صفة مناسك الحج وأنواعها.
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والخمسون من اللقاءات التي تتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ذي القعدة عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وحيث إنه آخر لقاءات هذا الشهر، وآخر اللقاءات قبل موسم حج هذا العام، فإننا سنتكلم الآن على صفة المناسك.
المناسك ثلاثة أنواع:
النوع الأول: التمتع، والثاني: القران، والثالث: الإفراد.
الأنواع ثلاثة: تمتع، والقران، والإفراد.
وأفضلها التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.
فالتمتع: أن يحرم الإنسان عند الميقات بالعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر، ثم حل حلاً كاملاً، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يحرم بالحج.
أما القران: فهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً عند الميقات، فإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى للعمرة والحج، وبقي على إحرامه لا يحل منه إلا يوم العيد.
وأما الإفراد: فهو أن يحرم عند الميقات بالحج مفرداً، فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم وسعى للحج، وبقي على إحرامه إلى يوم العيد.
وبهذا عرفنا الفرق بين الأنساك الثلاثة، التمتع يكون بين العمرة والحج حل كامل، وينفرد كل نسك منهما بأفعاله انفراداً تاماً عن الآخر، ففي العمرة طواف وسعي وتقصير، وفي الحج طواف وسعي،
وأما القران: فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم العيد وليس بين العمرة والحج حل، وليس على القارن إلا سعي واحد وطواف واحد، وهو طواف الإفاضة.
وأما طواف الوداع فهو واجب على الجميع، ولا فرق في الأفعال بين القران والإفراد، لأن كل واحد منهما يحرم من الميقات، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه إلى يوم العيد، فليس بين القارن والمفرد شيء من حيث الأفعال، أما من جهة الأجر فالقارن أفضل من المفرد، لأنه يحصل على نسكين: على حج وعمرة، ويحصل أيضاً على أجر الهدي، إذ أن الهدي واجب على القارن والمتمتع.
فنسوق الآن الحج بصفة التمتع فنقول: إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه يغتسل كما إلى الجنابة ، ويلبس ثياب الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداء أبيضان، إما جديدان وهو الأفضل أو نظيفان، ويتطيب في رأسه ولحيته، ولا يطيب إحرامه يعني: لا يطيب ثوبي الإحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس ثم ينوي الدخول في النسك وهو العمرة، ويلبي فيقول: لبيك اللهم عمرة، ويستمر على تلبيته، ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
فإذا وصل إلى مكة طاف طواف العمرة، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الباقي، ويسن أيضاً أن يضطبع بردائه.
والاضطباع: أن يجعل وسطه أي وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوفاً والكتف الأيسر مستوراً، وهذا الاضطباع في الطواف فقط، فإذا فرغ من الطواف أزاله.
عند ابتداء الطواف يستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن لم يتيسر استلمه وقبل يده والاستلام هو مسحه، فإن لم يتيسر استلامه أشار إليه وعندئذٍ يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم يجعل البيت عن يساره ويستمر في الطواف، وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، ولا دعاء يذكر إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
فإذا وصل في الدورة الأولى إلى الركن اليماني مسحه بدون تقبيل، فإن لم يتيسر له المسح لم يشر إليه، لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا حاذى الحجر الأسود المرة الثانية، فإنه يكبر فقط ولا يقول: باسم الله والله أكبر، لأن ذلك إنما يكون في ابتداء الطواف.
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وصلى ركعتين يخففهما، ويقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بعد الفاتحة، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بعد الفاتحة، فإذا فرغ منهما لم يجلس للدعاء ولا لغيره، بل قام ليخلي المكان لغيره ممن يريد أن يصلي خلف المقام.
ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ يقرأها قبل أن يصعد إلى الجبل، ولا يقرأها إلا في هذا المكان فقط، إذا أقبل على الصفا أول مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأها بعد ذلك.
فإذا صعد الصفا استقبل القبلة ورفع يديه يدعو، فيكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده .
ثم يدعو بما أحب، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ثم يدعو المرة الثانية، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده .
ثم ينزل متجهاً إلى المروة يمشي كعادته حتى يصل إلى العلم الأخضر العمود الأخضر وحينئذ يسعى أي: يركض ركضاً شديداً حسب ما يتيسر له، إذا كان المسعى خفيفاً فالسعي متيسر وإذا كان غير خفيف فالسعي صعب يتأذى به ويؤذي غيره، إلى أن يصل إلى العلم الآخر الأخضر، ثم يمشي مشيه المعتاد، فإذا وصل إلى المروة صعدها، واستقبل القبلة، وقال مثلما قال على الصفا هذا هو الشوط الأول.
