الشيخ : رأيي أنُّو أوَّلًا : هذا التفسير غير واضح إطلاقًا ؛ لأن الغبار ليس من شروط الصعيد ، فقوله - تعالى - : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } ، ولغةً كما هو مبسوط في كتب التفاسير واللغة هو وجه الأرض ، وجه الأرض يشمل الصخرة ويشمل الرمل ويشمل التراب ، كل ظاهر الأرض فهو صعيد ، فمن أين نأخذ أنه يُشترط أن يتعلَّق بالكفَّين الغبار ، والصخرة التي هطلت من قريب عليها الأمطار سوف لا يبقى عليها أثر من غبار ؟ فلو أن المسلم تيمَّم بهذه الصخرة ؛ تُرى وافق الآية أم خالفها ؟ { صَعِيدًا طَيِّبًا } وافق ، هذا من جهة .
ننزل شوية من الصخرة الملساء ، الأرض الرملية سواء كانت قد مُطِرت أو لم تُمطَرْ ، أما أنت بتضرب على الرمل هاللي ما أحلى لونه ! كالذهب الأحمر ما بتشوف في يديك غبار ؛ هذا تكليف بما لا يُطاق .
ثالثًا : كما يقول ابن القيم - رحمه الله - في " زاد المعاد " أنُّو الرسول - صلى الله عليه وسلم - سافر من المدينة إلى تبوك ، وشفتم أنتو هديك الأراضي أكثرها رملية ، طيب ، هاللي بيشترطوا التراب بيوجبوا على المسافرين الذي يجتازون تلك المناطق الرملية أنُّو يستصحبوا معهم التراب ، سبحان الله !! رسول لله لما سافر من المدينة إلى تبوك ما استصحب شيئًا ؛ لماذا ؟ لأنه يريد أن يبيِّن لأمَّته أن قوله - تعالى - : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } هو المقصود بوجه الأرض كما قلنا آنفًا ؛ سواء كان صخرًا أو رملًا أو ترابًا ، هذا ثالثًا .
ورابعًا - وأخيرًا - : هذا الذي يتناسب مع قاعدة : " يسِّروا ولا تعسِّروا " ، بل هو المطابق للمزية أو لمزية من المزايا وفضيلة من الفضائل التي خصَّ الله بها نبيَّنا - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : "فُضِّلت على الأنبياء قبلي بخمس" ، وذكر منها : "فأيُّما رجلٍ من أمَّتي أدركَتْه الصلاة فعنده مسجده وطهوره" ، طيب ، أدركته الصلاة في الرمال يروح يدوِّر بقى على غبار ؟ لا ، "فعنده مسجده" أي : المكان الذي يصلح أن يصلي فيه ، يصلح أن يتيمَّم منه ؛ فإذًا اشتراط الغبار واستنباطه منه ؛ لا ، لأنهم يتصوَّرون لازم يطلع شيء من الممسوح به ؛ هذا غير وارد أبدًا .
الآية هَيْ بالذات في الحقيقة يجب أن تُصفَّ مصاف تلك الآيات التي نقول أنَّنا إن فَصَلْنا السنة عنها ضَلَلْنا ، { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } ، { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } ، إذا أخذت الحكم من الآية حرَّمت بعض الميتات ، والدم ؛ إذا أخذت حكم الدم من الآية حرَّمت كل دم ، بينما هناك الحديث بل وأحاديث : "أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان ؛ الحوت والجراد ، والكبد والطحال" ؛ إذًا لا بد من ضمِّ السنة إلى القرآن حتى تخرج بنتيجة أوَّلًا صحيحة ، وثانيًا كاملة ، هالآية هَيْ تشبه تمامًا هذه الآية ، كيف إذا فصلنا هالأحاديث اللي ذكرناها آنفًا ؟ نضطرُّ نفهم ... لا بد ما يكون غبار .