تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير سورة العاديات . - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين. أمّا بعد:فهذا هو اللّقاء الثّالث من ل...
العالم
طريقة البحث
تفسير سورة العاديات .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد:
فهذا هو اللّقاء الثّالث من لقاء الباب المفتوح لعام ستة عشر وأربعمائة وألف، والذي يتمّ كلّ يوم خميس، وهذا هو اليوم السّادسَ عشر من شهر محرّم عام ستة عشر وأربعمائة وألف، نبتدأ هذا اللّقاء بما يسّر الله تعالى من تفسير سورة العاديات:
يقول الله تبارك وتعالى: والعاديات ضبحاً * فالموريات قدحاً * فالمغيرات صبحاً * فأثرن به نقعاً * فوسطن به جمعاً إلى آخر السّورة، ولا يخفى على الجميع أن هذا قسم والعاديات ضبحاً وأنّ العاديات صفة لموصوف محذوف، فما هو هذا الموصوف؟ هل المراد الخيل؟ يعني والخيل العاديات؟ أو المراد الإبل، يعني والإبل العاديات؟
في هذا قولان للمفسّرين، فمنهم من قال: إنّ الموصوف هي الإبل، والتّقدير الإبل العاديات، ويعني بها: الإبل التي تعدو من عرفة إلى مزدلفة، ثمّ إلى منى، وذلك في مناسك الحجّ، واستدلّوا لهذا بأنّ السّورة مكّيّة، وأنّه ليس في مكّة جهاد على الخيل حتى يقسم بها.
أمّا القول الثاني لجمهور المفسّرين وهو الصّحيح: فإنّ المحذوف هو الخيل، والتّقدير: والخيل العاديات.
والخيل العاديات معلومة للعرب حتّى قبل مشروعيّة الجهاد، هناك خيل تعدو على أعدائها سواء بحقّ أو بغير حقّ فيما قبل الإسلام، أمّا بعد الإسلام فالخيل تعدو على أعدائها بحقّ.
يقول الله تعالى: والعاديات والعادي: اسم فاعل من العدو وهو سرعة المشي والإنطلاق.
وقوله: ضبحاً الضّبح: ما يسمع من أجواف الخيل حين تعدو بسرعة يكون لها صوت يخرج من صدورها، وهذا يدلّ على قوّة سعيها وشدّته.
فالموريات قدحاً الموريات: من أورى أو ورى بمعنى: قدح، ويعني بذلك قدح النّار حينما يضرب الأحجار بعضها بعضا كما هو مشهور عندنا في حجر المرو، فإنّك إذا ضبت بعضه ببعض انقدح.
هذه الإبل لقوّة سعيها وشدّتها وضربها الأرض إذا ضربت الحجر ضرب الحجر الثاني، يضرب الحجر الثاني ثمّ يشعل نارا وذلك لقوّتها وقوّة سعيها وضربها الأرض، فالموريات قدحاً * فالمغيرات صبحًا : فالمغيرات صبحاً: أي: التي تغير صباحاً على العدوّ وهذا أحسن وقت يغار به على العدوّ أن يكون في الصّباح، لأنّه في غفلة ونوم وحتى لو استيقظ من الغارة فسوف يكون على كسل وعلى إعياء.
فاختار الله عزّ وجلّ للقسم بهذه الخيول أحسن وقت للإغارة وهو الصّباح، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يغير على قوم في اللّيل بل ينتظر فإذا أصبح إن سمع أذاناً كفّ وإلاّ أغار.
فأثرنَ به نقعاً أي: أثرن بهذا العدوّ، وهذه الإغارة نقعاً وهو: الغبار الذي يثور من شدّة السّعي، فإنّ الخيل إذا سعت واشتدّ عدوها في الأرض صار لها غبار من الكرّ والفرّ.
فوسطن به جمعاً أي: توسّطن بهذا الغبار جمعاً أي جموعاً من الأعداء، أي: أنّها ليس لها غاية ولا تنتهي غايتها إلاّ وسط الأعداء، وهذا غاية ما يكون من منافع الخيل مع أنّ الخيل كلّها خير كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة .
أقسم الله تعالى بهذه العاديات، بهذه الخيل التي بلغت الغاية وهو الإغارة على العدوّ وتوسّط العدوّ، من غير خوف ولا تعب ولا ملل.
أمّا المقسم عليه فهو الإنسان فقال: إنّ الإنسان لربّه لكنود والمراد بالإنسان هنا الجنس، أي: أنّ جنس الإنسان إذا لم يوفّق للهداية فإنّه كفور لنعمة الله عزّ وجلّ، كما قال الله تبارك وتعالى: وحملها الإنسان إنّه كان ظلوماً جهولاً وقيل: المراد بالإنسان هو الكافر، فعلى هذا يكون عامّا أريد به الخاصّ، والأظهر أنّ المراد به العموم، أي: أنّ جنس الإنسان لولا هداية الله لكان كنودا لربّه عزّ وجلّ.
