تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير قوله تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف... - الالبانيالشيخ : إذًا هذا الحديث وأمثاله سلوى من الله عز وجل لعبده المؤمن يصبّره على ما إذا ما ابتلاه ببلية وهي أنواع كثيرة وقد جمعها الله عز وجل في مثل قوله تبا...
العالم
طريقة البحث
تفسير قوله تعالى : (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )) ولا منافاة بين اتخاذ الأسباب والصبر على الابتلاء .
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : إذًا هذا الحديث وأمثاله سلوى من الله عز وجل لعبده المؤمن يصبّره على ما إذا ما ابتلاه ببلية وهي أنواع كثيرة وقد جمعها الله عز وجل في مثل قوله تبارك وتعالى ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ولنبلونكم بشيء من الخوف كثيرا ما يُصاب الإنسان المسلم في شخصه بل وفي أشخاص كثيرين من مثله بالخوف فماذا يكون الحال، يختلف ذلك باختلاف قوة إيمان هذا المسلم فإذا اشتد إيمانه كان هذا الخوف لا يؤثر فيه ولا يجعله مضطرب البال بل هو هادي البال وكأنما لم يُصب بشيء لأنه يستحضر أن هذه الدنيا طُبعت على مثل هذا البلاء والامتحان وأن المسلم كلما كان قويا في دينه كان كثير الابتلاء في بدنه أو في نفسه، فالله عز وجل في هذه الآية إذًا ينبه إلى أنواع من البلاء ولنبلونكم بشيء من الخوف وهذا نُصاب به في زماننا كثيرا وكثيرا ولذلك فلا يكون نتيجة أمر المؤمن من ذلك إلا أن يُثاب من الله تبارك وتعالى وكلما أثيب كلما ازداد إيمانا كلما ازداد إيمانه قوة على قوة وأما الجوع المذكور في هذه الآية فقل ما يُصاب العالم اليوم كعالم وإن كانت بعض البلاد تشكو من ذلك بسبب بعض الفياضانات ونحو ذلك ولذلك فيجب أن يظهر المسلم بمثل هذه المصيبة على غيره من الفساق أو الكفار فلا يتململ ولا يتضجر من مثل هذا الجوع الذي قد يُصاب به، كذلك قال عز وجل من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس النقص من الأموال له صور كثيرة وكثيرة جدا ومنها أن يصاب زرعه مثلا بآفة من الآفات فتقضي عليه فيصبح يقلب كفيه ولكن ليس كذلك الكافر الذي شك في البعث والنشور وإنما حامدا لله عز وجل على ما أصابه من هذا البلاء فينقلب حينذاك بلاءه كما أفاد الحديث خيرا له، ومن نقص الأموال أن يصاب الإنسان بسرقة سواء كانت هذه السرقة قليلة أو كثيرة فعليه أن يتلقى هذا البلاء أيضا بالرضا والصبر أما النقص في الأنفس هذا أمر كأنه لا بد منه في هذه الحياة الدنيا لأن النقص في الأنفس إما أن يكون جذريا وذلك هو الموت بعينه والموت سبيل كل حي وإما أن يكون نسبيا كأن يصاب في صحته في بدنه في صحة زوجه أو ولده ونحو ذلك فهذا أيضا بلاء من الله عز وجل يبتلي به عباده وليس معنى هذا الابتلاء من الله عز وجل أن يظل المسلم لا يتعاطى الأسباب التي تنقذه من البلاء فقضية ابتلاء الله عز وجل لعبده شيء وقضية تعاطي هذا العبد المبتلى الأسباب التي تنجيه من البلاء شيء آخر وطبعا لا يشك أحد فيما أعتقد أنه لا منافاة بين نزول البلاء على العبد المسلم وبين اتخاذه السبب لصرف هذا البلاء عنه كأن يُصاب مثلا بمرض أو يتعاطى العلاجات والأدوية المشروعة ليدفع هذا المرض عن نفسه فهذا لا يُنافي نزول البلاء ورضاء المسلم بهذا البلاء لأنه مأمور بأمرين اثنين، إذا نزل به البلاء أن يرضى به والأمر الآخر أن يتعاطى الأسباب لصرف هذا البلاء عنه وقدر ذلك إذا ضاقت عليه الأسباب المادية لمعالجة ما أنزل به من بلاء أن يضرع إلى الله عز وجل وأن يسأله أن يصرف عنه ذاك البلاء ولعلكم تذكرون حديثا صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه إشارة إلى هذا الذي ندندن حوله وهو أنه لا منافاة من اتخاذ الأسباب لصرف البلاء الحديث يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل كنت تدعو بشيء ؟ أو تسأله إياه؟ قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة عجله لي في الدنيا فقال صلى الله عليه وآله وسلم سبحان الله لا تُطيقه أو لا تستطيعه أفلا قلت اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ففي هذا الحديث ينتقد الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المريض الذي اشتد به البلاء حتى خف وزنه صار كالفرخ فكأن الرسول عليه السلام أوحي إليه أو شعر بأنه هذا الإنسان كان يدعو على نفسه وتبين أن الأمر كذلك، كان يطلب من ربه عز وجل أنه وهو عبدٌ مذنب ككل البشر أنه إن كان الله عزّ وجل سيعذبه في الآخرة فليعجل بذات العذاب وليصبه عليه في الدنيا صبّا فعلمه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسأل خير الدنيا والآخرة وأن يقول اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار إذًا البلاء من طبيعة الإنسان وخاصة المؤمن فإذا ما أصيب به فعليه الصبر والرضا ولكن من جهة أخرى لا مانع بل قد يكون واجبا أن يتخذ الأسباب ليصرف ذلك البلاء عنه بقدر الإمكان .

Webiste