وبرجوعه من المروة إلى الصفا هو الشوط الثاني حتى يتم سبعة أشواط، فيكون مبتدئاً بـالصفا منتهياً بـالمروة، فلو فرض أن إنساناً زعم أنه أكمل سعيه وقد أنهاه بـالصفا فقد غلط لأنه لا يمكن أن يكون انتهاؤه إلى بالمروة، إن أنهاه بالصفا فهو إما زائد شوطاً وإما ناقص شوطاً، فإذا فرغ من السعي قصر، يعني: قص شعر رأسه، ويكون القص من جميع الجوانب وليس من جانبين أو ثلاثة أو أربعة، بل يعم جميع الرأس، وبهذا يحل التحلل كله، ويحل له جميع محظورات الإحرام.
ويبقى حلالاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة في الضحى اغتسل وتطيب في رأسه ولحيته، ولبس ثياب الإحرام وأحرم بالحج، وقال: لبيك اللهم حجاً، فإن كان في منى فهو في منى، وإن لم يكن في منى ذهب إليها وبقي فيها بقية يومه الثامن إلى أن يصلي الفجر يوم التاسع، فيصلي في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، ويكون قاصراً صلاته غير جامع، بل يصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاثا، والعشاء في وقتها ركعتين والفجر.
فإذا طلعت الشمس ارتحل متجهاً إلى عرفة، فإن تيسر له أن ينزل في نمرة وهي موضع قرب عرفة وليس من عرفة فلينزل به، وإن لم يتيسر استمر حتى يصل إلى عرفة فينزل فيها، فإذا زالت الشمس أذّن فصلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين جمع تقديم، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يتفرغ لاستماع خطبة إمام مسجد نمرة أو مسجد عُرنة، واستماعه الآن متيسر ولله الحمد بواسطة الإذاعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة بعد أن صلى الظهر والعصر ، نعم خطب في عرفة ثم أذن فصلى الظهر ثم أذن فصلى العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فلما فرغ أمر بلالاً فأذّن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
وبعد ذلك يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، وليحرص على الإلحاح في دعاء إلى الله عز وجل في آخر النهار، لأنه موطن إجابة، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، وفي هذا اليوم إن شاء أن يركب السيارة ويدعو الله سبحانه وتعالى وهو على سيارته فهو أحسن إن تيسر، وإن كان بقاؤه في الأرض أخشع له وأحضر لقلبه ، فما كان أخشع وأحضر لقلبه فهو أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته راكباً.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصلها أذّن فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم يبقى في مزدلفة حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعوه، فإن تيسر أن يكون عند المشعر الحرام أي: عند المسجد الموجود في مزدلفة فهذا أفضل، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: وقفت هاهنا وجمع كلها موقف
فإذا أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس سار إلى منى، حتى يصل إلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فرماها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فإذا أتم سبع حصيات ذهب إلى المنحر فنحر هديه، ثم حلق رأسه، وبهذا يحل التحلل الأول، فيلبس الثياب ويتطيب، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويُسمى طواف الزيارة ويسمى طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة، وليس في هذا الطوف رمل، لأن الرمل إنما يكون في طواف القدوم، وليس فيه اضطباع، لأن الإنسان قد لبس ثيابه والاضطباع يكون في الرداء.
ثم يخرج بعد ذلك إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ذهب إلى الجمرات ليرميها، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً لئلا يصيبه الحصى، ولئلا يؤذيه زحام الناس، فيقف متجهاً إلى القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً كما جاءت بذلك السنّة، وكذلك الوسطى يفعل بهاكما فعل في الأولى، أما جمرة العقبة فإذا رماها انصرف إلى رحله إلى خيمته.
فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فعل كما فعل في اليوم الحادي عشر في رمي الجمرات، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى يوم الثالث عشر، والتأخر أفضل، لأنه فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن فيه زيادة خير، فيه زيادة المبيت ليلة الثالث عشر وزيادة الرمي، وكل هذا عمل صالح، لكن الله تعالى يسر، لعباده من شاء أن يتعجل في اليومين يالأولين الحادي عشر والثاني عشر ، يعني: يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات فليفعل، ومن تأخر فهو أفضل.
فإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يخرج حتى يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ثم ينصرف إلى بلده.
