كبصرنا؟ لا، كذلك كل صفات الله عز وجل يقال فيها ليس كمثله شيء وهو القدير العليم الحكيم لكن في علمه وفي حكمته وفي صفته صفاته كلها لا يشبه شيئا من مخلوقاته سبحانه وتعالى عن ذلك.
كذلك حينما وصف نفسه بأنه جاء لماذا نتخيل أن مجيئه كمجيء البشر المخلوق العاجز فلنقل يجيء مجيئا هو يعلم حقيقة نحن لا ندري حقيقة ذاته حتى ندري حقيقة صفاته.
كذلك ينزل الله لا يستطيع هؤلاء الخلق بحكم كونه بشرا أن يدركوا حقيقة نزول الله وكل بشر كذلك فهل هذا عذر لتأويل النزول الجواب لا لأنه إن جاز تأويل صفة من صفات الله لعجز البشر عن إدراك حقيقتها هذا يؤدي إلى الجحد المطلق لوجود الله عز وجل لأنه يؤدي إلى جحد كل الصفات.
الله مثلا حي وأنا حي فهل ننكر حياة الله حتى ما يقال أنه حياته كحياتنا نحن ما نقول إن حياته كحياتنا ولا حياتنا كحياته لكن حياته ليس كحياته إذًا مجيئه ليس كمجيئنا ونزوله ليس كنزولنا لأن ذاته ليست كذواتنا، وانتهت المشكلة لذلك هذا التقدير الذي يلجأ إليه المؤولة لا دافع لهم عليه إلا تصور التشبيه ففروا من التشبيه فوقعوا في التعطيل لذلك أرجو من كل مسلم أن يحفظ هذه القاعدة من الناحية اللغوية ومن الناحية الشرعية، من الناحية اللغوية لا يجوز تفسير العبارة على غير ظاهرها بتقدير مضاف محذوف إلا لضرورة قاهرة مثلا يقول الإنسان جاء الأمير فهل يصح للسامع أن يفهم العبارة جاء خادم الأمير يعني بتقدير مضاف محذوف، هذا إذًا عطلنا وسيلة التفاهم بين الناس ألا وهي اللغة، القائل قال جاء الأمير ففهم السامع بأنه يعني جاء خادم الأمير، من أتى هذا وقال جاء الأمير فسكت فتقول أنت هو يعني جاء خادم الأمير هذه تعطيل .
هذا إذا كان البشر مثلنا فما بالنا إذا كان المتكلم هو ربنا وخالقنا سبحانه وتعالى يقول عن نفسه وما ندري عنه شيئا إطلاقا إلا ما أخبرنا بنفسه عن نفسه، يقول جاء ربك نحن نقول جاء ربنا يأتي ربنا لكن كيف ؟ ... ينزل الله، ينزل حقيقة نزولا يليق بجلاله وكماله وعظمته لكن لا نعطل ... و لا نؤول، يقولون يا أخي تقدير المضاف معروف في اللغة العربية، نحن نقول نعم لكن لا بد هناك من ضرورة قاهرة، ما هي الضرورة القاهرة ؟ إما أن تكون لفظية مذكورة في السّياق أو السّباق أو تكون عقلية ضرورية، مثلا الآية السّابقة واسألوا القرية كل ذي عقل ولب يعلم أن القرية لا تُسأل والعرب حينما تكلموا بهذه اللغة تكلموا بجمل ظاهرها أنها مجاز ولكنها هي الحقيقة بعينها .
وهذا هو الذي تفرد بتفصيل الكلام عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حتى قيل عنه بأنه ينكر وجود المجاز في اللغة العربية لكن الحقيقة هو ينكر هذا المجاز الذي يسير إليه المعطلة أو المؤولة بدون حجة فهو يأتي بمثال أو بالجملة العربية المعروفة وهي "سال الميزاب" يذكره العلماء كمثال للمجاز وجرى بنحوه يقول ابن تيمية هذا تركيب ظاهره المجاز لكن هذه الجملة التي يسمونها مجازا هي تعطي المعنى الذي لا يتبادر سواه للأذهان "سال الميزاب" هل أحد من العرب يفهم ذاب؟ ذاب من شدة الحرارة مثلا الميزاب وإلا الذي يتبادر إلى أذهان كل العرب "سال الميزاب" سال ماء الميزاب إذًا هذه الجمل التي يتبادر من معانيها تقدير هذا المضاف المحذوف هو في الأصل بنيت هذه الجملة على هذا الترتيب وعلى هذا المعنى أما حينما تقول جاء الأمير فممكن يكون في هناك مضاف محذوف لأنه ممكن أن يأتي الخادم وممكن أن يأتي الأمير فهنا تبقى العبارة على ظاهرها لا تؤول بمجاز إلا إذا وجدت قرينة أما "سال الميزاب" لا يمكن أن يفهم منه أنه سال نفس الميزاب، جرى النهر والنهر هو الأخدود لا يعني التراب هذه الحفرة هي سالت وإنما سال ماء النهر.
