تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير الآيات ( 1 - 4 ) من سورة المجادلة . - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:فهذا اللقاء هو اللقاء الحادي والثل...
العالم
طريقة البحث
تفسير الآيات ( 1 - 4 ) من سورة المجادلة .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا اللقاء هو اللقاء الحادي والثلاثون بعد المئتين، من اللقاءات التي تعرف باسم لقاءُ الباب المفتوح، وتتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الثامن من شهر محرم عام أحدٍ وعشرين وأربعمائة وألف.
نبتديء هذا اللقاء بالكلام بما ييسره الله عز وجل على سورة المجادِلة، ويقال المجادَلة، فالمجادِلة على أنها اسم فاعل، والمجادَلة على أنها مصدر جادل يجادل مجادلةً.
يقول الله عز وجل بعد ذكر البسملة، والبسملة تقدم الكلام عليها كثيرا:
يقول عز وجل: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله قد هنا للتحقيق والتوكيد.
سمع الله قول التي تجادلك : وهي امرأة أتت إلى النبي صلى االله عليه وعلى آله وسلم تشكو زوجها أنه بعدما كبرت سنه وسنها ظاهر منها وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي هذا الظهار أنت عليَّ كظهر أمي، وكان الظهار في الجاهلية يعني الطلاق البائن الذي لا تحل به المرأة، تكون حرامًا عليه أبدًا.
هذه المرأة جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه بعد هذا السن والأولاد والتعب مع هذا الزوج يظاهر منها!؟
فبين الله عز وجل أنه قد سمع قولها وقوله: تجادلك في زوجها : أي: في شأن زوجها حين قال: أيش؟
قول يا أخي حين قال أيش؟

السائل : أنت عليَّ كظهر أمي.

الشيخ : أنت عليَّ كظهر أمي.
وتشتكي إلى الله أي: ترفع الشكوى إلى الله عز وجل ليقضي حاجتها تبارك وتعالى، فنزل الوحي في الحال على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأفتاه الله بذلك، ثم أكَّد هذا السمع بقوله:
والله يسمع تحاوركما أي: تراجعكما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراجعها ويأمرها أن تصبر وأن تنظر حتى يأتي الله بأمره.
وفي هذه الآية دليل على سعة سمع الله عز وجل، وأنه يسمع كل شيء، قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، وفي حديث آخر: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها، وإني في الحجرة ويخفى عليَّ حديثها أو بعض حديثها ، فحمدت الله عز وجل على كمال صفاته حيث يسمع وهو فوق العرش فوق سبع سماوات يسمع حديث هذه المرأة وعائشة في الحجرة لا تسمع.
وفي هذا التحذير من قول الإنسانِ ما لا يُرضي ربه عز وجل، وأنه مهما أخفى القول فإن الله تعالى يسمعه، قال الله تعالى في آية أخرى: أم يحسبون أنَّا لا نسمعهم سرَّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون يعني: نسمع ونكتب سرهم: ما أخفوه في نفوسهم، ونجواهم: ما تناجوا به.
ولكن الصحيح أن قوله: سرهم يعني: ما تسار فيه الرجلان، والنجوى ما كان حديثا بين القوم، لأن قوله: نسمع لا ينطبق على السر الذي في القلب، إلى جنبك رجل تكلمه سرًا هذا لا يسمى نجوى، تتكلم في المجلس بكلام مرتفع يسمى نجوى.
قال الله تعالى إن الله سميع بصير يسمع كل شيء، ويرى كل شيء عز وجل، فإياك أن تسمع ربك ما لا يرضى، وإياك أن تري ربك بأفعالك ما لا يرضى كل شيء معلوم عند الله عز وجل.
طيب إذا قال الإنسان: أنت عليَّ كظهر أختي هل يكون كقولك كظهر أمي؟
الجواب: نعم يكون لأنه لا فرق، وأما ذكر الآيات مَن ظاهر مِن أمه فهذا بناء على أنه الغالب، أن الإنسان يظاهر بأمه.
طيب لو قال: أنت عليَّ كظهر عمتي فالحكم كذلك، والضابط في هذا أن يشبه زوجته بمن تحرم عليه تحريماً مؤبدا أفهمت؟ طيب .
