تم نسخ النصتم نسخ العنوان
فوائد حديث أم عطية قالت دخل علينا النبي صلى... - ابن عثيمينالشيخ : حَقوه بفتح الحاء وقد تُكسَر، قوله: "باب في تغسيل الميت" أي تغسيله، وغسل الميت فرض، فرض كفاية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ...
العالم
طريقة البحث
فوائد حديث أم عطية قالت دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته فقال اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال أشعرنها إياه
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الشيخ : حَقوه بفتح الحاء وقد تُكسَر، قوله: "باب في تغسيل الميت" أي تغسيله، وغسل الميت فرض، فرض كفاية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة قال: اغسلوه بماءٍ وسدر فغسله فرض كفاية، يجب على من علم به أن يغَسِّلَه إذا لم يُغسِّله أحد، ثم هل يُغَسَّل الصغير والكبير؟ الجواب نعم، يغسَّل الصغير والكبير، لكن الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين والكبير يغسِّله الرجل والمرأة، سواء كان هذا الطفل ذكر أم أنثى، وأما من بلغ سبع سنين، فإنه لا يُغَسِّل المرأة إلا المرأة، والرجل يغسله الرّجل.
وفي هذا الحديث جواز دخول الأب على من يُغسِّلن ابنته، لدخول النبي صلى الله عليه وسلم على النساء الاتي غسّلن ابنته، وهل يُقاس على ذلك كل محرم؟ الظاهر نعم، لكن لا يدخل إلا لحاجة، حتى غير المحرَم لا يدخل على من يغسّل الميّت إلا لحاجة.
وفي هذا الحديث دليل على أن تغسيل الميّت تنظيف، وليس من باب طهارة التّعبّد، لأن طهارة التعبّد لا تزيد على ثلاث، وهنا قال: اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك، وفي رواية للبخاري: أو سبعا أو أكثر من ذلك، وهذا يدل على أن المراد بتغسيل الميّت هو تنظيف، حتى يُقدم على الله عز وجل، على أكمل وجه من النظافة.
وبناءً على هذا لو عُدِم الماء أو لم يُمكن استعماله لكون الميّت متفسّخاً بحَرَقٍ أو ما أشبه ذلك، فهل يُيَمم؟ إذا قلنا إن الغسل للتنظيف فإنه لا يُيَتمم، لأن التيمم لا يزيده إلا تلويثاً، وإذا قلنا إن التغسيل طهارة فإنه يُيَمم، طيب، إذا وُجد بعضُ الميّت، فإن كان قد صُلّي على جُملته فلا يُصلَّى على البعض الموجود، لأن الفريضة قد حصلت ،وهذا قد بقع كرجلٍ مثلاً مات في البر، وقطعته السّباع، ووجدنا جملته فغسّلناه وكفّناه، وصلينا عليه ثم وجدنا رجله مثلاً ، فالرجل هنا لا يصلَّى عليها، لأنها ليست إنساناً، بل جزءُ إنسان تمت الصلاة عليه، ولو وُجدّ بعضُ حي هل يُغسَّل أو يُصلَّى عليه؟ لا يُصلّى عليه، لماذا؟ لأنه جزء حي، ولكن تُدفن الرجل في أي موضع، أي مكان، إلا أن دفنها في المقبرة أحفظ لها، وأبلغ في احترامها.
وفي هذا الحديث دليل على أنه ينبغي قطعُ تغسيل الميِّت على وترٍ، لأنه عَيَّن أعداداً وترية، ثلاثاً أو خمساً او سبعاً على رواية البخاري، وهذه كلّها أوتار.
واختيار الأوتار في التطهير أمرٌ معروف، الوضوء كم؟ ثلاثاً، الاستجمار؟ ثلاثاً، طيب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن أمر تغسيل الميّت موكولٌ إلى الغاسل، لقوله: إن رأيتنّ ذلك ، وعلى هذا يجب أن يُختار للغاسل أمينٌ عليم، أمينٌ: يعني ثقة عليم: يعني بأحكام الغَسل، لأن غير الأمين لا يؤتمن على التطهير من وجه، ولا يؤتمن أن ينشر العيوب التي يجدها في الميّت، سواء كانت عيوباً خِلقيّة، أو عيوباً معنوية، العيوب الخلقية مثل أن يكون الميّت مصاباً ببرصٍ أو غيره لكنه خفي ليس بظاهر، وهذا الغاسل يُعلم الناس يقول: سبحان الله ما علمنا أن فلاناً فيه برص! يتحدّث عند الناس، هذا حرام لا يجوز ، وهو خلاف الأمانة، أو تغيّراً معنويّاً مثل أن يرى وجه الميت متغيّراً، كالِحاً، مُظلِماً، فإن هذا يدل على شيءٍ سيء، نسأل الله أن يُحسن لنا ولكم الخاتمة، فلا يجوز أن يذكره للناس، لأن بعض الناس إذا مات يستنير وجهه، وتجده مُشرقاً أحسن من كونه حيّاً، وبعض الناس بالعكس والعياذ بالله، أجارني الله وإياكم ممن ذلك.
