تم نسخ النصتم نسخ العنوان
بيان النعم التي أنعم الله بها على بلاد الحرم... - ابن عثيمينالشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: فإننا نذكر ا...
العالم
طريقة البحث
بيان النعم التي أنعم الله بها على بلاد الحرمين وكيفية دوام النعم .
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإننا نذكر الإخوة جميعًا بما أنعم الله به علينا في هذه الجلسة المباركة، وهو اللقاء الثالث في هذا الشهر، شهر صفر، عام 1414ه، الذي يكون في كل يوم خميس.
إننا ولله الحمد في هذه البلاد نتمتع بنعم كثيرة، أهمها نعمة الإسلام، فليس ولله الحمد في بلادنا شيء من خصال الكفر الظاهر أو البدعة الظاهرة، الكل ولله الحمد على عقيدة التوحيد والعقيدة السلفية، عقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالأمور التي خالف فيها أهل البدع لطريق السلف الصالح، وهذه أكبر نعمة على العبد لأنها تتصل بها سعادة الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
أما النعمة الثانية فهي نعمة توفر الطعام والشراب واللباس والمساكن والمراكب التي قد تكون غير متوفرة في كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، فما أكثر الذين يموتون جوعًا أو يتضورون جوعًا، وما أكثر الأمم الذين لا يجدون ما يكسون به عوراتهم أو يتقون به البرد أو يتقون به الحر، وما أكثر الأمم الذين لا يجدون مساكن إلا عشاشًا أو أشجارًا يضعون عليها قطعا من الثياب يتظللون بها، وهذا شيء معلوم بالأخبار المتواترة من الثقات الذين يذهبون إلى تلك البلاد، ومما نسمع من الإذاعات.
أما النعمة الثالثة: فهي نعمة الأمن، نعمة الأمن التي ترفل بها هذه البلاد، فالناس ولله الحمد في أمن كامل على أنفسهم وعلى أهليهم وعلى أموالهم ليس هناك ولله الحمد اغتيالات، ولا سطو على البيوت، ولا سرقة للأموال، حتى إن الأموال تكون في الأسواق ليس عندها حارس ولكن الله سبحانه وتعالى يحرسها بما أودع في هذه البلاد من الأمن.
وهذه النعم الثلاث هي التي أشار الله تعالى إليها في قوله: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ، فالإطعام من الجوع حاصل، والأمن من الخوف حاصل، وبقي علينا العبادة.
نحن ولله الحمد نرى أن بلادنا من خير البلاد الإسلامية، ولكن هل هذه النعم ستبقى أو تزيد أو تزول؟
الجواب: من عند الله عز وجل قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ، فإن شكرنا الله على هذه النعم وقمنا بما يجب من حقوق الله وحقوق عباد الله، وأعظمها حقوق الوالدين، أما حق النبي عليه الصلاة والسلام فإنه داخل في حق الله، ولهذا تجدون الآيات الكريمات يذكر الله حقه ثم حق الوالدين قال تعالى : وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ، فلماذا لم يذكر حق الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أعظم من حق الوالدين ؟
لأنه داخل في حق الله سبحانه وتعالى، إذ أن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن إذا قمنا بمتابعة الرسول فقد أدينا الحق.
كذلك أيضًا يجب علينا أن نحذر من التفرق وتمزق الكلمة واختلاف القلوب، فإن ذلك يوجب الفشل والخذلان كما قال الله عز وجل: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ .
وأنا أرى في الساحة اختلافا، وأرى قولا وقيلا، وهذا ينصر هذا القول وهذا ينصر القول المضاد، وهذا ينتحل لهذا الرجل وهذا ينتحل لرجل آخر، وكل واحد منهم يقف ضد الآخر، وهذا خطر عظيم، نحن ما لنا وللناس ما لنا ولزيد أو لعمرو؟
نحن نتبع الحق أينما كان ومن أي جهة كان، هذا الواجب، الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذ به.
وليس الحق مخصوصا بشخص معين دون شخص آخر، ربما يأتي الحق من رجل كافر، وربما يأتي الحق من رجل فاسق، وربما يفوت الحقُ رجلاً مؤمنا يخطئ وكل إنسان خطَّاء.