الأم، البنت، الأخت، العمة، الخالة، بنت الأخ بنت الأخت الحكم واحد. طيب لو شبهها بغير الظهر بأن قال: أنت علي مثل رأس أمي أو مثل فرج أمي فهل الحكم واحد؟
الجواب: نعم الحكم واحد، هو كالظهر لكن ذكر الظهر بناء على الغالب المعروف في ذلك الوقت.
ثم قال الله عز وجل: الذين يظاهرون من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أُمهاتهم إلا اللائي ولدنهم : بين الله عز وجل كذب هؤلاء، فقال:
الذين يظاهرون من نسائهم الخبر:
ما هن أمهاتِهم يعني: لسن أمهاتهم من الأم التي ولدتك.
إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم فكيف يجعل هذه المرأة المحللة له التي يجوز أن يجامعها بأمه التي لا يمكن أن تحل له بأي حال من الأحوال؟!
هل هذا حق وصدق أو لا؟
الجواب: لا.
ولهذا قال: وإنهم ليقولون منكراً من القول وزورًا منكرًا من القول لأنه حرام وزورا لأنه كذب فليست أمه، وفي هذا دليل واضح على تحريم الظهار، وأنه من المنكرات ومن الزور، ولا يحل لإنسان أن يظاهر من امرأته.
طيب فإن حرم امرأته بلا ظهار بأن قال لها: أنت عليَّ حرام، فهل هو ظهار أو طلاق أو يمين؟
في هذا خلاف بين العلماء رحمهم الله، والصحيح أنه يمين، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت عليَّ حرام فهو يمين لدخولها في عموم قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحلَّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض لله لكم تحِلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم : فبين الله عز وجل أن تحريم الحلال أيش هو؟
يمين قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، فتحريم الحلال يمين لا فرق فيه بين الزوجة وغيرها.
قد يقول قائل: إن التحريم إذا قال لزوجته أنت عليّ حرام مثل أنت عليّ كظهر أمي؟
والجواب: أن هذا غلط لأنه إذا قال أنت علي كظهر أمي فقد شبه أحل شيء له في الاستمتاع بأحرم شيء عليه، ثم إن فيه استخفاف بالشريعة أن يشبه هذا بهذا.
ثم إنه قد يكون فيه أيضًا استهانة بالأم أن يجعل الزوجة مثلها، فعلى كل حال الفرق بين العبارتين واضح والحكم الشرعي في الفرق بينهما واضح، فقد جعل الله الظهار له حكم وجعل الله التحريم له حكم آخر، فهذا القول هو الراجح: أن تحريم الزوجة كتحريم غيرها يمين، فهو كما لو قال:
حرام علي أن ألبس هذا الثوب ثم لبسه نقول: عليك كفارة يمين، قال لزوجته: أنت عليّ حرام ثم جامعها نقول: عليك كفارة يمين ولا فرق.
ثم قال عز وجل: وإن الله لعفو غفور عفو عن التقصير في الواجبات غفور عن فعل المحرمات، وما أوسع عفو الله عز وجل: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة .
ثم بين الله حكم الظهار، الحكم الذي يسميه الأصوليين الحكم الوضعي بمعنى ماذا نعمل إذا حصل الظهار ؟
فقال عز وجل: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسَّا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير * فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً : الآن كم خصلة ذكر الله عز وجل ؟
ثلاث: تحرير رقبة، صيام شهرين متتابعين، إطعام ستين مسكينًا، هذه كفارة الظهار إذا عاد الإنسان لما قال، ومعنى عوده لما قال: أن يعود إلى امرأته التي جعلها كظهر أمه، بأن يعزم على أن يجامعها، فيقول قبل أن يجامع كفر،
أولاً تحرير رقبة معنى التحرير يعني تخليصها من الرق، يعني يكون عند الإنسان عبد مملوك فيعتقه، أو يشتري من السوق ويعتق، فإن لم يجد؟
يجد أيش؟
إن لم يجد ثمن الرقبة أو لم توجد الرقبة كما في عصرنا الآن، لا يوجد فيما نعلم رقيق:
فصيام شهرين أي: فعليه صيام شهرين متتابعين، لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي.