المهم لا بد أن يكون أميناً، ولا بد أن يكون عليماً كيف يُغسّل لقوله: إن رأيتنّ ذلك .
وفيه أيضاً استحباب السّدر في تغسل الميّت، أنه يُستحبُّ أن يُجعل في الماء السّدر، وذلك بأن يُدقَّ السدر يا سامي حتى يكون قريباً من الطحين، ثم يوضع بالماء، ثمَّ يُخلط باليد حتى يصير له رُغوة، فتؤخَذُ الرُّغوَة ويُغَسَّل بها الرأس والشّعر، وأما الثَّفَل فَيغسَّل بها بقيّة الجسد، لأن السّدر بارِد ومنقٍّ ومُنظِّف، وهل هو طيب؟ استجيبوا، لا، الدليل: حديث الذي وقصته ناقته، قال عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر .
ومن فوائد الحديث: بُطلان تقسيم الماء إلى طهورٍ وطاهرٍ ونجس، وجهه أن الماء إذا خُلط بالسّدر فإنه يتغيّر كثيراً، وإذا قلنا إنه طاهر غير مُطهِّر لم يكن لاستعماله فائدة، وبهذا نعرف أن تقسيم الماء إلى ثلاثة أقسام قولٌ ضعيف، كما مرّ معنا في قراءة بلوغ المرام.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يُستحب أن يُجعل في الأخيرة كافور، سواء في الثالثة إن رأين ثلاث، أو الخامسة، أو السابعة ،أو التاسعة، يُجعَل في الغَسلة الأخيرة كافور، والكافور نوعٌ من الطيب معروف، يُدق ثمّ يُخلط بالماء، وله فائدتان، الفائدة الأولى الرائحة الطّيبة، والفائدة الثانية تصليب البدن، لأنه يصلّب البدن، ولهذا قال: اجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور، هذا شكٌ من الراوي.
طيب، وهل يُطَيَّب الميِّت بغير ذلك؟ ذكر العلماء انه يُطيب بغير ذلك، بالحَنوط، بأن يُجعل طيب مصنوع من أشياء متعددة من الأطياب يُجعَل في قِطْر، ويُجعل على الفم ، والمناخر، والعينين، والدّبر والأبط، ومغابن الرُّكب، والمرافق، ومواضع السجود عند بعض العلماء، والأخيرة عند بعض العلماء، والبعض يقول لا، لأن مواضع السجود ليست محل للعرق والنَّتَن، ولهذا قال الشّاعر:
"فما تزوَّد مما كان يجمعه إلا حَنوطً غدات البّينِ في خِرَقِ"
يعني الإنسان ما يتزوّد لو يجمع الدّنيا كلها ما الذي يحمله إذا مات؟ الحَنوط وهو أخلاط الطّيب، والثاني الخِرق وهو الكَفَن، طيب إذن: الغسْل يُجعل فبيه كافور، والحَنوط يُجعل في قطن، ويُجعل على المواضع التي سمعتم.
ومن فوائد هذا الحديث أنه ينبغي لمن حضر إلى غاسل الميّت لحاجة ألا يبقى عند الغاسل، لأن قوله: إذا فرغتنّ فآذنّني يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجلس، لأنه لو جلس لعَرَف من دون ان يُؤذَن.
ولهذا قال العلماء: ويُكره لغير مُعينٍ في غَسله أن يحضر تغسيله، حتى لو كان أقرب الناس إليه، إلا الإنسان المساعد للغاسل فهذا شيء آخر حاجة.
ومن فوائد هذا الحديث: الدلالة الصريحة الواضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، حتى في أقرب شيءٍ إليه، من أي شيءٍ يؤخذ؟ من قوله: فإذا فرغتنّ فآذنّني، لو كان يعلم الغيب لكان يعلم إذا فرغن، فلا حاجة إلى استئذان، لكنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، والغريب أن الله عز وجل أمره أمراً خاصّاً أنه لا يعلم الغيب قال له: قل لا أقول لكم عند خزائن الله ولا أعلم الغَيب ولا أقول لكم إنّي مَلَك، فيأتي هؤلاء الغلاة الذين يدّعون أنهم يحبّون الله ورسوله، فيدّعون أن الرسول يعلم الغيب، وقد كفروا بالله ورسوله، لأن الله أمره أن يُعلن: قل لا أقول لكم عند خزائن الله ولا أعلم الغَيب ولا أقول لكم إنّي مَلَك ، وهل قالها الرسول؟ نعم قالها؟ نعم قالها، وبلّغها للأمةَ، وتلتها الأمة في صلواتها، وخلواتها، وأجمعت على ذلك إلا من غلبه الشّيطان في الغلو، وادّعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب.
إذن: الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب أمراً قطعيّاً أم ظنّياً؟ قطعي، عندنا أوضح من الشّمس في رابعة النهار.
