تم نسخ النصتم نسخ العنوان
ما حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عاشوراء أو... - الالبانيالشيخ :  فإذا اتفق صوم يوم عرفة يوم السبت فماذا يفعل المتسنن والمتّبع لهذا الحديث الصحيح بعد أن يتفهّم معناه؟ نحن نقول كما قال الرسول عليه الصلاة والسلا...
العالم
طريقة البحث
ما حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عاشوراء أو يوم عرفات؟.
الشيخ محمد ناصر الالباني
الشيخ : فإذا اتفق صوم يوم عرفة يوم السبت فماذا يفعل المتسنن والمتّبع لهذا الحديث الصحيح بعد أن يتفهّم معناه؟ نحن نقول كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام "إلا فيما افترض عليكم" وصيام يوم عرفة مع الفضيلة المعروفة في السنّة فهو ليس فرضا، كذلك إذا اتفق مثلا يوم عاشوراء كان يوم سبت، فالجواب هو الجواب. وقد قرّبنا هذه المسألة لبعض المتوقِّفين عن العمل بهذا الحديث الصحيح الصريح، قرّبنا لهم ذلك بمسألتين اثنتين: الأولى تتعلق بقوله عليه الصلاة والسلام "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" وقلت بكل صراحة إن الذي يفطر مثلا يوم عاشوراء أو يوم عرفة لموافقته ليوم السبت لا يتركه كسلا ولا هملا ولا رغبة عن الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء وفي صيام يوم عرفة وإنما يترك ذلك لله، وإن الأمر كذلك فالذي يفطر يوم عرفة لموافقته ليوم السبت يكون أجره عند الله عز وجل -فيما نحسِب- أكثر من الذي يصومه لأن الذي أفطره، أفطره وتركه وترك صيامه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي نهيه عن صوم يوم السبت إلا فيما أفترض علينا، أما الذي صامه فقد صامه رغبة في الأجر المنصوص عليه في الحديث. ولكن هنا لابد لنا من لفتة نظرٍ إلى مسألة فقهية هامة أصولية هامة، ثم يأتي الأمر الثاني الذي أشرت إليه آنفا، إذا تعارض حكمان أو حديثان من الأحاديث الصحيحة عن الرسول عليه السلام أحدهما يبيح شيئا والآخر ينهى عنه أو يُحَظِّر عنه أو يحرِّمه، فهنا من قواعد التوفيق في علم أصول الحديث أنه يُقدَّم الحاظر على المبيح. الآن في الصورة السابقة صوم يوم عاشوراء أو صوم يوم عرفة وقد اتفقا مع يوم السبت، وقد نهينا عن صيام يوم السبت كما ذكرنا، حينئذ لا بد من تطبيق القاعدة التي ذكرتها آنفا؛ تقديم الحاظر على المبيح، يقول لا تصوموا يوم السبت إلا في الفرض، ويوم عاشوراء ويوم عرفة ليسا فرضا هو مباح بل هو مستحب، لكن إذا تعارض الحاظر مع المبيح قُدِّم الحاضر على المبيح، قربنا لهم بالحديث الذي ألمحت إليه أولا وهو الشيء الثاني الحديث الأول "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه" . الشيء الآخر وهو مهم جدا ولعله يزيل الإشكال والاضطراب من بعض الأذهان إذا اتفق يوم الاثنين ويوم خميس يوم عيد، وكلنا يعلم إن شاء الله أن النبي صلى الله عليه وآله سلم نهى عن صوم يوم العيد؛ عيد الفطر أو عيد الأضحى، فهما يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيامهما كما جاء ذلك في صحيح البخاري وغيره، فإذا اتفق أن يوم الفطر أو يوم الأضحى يوم الاثنين أو يوم الخميس أيهما يقدم على الآخر، لقد كان الجواب بإجماع الحاضرين من المشايخ والدكاترة أنه يُقَدَّم النهي هاهنا على فضيلة صيام يوم الاثنين وصيام يوم الخميس، فسألناهم تحت أي قاعدة يدخل جوابكم هذا -وهو صحيح- حينما قدَّمتُم النهي عن صوم يوم العيد على فضيلة صوم يوم الاثنين ويوم الخميس، أليس أنكم قدَّمُتم الحاظر على المبيح؟ لقد أقروا على ذلك، فقلنا لهم ما الفرق حين ذاك بين أن يتفق يوم سبت مع يوم عرفة أو يوم عاشوراء، لا فرق بين هذه الصورة وبين الصورة التي اتفقنا جميعا على تغليب الحاظر على المبيح؛ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يومي العيد وحضّ على صوم يوم الاثنين والخميس فاتفق صوم يوم العيد يوم خميسٍ أو يوم اثنين، ماذا فعلنا هنا؟ كما قلت آنفا قدمنا الحاظر على المبيح. وشيء آخر ربما لم أذكره في ذلك المجلس وألهمني الله عز وجل أن أذكره الآن وهو إن صوم يوم الاثنين والخميس أمر عام؛ أي كلما تردد يوم الاثنين بتردد الأسبوع وكذلك الخميس، أستحب للمسلم أن يصومهما، فكأن هذا هو نص عام أن يصوم المسلم كل يوم خميس كما ثبت عن الرسول عليه السلام وكل يوم اثنين، فإذا جاء النهي فذلك من باب الاستثناء للقليل من الكثير، وهذا من جملة الطرق التي يوفّق العلماء بها بين الأحاديث التي يظهر التعارض بينها أحيانا. فإذن الأصل الحض على صوم يوم الاثنين والخميس فإذا تعارض هذا الأصل مع نهي عارضٍ، هنا يعرض يوم السبت وهناك يعرض يوم العيد فقدمنا العارض على الأصل جمعا بين النصوص. لهذا أنا أقول بأنه لا إشكال إطلاقا في إعمال هذا الحديث على عمومه، وهو قولٌ قد قال به بعض من مضى من أهل العلم كما حكى ذلك أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار.
فلا ينبغي للمسلم بعد مثل هذا البيان أن يتردد أو أن لا يبادر إلى الانتهاء عما نهى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عنه ركونا منه إلى القاعدة العامة وإلى الفضيلة الخاصة التي جاءت في بعض الأيام الفضيلة، ولكنها تعارضت مع نهي خاص، فهذا النهي إذن مقدم أولاً لأنه خاص والخاص يقضي على العام، ولأنه حاظر والحاظر مقدّم على المبيح، وقبل ذلك كما ذكرنا لكم في مطلع هذا الجواب "من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه" . لذلك لن يطمئن القلب ولم ينشرح الصدر للذين تأولوا حديث النهي عن صيام يوم السبت بأنه مقصود منفردا، فإذا انضم إليه يوم آخر جاز لسببين اثنين: أحدهما يمكن أن نستشفه وأن نكتشفه من الكلام السابق وهو أنّ الحاظر مقدم على المبيح. والشيء الثاني أنّ هذا التقييد معناه الاستدراك أو لنقل بما هو ألطف من ذلك معناه أنه شبه استدراك على استثناء الرسول عليه الصلاة والسلام وبدون حجة قوية ملزمة: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإلا مقرونا بغيره. هذا أعتبره شبه استدراك، على من؟ على أفصح من نطق بالضاد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان حديث "أنا أفصح من نطق بالضاد" من حيث الرواية لا أصل له، لكن من حيث الواقع فهو بلا شك أنه عليه الصلاة والسلام أفصح من نطق بالضاد، وإذا كان الأمر كذلك فالاستدراك عليه بمثل هذا الاستثناء الثاني -لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم وإلا مقرونا بغيره- تُرى هل من شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يريد هذا الاستثناء الثاني -إلا مقرونا بغيره- أليس يكون أفصح من أن يقتصر عليه السلام على قوله إلا فيما أفترض عليكم؟

Webiste