تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تفسير سورة الفاتحة الآيات (1-3) وآيات اخرى م... - ابن عثيمينالشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد:فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائ...
العالم
طريقة البحث
تفسير سورة الفاتحة الآيات (1-3) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد من الآيات .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس، وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر رجب عام ستة عشر وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الفاتحة، سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم كتابة، وليست هي أول ما نزل، بل إن أول ما نزل من القرآن قول الله تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }.
وتسمى هذه السورة بأم القرآن، وتسمى السبع المثاني، ولها أسماء متعددة، تسمى أم القرآن لأن معاني ومقاصد القرآن كلها موجودة في هذه السورة، على أنها سبع آيات فقط وآيات قصار لكن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها، من التوحيد والعقائد والتاريخ ومناهج الناس وغير هذا، لكنها مذكورة إجمالاً.
البسملة ليست من الفاتحة، بل هي آية مستقلة تفتح بها السور ما عدا سورة البراءة، فإنها لا تفتتح بها اتباعاً لما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ويدل على أن الفاتحة ليست منها، ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله قال: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قال: مجدني عبدي، وإذا قال: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" فهي سبع آيات، الآيات الثلاث الأولى لله، والآيات الثلاث الأخيرة للعبد، والآية الرابعة وهي الوسط من السبع بين الله وبين العبد، وهذا أيضاً ترجيح معنوي، لكون الفاتحة بداءتها: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وليست البسملة منها، الترجيح اللفظي: أننا لو جعلنا البسملة من الفاتحة، لكانت الآية الأخيرة طويلة لا تتناسب مع الآيات التي قبلها، لأنها ستكون: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } وهذه تساوي آيتين، ولهذا كان الصواب: أن آخر الآية السادسة قوله تعالى: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } .
وينبغي للإنسان إذا قرأها ولا سيما في الصلاة أن يقف على كل آية، لأن الله سبحانه وتعالى يناجي العبد في الصلاة: "إذا قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قال: حمدني عبدي" كما سمعتم الحديث.
ابتدأ الله تعالى هذه السورة بالحمد: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } والحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، وذلك أن وصف الغير بالكمال قد يكون خوفاً منه، أو هيبة له، أو استجداءً له، وهذا لا يلزم منه المحبة والتعظيم، بدليل: أن الشعراء يأتون إلى الملوك والوزراء يصفونهم بالحمد لكن قد لا يكون في قلوبهم محبة لهم أو تعظيماً لهم، لكن استجداءً أو خوفاً أو ما أشبه ذلك، ولهذا يسمى مثل ذلك مدحاً ولا يسمى حمداً، أما الحمد فلا بد أن يكون مقروناً بالمحبة والتعظيم، وعلى هذا فالحمد أعني حمد الله وصفه تبارك وتعالى بالكمال الذي لا فوقه كمال، وقول: { الحمد } هذه ال فيها للاستغراق، أي: جميع المحامد من كل وجه لله عز وجل، وقوله: لله اللام هنا للاختصاص والاستحقاق، أما كونها للاختصاص فلأنه لا أحد يحمد بجميع المحامد إلا الله عز وجل، وأما كونها للاستحقاق فلأنه لا أحد يحمد حمداً يستحقه على وجه الكمال إلا الله عز وجل، ولهذا جعل العلماء اللام في قوله: لله جعلوها لإيش؟ للاختصاص والاستحقاق، أما الله فهو علم على رب العالمين جل وعلا، لا يسمى به غيره.
و { رَبِّ الْعَالَمِينَ } رب معناه: الخالق المالك المدبر، أي: أنها تتضمن ثلاثة معاني: المعنى الأول: الخالق، ولا خالق إلا الله، وقد قال الله تعالى مندداً بالأصنام: { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } وقال تعالى: { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }.
المالك، لا ملك لأحد سوى الله عز وجل، هو الذي يملك الملك التام المطلق العام، وأملاك غيره محدودة، محدودة من حيث الشمول، فلا أحد يملك كل ما في السماوات والأرض، محدودة من حيث التصرف فلا أحد يملك أن يتصرف فيما يملكه ملكاً خاصاً إلا حسب ما شرع الله عز وجل، لكن الملك المطلق التام العام هو لله وحده.
