تفسير سورة (ق والقرآن المجيد) الآيات (1- 5) وآيات اخرى مختارة وما يستفاد منها .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع وهذا هو يوم الخميس الحادي عشر من شهر صفر عام 1417 نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا ولكم في أعمالنا وأقوالنا إنه على كل شيء قدير نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ حيث انتهينا ولله الحمد من تفسير سورة الحجرات
أولا : البسملة سبق الكلام عليها وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا أمامها بسملة ولكنهم جعلوا فاصلا بينها وبين آخر سورة الأنفال وليس هناك ذكر يذكر بدلا عن البسملة كما يوجد في هوامش بعض المصاحف حيث كتب " أعوذ بالله من النار ومن كيد الفجار ومن غضب الجبار العزة لله ولرسوله وللمؤمنين " وهذا لا شك أنه كلام بدعي لا أصل له ولا صحة له يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ق حرف من الحروف الهجائية التي يتركب منها الكلام العربي وهي كسائر الحروف ليس لها معنى بحد ذاتها ومن المعلوم أن القرآن نزل باللسان العربي وإذا كانت هذه الحروف ليس لها معنى باللسان العربي فهي كذلك ليس لها معنى في كتاب الله عز وجل من حيث المعنى الذاتي لها
وأما بالنسبة للمغزى العظيم الكبير فلها مغزى عظيم كبير ألا وهو : أن هذا القرآن الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم ليس لم يأت بشيء جديد من حروف ليس يعرفونها بل هو بالحروف التي يعرفونها ومع ذلك عجزوا عن أن يأتوا بمثله فدل ذلك على أنه من كلام العزيز الحميد جل وعلا ولهذا لا تكاد تجد سورة ابتدئت بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن هنا قال عز وجل : وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الواو حرف قسم أقسم الله تعالى بالقرآن لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء وإقسامه هنا بالقرآن إقسام بكلامه وكلام الله تعالى من صفاته وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يجوز الإقسام بالله تعالى أو بصفة من صفاته وأما آياته فلا يقسم بها إلا إذا قصد الإنسان بالآيات كلماته كالقرآن الكريم والتوراة والإنجيل وما أشبه ذلك وأما الآيات الكونية كالشمس والقمر فلا يجوز لنا أن نقسم بها أما الله عز وجل فله أن يقسم بما شاء
القرآن مأخوذ من قرأ إذا تلا أو من قرى إذا جمع ومنه القرية لأن الناس يجتمعون فيها والقرآن يتضمن المعنيين فهو متلو وهو مجموع أيضا
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد أي : ذو المجد وهي العظمة والسلطان المطلق فالقرآن له عظمته العظيمة مهيمن مسيطر على جميع الكتب السابقة حاكم عليها ليس محكوما عليه
وهو أيضا مجيد به يمجد ويعلو ويظهر من تمسك به وهذا كقوله تعالى : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ هنا لا يتراءى للإنسان التالي جواب القسم فاختلف العلماء رحمهم الله في مثل ذلك هل له جواب أو جوابه يعرف من السياق أو يعرف من المقسم به ؟ فيه أقوال متعددة للعلماء وأظهر ما يكون أن نقول : إن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب للقسم لأنه معروف من عظمة المقسم عليه فكأنه أقسم بالقرآن على صحة القرآن فالقرآن المجيد لكونه مجيدا كان دليلا على أنه حق وأنه منزل من عند الله عز وجل وحينئذ لا يحتاج القسم إلى جواب لأن الجواب في ضمن القسم بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ عَجِبُوا الواو تعود على المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام الذين كذبوا رسالته كذبوا بالقرآن كذبوا بالبعث كذبوا باليوم الآخر ولهذا عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ عجبوا عجب استغراب واستنكار وإنما قلنا ذلك لأن العجب تارة يراد به الاستنكار والتكذيب وتارة يراد به الاستحسان فقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله المراد بالعجب هنا إيش ؟ الاستحسان وقوله هنا : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ المراد به الاستنكار والتكذيب أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ليس بعيدا عنهم هو منهم نسبا وحسبا ومسكنا يعرفونه ومع ذلك قالوا : هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ لما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن الناس سوف يبعثون وسوف يجازون ويحاسبون تعجبوا كيف هذا ؟! أيحيا الإنسان بعد أن كان رفاتا ؟! قَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً إذا من المعروف أنها ظرفية وكل ظرف يحتاج إلى عامل فما عاملها ؟ العامل محذوف دل عليه ما بعده والتقدير أئذا متنا وكنا ترابا نرجع ونبعث ؟ ثم قال : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ولهذا يحسن عند التلاوة أن تقف على قوله: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً لأن قوله : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ جملة استئنافية لا علاقة لها من حيث الإعراب بما قبلها إذًا نقول : إذا ظرف وكل ظرف يحتاج إلى إيش ؟ إلى عامل فأين العامل في الآية ؟ محذوف التقدير : أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً نرجع ونبعث والاستفهام هنا بمعنى الإنكار والتكذيب كأنهم يقولون : لا يمكن أن نرجع ونبعث بعد أن كنا ترابا وعظاما ولكن بين الله عز وجل أنه قادر على ذلك فلما قالوا : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ومرادهم بالبعد هنا الاستحالة هم يرون أن ذلك مستحيل وربما تلطف بعضهم وقال : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ فهم تارة ينكرون إنكارا مطلقا ويقولون : هذا محال وتارة يقولون : هذا بعيد قال الله تعالى مبينا قدرته على ذلك : قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ الأرض تأكل الإنسان إذا مات فالله تعالى يعلم ما تنقص الأرض منه من أجزاء بدنه ذرة بعد ذرة ولو أكلته الأرض وقوله : مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ قد يفيد إنها لا تأكل كل الجسم، وفي ذلك تفصيل أما الأنبياء فإن الأرض لا تأكلهم مهما داموا في قبورهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وأما غيرهم فقد يبقى الجسم مدة طويلة لا تأكله الأرض إلى ما شاء الله وقد تأكله الأرض لكن إذا أكلته الأرض فإنه يبقى عجب الذنب عجب الذنب هو عبارة عن جزء يسير من العظم في أسفل الظهر هذا يبقى بإذن الله لا تأكله الأرض كأنه يكون نواة للجسم عند بعثه يوم القيامة فإن منه يخلق الآدمي في قبره فإذا تم نفخ في الصور ثم قاموا من قبورهم لله عز وجل قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وإذا كان الله تعالى عالما بما نقصت الأرض فهو قادر على أن يرد هذا الذي نقصته الأرض عند البعث وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ عند الله تعالى كتاب حفيظ أي : حافظ لكل شيء قال الله تعالى : كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ قال تعالى : بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ وهذا نعم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ بل هنا للإضراب الانتقالي وليست للإضراب الإبطالي لأن الأول ثابت والثاني زائد عليه وهذا هو الفرق بين بل التي للإضراب لإضراب الإبطال وبين بل التي لإضراب الانتقال فصارت بل للإضراب دائما لكن إن كانت تبطل الأول سموها إضراب إبطال وإن كانت لا تبطله فهو إضراب انتقال كأنه انتقل من موضوع إلى آخر
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ولكن قلوبهم موقنة إلا أن ألسنتهم تكذب كما قال تعالى عن آل فرعون : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ لما هنا بمعنى حين فهي ظرف وليست حرفا
لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ الفاء هنا للتعقيب والسببية والمعنى فهم لما كذبوا بالحق في أمر مريج أي : مختلط اختلط عليهم الأمر والعياذ بالله وهذا كقوله تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إيش ؟ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ هؤلاء لما كذبوا صاروا في أمر مريج التبس عليهم الأمر ترددوا في أمرهم وهكذا كل إنسان يرد الحق أول مرة فليعلم أنه سيبتلى بالشك والريب في قبول الحق في المستقبل ولهذا يجب علينا من حين أن نسمع أن هذا الشيء حق أن نقول : سمعنا وأطعنا خلافا لبعض الناس الآن تقول له : أمر الرسول بهذا