أما القران والإفراد: فكما ذكرنا أولاً أنه يطوف أول ما يقدم مكة ويسعى، ثم يبقى على إحرامه، فإذا كان اليوم الثامن خرج مع الناس وأكمل حجه، إلا أنه لا يسعى، لأنه قد سعى من قبل، فإن لم يكن سعى من قبل كما يفعل بعض الناس اليوم، يحرم بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة قارناً، ثم يذهب إلى منى ولا يأتي البيت إلا يوم العيد، فمن فعل كذلك فلا بد من سعي بعد الطواف، أما من سعى بعد طواف القدوم وهو قارن أو مفرد فإنه يكفيه عن السعي في يوم العيد وما بعده.
هذه خلاصة أفعال الحج والعمرة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاتباع الرسول صلى الله عليه والسلام.
وليُعلم أن العبادة لا تصح إلا بشرطين أساسيين: هما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تمكن المتابعة إلا إذا عرفت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي المناسك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم أو قال : لتأخذوا عني مناسككم وقد أخذ الصحابة عنه المناسك ولله الحمد ونقلوها إلى الأمة تامّة، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وأن يجزي صحابته رضي الله عنهم خير ما جزى صحابياً في صحابته والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء السابع والخمسون من اللقاءات التي تتم في يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو الرابع والعشرون من شهر ذي القعدة عام أربعة عشر وأربعمائة وألف، وحيث إنه آخر لقاءات هذا الشهر، وآخر اللقاءات قبل موسم حج هذا العام، فإننا سنتكلم الآن على صفة المناسك.
المناسك ثلاثة أنواع:
النوع الأول: التمتع، والثاني: القران، والثالث: الإفراد.
الأنواع ثلاثة: تمتع، والقران، والإفراد.
وأفضلها التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.
فالتمتع: أن يحرم الإنسان عند الميقات بالعمرة، فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصر، ثم حل حلاً كاملاً، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة يحرم بالحج.
أما القران: فهو أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً عند الميقات، فإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى للعمرة والحج، وبقي على إحرامه لا يحل منه إلا يوم العيد.
وأما الإفراد: فهو أن يحرم عند الميقات بالحج مفرداً، فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم وسعى للحج، وبقي على إحرامه إلى يوم العيد.
وبهذا عرفنا الفرق بين الأنساك الثلاثة، التمتع يكون بين العمرة والحج حل كامل، وينفرد كل نسك منهما بأفعاله انفراداً تاماً عن الآخر، ففي العمرة طواف وسعي وتقصير، وفي الحج طواف وسعي،
وأما القران: فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم العيد وليس بين العمرة والحج حل، وليس على القارن إلا سعي واحد وطواف واحد، وهو طواف الإفاضة.
وأما طواف الوداع فهو واجب على الجميع، ولا فرق في الأفعال بين القران والإفراد، لأن كل واحد منهما يحرم من الميقات، وإذا وصل مكة طاف وسعى وبقي على إحرامه إلى يوم العيد، فليس بين القارن والمفرد شيء من حيث الأفعال، أما من جهة الأجر فالقارن أفضل من المفرد، لأنه يحصل على نسكين: على حج وعمرة، ويحصل أيضاً على أجر الهدي، إذ أن الهدي واجب على القارن والمتمتع.
فنسوق الآن الحج بصفة التمتع فنقول: إذا وصل الإنسان إلى الميقات فإنه يغتسل كما إلى الجنابة ، ويلبس ثياب الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداء أبيضان، إما جديدان وهو الأفضل أو نظيفان، ويتطيب في رأسه ولحيته، ولا يطيب إحرامه يعني: لا يطيب ثوبي الإحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس ثم ينوي الدخول في النسك وهو العمرة، ويلبي فيقول: لبيك اللهم عمرة، ويستمر على تلبيته، ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
فإذا وصل إلى مكة طاف طواف العمرة، وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ويمشي في الباقي، ويسن أيضاً أن يضطبع بردائه.
والاضطباع: أن يجعل وسطه أي وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر، فيكون الكتف الأيمن مكشوفاً والكتف الأيسر مستوراً، وهذا الاضطباع في الطواف فقط، فإذا فرغ من الطواف أزاله.
عند ابتداء الطواف يستلم الحجر الأسود ويقبله، فإن لم يتيسر استلمه وقبل يده والاستلام هو مسحه، فإن لم يتيسر استلامه أشار إليه وعندئذٍ يقول: باسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ثم يجعل البيت عن يساره ويستمر في الطواف، وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط، ولا دعاء يذكر إلا ما بين الركن اليماني والحجر الأسود يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
فإذا وصل في الدورة الأولى إلى الركن اليماني مسحه بدون تقبيل، فإن لم يتيسر له المسح لم يشر إليه، لأنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا حاذى الحجر الأسود المرة الثانية، فإنه يكبر فقط ولا يقول: باسم الله والله أكبر، لأن ذلك إنما يكون في ابتداء الطواف.
