الشيخ : صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : فقد استمعنا في قراءة صلاة الفجر إلى ما قرأه إمامنا من سورة النجم - أعطني الورقة -. من قوله تعالى : والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إلى آخره.
قوله : والنجم إذا هوى هذا قسم أقسم الله تعالى بالنجم حين هويه والنجم اسم جنس وليس نجما معينا لا السريا ولا غيرها اسم جنس فيعم كل نجم هوى، وهوى إما بمعنى غاب وإما بمعنى سقط. وكلاهما صحيح وإنما أقسم الله بالنجم على صحة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى جعل النجوم رجوما للشياطين ترجم الشياطين التي تستمع التي تسترق السمع وتأتي به إلى الأرض. يقول جل وعلا : ما ضل صاحبكم وما غوى ما ضل في علمه وما غوى في عمله والضلال ضده العلم والغي ضده الرشد.
فأقسم الله تعالى بالنجم إذا هوى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضل في علمه وما غوى في عمله بل هو صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بشريعة الله وأهدى الخلق وأرشدهم في دين الله عز وجل معنى ضل ؟
الطالب : في علمه

الشيخ : ما ضل في علمه وغوى؟
الطالب : عمله.

الشيخ : ما ضل في ايش؟
الطالب : ... .

الشيخ : لا
الطالب : ... .

الشيخ : ما ضل في علمه وما غوى في عمله تمام بل هو على غاية من الكمال في العلم وغاية من الكمال في الرشد صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله : صاحبكم يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه التنديد الظاهر لكفار قريش الذين ضللوا محمدا صلى الله عليه وسلم وقالوا إنه ساحر وشاعر وكاهن ومجنون ووجه ذلك أنه قال صاحبكم كأنه قال إنه صاحبكم الذي تعرفونه تعرفون صدقه تعرفون أمانته تعرفون رشده فهو ما ضل وما غوى. وما ينطق عن الهوى النطق هو قول الإنسان والهوى ما يهواه الإنسان ويريده وعن الهوى ولم يقل وما ينطق بالهوى والفرق بينهما ظاهر فمعنى ما ينطق عن الهوى أي أن نطقه ليس صادرا عن هوى ولكنه صادر عن وحي لذلك قال : إن هو إلا وحي يوحى فهو صلى الله عليه وسلم لم ينطق عن الهوى بل عن وحي. إن هو إلا وحي يوحى هو الضمير يعود على أي شيء؟
قيل : إنه يعود على النطق المفهوم من قوله : ينطق . وذلك لأن الفعل ـ كل فعل ـ يشتمل على مصدر وزمن فيكون الضمير في هو يعود على المصدر المفهوم من الفعل وهذا في قوله تعالى : اعدلوا هو أقرب للتقوى . هو ايش؟ أي العدل المفهوم من كلمة اعدلوا لأن الفعل كما قلت لكم يتضمن ايش؟ الدلالة على المصدر وعلى الزمن طيب.
أقول قيل إن الضمير في قوله : إن هو إلا وحي يوحى يعود إلى ما ينطق به الرسول عليه الصلاة والسلام من عند نفسه وأنه لا يتكلم إلا بوحي. وقيل : إن الضمير في قوله : إن هو إلا وحي يوحى يعود على القرآن لأن الله تعالى قال : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ . وعلى هذا فيكون الضمير في قوله إن هو القرآن إلا وحي يوحى وهذا القول الثاني هو الراجح وهو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله. وليس عائدا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لكن نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما ينطق عن اجتهاد ثم إنه أحيانا يكون اجتهاده اجتهادا مأجورا عليه صلوات الله وسلامه عليه كقوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكذابين . ففي هذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم - انقطاع صوت - ويعلم الكاذبين لكن هذا الأمر الذي - انقطاع صوت - فقال الله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم . فقدم الحكم بالعفو قبل ذكر الأمر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم مستحقا للعفو عنه وكذلك قال الله له : عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى .
عبس من ؟ الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن انظر إلى إكرام الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الخطاب حيث لم يقل عبست فيواجهه بهذا الكلمة التي تشمئز منها النفس ولكنه قال عبس فأتى بضمير الغائب تكريما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بمثل هذا وكذلك قال الله له : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم . وهذه الأمثلة كلها تدل على أن القول الراجح لقوله : إن هو إلا وحي يوحى أن الضمير يعود فيه إلى ايش؟ إلى القرآن.