وقد تستنكرون أن أقول: إن الحق يأتي من رجل كافر ولكنه يأتي من رجل كافر، ويجب قبوله، أليس الله تعالى قال: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ، فقال الله تعالى : قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ، ولم يكذبهم بقولهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا لأن قولهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا حق، فأبطل الله قولهم: وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ولم يبطل قولهم: وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا لماذا ؟ أجيبوا ؟
لأنه حق فيجب قبوله ولو كان من كافر، وهذا الرجل اليهودي الذي حدث النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع إلى آخر الحديث، هل كذبه الرسول ؟ أو قال : لا نقبل منك لأنك يهودي ؟
لا، صدقه، ضحك حتى بدت نواجذه تصديقا لقوله ثم قرأ قول الله تعالى : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وإذا كان هذا هو الواجب أن نتبع الحق أينما كان وأن نأخذ به من أي مصدر كان،
فما بالنا ننتحل لزيد أو لعمرو ثم نقول : كل ما قاله فهو حق وصواب وكل ما قاله الآخر فهو باطل وخطأ، هذا لا يليق بالمؤمن إطلاقا، اتبع الحق أينما كان، واعلم أن الإنسان قد يأتي بالحق الكثير ثم يخطئ مرة واحدة، أو يأتي بالخطأ الكثير ثم يصيب مرة واحدة، أو يكون خطؤه وصوابه واحدًا، متساويين، وفي الأحوال الثلاث كلها الواجب علينا أن نأخذ بالحق وندع الباطل.
وإذا رأينا من شخص خطأ ونحن نعلم حسن نيته فالواجب الاعتذار عنه لا التشنيع به، لأن التشنيع بأهل الحق من خصال المنفافقين، هم الذين إذا أمسكوا على أهل الإيمان خطأ واحدًا بنوا منه أخطاء كثيرة وشنعوا عليه وأشاعوا الفاحشة فيه.
أما المؤمن فإذا رأى من شخص خطأ وهو يعرف منه حسن نيته ما هو كل إنسان يخطئ نعذره بخطئه، لا، قد يكون يخطئ متعمدا.
لكن إذا علمنا حسن نية الرجل وأن هذا خطأ فادح وبنو آدم خطاء، فإن الواجب علينا أن نعذره وألا نتحدث ونشنع به أمام الناس، ثم الواجب علينا تارة أخرى أن نتصل به، وأن نقول: إنك قلت كذا أو فعلت كذا، ثم نبين الخطأ، قد يكون الخطأ في فهمنا نحن، ويكون ما قاله هو صحيحاً، وقد يكون الخطأ منه وإذا كان حسن النية رجع إلى الصواب حتى لو كان أكبر الناس، من لم يتواضع للحق فهو مستكبر، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من كبر .
فالواجب علينا أيها الإخوة الواجب علينا ألا يكون همنا القيل والقال، وقال فلان وقال فلان، وفلان على حق وفلان على خطأ، الواجب علينا أن نتبع الحق أينما كان، وأن نأخذ به من أي مصدر كان، وإذا صدر من شخص خطأ والإنسان معرض للخطأ، فإنه لا يجوز أن نشنع عليه بهذا الخطأ، بل نعتذر عنه أمام الناس، ثم نتصل به لمناقشته على ما نظن أنه خطأ إذ قد يكون الخطأ منا لا منه، حتى تستقيم الأمة، وتكون الكلمة واحدة، ولا يحصل تفرق ولا نزاع، وأنتم تعلمون بارك الله فيكم أنه إذا حصل التفرق والتمزق بين الأمة زالت هيبتها، وصارت فريسة للشيطان والهوى، لكن إذا عقدنا العزم على أن نكون يدًا واحدة وأن نكون قلبا واحدًا، وأن نكون كما قال النبي عليه الصلاة والسلام مخبرا خبرا يجب أن يطبق: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وبهذا تتم أمورنا وتحسن أحوالنا.
نسأل الله أن يحقق لنا ذلك بمنه وكرمه، ولنتجه الآن إلى الأسئلة ويكون السؤال سؤالا واحدًا من كل شخص .

Webiste