يقول : طيب الأمر للإيجاب ولا للاستحباب ؟ سبحان الله افعل ما أمرك به سواء على الوجوب أو على الاستحباب فإذا ترددت لأن معنى قوله : هل هو للوجوب أو للاستحباب ؟ معناه إذا كان للاستحباب فأنا في حل منهوإذا كان للوجوب فعلته غلط هذا قل : سمعنا وأطعنا ثم إذا وقعت المخالفة فحينئذ ربما يكون السؤال عنه : هل هو واجب أو مستحب ربما يكون وجيها أما قبل ذلك فلا قد يقول قائل : أنا أسأل هل هو واجب أو مستحب لأن هناك فرقا بين الواجب والمستحب أيهما أحب إلى الله ؟ الواجب أحب إلى الله فأنا أفعله من أجل إذا اعتقدت أنه واجب أثاب عليه ثواب واجب وإذا اعتقدت أنه سنة أثاب عليه ثواب سنة قلنا : نعم هذا طيب لكن ثواب انقيادك للحق لأول مرة وبكل سهولة وبدون سؤال أفضل من كونك تعتقده واجبا أو مستحبا وإذا كان الله قد أوجبه عليك أثابك ثواب الواجب وإن كنت لا تدري فالانقياد وتمام الانقياد أفضل بكثير من كوني أعتقد هذا واجب أو مستحب . ويقول عز وجل : فَهُمْ في أَمْرٍ مَرِيجٍ ثم قال : أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ استدل بالآيات الكونية على صحة الآيات الشرعية ويأتي إن شاء الله الكلام عليها في الجلسة القادمة نعم لا سؤال لغيره .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء التاسع والعشرون بعد المائة من اللقاءات التي يعبر عنها بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع وهذا هو يوم الخميس الحادي عشر من شهر صفر عام 1417 نسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك لنا ولكم في أعمالنا وأقوالنا إنه على كل شيء قدير نبدأ هذا اللقاء بتفسير سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ حيث انتهينا ولله الحمد من تفسير سورة الحجرات
أولا : البسملة سبق الكلام عليها وأنها آية مستقلة يؤتى بها في ابتداء كل سورة إلا سورة براءة فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوا أمامها بسملة ولكنهم جعلوا فاصلا بينها وبين آخر سورة الأنفال وليس هناك ذكر يذكر بدلا عن البسملة كما يوجد في هوامش بعض المصاحف حيث كتب " أعوذ بالله من النار ومن كيد الفجار ومن غضب الجبار العزة لله ولرسوله وللمؤمنين " وهذا لا شك أنه كلام بدعي لا أصل له ولا صحة له يقول الله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ق حرف من الحروف الهجائية التي يتركب منها الكلام العربي وهي كسائر الحروف ليس لها معنى بحد ذاتها ومن المعلوم أن القرآن نزل باللسان العربي وإذا كانت هذه الحروف ليس لها معنى باللسان العربي فهي كذلك ليس لها معنى في كتاب الله عز وجل من حيث المعنى الذاتي لها
وأما بالنسبة للمغزى العظيم الكبير فلها مغزى عظيم كبير ألا وهو : أن هذا القرآن الذي أعجز العرب مع بلاغتهم وفصاحتهم ليس لم يأت بشيء جديد من حروف ليس يعرفونها بل هو بالحروف التي يعرفونها ومع ذلك عجزوا عن أن يأتوا بمثله فدل ذلك على أنه من كلام العزيز الحميد جل وعلا ولهذا لا تكاد تجد سورة ابتدئت بهذه الحروف الهجائية إلا وبعدها ذكر القرآن هنا قال عز وجل : وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ الواو حرف قسم أقسم الله تعالى بالقرآن لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء وإقسامه هنا بالقرآن إقسام بكلامه وكلام الله تعالى من صفاته وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يجوز الإقسام بالله تعالى أو بصفة من صفاته وأما آياته فلا يقسم بها إلا إذا قصد الإنسان بالآيات كلماته كالقرآن الكريم والتوراة والإنجيل وما أشبه ذلك وأما الآيات الكونية كالشمس والقمر فلا يجوز لنا أن نقسم بها أما الله عز وجل فله أن يقسم بما شاء
القرآن مأخوذ من قرأ إذا تلا أو من قرى إذا جمع ومنه القرية لأن الناس يجتمعون فيها والقرآن يتضمن المعنيين فهو متلو وهو مجموع أيضا
وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد أي : ذو المجد وهي العظمة والسلطان المطلق فالقرآن له عظمته العظيمة مهيمن مسيطر على جميع الكتب السابقة حاكم عليها ليس محكوما عليه
وهو أيضا مجيد به يمجد ويعلو ويظهر من تمسك به وهذا كقوله تعالى : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ هنا لا يتراءى للإنسان التالي جواب القسم فاختلف العلماء رحمهم الله في مثل ذلك هل له جواب أو جوابه يعرف من السياق أو يعرف من المقسم به ؟ فيه أقوال متعددة للعلماء وأظهر ما يكون أن نقول : إن مثل هذا التركيب لا يحتاج إلى جواب للقسم لأنه معروف من عظمة المقسم عليه فكأنه أقسم بالقرآن على صحة القرآن فالقرآن المجيد لكونه مجيدا كان دليلا على أنه حق وأنه منزل من عند الله عز وجل وحينئذ لا يحتاج القسم إلى جواب لأن الجواب في ضمن القسم بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ عَجِبُوا الواو تعود على المكذبين للرسول عليه الصلاة والسلام الذين كذبوا رسالته كذبوا بالقرآن كذبوا بالبعث كذبوا باليوم الآخر ولهذا عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ عجبوا عجب استغراب واستنكار وإنما قلنا ذلك لأن العجب تارة يراد به الاستنكار والتكذيب وتارة يراد به الاستحسان فقول عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله المراد بالعجب هنا إيش ؟ الاستحسان وقوله هنا : بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ المراد به الاستنكار والتكذيب أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ليس بعيدا عنهم هو منهم نسبا وحسبا ومسكنا يعرفونه ومع ذلك قالوا : هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ لما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرهم بأن الناس سوف يبعثون وسوف يجازون ويحاسبون تعجبوا كيف هذا ؟! أيحيا الإنسان بعد أن كان رفاتا ؟! قَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً إذا من المعروف أنها ظرفية وكل ظرف يحتاج إلى عامل فما عاملها ؟ العامل محذوف دل عليه ما بعده والتقدير أئذا متنا وكنا ترابا نرجع ونبعث ؟ ثم قال : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ولهذا يحسن عند التلاوة أن تقف على قوله: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً لأن قوله : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ جملة استئنافية لا علاقة لها من حيث الإعراب بما قبلها إذًا نقول : إذا ظرف وكل ظرف يحتاج إلى إيش ؟ إلى عامل فأين العامل في الآية ؟ محذوف التقدير : أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً نرجع ونبعث والاستفهام هنا بمعنى الإنكار والتكذيب كأنهم يقولون : لا يمكن أن نرجع ونبعث بعد أن كنا ترابا وعظاما ولكن بين الله عز وجل أنه قادر على ذلك فلما قالوا : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ومرادهم بالبعد هنا الاستحالة هم يرون أن ذلك مستحيل وربما تلطف بعضهم وقال : ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ فهم تارة ينكرون إنكارا مطلقا ويقولون : هذا محال وتارة يقولون : هذا بعيد قال الله تعالى مبينا قدرته على ذلك : قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ الأرض تأكل الإنسان إذا مات فالله تعالى يعلم ما تنقص الأرض منه من أجزاء بدنه ذرة بعد ذرة ولو أكلته الأرض وقوله : مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ قد يفيد إنها لا تأكل كل الجسم، وفي ذلك تفصيل أما الأنبياء فإن الأرض لا تأكلهم مهما داموا في قبورهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وأما غيرهم فقد يبقى الجسم مدة طويلة لا تأكله الأرض إلى ما شاء الله وقد تأكله الأرض لكن إذا أكلته الأرض فإنه يبقى عجب الذنب عجب الذنب هو عبارة عن جزء يسير من العظم في أسفل الظهر هذا يبقى بإذن الله لا تأكله الأرض كأنه يكون نواة للجسم عند بعثه يوم القيامة فإن منه يخلق الآدمي في قبره فإذا تم نفخ في الصور ثم قاموا من قبورهم لله عز وجل قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وإذا كان الله تعالى عالما بما نقصت الأرض فهو قادر على أن يرد هذا الذي نقصته الأرض عند البعث وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ عند الله تعالى كتاب حفيظ أي : حافظ لكل شيء قال الله تعالى : كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ قال تعالى : بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ وهذا نعم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ بل هنا للإضراب الانتقالي وليست للإضراب الإبطالي لأن الأول ثابت والثاني زائد عليه وهذا هو الفرق بين بل التي للإضراب لإضراب الإبطال وبين بل التي لإضراب الانتقال فصارت بل للإضراب دائما لكن إن كانت تبطل الأول سموها إضراب إبطال وإن كانت لا تبطله فهو إضراب انتقال كأنه انتقل من موضوع إلى آخر
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ولكن قلوبهم موقنة إلا أن ألسنتهم تكذب كما قال تعالى عن آل فرعون : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ لما هنا بمعنى حين فهي ظرف وليست حرفا
لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ الفاء هنا للتعقيب والسببية والمعنى فهم لما كذبوا بالحق في أمر مريج أي : مختلط اختلط عليهم الأمر والعياذ بالله وهذا كقوله تعالى : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إيش ؟ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني لأنهم لم يؤمنوا به أول مرة وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ هؤلاء لما كذبوا صاروا في أمر مريج التبس عليهم الأمر ترددوا في أمرهم وهكذا كل إنسان يرد الحق أول مرة فليعلم أنه سيبتلى بالشك والريب في قبول الحق في المستقبل ولهذا يجب علينا من حين أن نسمع أن هذا الشيء حق أن نقول : سمعنا وأطعنا خلافا لبعض الناس الآن تقول له : أمر الرسول بهذا
يقول : طيب الأمر للإيجاب ولا للاستحباب ؟ سبحان الله افعل ما أمرك به سواء على الوجوب أو على الاستحباب فإذا ترددت لأن معنى قوله : هل هو للوجوب أو للاستحباب ؟ معناه إذا كان للاستحباب فأنا في حل منهوإذا كان للوجوب فعلته غلط هذا قل : سمعنا وأطعنا ثم إذا وقعت المخالفة فحينئذ ربما يكون السؤال عنه : هل هو واجب أو مستحب ربما يكون وجيها أما قبل ذلك فلا قد يقول قائل : أنا أسأل هل هو واجب أو مستحب لأن هناك فرقا بين الواجب والمستحب أيهما أحب إلى الله ؟ الواجب أحب إلى الله فأنا أفعله من أجل إذا اعتقدت أنه واجب أثاب عليه ثواب واجب وإذا اعتقدت أنه سنة أثاب عليه ثواب سنة قلنا : نعم هذا طيب لكن ثواب انقيادك للحق لأول مرة وبكل سهولة وبدون سؤال أفضل من كونك تعتقده واجبا أو مستحبا وإذا كان الله قد أوجبه عليك أثابك ثواب الواجب وإن كنت لا تدري فالانقياد وتمام الانقياد أفضل بكثير من كوني أعتقد هذا واجب أو مستحب . ويقول عز وجل : فَهُمْ في أَمْرٍ مَرِيجٍ ثم قال : أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ استدل بالآيات الكونية على صحة الآيات الشرعية ويأتي إن شاء الله الكلام عليها في الجلسة القادمة نعم لا سؤال لغيره .
الفتاوى المشابهة
- تفسير سورة الفاتحة الآيات (1-3) وآيات اخرى م... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (30- 35) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الحجرات الآيات ( 17- 18 ) وآيات ا... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (10- 13) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (6- 9) وآيات اخرى مختا... - ابن عثيمين
- تفسير سورة الحجرات الآية (1) وآيات اخرى مختا... - ابن عثيمين
- تفسير قوله تعالى: (ق والقرآن المجيد) - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (15- 18) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات (36- 45) وآيات اخرى مخ... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق) الآيات ( 19- 22 ) وآيات اخرى... - ابن عثيمين
- تفسير سورة (ق والقرآن المجيد) الآيات (1- 5)... - ابن عثيمين