تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة تفسير قوله تعالى : << مثل الذين اتخذوا... - ابن عثيمينولهذا قال قوم إبراهيم:  حرِّقُوه وانصُرُوا آلهتكم إن كنتم فاعلين  فهم ينصرُونها ويرجُون النصر منها، ولهذا سُمِّيَت هذه الأصنام بـأولياء، وقوله:  مِن دون...
العالم
طريقة البحث
تتمة تفسير قوله تعالى : << مثل الذين اتخذوا من دون الله أوليآء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
ولهذا قال قوم إبراهيم: حرِّقُوه وانصُرُوا آلهتكم إن كنتم فاعلين فهم ينصرُونها ويرجُون النصر منها، ولهذا سُمِّيَت هذه الأصنام بـأولياء، وقوله: مِن دونِ الله أي غيرِه والدليل على أنَّ المراد هنا الغير أنَّ ذلك جاء في آيات متعددة كقولِه: ما لكم من إله غيرِه نعم والتعبير بالدُّون لِدُنُوِّ مرتبته بالنسبة إلى مَن؟ إلى الله عز وجل مِن دون الله أولياء مثلُهم إذًا مَن المراد بالذين اتخَذُوا مِن دون الله أولياء؟ المراد بهم المشركون مثلُهم كمثل العنكَبُوت أي كشَبَه العنكبوت، والعنكبوت معروفة الدُّوَيْبَة المعرُوفة تتَّخِذُ لها بيتًا مِن العُشّ وهذا البيت مِن العش هي التي تنْصِبُه يخرُجُ منها، والله سبحانه وتعالى على كلِّ شيء قدير هذه العنكبوت إذا سقطَت من عل هي فورا تفرز هذا العش وتتعَلَّقُ به حتى لا تَقَعَ على الأرض ثم مع ذلك تفرِزُه وتتعلَّق به وتجدها مُتَدَلِّية بهذا الخيط وإذا شاءَت أن تصعَد به صعدَت تنقلب وتجعَل رأسَها هو الأعلى وتصْعَد مع هذا الخيط الذي أفرزته هي في الحال، ثم هي أيضًا عند صيدَتِها -وأكثر مَا تصيد الذباب- ماذا تصنع به؟ تقيدُه بهذي الخيوط حتى تقضِي عليه، وهذا بعضٌ مِن قوله تعالى: ربُّنا الذي أعطى كل شيء خلقَه ثم هدى هدَى هذا الخلق لِمَا هو مِن مصالِحِه، الشاهد أنَّ هذ ي العنكبوت اتَّخَذَت بيتًا أي جعلت لها بيتًا مِن أين؟ مِن العش الذي تنسِجُه قال المؤلف: اتَّخَذَت بيتًا لنفسِها تأوي إليه " وهذا مشاهد وإنَّ أوهنَ أضعَفَ البيوت لبيت العنكبوت " هذا كلامُ الله عز وجل وهو العالِمُ بما لم نُحِطْ به علمًا ما أكثرَ مخلوقات الله تعالى التي لها بيْت ونحن لا نعلَم عن هذه البُيُوت إلا ما نشاهِدُه منها وما أكثرَ الغائبَ عنَّا والله عزَّ وجل يقول: أوهن البيوت لبيت العنكبوت وأَكَّد هذه الجملة وإنَّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت بـإن واللام مِن أجل تأكيد ضَعْف هؤلاء الأولياء، كما أنَّ هذه البيوت التي تأوي إليها العناكب ضعِيفَة بل هي أوهَن البيوت وأضعفُها فإنَّ هؤلاء الأولياء أيضًا أضعفُ ما يكون مِن الأولياء فإنَّها لا تنفَع عابديها بل إنَّ الله يقول في القرآن: إنَّكم وما تعبدون مِن دون الله حصَبُ جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة -حقّا- ما وردُوها وكلٌّ فيها خالدون ما وردُوها أي الآلهة أو المتَأَلِّهِين لَها؟ تشْمَل هذا وهذا فهم لو كانوا آلهة حقًّا لمنَعُوا أنفسَهم مِن دخول النار ولَمنَعُوا عابديهم مِن دُخُول النار ولكنَّها آلهةٌ باطلة ما تنفَع فهذا وجه المشابهة في قوله: وإنَّ أوهن البيوت لَبيتُ العنكبوت هذا التشبيه تشبِيه يُسَمِّيه البَيَانِيُّون يسَمُّونَه التشبيه التمثيلي يعني أنَّه مكَوَّن مِن جملة أنت إذا قلت: فلانٌ كالبحر في الكرم هذا تشبيه لكنَّه تشبيه إفرادِي شبَّهْتَ فردًا بفَرْد، إنما لو أتيت بشيء تُشبِّه قصة بقصة أو قضية بقضية فإنَّ التشبيه هنا تمثيلِي مركَّب مِن عدة أوجه مِن مُشَبَّه ومشَبَّه به متَعَدِّد وأوْجُه الشبه متعدِّدَة أيضًا، فهذا التشبيه نسميه تشبيهًا تمثيليًّا، لأنَّه مركَبٌ مِن قِصَّة متكَامِلَة يعني ما قُصد أن يُشَبَّه العابدون بالعنكبوت وحدَها والمـعبُودُون بالبيوت وحدَها، قُصِد أن تُشَبَّهَ القضيَّة كاملة بالقضية كاملَةً حتى تتَّضِح الصورة أمام المخاطَب، قوله: وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت قال المؤلف في بيان هذا الوهم: " لا يدفع عنها حرًّا ولا بردًا " أي نعم لا يدفُع الحَرّ ولا البرْد ولا يقِيها أيضًا مِن الآفات كأن يَسْقُطَ عليها شيء أو نحو ذلك، هذا البيت أوهَن البيوت إذًا يكُون هذه الأصنام لا تَنْفَع عابِدِيها فعلى هذا نقُول: إنَّ هؤلاء الذين عَبَدَوا هذه الأصنام ما لَجَئُوا إلى ملجَأٍ نافع بل إلى ملجَأٍ ليس بنافِع ولا مَانِع ولا دَافِع ولِهذا شَبَّهَ اللهُ ذلك ببيتِ العنكبوت، وفي آية أخرى شبَّهَ هذه الأصنام ودعائَها برجلٍ باسِطٍ كَفَّيْه إلى الماء لِيبلُغَ فَاه هل يبلغُه؟ إنسان أمامه الماء وهو عطشان فبسَطَ كفَّيْه إلى الماء هكذا يُريد أن يصِل إلى الفَم يمكِن يصِل؟ لا يمكن أن يصِل أبدًا، فهذي أيضًا الأصنام لا تنفَعُ عابديها كما لا يصِلُ هذا الماء إلى فمِ هذا العطشان، قال الله عز وجل: لو كانوا يعلمون ذلك ما عبدُوها " لو هذه شرطِيَّة وفعل الشرط قولُه: كانوا وجوابُه مقدَّر على كلام المؤلف وش تقديره؟ ما عبدوها ولا ينبغِي أن تُوصَل هذه الجملة بالتي قبلَها، لأنَّك لو وصلْتَها بما قبلَها لكَان وهَنُ بيتِ العنكبوت مشروطًا بعلْمِه مع أنَّه أوهَن البيوت سواءٌ عَلِمُوا أم لم يَعلَمُوا ولهذا ينبغي أن نقف على قوله: لَبيتُ العنكبوت ثم نقول: لو كانوا يعلمون ، لو كانوا يعلمون المؤلف يقول: ما عبدُوها " ويحتمل أن يكون الجواب: لو كانوا يعلمون أي لو كانوا مِن ذوي العِلْم النافع ما خفِيَ عليهم هذا الأمْر فإذا لم يخْفَى عليهم هذا الأمر لم يقومُوا بالعبادة، وعلى كل حال فإن هذا يدُلُّ على جهلِ هؤلاء العابدين مهما بلغُوا من الذكاء ومِن حُسْنِ التصرُّف في الدنيا فإنَّهم مِن هذه الناحية سُفَهَاء ليس عندهم علم ولا عقْل، هذه الآية تذَكِّرُنا بآية يغلَط فيها كثيرٌ من الناس أيضًا في سورة التكاثر كلا لو تعلمون علم اليقين بعض الناس يصِل ويقول: كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم وهذا خطَأ لأَنَّ المعنى يفسُد به فسَادًا واضِحًا لأنَّك لو وصلْت لكان لترون جواب لو تعلمون والأمْر ليس كذلك، بل لترون جملة مستأنَفَة مستقِلَّة أخبر الله تعالى فيها أنَّنا سنرَى الجحيم، فيجبُ الوقوف على قولِه: كلَّا لو تعلمون علم اليقين أي نعم

Webiste