والكنود هو الكفور أي: كافر لنعمة الله عزّ وجلّ، يرزقه الله عزّ وجلّ فيزداد بهذا الرّزق عتوّا ونفورا فإنّ مِن النّاس مَن قد يطغى إذا رآه قد استغنى عن الله، وما أكثر ما أفسد الغنى من بني آدم، فهو كفور لنعمة الله عزّ وجلّ يجحد نعمة الله، ولا يقوم بشكرها ولا يقوم بطاعة الله لأنّه كنود لنعمة الله.
وإنّه على ذلك لشهيد ، إنّه: الضّمير قيل: يعود على الله أي: إنّ الله تعالى يشهد على العبد أنّه كفور بنعمة الله، وقيل: إنّه عائد على الإنسان نفسه، أي: أنّ الإنسان يشهد على نفسه بكفر نعمة الله عزّ وجلّ.
والصّواب أنّ الآية شاملة لهذا وهذا، فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم، وشهيد على عمله، والإنسان أيضاً شهيد على نفسه، لكن قد يقرّ بهذه الشّهادة في الدّنيا وقد لا يقرّ بها فيشهد على نفسه يوم القيامة كما قال تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
وإنّه أي الإنسان لحبّ الخير لشديد :
الخير هو المال، كما قال الله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيّة أي: إن ترك مالاً كثيرا، فالخير هو المال، والإنسان حبّه للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: وتحبّون المال حبّاً جمّاً ، ولا تكاد تجد أحداً يسلم من الحبّ الشّديد للمال، أمّا الحب مطلق الحبّ فهذا ثابت لكلّ أحد، ما من إنسان إلاّ ويحب المال، ولكن الشّدّة ليست لكلّ أحد، بعض النّاس يحبّ المال الذي تقوم به الكفاية ويستغني به عن عباد الله وبعض النّاس يريد أكثر، وبعض النّاس يريد أوسع وأوسع، المهمّ أنّ الإنسان محبّ للخير أي المال، لكن الشّدّة تختلف أو يختلف فيها النّاس من شخص لآخر.
ثمّ إنّ الله تعالى ذكّر الإنسان حالاً لا بدّ له منها فقال: أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور فيعمل لذلك ولا يكن همّه المال.
أفلا يعلم أي: يتيقّن.
إذا بعثر ما في القبور أي: نُشِر وأُظْهِر، فإنّ النّاس يخرجون من قبورهم لربّ العالمين كأنّهم جراد منتشر، يخرجون جميعا بصيحة واحدة إن كانت إلاّ صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون .
وحصّل ما في الصّدور أي: ما القلوب من النّيّات، وأعمال القلب: كالتوكّل والرّغبة والرّهبة والخوف والرّجاء وما أشبه ذلك.
وهنا جعل الله عزّ وجلّ العمدة ما في الصّدور كما قال تعالى: يوم تبلى السّرائر فما له من قوّة ولا ناصر لأنّه في الدّنيا يعامل النّاس معاملة الظّاهر، حتى المنافق يعامل كما يعامل المسلم حقّاً، لكن الآخرة العمل على ما في القلب، ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا قبل كل شيء، قبل الأعمال لأنّ القلب هو الذي عليه المدار وهو الذي سيكون عليه الجزاء يوم القيامة، ولهذا قال: وحصّل ما في الصّدور .
ومناسبة الآيتين بعضهما لبعض، أنّ بعثرة ما في القبور إخراج للأجساد من بواطن الأرض، وتحصيل ما في الصّدور إخراج لما في الصّدور ممّا تُكنّه الصدور، فالبعثرة بعثرة ما في القبور عمّا تكنّه الأرض، وهنا عمّا يكنّه الصّدر، والتّناسب بينهما ظاهر.
إنّ ربّهم بهم يومئذ لخبير أي: إنّ الله عزّ وجلّ بهم: أي: بالعباد، لخبير، وقال: بهم ولم يقل: به مع أنّ الإنسان مفرد باعتبار المعنى، أي: أنّه أعاد الضّمير على الإنسان باعتبار المعنى، لأنّ معنى إنّ الإنسان أي: كلّ إنسان.
وعلّق العلم بذلك اليوم: إنّ ربّهم بهم يومئذ لأنّه يوم الجزاء والحساب وإلاّ فإنّ الله تعالى عليم خبير في ذلك اليوم وفيما قبله، فهو جلّ وعلا عالم بما كان، وما يكون لو كان كيف يكون.
هذا هو التّفسير اليسير لهذه السّورة العظيمة، ومن أراد البسط فعليه بكتب التّفاسير التي تبسط القول في هذا، وإنّما نحن نشير إشارة موجزة، وقد بيّنّا أوّل ما بدأنا في تفسير هذا الجزء المبارك أنّنا اخترنا لهذا لأنّه كثيراً ما يسمعه النّاس في الصّلاة الجهريّة، في المغرب والعشاء والفجر.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والتّوفيق وأن يجعلنا ممّن يتلون كتاب الله حقّ تلاوته إنّه على كلّ شيء قدير.
أمّا الآن فإلى الأسئلة وكالعادة لكلّ واحد سؤال، نعم.

Webiste