الثالث: المدبر، فالتدبير التام لله عز وجل، لا أحد يدبر سواه، حتى المشركون يقرون بأن الذي يدبر الأمر هو الله عز وجل، ولكن اعلم أن الله تعالى لا يدبر شيئاً عبثاً أو لغير حكمة، كل ما قضاه الله وقدره ودبره فهو لحكمة عظيمة، لكن من الحكم ما نعلمه ومنها ما لا نعلمه، وذلك لأن عقولنا أقصر وأحقر من أن تحيط بحكمة الله عز وجل.
يرد على الإنسان أشياء من الشريعة ويقول: كيف يحرم هذا؟ مثال ذلك: يقول مثلاً: كيف يحرم على الإنسان أن يستبدل صاعاً من البر طيباً بصاعين من البر رديئة والقيمة واحدة؟ هذا قد يُشكل على الإنسان، وهذا حرام أن تُعطي صاعاً من البر بصاعين، هذا حرام على كل حال، فقد يقول قائل: ليش؟ نقول: إنك لست أحكم من الله، ولولا أن هذا يترتب عليه مفاسد عظيمة ما حرمه الله على العباد، لأن الله يريد بالعباد اليسر ولا يريد بهم العسر، ولا يمكن أن يمنعهم أي معاملة إلا وفيها ضرر، إما منظور وإما منتظر، يشكل على الإنسان أن الله يقدر الحروب، والفقر، والجدب جدب الأرض، والقحط قحط السماء لا تنزل ماءً، فيقول: ما هذا؟ ويش الفائدة؟ هذه مضرة على العباد، فنقول: لست أحكم من الله، إن الله تعالى لا يقدرها إلا لحكمة عظيمة، قد تعلمها وقد لا تعلمها، ولهذا يجب أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نستسلم للقضاء القدري، القضاء القدري كلٌ مستسلم له: { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } حتى الكفار مستسلمون بالقضاء القدري، لكن القضاء الشرعي لا يستسلم له إلا المؤمنون، ونحن يجب علينا أن نستسلم للقضائين: الكوني والقدري، وإن شئت فقل: أن نستسلم للقضاء الشرعي كما نحن مستسلمون للقضاء القدري، المهم أن الذي يدبر الأمر من ؟ الله عز وجل.
إذن رب تتضمن ثلاثة معان : الأول والثاني والثالث التدبير.
وقوله: { الْعَالَمِينَ } المراد بهم كل من سوى الله ، كل من سوى الله فهم عالم، وهذا اللفظ أعني العالمين مشتق من العلامة، لأن كل الكون آية من آيات الله عز وجل، وفي كل جنس منه ونوع منه وفرد منه آية من آيات الله، كل شيء تتأمله تجد أنه دال على الرب عز وجل وعلى حكمته ورحمته، وما أصدق قول الشاعر:
" وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد "
إذن العالمون من ؟ كل من سوى الله، وسموا عالماً من العلامة، لأن وجود هذا الكون وما يحدث فيه كله آية وعلامة على الله عز وجل، ويجب أن تعرف الفرق بين العالمَين بفتح اللام، والعالِمين بكسر اللام، العالَمين قلنا: كل ما سوى الله، والعالِمين هم ذوي العلم، كما قال تعالى: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }.
{ الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم } هذه صفة للفظ الجلالة، وهو ما يسمى عند النحويين بالنعت، { الرَّحْمَنِ } يعني: ذو الرحمة الواسعة الشاملة لكل شيء، كما قال تعالى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } وهذه الرحمة العامة تشمل حتى الكافر، الكافر يعيش برحمة الله، لولا أن الله يرحمه ما وجد غذاءً ولا شراباً ولا كسوة ولا سكناً لكنه يعيش برحمة الله في هذه الأشياء، إلا أنها رحمة لا تفيده في الآخرة، لأنها رحمة قاصرة في الدنيا فقط.
{ الرَّحِيمِ } أي: ذو الرحمة الخاصة التي تصل إلى المرحوم، وهذا لا يكون إلا للمؤمنين، لقول الله تعالى: { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } ولهذا قال بعض العلماء: الرحمن عامة والرحيم خاصة، وفي الإتيان بـ { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } بعد قوله: { رَبِّ الْعَالَمِينَ } دليل على أن هذه الربوبية ربوبية رحمة، ليست ربوبية انتقام أو غضب، بل هي ربوبية رحمة وأن كل ما صدر من الله عز وجل فإنه رحمة، حتى النقم التي تصيب الناس هي في الحقيقة رحمة، كيف هي رحمة، المرض رحمة؟! أسألكم، نعم هو رحمة، لكن لا يعرف أنه رحمة إلا من تدبر وتأمل: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } المرض بالنسبة للمؤمن يكفر الله به سيئاته، "ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا أذى إلا كفر الله بها عنه" وهذه رحمة، لأن ما يصيبك في الدنيا زائل ولا يبقى، لا بد أن يزول، " دوام الحال من المحال " ويذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في إصبعها وأنها لم تتأثر، وقالت: " حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها " كلمة عظيمة، حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها ، إذن هذا المرض الذي أصابك رحمة، ثم إن المرض قد يكون سبباً لرجوع الإنسان إلى ربه إذا كان فاراً من الله، قد يكون سبباً لاهتداء العاصي ورجوعه إلى ربه.