فمقابلة هذه العبارات التي استعملت على أن المقصود منها المعنى المجازي قطعا بعبارات ظاهرها أن المراد منها حقيقتها مثل جاء فلان وذهب فلان ففلان نفسه هو المقصود بهذه العبارة من هنا قال ابن تيمية لا يجوز تأويل آيات الصفات وأحاديث الصفات بتقدير مضاف محذوف لأن هذه الآيات وهذه الأحاديث في الوقت التي تتحدث عن الله عز وجل وإذا بالمؤولة حينما تأولوا هذه الآيات والأحاديث أصبحت تتحدث عن غير الله عز وجل فالله إذا قال عن نفسه جاء وتؤول بأنه جاء الملك أو جاء العذاب أو جاءت الرحمة أو نحو ذلك صار الحديث عن غير الله تبارك وتعالى وينتج من وراء ذلك مشاكل جليّة واضحة جدا أقتصر الآن على مثال واحد في الحديث السابق، ينزل الله تبارك وتعالى ... إلى آخر الحديث تأولوا النزول بنزول الرحمة فجاء الاعتراض عليه في تمام الحديث فيقول ألا فهل من داع فأستجيب له ألا هل من سائل فأعطيه ألا هل من مستغفر فأغفر له من الذي يقول أنا كذا أنا كذا حتى يطلع الرحمة فسد المعنى هذا كله من مفاسد تأويل النصوص الشرعية لعجز العقول البشرية عن فهم حقيقة المعنى فيما إذا تركت النصوص على ظاهرها لسنا مكلفين أبدا أن نفهم حقائق الصفات الإلاهية لأنه من المستحيل أن نتمكن من ذلك، من أين لنا بهذه العقول أن ندرك حقيقة الصفات فهل نحن أدركنا حقيقة الذات، نحن كما يقول بعض العلماء ذاتنا هذه وهي معنا ونعيش فيها ما أدركناها وما أدركنا ما فيها من حقائق كالروح مثلا فكيف ندرك الله تبارك وتعالى وندرك صفاته تبارك وتعالى هذا أمر مستحيل إذًا ليس هناك إلا الإيمان المجرد عن كل فلسفة من جهة وتعليل وإلا الإيمان بدون تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله ثم وجدت هذه الكلمة من شيخه ابن تيمية " المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما " ولذلك لا يجوز التأويل لأنه يؤدي إلى التعطيل كما أنه لا يجوز التكييف لأنه يؤدي إلى التمثيل وكله مخالف للقرآن الكريم وبصورة خاصة للآية السابقة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إذًا هنا في هذا الحديث نقول نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوع قلنا أثر الجوع لأن الجوع لا يرى فكان هذا قرينا صارفيا أن المتكلم عربي يعني أثر الجوع في وجوه أصحابه فقال عليه السلام أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يغدى على أحدكم بالقصعة من الثريد ويراح عليه مثلها يعني غداء وعشاء، يذكرهم الرسول عليه السلام بأن الله سيوسّع عليهم وأنهم سوف لا يبقون في هذا الضيق والضنك من العيش المادي فستأتيهم الخيرات بسبب الفتوحات الإسلامية فيغدى عليهم بالقصعة من إناء كبير إلي فيه ثريد اللحم ويراح عليهم أيضا ب ... فلما سمعوا هذه البشارة المادية من الرسول صلوات الله وسلامه عليه بادروه بالسؤال وهذا مما يدل على فقه الصحابة وعلى عدم ميلهم إلى الدنيا على حساب الآخرة قالوا " يا رسول الله نحن يومئذ خير " خير هنا ليس اسما إنما هو إسم تفضيل يعني أخْيَر، يومئذ حالنا أحسن أم الآن؟ قال لا قال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ ليه ؟