الشهران هل هما ستون يوماً أو هما هلالان؟
الجواب: الثاني هلالان، فلو قُدر أن الشهر الأول ناقص والثاني ناقص ستكون الأيام ثمانية وخمسين يوماً، لا حرج، لأن الله لم يقل ستين يومًا قال: شهرين متتابعين ، وقوله: متتابعين يعني يجب أن يفطر بينهما إلا لعذر كالسفر والمرض.
فإن لم يتابع بأن أفطر يومًا في أثناء الشهرين بدون عذر فعليه أن يستأنف لأن الله اشترط أن يكون الشهران متتابعين، فلا بد أن يستأنف.
من قبل أن يتماسّا يعني: من قبل أن يجامع أحدهما الآخر، فيبقى صابرًا عن امرأته مدة شهرين، هذا إن شرع في الصوم مباشرة، أما إذا تأخر ربما يتأخر شهر ثم يصوم، يبقى عن أهله ثلاثة أشهر.
ذلكم توعظون به يعني: تزجرون به عن هذا القول المحرم المنكر.
فمن لم يستطع : أن يصوم الشهرين المتتابعين إما لمرض وإما لشدة الشبق يعني: الشهوة للجماع وما أشبه ذلك.
فإطعام ستين مسكيناً أي: فعليه أن يطعم ستين مسكيناً.
وهل يطعم ستين مسكيناً قبل أن يجامع أو له أن يجامع قبل أن يطعم؟
اسمع الآية في الرقبة قال: من قبل أن يتماسّا ، وفي الصيام قال: من قبل أن يتماسّا وفي الإطعام لم يذكر الله هذا الشرط من قبل أن يتماسّا، فظاهر الآية الكريمة أنه يجوز أن يرجع إلى زوجته ويجامعها قبل أن يطعم، ولكن أهل العلم يقولون: إن الإطعام كغيره، لا يرجع إلى زوجته حتى يُطعم، وقالوا: إذا كان الله تعالى أوجب أن تكون الكفارة قبل الجماع في العتق، وهذا قد يتأخر ربما يبقى الإنسان يبحث عن رقبة شهرًا أو شهرين أو أكثر في الصيام، وهو شهران يبقى لا يجامع زوجته حتى يصوم، فما بالك بالإطعام؟!
الإطعام ممكن أن يطعم في خلال نصف ساعة، أليس كذلك؟!
يقولون: فإذا كان العتق والصيام يجب أن يتقدما الرجوع فالإطعام من باب أولى، ولكن كيف يطعم الستين مسكينا؟
إطعامهم على وجهين:
الوجه الأول: أن يصنع غداء أو عشاء ويدعو ستين مسكيناً.
فإن لم يتسع المكان للستين دعا عشرة اليوم وعشرة آخرين من الغد، وعشرة آخرين من الغد وعشرة آخرين من الغد حتى يكمل ستين مسكينًا هذا واضح غداء أو عشاء، فإن لم يعمل غداء أو عشاء فليطعم كل مسكين كيلو من الرز ومعه لحم، يعني: يأخذ مثلا أكياس من النيلون يجعل فيها كيلو من الرز ونوع لحم، لحم قليل يكفيه ويوزعها على ستين مسكين، وبذلك تتم الكفارة.
طيب إذا كان الإنسان لا يستطيع ولا الإطعام ماذا يصنع؟
نقول: لا تقرب زوجتك حتى تقدر على الإطعام أو على الصيام أو على الرقبة لقوله تعالى: اتقوا الله ما استطعتم وعلى هذا فيأتي أهله ولا حرج عليه. فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً التي بعدها نعم:
ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي: أوجبنا ذلك ليتحقق لكم الإيمان، فإنه كلما كان الإنسان ممتثلا لأمر الله مع المشقة ازداد إيمانه ورغبته فيما عند الله لتؤمنوا بالله ورسوله يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وللكافرين عذاب أليم ختم الآيات بهذه الجملة مخيف كأنه يقول: استعدوا للعذاب الأليم إن لم تؤمنوا بالله ورسوله فتأدوا ما أوجب االله عليكم من الكفارات، وإلى هنا ينتهي الكلام على ما سمعتم من كتاب الله عز وجل ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح.
والأسئلة نبدأ باليمين.

Webiste