ولقد حُدثت قريباً عن شخص كان مسرفاً على نفسه فاسقاً بعيداً من الله، فمات أبوه وبمجرد ما مات أبوه وأصيب بهذه المصيبة عاد إلى الله واستقام، وصار من خيار الشباب، فانظر إلى هذه المصيبة كيف أصلحت هذا.
إذن نقول: كل ما في الكون وما يقدره الله في الكون فهو ناتج عن رحمة، وقرينة ذلك أن الله لما قال: رَبِّ الْعَالَمِينَ قال إيش؟ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فليست ربوبيته مبنية على جبروت وعلى إحراج وعلى إعسار على العباد ولكنها مبنية على الرحمة.
{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } وفي قراءة: { مَلِكِ يوم الدين } فمالك اسم فاعل، وملك صفة مشبهة، ويقال في الأول: مِلْك، ويقال في الثاني: مُلْك، يعني: المُلْك للمَلِك، والمِلْك للمَالِك، فتقول مثلاً: هذه الساعة مِلك فلان، وتقول في مملكة تحت مَلك، تقول: هذه المملكة مُلْك فلان، المَلِك والمالِك قراءتان سبعيتان صحيحتان، يجوز للإنسان أن يقرأ بهما، لكن يقرأ بهذه مرة وهذه مرة في الصلاة وخارج الصلاة، إلا أنه لا ينبغي أن نقرأ بقراءة تخرج عن المصحف أمام العوام، لأن ذلك يحدث فتنة، فإن ذلك قد يقلل هيبة القرآن في نفس العامي، أو قد ينكر العامي بقلبه أو لسانه على هذا الذي قرأ بقراءة لا يعرفها، ولهذا ينبغي لطلبة العلم ألا يقرؤوا بالقراءة الخارجة عن المصحف الذي بين أيدي الناس، لما ذكرنا من أنه قد يكون سبباً لاستهانة العامة بالقرآن، أو سبباً للطعن في هذا القارئ وأنه لا يعرف يقرأ.
المهم: { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } أي: أن الله عز وجل هو المتصرف في ذلك اليوم، لا أحد يتصرف في ذلك اليوم أبداً، لو كان أحد يستطيع أن يتصرف لأوجد له ظلاً من حر الشمس، ولكن االله تعالى قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" فهو الذي يخلق عز وجل ظلاً في ذلك الوقت على من استحقه، كالسبعة الذين يظلهم الله في ظله، وقد جاء في الحديث: "كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة" .
كذلك هو مَلِك يوم الدين، لا مُلك لأحد معه، كما قال تعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } فيجيب نفسه: { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } يعني: ملوك الدنيا مهما عظم ملكهم واتسع وقوي سلطانهم فإنه يتلاشى من حين أن يموت من حين يموت السلطان سواء كان باسم السلطان أو باسم الملك أو باسم الرئيس فإنه يزول ذلك بمجرد موته، وما يفعل من بعده من تعظيم قبره أو زرع الأزهار عليه أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينفعه لا ينتفع به إطلاقاً، لماذا؟ لأنه مات وزال ملكه، في يوم القيامة أيضاً لا ملك إلا لله وحده جل وعلا، فلهذا قال: { مَلك } أو { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
فإن قال قائل: ما معنى: يَوْمِ الدِّينِ ؟ قلنا: يوم الدين يعني: يوم القيامة، لأنه الذي يدان فيه العباد أي: يجازون على أعمالهم، والدين يكون بمعنى الجزاء كما في الآية هذه، ويكون بمعنى العمل كما في قوله تعالى: { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }.
{ ملك يوم الدين } هذه ثلاث آيات كلها لله عز وجل.
ونقف على هذا الحد ونكملها إن شاء الله في اللقاء القادم لنبدأ الأسئلة من اليمين ولكل واحد سؤال واحد .

Webiste