فإذا أتم سبعة أشواط تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً وصلى ركعتين يخففهما، ويقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بعد الفاتحة، وفي الثانية: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بعد الفاتحة، فإذا فرغ منهما لم يجلس للدعاء ولا لغيره، بل قام ليخلي المكان لغيره ممن يريد أن يصلي خلف المقام.
ويتجه إلى الصفا، فإذا دنا منه قرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ يقرأها قبل أن يصعد إلى الجبل، ولا يقرأها إلا في هذا المكان فقط، إذا أقبل على الصفا أول مرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأها بعد ذلك.
فإذا صعد الصفا استقبل القبلة ورفع يديه يدعو، فيكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده .
ثم يدعو بما أحب، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده ثم يدعو المرة الثانية، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده .
ثم ينزل متجهاً إلى المروة يمشي كعادته حتى يصل إلى العلم الأخضر العمود الأخضر وحينئذ يسعى أي: يركض ركضاً شديداً حسب ما يتيسر له، إذا كان المسعى خفيفاً فالسعي متيسر وإذا كان غير خفيف فالسعي صعب يتأذى به ويؤذي غيره، إلى أن يصل إلى العلم الآخر الأخضر، ثم يمشي مشيه المعتاد، فإذا وصل إلى المروة صعدها، واستقبل القبلة، وقال مثلما قال على الصفا هذا هو الشوط الأول.
وبرجوعه من المروة إلى الصفا هو الشوط الثاني حتى يتم سبعة أشواط، فيكون مبتدئاً بـالصفا منتهياً بـالمروة، فلو فرض أن إنساناً زعم أنه أكمل سعيه وقد أنهاه بـالصفا فقد غلط لأنه لا يمكن أن يكون انتهاؤه إلى بالمروة، إن أنهاه بالصفا فهو إما زائد شوطاً وإما ناقص شوطاً، فإذا فرغ من السعي قصر، يعني: قص شعر رأسه، ويكون القص من جميع الجوانب وليس من جانبين أو ثلاثة أو أربعة، بل يعم جميع الرأس، وبهذا يحل التحلل كله، ويحل له جميع محظورات الإحرام.
ويبقى حلالاً إلى اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة في الضحى اغتسل وتطيب في رأسه ولحيته، ولبس ثياب الإحرام وأحرم بالحج، وقال: لبيك اللهم حجاً، فإن كان في منى فهو في منى، وإن لم يكن في منى ذهب إليها وبقي فيها بقية يومه الثامن إلى أن يصلي الفجر يوم التاسع، فيصلي في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، خمس صلوات، ويكون قاصراً صلاته غير جامع، بل يصلي الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاثا، والعشاء في وقتها ركعتين والفجر.
فإذا طلعت الشمس ارتحل متجهاً إلى عرفة، فإن تيسر له أن ينزل في نمرة وهي موضع قرب عرفة وليس من عرفة فلينزل به، وإن لم يتيسر استمر حتى يصل إلى عرفة فينزل فيها، فإذا زالت الشمس أذّن فصلى الظهر ركعتين ثم العصر ركعتين جمع تقديم، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم يتفرغ لاستماع خطبة إمام مسجد نمرة أو مسجد عُرنة، واستماعه الآن متيسر ولله الحمد بواسطة الإذاعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة بعد أن صلى الظهر والعصر ، نعم خطب في عرفة ثم أذن فصلى الظهر ثم أذن فصلى العصر لأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة قبل أن يصلي الظهر والعصر، فلما فرغ أمر بلالاً فأذّن ثم أقام، فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
وبعد ذلك يتفرغ للدعاء والذكر وقراءة القرآن، وليحرص على الإلحاح في دعاء إلى الله عز وجل في آخر النهار، لأنه موطن إجابة، فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، وفي هذا اليوم إن شاء أن يركب السيارة ويدعو الله سبحانه وتعالى وهو على سيارته فهو أحسن إن تيسر، وإن كان بقاؤه في الأرض أخشع له وأحضر لقلبه ، فما كان أخشع وأحضر لقلبه فهو أفضل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على راحلته راكباً.