يظهر أن طبيعة هذه الدنيا لا تنفي التوسع فيها مع التقوى لله تبارك وتعالى فلا يمكن أن يستوي الكفتان للإنسان من حيث التوسع في الدنيا ومن حيث التوسع في الآخرة فالاعتدال بين أو التسوية بين الأمور الدنيا والآخرة يبدو أنه أمر مستحيل فكلما مال المسلم في طاعته وفي عبادته والاستزادة منها في حساب الآخرة نقص ميله ونقص ثمرته أيضا فيما يحصله من الكسب المادي فالعكس بالعكس لا يمكن هناك تسوية الكفين تماما وهذا الحديث مما يدلنا على ذلك، وستأتي أحاديث أخرى فهاهنا لما بشرهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه لا تأسوا الآن على تعيشوا في حياة ضنك وجوع لا تجدون القوت الضروري فسيأتي عليكم زمان قريب يأتيكم الخير أكثر من اللازم ... وكما هو واقع كثير من المسلمين اليوم حيث يطبخون الطبخة أكثر من الحاجة فيضطرون في نهاية الأمر بعد يوم يومين وربما لمّا يفسد الطعام بعد، تأنف النفس من أكل ما أكلت منه يوم يومين فيكون مصير هذا الطعام الرمي إلى الأرض، هذا فيه إسراف والإسراف إضاعة للمال كذلك بما نهى عنه الشرع كتابا وسنة لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم إن هذا الوضع الذي تعيشون فيه سوف يزول وسيأتي زمن قريب تأتيكم القصاع صباح مساء بالثريد فقالوا يا ترى في هذه الحال التي نحن الآن من حيث الناحية الآخروية الذي كانوا التي كانوا فيها في أحسن حال ومن الناحية الدنيوية التي كانوا في أسوأ حال، هم الآن خير أم يومئذ يوم تأتيهم القصاع بالثريد قال لا بل أنتم اليوم خير من يومئذ .
هذه سنة الله في خلقه ولذلك لا تجد إنسانا مال إلى الدنيا ولو من طريق الحلال فضلا عن الحرام إلا ويكون قد قصّر من ناحية دينه كثيرا أو قليلا.
إذًا نأخذ من هذا الحديث موعظة أن المسلم إذا وجد في حياته شيء من شظف العيش فلا يأس على نفسه ولا يحزن وليتذكر أنه إذا تحمّل هذه الحياة أو هذا الشظف من العيش ورضي بقضاء الله وقدره فهو خير من أولئك الذي قدر لهم شيء من التعب في العيش خيرا منه.
بهذا الحديث الذي يقول الرسول عليه السلام للصحابة أنتم أنفسكم يوم تأتيكم الدنيا وتوسع عليكم لا تكونون كما أنتم اليوم، أنتم اليوم خير من يومئذ .
الحديث الذي بعده فيه عندي وقفة يعني على الاصطلاح السابق بياض لم نتمكن من التحقيق فيه .
والحديث السابق ينزل الله ... يعني رحمته، ما الذي اضطر هؤلاء ماهي القرينة الصارفة عن تفسير هذه النصوص عن الحقيقة؟ لا شيء سوى أن عقولهم ضاقت عن الإيمان بصفة من صفات الله عز وجل، هذا الله الذي لا يرى ولا يحسّ به وإنما يعلم به كذلك صفاته يقال فيها ما يقال في الذات فنحن لا نعرف الله إلا من آياته ومن آثاره فإذا كان الله عز وجل يقول عن نفسه وجاء ربك وعطف والملك فلماذا نقول جاء عذاب ربك أو جند ربك؟ نريد أن نقول الله لا يجيء لماذا؟ لأنهم يتوهمون أن الله حينما يقول عن نفسه جاء يجيء على رجلين مثلا، يجيء وهو متعب يلهث ونحو ذلك من الصفات التي تتعلق بالبشر لكن الله عز وجل لكي لا يتبادر إلى ذهن أحد مثل هذا المعنى الباطل ويتأول من أجله الجملة الحق قال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ليس كمثله شيء تنزيه وهو السميع البصير إثبات لصفتين من صفات الله عز وجل فهل يتبادر إلى ذهن إنسان حينما يقرأ وهو السميع أن سمعه كسمعنا؟ لا البصير أن بصره كبصرنا؟ لا، كذلك كل صفات الله عز وجل يقال فيها ليس كمثله شيء وهو القدير العليم الحكيم لكن في علمه وفي حكمته وفي صفته صفاته كلها لا يشبه شيئا من مخلوقاته سبحانه وتعالى عن ذلك.
