الشيخ : باب في قوله تعالى : وهو العزيز الحكيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون هذا الباب تضمن اسمين من أسماء الله أولهما اللعزيز والثاني الحكيم. العزيز له اشتقاقات في اللغة العربية مأخوذ من عز أي امتنع ومن عز أي قل ومن عز أي قوي فقوله تعالى : وما ذلك على الله بعزيز أي بممتنع وقوله : وعزني في الخطاب أي غلبني وقولهم هذه أرض عَزاز أي صلبة ونحن في اللغة العربية العامية أرض عزا أي صلبة فالعزيز يدل على العزة قال العلماء : وعزة الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام : عزة القدر وعزة القهر وعزة الامتناع، عزة القدر : أي أن لله عز وجل ذو قدر عزيز لا نظير له عزة القهر هي عزة الغلبة فإنه سبحانه وتعالى هو الغالب الذي لا يغلبه أحد حتى الجاهليون في جاهليتهم يقول قائلهم : " أين المفر والإله والطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب " يؤمنون بأن الله ذو العزة الغالبة، المعنى الثالث عزة الامتناع ما معنى عزة الامتناع ؟ معناها أنه يمتنع أن يناله نقص في أي شيء من صفات امتناع النقص على الله هذا معنى عزة الامتناع، فالعزة إذا لها ثلاثة معاني : عزة القدر الثاني القهر الثالث عزة الامتناع طيب وهل العزيز من الأسماء المتعدية أو اللازمة ؟ نقول في أحد معانيه من المتعدي العزيز بمعنى الغالب متعدي لأنه غالب وليس بمغلوب أما بمعنى عزة القهر والقدر والامتناع فهذه من الأسماء اللازمة وقد عرفتم كيف الإيمان بالأسماء المتعدية والأسماء اللازمة، أما الحكيم فإنها فعيل وهي مشتقة من الحكم ومن الحكمة لأن فعيل بمعنى فاعل أو بمعنى مفعِل إن كانت من الحكمة أي أحكم فهي بمعنى مفعل وإن كانت من حكم فحكيم بمعنى فاعل طيب ورود حكيم بمعنى فاعل ورود فعيل بمعنى فاعل لا غرابة فيه فعيل بمعنى فاعل كثير في اللغة العربية رحيم بمعنى راحم وكثير في اللغة العربية لكن فعيل بمعنى مفعِل أي حكيم بمعنى محكِم للأشياء هل وردت فعيل بمعنى مفعل ؟ الجواب نعم ومنه قول الشاعر :
" أمن ريحانة الداعي السميع *** يؤرقني وأصحابي هُجور "
أمن ريحانة الداعي السميع أي المسمع ولهذا قال : يؤرقني وأصحابي هجور، فصح أن فعيلا في اللغة العربية تأتي بمعنى مفعل أما إتيانها بمعنى فاعل فكثير الحكيم إذا نقول مشتق من الحكمة ومشتقة من الحكم ثم نرجع ونقول أن الحكم أي حكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين حكم كوني وحكم شرعي مثال الحكم الشرعي في قوله تعالى في سورة الممتحنة : ذلكم حكم الله يحكم بينكم ومثال الحكم الكوني : فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي
يعني يقدر لي فالحكم إذا ينقسم إلى قسمين حكم شرعي وحكم كوني والمثال في الشرعي ذلكم حكم الله يحكم بينكم والمثال في القدري : فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين . الحكمة تكون في الحكم الكوني وفي الحكم الشرعي فما من حكم كوني وإلا وله حكمة وما من حكم شرعي إلا وله حكمة هكذا لأن الحكم الشرعي بدون حكمة أو الكوني بدون حكمة سفه والله تعالى منزه عن السفه أو لغو والله تعالى منزه عن اللغو إذن ما من حكم كوني أو شرعي إلا وله حكمة ولكن هل يلزم من كونه ذا حكمة أن تكون الحكمة معلومة لنا ؟ لا وما أكثر الأحكام الكونية والأحكام الشرعية التي تخفى علينا حكمتها إما خفاء نسبيا بأن تخفى على بعض دون بعض أو خفاء حقيقي على كل أحد طيب فصار الحكم كم قسم ؟قسمان كوني وشرعي طيب الحكمة تكون في الكوني والشرعي الحكمة أيضا تنقسم إلى قسمين حالية وحكمة غائية حكمة حالية بمعنى كون الشيء على هذه الحال حكمة حكمة غائية بأن يكون المقصود من هذا الشيء حكمة بالغة وثمرته جليلة إذا حكمة حالية والثاني الأخ اللي قال كذه غائية والثاني حالية زين كمل التقسيم عشان يكون الكلام مطرد متكامل الحكمة الآن صارت تنقسم إلى قسمين حكمة حالية يعني الحال الذي يكون عليه الشيء يكون مطابقا للحكمة وحكمة إيش؟ غائية بأن يراد به غاية حميدة وعلى هذا فيكون الحكم الكوني وفيه الحكمة بوجهيها أم بوجه واحد ؟ بوجهيها فالحكم الكوني الذي يحكم الله به على العباد له حكمة كونه على هذا الوجه هذه حكمة وكونه له غاية حميدة هذا له حكمة أخرى الفساد في الأرض مثل الجدب و القحط والحر الشديد المهلك للثمار البرد البَرَد، هذا فساد لكن يكون إيقاعه أحيانا حكمة بل ليس أحيانا بل في كل ما وقع فهو حكمة، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا إذن هذا الفساد الذي سببه ما كسبت أيدينا له غاية حميدة ما هي ؟ لعلهم يرجعون ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون إذن فكل ما قضى الله عز وجل على العباد من محن مصائب قتال أي شيء فإن غايته حميدة الغاية منه حميدة وإن كان به الهلاك والدمار فإن الغاية حميدة لأن المصابين بهذا لهم أجرهم عند الله وتكفير السيئات ورفعة الدرجات وزيادة الحسنات مع الصبر والاحتساب والذين لم يصابوا يتخذون من ذلك عبرة فيرجعون إلى الله عز وجل واضح الآن ثم كون هذا الشيء الذي قدره الله عز وجل على هذا الوجه موافق للحكمة لكن أحيانا نحن ندرك ذلك وأحيانا لا ندرك لأن عقولنا قاصرة كذلك أيضا بالنسبة للحكم الشرعي الحكم الشرعي له حكمة حالية بمعنى أن وضعه على هذا الوجه له حكمة وله حكمة غائية أن الغاية منه حميدة يحمد الله عليها فانظر في جميع الشرائع تجدها هكذا كل الشرائع فمثلا الوضوء غسل الأعضاء الأربعة أو تطهير الأعضاء الأربعة لا شك أن شرعيته على هذا الوجه حكمة لأن هذه الأعضاء هي أعضاء الكسب الوجه واليدان والرأس والرجلان ثم كونه غسلا في ثلاثة أعضاء ومسحا في عضو واحد أيضا حكمة لو أن الله فرض علينا غسل الرؤوس ولا سيما في زمن كان الناس يتخذون الشعر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ألزمنا بغسل الرأس كما ألزمنا بغسل الوجه ماذا يحصل من المشقة ولا سيما في زمن الشتاء ولهذا كانت طهارته المسح وطهارة الأعضاء الثلاثة الغسل إذا هذا مطابق للحكمة واسحب هذا على جميع الشرائع تجد أن كونها على هذه الحال حكمة ثم الغاية من ذلك حكمة عظيمة أيضا ففي الوضوء الغاية منه التطهير المعنوي هذا أهم شيء فإن خطايا هذه الأعضاء تزول مع آخر قطرة من قطرات الماء وهذا التطهير المعنوي هو المهم. فيه تطهير حسي أو لا ؟ نعم فيه تطهير حسي لأن هذه الأعضاء في الغالب بارزة وإذا كانت بارزة فإنها تتعرض للغبار وتتعرض للأوساخ فلهذا أمر بغسلها المهم نرجع الآن أن نرجع إلى قاعدة الحكمة الحكمة حالية وغائية وفي الشرع وفي القدر فتكون أربعة حكمة حالية في القدر حكمة غائية في القدر حكمة حالية في الشرع حكمة غائية في الشرع تمام أما الحُكم فقد عرفتموه، وفي جمع الله عز وجل بين العزيز والحكيم فيه زيادة كمال لأن العزيز الذي هو الغالب قد تحمله عزته على سوء التصرف كما يوجد في المخلوقين إذا كان عنده عزة وغلبة وسلطان يتصرف تصرفا أحمق، فقرن الله عز وجل العزة بالحكمة ليتبين أن عزته مبنية على الحكمة وأنه ليس كما يكون للمخلوق من العزة التي قد تحمله على التهور وعدم إحسان التصرف وقال سبحانه وتعالى : سبحان ربك رب العزة سبحان : يقولون أي يقول أهل اللغة : إنها اسم مصدر سبّح والمصدر تسبيح ويقولون أيضا : إنها ملازمة للنصب على المفعولية المطلقة ولم تخرج عن ذلك إلا نادرا ويقولون : إنها ملازمة للإضافة لا تأتي إلا مضافة إما لاسم ظاهر أو لاسم مضمر وربما تفرد قليلا قليلا عن الإضافة فما معنى التسبيح: معناه التنزيه وماذا يُنزه الله عنه ؟ يُنزه عن مماثلة المخلوق وعن النقص والعيب قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الدجال أعور وإن ربكم ليس بأعور وقال تعالى ليس كمثله شيء وقال تعالى : ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب والنصوص في هذا كثيرة في نفي العيب عن الله وكذلك في نفي المماثلة عن الله.