ومن فوائد هذا الحديث: شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أولاده، وهو صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فكيف بأولاده؟ من بنات وأولاد بنات، وبنين أيضاً، لمّا توفيَ ابنه إبراهيم جعلت عينه صلى الله عليه وسلم تدمع،وحزن وقال: العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربّنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، وكذلك أيضاً هنا صار يُراقب تغسيل ابنته، ولمّا فرغوا يقول: ألقى إلينا حقوه، يعني ؟إزاره، وسُمّي الإزار حقواً لأن الإنسان يربطه على حِقويْه، أعطاهن الإزار وقال: أشعِرنها إياه يعني: اجعلنه مما يلي الجسد، ففي هذا دليل على التّبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، التبرك بآثاره الحسّية، أما آثاره المعنوية فوالله أنا لنتبرّك بها، آثاره المعنوية سنته وهديه، واتباع سنّته وهديه كلّه بركة وخير، أما آثاره الحِسِّية ليس عندنا منها شيء اليوم، في عهد الرسول موجود، يتبرّكون بعَرَقه، بفَضل وَضوئه، بريقه عليه الصلاة والسلام، أهدي إليه مرّةً بُردة فأعجبته فقام رجلٌ من المسلمين فقال له: يا رسول الله أعطنيها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردّ سائلاً سأله، كأنه هو المراد بقول الشّاعر:
" ما قال لا قطّ إلا في تشهّده *** لولا التشهد كانت لاؤه نعمُ "
فأعطاه الرسول إياها فليم الرجل على ذلك، كيف تسأل الرسول بردة جاءته وأعجبته وأنت تعلم أنه لا يردّ سائلاً؟ قال: سألتها لتكون لي كفن، فكانت له كفن، هنا أراد أن يتبرّك بآثاره الحِسِّية، التبرك بآثاره الحسّية لا شك أنه مما أقرّه عليه الصلاة والسلام، وتسابق إليه الصحابة، حتى كانوا لمّا جاء الرسول قريش في غزوة الحيبية كان إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وَضوئه، صلوات الله وسلامه عليه.
إذن يُستفاد من هذا الحديث: التبرك بآثاره الحسّية، وهل يسري ذلك إلى من خلفه في أمته علماً وعبادة وخلقاً ودعوة؟ الجواب: لا، ليس كذلك، أولاً لأن غيره ليس معصوماً، والثاني: العبرة بالنهاية، وكم من إنسان يبدو للناس أنه من أهل الجنة وهو من أهل النار والعياذ بالله، اللهم أحسن خاتماتنا.
فالمهم أن غيره لا يُساوى في هذا، وعلى هذا فلا يجوز لإنسان ان يتبرك تبرّكاً حسّيّاً بغير الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان في نظره من أهدى الناس، وأعلم الناس، وأتقى الناس، وأخشى الناس، لا يتبرّك، طيب، فإن قال قائل: نسمع كثيراً إذا قدم شخص محبوبٌ إلى إنسان قال: حلّت بنا البركة، فهل هذا جائز؟ نقول: هذا فيه تفصيل: إن أراد التبرّك بجسمه فهذا لا يجوز وإن أراد التّبرّك أنه رجل يُرجى علمه وفائدته فهذا صحيح، لأن من بركة الإنسان أن يُجري الله على يديه من الخير ما ينفع عباد الله، ولهذا لما نزلت آية التيمم، تعرفون آية التّيمم لها سبب، وهو أن عقد عائشة رضي الله عنها ضاع، ضاع عقدها، وانحبس الناس يطلبونه، لأنها زوجة من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام، انحبسوا يطلبونه وهم على غير ماء، فأنزل الله تعالى آية التيمم، كل شيء له سبب بإذن الله، أنزل الله آية التّيمم، فقال أسيد بن حُضَير: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، لله درّه! ما هذه بأول بركتكم بيا آل أبي بكر، جعل الله ضياع عقد عائشة بركة على الأمة إلى يومنا هذا، وإلى ما ببع يومنا.
إذن البركة التي هي العلم، والهُدى والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذه بركة معنوية قد يحملها الإنسان ويكون بركة على أهله وعلى من يُجالسه، أما بركة حسّية مادية فلا، وأنا لكثرة تبرك الناس بي في مكة شيء عجيب! يأتي الإنسان ويمسح يديه بالراس، والظهر، والمشلح، أحياناً يُكر جبهته بجبهتي لعله يأخذ البركة، أفهم من هذا أن الناس هناك عند علمائهم يستعملون هذا! ولا يجدون مُنكِراً، وإلا لو وجدوا منكِراً ما فعلوه، نسأل الله الهداية للجميع.
ذكرنا أن ظاهر الحديث أن غسل الميت للتنظيف والتطهير، يبقى لو سألنا سائل، وقال إذا كان الميت قد تنظّف الآن بالشامبو والصابون ولم يبق على جسمه أي أذى، هل يُغَسَّل او لا؟ يُغسَّل مرّة واحدة، إذا قلت: كيف توجب تغسيله مرّة واحدة وهو نظيف؟ قلنا لإن هذا التغسيل إنما وجب بالموت، وتقديم الشَيء على سببه لا يصح، ثم هذا الرجل الذي تنظّف وتغسّل قبل أن يموت هل أراد انه يغتسل للموت؟ لا، وحتى لو أراد لم يصح، لأن تغسيل الميت إنما يكون بعد الموت، فلا يُعتَبر بتنظّفه قبل أن يموت.

Webiste