كذلك حينما وصف نفسه بأنه جاء لماذا نتخيل أن مجيئه كمجيء البشر المخلوق العاجز فلنقل يجيء مجيئا هو يعلم حقيقة نحن لا ندري حقيقة ذاته حتى ندري حقيقة صفاته.
كذلك ينزل الله لا يستطيع هؤلاء الخلق بحكم كونه بشرا أن يدركوا حقيقة نزول الله وكل بشر كذلك فهل هذا عذر لتأويل النزول الجواب لا لأنه إن جاز تأويل صفة من صفات الله لعجز البشر عن إدراك حقيقتها هذا يؤدي إلى الجحد المطلق لوجود الله عز وجل لأنه يؤدي إلى جحد كل الصفات.
الله مثلا حي وأنا حي فهل ننكر حياة الله حتى ما يقال أنه حياته كحياتنا نحن ما نقول إن حياته كحياتنا ولا حياتنا كحياته لكن حياته ليس كحياته إذًا مجيئه ليس كمجيئنا ونزوله ليس كنزولنا لأن ذاته ليست كذواتنا، وانتهت المشكلة لذلك هذا التقدير الذي يلجأ إليه المؤولة لا دافع لهم عليه إلا تصور التشبيه ففروا من التشبيه فوقعوا في التعطيل لذلك أرجو من كل مسلم أن يحفظ هذه القاعدة من الناحية اللغوية ومن الناحية الشرعية، من الناحية اللغوية لا يجوز تفسير العبارة على غير ظاهرها بتقدير مضاف محذوف إلا لضرورة قاهرة مثلا يقول الإنسان جاء الأمير فهل يصح للسامع أن يفهم العبارة جاء خادم الأمير يعني بتقدير مضاف محذوف، هذا إذًا عطلنا وسيلة التفاهم بين الناس ألا وهي اللغة، القائل قال جاء الأمير ففهم السامع بأنه يعني جاء خادم الأمير، من أتى هذا وقال جاء الأمير فسكت فتقول أنت هو يعني جاء خادم الأمير هذه تعطيل .
هذا إذا كان البشر مثلنا فما بالنا إذا كان المتكلم هو ربنا وخالقنا سبحانه وتعالى يقول عن نفسه وما ندري عنه شيئا إطلاقا إلا ما أخبرنا بنفسه عن نفسه، يقول جاء ربك نحن نقول جاء ربنا يأتي ربنا لكن كيف ؟ ... ينزل الله، ينزل حقيقة نزولا يليق بجلاله وكماله وعظمته لكن لا نعطل ... و لا نؤول، يقولون يا أخي تقدير المضاف معروف في اللغة العربية، نحن نقول نعم لكن لا بد هناك من ضرورة قاهرة، ما هي الضرورة القاهرة ؟ إما أن تكون لفظية مذكورة في السّياق أو السّباق أو تكون عقلية ضرورية، مثلا الآية السّابقة واسألوا القرية كل ذي عقل ولب يعلم أن القرية لا تُسأل والعرب حينما تكلموا بهذه اللغة تكلموا بجمل ظاهرها أنها مجاز ولكنها هي الحقيقة بعينها .
