تم نسخ النصتم نسخ العنوان
مذهب أهل السنة و الجماعة هو بأن كل صفة من صف... - ابن عثيمينالسائل : مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها إليه من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فكيف نفسر الآيات ال...
العالم
طريقة البحث
مذهب أهل السنة و الجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها إليه من غير تأويل و لا تعطيل و لا تشبيه و لا تمثيل فكيف نفسر الأيات الكريمات ( يخادعون الله و هو خادعهم ) ( إنهم يكيدون كيدا و أكيد كيدا ) ( الله يستهزأ بهم ) وجهونا في ضوء هذا السؤال ؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها إليه من غير تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل فكيف نفسر الآيات الكريمات: الآية الأولى: { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا } { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } وجهونا في ضوء هذا السؤال شيخ محمد؟

الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين مذهب السلف الصالح الذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل أي دل عليه الشرع والعقل وذلك لأن صفات الله سبحانه وتعالى مجهولة لنا لا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به عن نفسه وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة وعلى هذا فما وصفه الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة بمعنى أننا لا ندرك كيفيته مثلا استواء الله على عرشه أثبته الله تعالى لنفسه في سبعة مواضع من كتابه العزيز فنحن نعلم معنى الاستواء على الشيء وأنه العلو عليه كما قال الله تبارك وتعالى: { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } ولكننا لا نعلم كيفية استواء الله تعالى على عرشه يعني لا نعلم على أي صفة هو ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عليه عن ذلك فقال له رجل: يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقا من شدة ما سمع من السؤال وهيبته وتعظيمه لله عز وجل ثم قال: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة " يعنى أن الاستواء غير مجهول في اللغة العربية بل هو معلوم فإن اللغة العربية تدل على أن استوى على الشيء بمعنى علا عليه والقرآن نزل باللغة العربية كما قال الله تبارك وتعالى: { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } وقال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي صيرناه باللسان العربي من أجل أن تعقلوه وتفهموه فقوله رحمه الله: " الاستواء غير مجهول " أي معلوم المعنى واضح المعنى " والكيف غير معقول " أي أن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية استواء الله على عرشه وهكذا بقية الصفات لا يمكن لعقولنا القاصرة أن تدرك كيفيتها " والإيمان به واجب " أي الإيمان بالاستواء على ما تقتضيه اللغة العربية واجب لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب علينا قبوله والإيمان به " والسؤال عنه "أي عن الاستواء أي عن كيفيته بدعة أي أنه من ديدن أهل البدع وهو أيضا بدعة لكون الصحابة لم يسألوا عنه رسول صلى الله عليه وعلى آله سلم، فالقاعدة العريضة للسلف الصالح وأئمة المسلمين هي الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
واعلم أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم كمال مطلق بكل حال فهذا يوصف الله بها وصفا مطلقا على كل حال كالسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام وما أشبهها وقسم آخر لا يكون كمالا على كل حال لكنه كمال في موضعه كالآيات التي ذكرها السائل فإن الله لا يوصف بها على سبيل الإطلاق وإنما يوصف بها حيث تكون كمالا كما سيتبين إن شاء الله من الكلام على كل آية وحدها فقوله تعالى: { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } أي المنافقين لأن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون أي مستهزئون بالمؤمنين حيث نقول لهم: إننا آمنا وهم لم يؤمنوا فقال الله تعالى: { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } فقابل استهزاءهم بالمؤمنين باستهزائه تبارك وتعالى بهم وذلك حيث مكن لهم وأمهلهم واستدرجهم من حيث لا يعلمون فهذا استهزاء في مقابلة استهزاء واستهزاء الله تعالى أعظم وأكبر من استهزائهم بالمؤمنين.

السائل : الآية الثانية: { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }.

الشيخ : وهذه أيضا في المنافقين وفي آية أخرى: { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } والمخادعة وصف محمود إذا وقع في محله ولهذا قيل الحرب خدعة فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والذين آمنوا ويغرونهم ويرونهم أنهم مؤمنين وهم غير مؤمنين خداعا ومكرا وكيدا فيقول الله عز وجل: { إن الله خادعهم } وذلك بإمهاله لهم واستدراجه لهم وحقن دمائهم ومعاملتهم معاملة المسلمين لكنه عز وجل سيريهم العذاب الأليم حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة وهذا لا شك خداع بهم حيث يعاملهم سبحانه وتعالى معاملة الرضا وهم على العكس من ذلك.

السائل : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا }.

الشيخ : الآية الثالثة: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا } { إنهم } يعني المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم كيدا عظيما ولكن الله تعالى يكيد بهم كيدا أعظم، وتأمل قوله: { يكيدون } حيث أتت بصيغة الجمع و{ أكيد } حيث أتت بصيغة الإفراد فإن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت والكيد والمكر متقاربان ومعناهما الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر يعني أن يوقع الإنسان بخصمه من حيث لا يشعر به وقد كاد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيدا عظيما كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

السائل : { إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ }.

الشيخ : هذه ليست من صفات الله هي قبل قوله: { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ }.

السائل : في الآية الأخيرة: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }.

الشيخ : هذه أيضا كقوله: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا } يعني أن الكفار يمكرون بأولياء الله عز وجل ولكن الله تعالى يمكر بهم فيقابلهم بما هو أعظم وأشد من مكرهم ولهذا قال: { وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أي أعظمهم وأشدهم والمكر كما قلت آنفا هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر فهو دليل على القوة والعلم والقدرة فيكون في مقابلة الفاعل صفتا مدح وكمال لكن لا يوصف الله تعالى بأنه ماكر على سبيل الإطلاق أو بأنه خادع أو بأنه كائد أو بأنه مستهزئ على وجه الإطلاق بل يقال: إنه سبحانه وتعالى ماكر بمن يمكر به ومستهزئ بمن يستهزئ به وهكذا.

السائل : بارك الله فيكم فضيلة الشيخ.

Webiste