التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع جزاكم الله .؟
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
السائل : التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع جزاكم الله خيراً؟
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر والمصائب على نوعين النوع الأول أن تكون تكفيرا لسيئات وقعت من المرء وإصلاحا لحاله كما في قوله تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء ولكن لزيادة رفعة في درجاته وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا أي في المرض من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه فهو أعلى الناس صبرا على طاعة الله وأعلى الناس صبرا عن محارم الله وأعلى الناس صبرا على أقدار الله المؤلمة وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره وأن لا يتسخط لأن السخط من قضاء الله وقدره نقص في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء وأنظر إلى الكرم والفضل أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب.
قال بعض أهل العلم وللناس في المصائب مقامات أربع: التسخط والصبر والرضا والشكر أما التسخط فحرام سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح فالتسخط في القلب أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة وأنه ليس أهلا لأن يصاب وهذا على خطر عظيم كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل وا ثبوراه وا انقطاع ظهراه وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله
وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور ولطم الخدود وشق الجيوب وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال: ليس منا من شق الجيوب، وضرب الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه المقام الثاني: مقام الصبر وهو حبس النفس عن التسخط وهو ثقيل على النفس لكنه واجب لأنه إذا لم يصبر تسخط والتسخط من كبائر الذنوب فيكون الصبر واجبا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولا تدعوه للحضور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرها فلتصبر ولتحتسب المرتبة الثالثة أو الحالة الثالثة أو المقام الثالث: هو الرضا يعني بأن يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضا تاما وقد اختلف العلماء في وجوبه والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة لأنه متضمن للصبر وزيادة والفرق بين الصبر والرضا أن المرء يكون في الصبر كارها لما وقع لا يحب أنه وقع لكنه قد حبس نفسه عن التسخط وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله لأنه راض رضا تاما عن فعل الله فهو يقول: أنا عبده وهو ربي إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر فالأحوال عنده متساوية وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثوابا لا عقابا فيتساوى عنده الألم والثواب وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية فيما أظن أنه أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء فقيل لها في ذلك فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها المقام الرابع أو الحال الرابعة: مقام الشكر أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت أو يزول قبل الممات والأجر والثواب الحاصل يبقى فيشكر الله تعالى على ذلك مثاله رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله هذه مصيبة فيتأمل وينظر ويقول أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة بالفخذ دون الظهر ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ وهلم جرا ثم يقول: أيضا هذه مصيبة إما أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت وأما أن أموت فلها أجل محتوم مقدر لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سببا لما هو أبقى وأفضل وأخير إذا فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات الأول التسخط وهو حرام ومن كبائر الذنوب والثاني الصبر وهو واجب والثالث الرضا وهو سنة مستحب. والرابع الشكر وهو أعلى المقامات.
السائل : جزاكم الله خيرا.
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر والمصائب على نوعين النوع الأول أن تكون تكفيرا لسيئات وقعت من المرء وإصلاحا لحاله كما في قوله تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ وقوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء ولكن لزيادة رفعة في درجاته وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا أي في المرض من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه فهو أعلى الناس صبرا على طاعة الله وأعلى الناس صبرا عن محارم الله وأعلى الناس صبرا على أقدار الله المؤلمة وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره وأن لا يتسخط لأن السخط من قضاء الله وقدره نقص في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء وأنظر إلى الكرم والفضل أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب.
قال بعض أهل العلم وللناس في المصائب مقامات أربع: التسخط والصبر والرضا والشكر أما التسخط فحرام سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح فالتسخط في القلب أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة وأنه ليس أهلا لأن يصاب وهذا على خطر عظيم كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل وا ثبوراه وا انقطاع ظهراه وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله
وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور ولطم الخدود وشق الجيوب وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال: ليس منا من شق الجيوب، وضرب الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه المقام الثاني: مقام الصبر وهو حبس النفس عن التسخط وهو ثقيل على النفس لكنه واجب لأنه إذا لم يصبر تسخط والتسخط من كبائر الذنوب فيكون الصبر واجبا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولا تدعوه للحضور فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرها فلتصبر ولتحتسب المرتبة الثالثة أو الحالة الثالثة أو المقام الثالث: هو الرضا يعني بأن يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضا تاما وقد اختلف العلماء في وجوبه والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة لأنه متضمن للصبر وزيادة والفرق بين الصبر والرضا أن المرء يكون في الصبر كارها لما وقع لا يحب أنه وقع لكنه قد حبس نفسه عن التسخط وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله لأنه راض رضا تاما عن فعل الله فهو يقول: أنا عبده وهو ربي إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر فالأحوال عنده متساوية وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثوابا لا عقابا فيتساوى عنده الألم والثواب وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية فيما أظن أنه أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء فقيل لها في ذلك فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها المقام الرابع أو الحال الرابعة: مقام الشكر أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت أو يزول قبل الممات والأجر والثواب الحاصل يبقى فيشكر الله تعالى على ذلك مثاله رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله هذه مصيبة فيتأمل وينظر ويقول أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة بالفخذ دون الظهر ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ وهلم جرا ثم يقول: أيضا هذه مصيبة إما أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت وأما أن أموت فلها أجل محتوم مقدر لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سببا لما هو أبقى وأفضل وأخير إذا فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات الأول التسخط وهو حرام ومن كبائر الذنوب والثاني الصبر وهو واجب والثالث الرضا وهو سنة مستحب. والرابع الشكر وهو أعلى المقامات.
السائل : جزاكم الله خيرا.
الفتاوى المشابهة
- بالنسبة للمصائب التي تصيب الإنسان في حياته ف... - ابن عثيمين
- بعض المرضى يتذمر و يكثر من الشكوى و يتسخط مم... - ابن عثيمين
- هل المصائب التي تصيب العبد تعتبر غضب من الله؟ - ابن باز
- التوفيق بين اعتقاد الإنسان وتقدير الله عز وج... - ابن عثيمين
- فضل الصبر على المصائب - ابن باز
- الصبر عند المصائب - ابن باز
- المصائب والكوارث وأسبابها - ابن باز
- حكم التسخط عند نزول البلاء - الفوزان
- التسخط من الحال - اللجنة الدائمة
- حكم التسخط على قدر الله - الفوزان
- التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع... - ابن عثيمين