وهذا هو الذي تفرد بتفصيل الكلام عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حتى قيل عنه بأنه ينكر وجود المجاز في اللغة العربية لكن الحقيقة هو ينكر هذا المجاز الذي يسير إليه المعطلة أو المؤولة بدون حجة فهو يأتي بمثال أو بالجملة العربية المعروفة وهي "سال الميزاب" يذكره العلماء كمثال للمجاز وجرى بنحوه يقول ابن تيمية هذا تركيب ظاهره المجاز لكن هذه الجملة التي يسمونها مجازا هي تعطي المعنى الذي لا يتبادر سواه للأذهان "سال الميزاب" هل أحد من العرب يفهم ذاب؟ ذاب من شدة الحرارة مثلا الميزاب وإلا الذي يتبادر إلى أذهان كل العرب "سال الميزاب" سال ماء الميزاب إذًا هذه الجمل التي يتبادر من معانيها تقدير هذا المضاف المحذوف هو في الأصل بنيت هذه الجملة على هذا الترتيب وعلى هذا المعنى أما حينما تقول جاء الأمير فممكن يكون في هناك مضاف محذوف لأنه ممكن أن يأتي الخادم وممكن أن يأتي الأمير فهنا تبقى العبارة على ظاهرها لا تؤول بمجاز إلا إذا وجدت قرينة أما "سال الميزاب" لا يمكن أن يفهم منه أنه سال نفس الميزاب، جرى النهر والنهر هو الأخدود لا يعني التراب هذه الحفرة هي سالت وإنما سال ماء النهر.
فمقابلة هذه العبارات التي استعملت على أن المقصود منها المعنى المجازي قطعا بعبارات ظاهرها أن المراد منها حقيقتها مثل جاء فلان وذهب فلان ففلان نفسه هو المقصود بهذه العبارة من هنا قال ابن تيمية لا يجوز تأويل آيات الصفات وأحاديث الصفات بتقدير مضاف محذوف لأن هذه الآيات وهذه الأحاديث في الوقت التي تتحدث عن الله عز وجل وإذا بالمؤولة حينما تأولوا هذه الآيات والأحاديث أصبحت تتحدث عن غير الله عز وجل فالله إذا قال عن نفسه جاء وتؤول بأنه جاء الملك أو جاء العذاب أو جاءت الرحمة أو نحو ذلك صار الحديث عن غير الله تبارك وتعالى وينتج من وراء ذلك مشاكل جليّة واضحة جدا أقتصر الآن على مثال واحد في الحديث السابق، ينزل الله تبارك وتعالى ... إلى آخر الحديث تأولوا النزول بنزول الرحمة فجاء الاعتراض عليه في تمام الحديث فيقول ألا فهل من داع فأستجيب له ألا هل من سائل فأعطيه ألا هل من مستغفر فأغفر له من الذي يقول أنا كذا أنا كذا حتى يطلع الرحمة فسد المعنى هذا كله من مفاسد تأويل النصوص الشرعية لعجز العقول البشرية عن فهم حقيقة المعنى فيما إذا تركت النصوص على ظاهرها لسنا مكلفين أبدا أن نفهم حقائق الصفات الإلاهية لأنه من المستحيل أن نتمكن من ذلك، من أين لنا بهذه العقول أن ندرك حقيقة الصفات فهل نحن أدركنا حقيقة الذات، نحن كما يقول بعض العلماء ذاتنا هذه وهي معنا ونعيش فيها ما أدركناها وما أدركنا ما فيها من حقائق كالروح مثلا فكيف ندرك الله تبارك وتعالى وندرك صفاته تبارك وتعالى هذا أمر مستحيل إذًا ليس هناك إلا الإيمان المجرد عن كل فلسفة من جهة وتعليل وإلا الإيمان بدون تأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تمثيل وما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله ثم وجدت هذه الكلمة من شيخه ابن تيمية " المعطل يعبد عدما والمجسم يعبد صنما " ولذلك لا يجوز التأويل لأنه يؤدي إلى التعطيل كما أنه لا يجوز التكييف لأنه يؤدي إلى التمثيل وكله مخالف للقرآن الكريم وبصورة خاصة للآية السابقة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير إذًا هنا في هذا الحديث نقول نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوع قلنا أثر الجوع لأن الجوع لا يرى فكان هذا قرينا صارفيا أن المتكلم عربي يعني أثر الجوع في وجوه أصحابه فقال عليه السلام أبشروا فإنه سيأتي عليكم زمان يغدى على أحدكم بالقصعة من الثريد ويراح عليه مثلها يعني غداء وعشاء، يذكرهم الرسول عليه السلام بأن الله سيوسّع عليهم وأنهم سوف لا يبقون في هذا الضيق والضنك من العيش المادي فستأتيهم الخيرات بسبب الفتوحات الإسلامية فيغدى عليهم بالقصعة من إناء كبير إلي فيه ثريد اللحم ويراح عليهم أيضا ب ... فلما سمعوا هذه البشارة المادية من الرسول صلوات الله وسلامه عليه بادروه بالسؤال وهذا مما يدل على فقه الصحابة وعلى عدم ميلهم إلى الدنيا على حساب الآخرة قالوا " يا رسول الله نحن يومئذ خير " خير هنا ليس اسما إنما هو إسم تفضيل يعني أخْيَر، يومئذ حالنا أحسن أم الآن؟ قال لا قال بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ ليه ؟
يظهر أن طبيعة هذه الدنيا لا تنفي التوسع فيها مع التقوى لله تبارك وتعالى فلا يمكن أن يستوي الكفتان للإنسان من حيث التوسع في الدنيا ومن حيث التوسع في الآخرة فالاعتدال بين أو التسوية بين الأمور الدنيا والآخرة يبدو أنه أمر مستحيل فكلما مال المسلم في طاعته وفي عبادته والاستزادة منها في حساب الآخرة نقص ميله ونقص ثمرته أيضا فيما يحصله من الكسب المادي فالعكس بالعكس لا يمكن هناك تسوية الكفين تماما وهذا الحديث مما يدلنا على ذلك، وستأتي أحاديث أخرى فهاهنا لما بشرهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه لا تأسوا الآن على تعيشوا في حياة ضنك وجوع لا تجدون القوت الضروري فسيأتي عليكم زمان قريب يأتيكم الخير أكثر من اللازم ... وكما هو واقع كثير من المسلمين اليوم حيث يطبخون الطبخة أكثر من الحاجة فيضطرون في نهاية الأمر بعد يوم يومين وربما لمّا يفسد الطعام بعد، تأنف النفس من أكل ما أكلت منه يوم يومين فيكون مصير هذا الطعام الرمي إلى الأرض، هذا فيه إسراف والإسراف إضاعة للمال كذلك بما نهى عنه الشرع كتابا وسنة لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم إن هذا الوضع الذي تعيشون فيه سوف يزول وسيأتي زمن قريب تأتيكم القصاع صباح مساء بالثريد فقالوا يا ترى في هذه الحال التي نحن الآن من حيث الناحية الآخروية الذي كانوا التي كانوا فيها في أحسن حال ومن الناحية الدنيوية التي كانوا في أسوأ حال، هم الآن خير أم يومئذ يوم تأتيهم القصاع بالثريد قال لا بل أنتم اليوم خير من يومئذ .
هذه سنة الله في خلقه ولذلك لا تجد إنسانا مال إلى الدنيا ولو من طريق الحلال فضلا عن الحرام إلا ويكون قد قصّر من ناحية دينه كثيرا أو قليلا.
إذًا نأخذ من هذا الحديث موعظة أن المسلم إذا وجد في حياته شيء من شظف العيش فلا يأس على نفسه ولا يحزن وليتذكر أنه إذا تحمّل هذه الحياة أو هذا الشظف من العيش ورضي بقضاء الله وقدره فهو خير من أولئك الذي قدر لهم شيء من التعب في العيش خيرا منه.
بهذا الحديث الذي يقول الرسول عليه السلام للصحابة أنتم أنفسكم يوم تأتيكم الدنيا وتوسع عليكم لا تكونون كما أنتم اليوم، أنتم اليوم خير من يومئذ .
الحديث الذي بعده فيه عندي وقفة يعني على الاصطلاح السابق بياض لم نتمكن من التحقيق فيه .
الفتاوى المشابهة
- ألا يظهر بأن تأويلهم القدم بالمقدم من أهل ال... - ابن عثيمين
- متى يجوز تقدير المضاف المحذوف . - الالباني
- في قوله - تعالى - : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْ... - الالباني
- في قوله - تعالى - : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْ... - الالباني
- ضلال أهل الكلام في استعمال المجاز لتعطيل صفات... - الالباني
- الرَّدُّ على شبهة المؤوِّلين في صفات الله - تع... - الالباني
- معنى قوله تعالى :" وجاء ربك والملك صفا صفا "... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا) - ابن عثيمين
- الرد على شبهة المأولين في صفات الله تعالى . - الالباني
- الرَّدُّ على بعض المؤوِّلة في تأويلهم لبعض صفا... - الالباني
- رد الشيخ على بعض المؤولة في تأويلهم لبعض صفات... - الالباني