تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير سورة الفلق وما يستفاد من الآيات . - ابن عثيمينالشيخ : أما السورتان بعدها فهما:  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ  و  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .يقول الله عز وجل:  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ  و...
العالم
طريقة البحث
تفسير سورة الفلق وما يستفاد من الآيات .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : أما السورتان بعدها فهما: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .
يقول الله عز وجل: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ورب الفلق هو الله.
والفلق: الإصباح، ويجوز أن يكون أعم من ذلك، أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح والنَّوى والحب كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وقال: فَالِقُ الْإِصْبَاحِ .
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ أي: من شرِّ جميع المخلوقات، حتى من شر نفسك، لأن النفس أمارة بالسوء، فإذا قلت: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ فأول ما يدخل فيه نفسك، كما جاء في خطبة الحاجة: نعوذ بالله من شرور أنفسنا وقوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ .
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ الغاسق: قيل: إنه الليل، وقيل: إنه القمر، والصحيح: أنه عام لهذا وهذا، أما كونه الليل فلأن الله تعالى قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ، وكما نعلم جميعاً أن الليل تكثر فيه الهوام والوحوش، فلذلك استعاذ مِن شر الغاسق أي: الليل، وأما القمر فقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى عائشة القمر وقال: هذا هو الغاسق ، وإنما كان غاسقاً، لأن سلطانه يكون في الليل.
وقوله: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ هو معطوف على من شر ما خلق من باب عطف الخاص على العام، لأن الغاسق من مخلوقات الله عز وجل، وقوله: إِذَا وَقَبَ أي: إذا دخل، فالليل إذا دخل في ظلامه غاسق، وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق، ولا يكون ذلك إلا في الليل.
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ : النفاثات في العقد: هُنَّ الساحرات، يعقدن الحبال وغيرها، وتنفث بقراءة مطلسَمَة فيها أسماء الشياطين على هذه العقد، على كل عقدة، تعقد ثم تنفث، تعقد ثم تنفث، تعقد ثم تنفث وهي بنفسها الخبيثة تريد شخصاً معيناً، فيؤثر هذا السحر بالنسبة للمسحور.
وذكر الله النفاثات دون النفاثين، لأن الغالب أن الذي يستعمل هذا النوع من السحر هن النساء، فلهذا قال: النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ويحتمل أن يقال: إن النَّفَّاثَاتِ يعني: الأنفس النفاثات فيشمل الرجال والنساء.
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الحاسد: هو الذي يكره نعمة الله عليك، فتجده يضيق ذرعاً إذا أنعم الله على هذا الإنسان بمال أو جاه أو علم أو غير ذلك فيحسده.
ولكن الحُسَّاد نوعان: نوع: يحسد ويكره في قلبه نعمة الله على غيره، لكن لا يتعرض للمحسود بشيء، تجده مهموماً مغموماً مِن نعم الله على غيره، لكن لا يعتدي على صاحبه، والشر والبلاء إنما هو بالحاسد إذا حسد، ولهذا قال: إِذَا حَسَدَ .
ومِن حسد الحاسد العين التي تصيب المـُعان، يكون هذا الرجل -نسأل الله العافية- يكون عنده كراهة لنعم الله على الغير، فإذا أحسَّ بنفسه أن الله أنعم على فلان بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنىً لا نستطيع أن نصفه، لأنه مجهول، فيُصيب بالعين من تسلَّط عليه، أحياناً يموت وأحياناً يمرض وأحياناً يُجن، حتى الحاسد يتسلط على الحديد فيوقف اشتغاله، ربما يصيب السيارة بالعين وتنكسر أو تتعطل، ربما يصيب رفاعة الماء أو حراثة الأرض، المهم أن العين حق تصيب بإذن الله عز وجل.
ذكر الله عز وجل: الغاسق إذا وقب، النفاثات في العقد، الحاسد إذا حسد، لأن البلاء كله في هذه الأحوال الثلاثة يكون خفياً، الليل ستر وغشاء، قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ، يكمن فيه الشر، ولا يعلم به.
النفاثات في العقد أيضاً كذلك فالسحر خفي ما يعلم.
الحاسد إذا حسد العائن أيضاً خفي، تأتي العين من شخص تظن أنه من أحب الناس إليك، وأنت من أحب الناس إليه ومع ذلك يصيبك بالعين، لهذا السبب خصَّ الله هذه الأمور الثلاثة: الغاسق إذا وقب، والنفاثات في العقد، والحاسد إذا حسد، وإلا فهي داخلة في قوله: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ .
فإذا قال قائل: ما هو الطريق إلى التخلص من هذه الشرور الثلاثة؟
قلنا: الطريق للتخلص أن يُعلق الإنسان قلبه بربه، ويفوض أمره إليه، ويحقق التوكل على الله، ويستعمل الأوراد الشرعية التي بها يُحصن نفسه ويحفظها من شر هؤلاء، وما كثُر الأمرُ في الناس في الآونة الأخيرة من السحرة والحساد وما أشبه ذلك، إلا بسبب غفلتهم عن الله، وضعف توكلهم على الله عز وجل، وقلة استعمالهم للأوراد الشرعية التي بها يتحصنون، وإلا فنحن نعلم أن الأوراد الشرعية حِصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج، لكن مع الأسف أن كثيراً من الناس لا يعرف عن هذه الأوراد شيئاً، ومن عرف فقد يغفل كثيراً، ومن قرأها فقلبه غير حاضر، وكل هذا نقص، ولو أن الناس استعملوا الأوراد على ما جاءت بها الشريعة لسلموا من شرور كثيرة.

Webiste