فإذا غربت الشمس سار إلى مزدلفة، فإذا وصلها أذّن فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء بأذان واحد وإقامتين، ثم يبقى في مزدلفة حتى يطلع الفجر، فإذا صلى الفجر جلس يذكر الله سبحانه وتعالى ويدعوه، فإن تيسر أن يكون عند المشعر الحرام أي: عند المسجد الموجود في مزدلفة فهذا أفضل، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: وقفت هاهنا وجمع كلها موقف
فإذا أسفر جداً وقبل أن تطلع الشمس سار إلى منى، حتى يصل إلى جمرة العقبة وهي آخر الجمرات مما يلي مكة، فرماها بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، فإذا أتم سبع حصيات ذهب إلى المنحر فنحر هديه، ثم حلق رأسه، وبهذا يحل التحلل الأول، فيلبس الثياب ويتطيب، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة ويُسمى طواف الزيارة ويسمى طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة، وليس في هذا الطوف رمل، لأن الرمل إنما يكون في طواف القدوم، وليس فيه اضطباع، لأن الإنسان قد لبس ثيابه والاضطباع يكون في الرداء.
ثم يخرج بعد ذلك إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر، فإذا زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ذهب إلى الجمرات ليرميها، فيرمي الجمرة الأولى بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم قليلاً لئلا يصيبه الحصى، ولئلا يؤذيه زحام الناس، فيقف متجهاً إلى القبلة رافعاً يديه يدعو الله تعالى دعاءً طويلاً كما جاءت بذلك السنّة، وكذلك الوسطى يفعل بهاكما فعل في الأولى، أما جمرة العقبة فإذا رماها انصرف إلى رحله إلى خيمته.
فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني عشر فعل كما فعل في اليوم الحادي عشر في رمي الجمرات، ثم إن شاء تعجل وخرج من منى، وإن شاء بقي إلى يوم الثالث عشر، والتأخر أفضل، لأنه فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن فيه زيادة خير، فيه زيادة المبيت ليلة الثالث عشر وزيادة الرمي، وكل هذا عمل صالح، لكن الله تعالى يسر، لعباده من شاء أن يتعجل في اليومين يالأولين الحادي عشر والثاني عشر ، يعني: يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمرات فليفعل، ومن تأخر فهو أفضل.
فإذا أراد أن يرجع إلى بلده فلا يخرج حتى يطوف للوداع سبعة أشواط بثيابه العادية وبدون سعي، ثم ينصرف إلى بلده.
أما القران والإفراد: فكما ذكرنا أولاً أنه يطوف أول ما يقدم مكة ويسعى، ثم يبقى على إحرامه، فإذا كان اليوم الثامن خرج مع الناس وأكمل حجه، إلا أنه لا يسعى، لأنه قد سعى من قبل، فإن لم يكن سعى من قبل كما يفعل بعض الناس اليوم، يحرم بالحج مفرداً أو بالحج والعمرة قارناً، ثم يذهب إلى منى ولا يأتي البيت إلا يوم العيد، فمن فعل كذلك فلا بد من سعي بعد الطواف، أما من سعى بعد طواف القدوم وهو قارن أو مفرد فإنه يكفيه عن السعي في يوم العيد وما بعده.
هذه خلاصة أفعال الحج والعمرة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاتباع الرسول صلى الله عليه والسلام.
وليُعلم أن العبادة لا تصح إلا بشرطين أساسيين: هما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تمكن المتابعة إلا إذا عرفت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي المناسك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: خذوا عني مناسككم أو قال : لتأخذوا عني مناسككم وقد أخذ الصحابة عنه المناسك ولله الحمد ونقلوها إلى الأمة تامّة، فنسأل الله تعالى أن يجزيه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وأن يجزي صحابته رضي الله عنهم خير ما جزى صحابياً في صحابته والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفتاوى المشابهة
- صفة الحج والعمرة - ابن عثيمين
- صفة الحج والعمرة . - ابن عثيمين
- كلمة حول مناسك الحج وشروطه وصفة العمرة . - ابن عثيمين
- أنواع أنساك الحج وصفتها - ابن عثيمين
- صفة الحج. - ابن عثيمين
- صفة أنساك الحج . - ابن عثيمين
- تابع لصفة الحج والعمرة وأنواع المناسك. - ابن عثيمين
- تتمة الكلام حول صفة الحج والعمرة وأنواع المن... - ابن عثيمين
- صفة مناسك الحج الثلاثة - ابن باز
- أنواع مناسك الحج - ابن عثيمين
- صفة مناسك الحج وأنواعها. - ابن عثيمين