تم نسخ النصتم نسخ العنوان
تتمة تفسير قوله تعالى : << و لا تجادلوا أهل... - ابن عثيمين وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشورى:16] احتَج مَن ينكِر صفاتِ الله عز وج...
العالم
طريقة البحث
تتمة تفسير قوله تعالى : << و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم وإلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشورى:16] احتَج مَن ينكِر صفاتِ الله عز وجل على اختلاف مشاربِهم هل هي الخبرية أو الفعلِيَّة أو كل الصفات احتَجُّوا بشبهة قالوا: إثبات هذه الصفات يستلزِم التَّشبيه لأنَّا لا نعقل في الخارج مَن يُوصَف بهذه الصفة إلا المخلوق فيقتَضِي أن يكون الله تعالى مشابهًا للخلق إذًا يجب الإنكار فهمتم؟ ترى هذا غالِب حُجَّة أهل التعطيل كلهم على اختلاف مشاربِهم، يقولوا: ما نشاهد في الخارج. وقولهم: في الخارج يعني في الواقِع احترازًا من الفَرْض الذِّهْنِي، الفرض الذهني قد يفرض أشياء لا وجودَ لها ولَّا لا؟ يمكن الآن ذهنك يصَوِّر شخص مثلًا له آذانٌ طويلة الأُذْن طول المنارَة والاصبع عشَرَة ميل ولَّا لا؟ لكن هو موجود؟ قد لا يكون موجودًا يفرِض مثلا كلِّيَّة عامَّة اسمها الحيوانية يدخل فيها الإنسان والبعير والحصان وما أشبه ذلك كلِّيَّة عامة هل لها وُجُود في الذهن؟ في الذهن نعم ولكن في الخارج في الواقِع: لا، المهم أنَّهم يقولون: لا نجد في الخارج أي في الواقِع شيئًا مُتَّصِفًا بهذا إلَّا المخلوق فيَجِب أن ننفِي عنه هذه الصفة، غلاة الجهمية قالوا أيضًا والأسماء ننكرها لا تُثبتون أبدا إلا فاعلًا وقادرًا فقط، غلاة الجهمية يقولون: ما يمكن نثبت ولَا الأسماء حتَّى الله ما نسميه السميع ولا العليم ولا الغفور ولا الرحيم لأن هذه أسماء للمخلوق ما نُسَمِّي الله بها نسمِّيه بس فاعل وقادِر فقَط،
الطالب: ...

الشيخ : لا، لأنَّهم جبْرِيَّة يرَوْن الإنسان ما يفعَل بنفسه ولا يقْدِر على الفعل قالوا: فلمَّا انتفَت صفة الفعل والقدرة في الإنسان قلنا ما يخالف الله فاعل قادر أمَّا غير ذلك لا، ما نُثْبِت له
الطالب: ...

الشيخ : ما له إرادة الإنسان، الإنسان ما له إرادَة عندهم ولهذا يجب أنَّهم يثْبِتُوا الإرادة يعني هم مَا ذكروا إلَّا الفاعل والقادِر لكن يجب أن يُثبتوا الإرادة -في الحقيقة- لأنهم عندهم الإنسان ما يُريد، فالحاصَل أنا أقول: هل هذه حُجَّة ولَّا شبهة؟ هذه شبهة في الواقع شُبْهة ولا أسْهَل مِن إبطالِها في الحقيقة، لأنهم يقولوا: أنتم الآن تشاهدون المخلوقات بعضها تتَّفِق مع بعض في الأسماء أو لا؟ الجمَل له يد وله رِجْل والحصان له يدٌ ورِجْل والذَرَّة لها يدٌ ورجل والإنسان له يدٌ ورجل متشابِهة؟ ما هي متشابهة فإذا انتَفَى التشابُه في المخلوقات مع أنَّها كلها حادثة ومخلوقة فانتفاء التشابه بين الخالق والمخلُوق مِن باب أولَى وأقطَع وأظهَر وأبيَن، فالحاصل إني أقول: قول المؤلف " على حججه " المراد بها البراهين الصادقة والأدِلَّة القاطعة وليس كلُّ حُجَّةٍ مقبولة إلا عاد الحُجَّة مِن الله ورسوله مقبولَة بكل حال فالله الموفق.
تقَدّم أنَّ أهل الكتاب يُرادُ بهم اليهود والنصارى، وإضافَة الأهل إلى الكتاب تشمَل مَن أُوتُوه فعمِلُوا به، ومَن أوتوه ولم يعمَلُوا به، لكن أهل الكتاب حقًّا هم الذين أُوتوه وعمِلُوا به، وقوله: إلا بالتي هي أحسن تقدم أنه يُراد به الطريق المثْلَى التي يَتَوَصَّل بها إلى إفحَام الخصم، وكذلك صفة هذه المجادلة والمنازعة وتشمل الأداء والصِّيغَة أليس كذلك؟ يعني لِيُسْلَك أقرب الطرق إلى إفحَام الخصم وأقْواها في إقناعِه وإقامة الحجة عليه، وكذلك أحسَن مِن حيث الصيغة والكلام فلا يكُون بعُنْف ولا تعَنُّت وما أشبه ذلك، فيشمل الآن الطريقة التي تحصُل بها المجادَلَة اش بعد؟ والصيغة وكيفية ذلك لأنَّ هذا أقرب إلى إقناعه، لأنَّ العنف والشدة والمشاتمة والمسَابَّة لا تُحِقُّ حقًّا ولا تُبطِل باطِلًا بل هي في الحقيقة مَدْعَاةٌ للسُّخْرِيَّة مِن الغير والنُّفُور مِن المجادَلَة وهذه ينبغِي أن يتَفَطَّن لها الإنسان لأنَّ بعض الناس إذا أراد أن يُفْحِمَ خصمَه تجدُه ينفَعِل ويشْتَدّ ويخاصِم ويسُبّ هذا في الحقيقة خطَأ وهذا قد يستَعملها بعض أهل العلم ومِمَّن أراه يستعملها ابن حزم في المحلَّى عندما يتكلَّم مع مُحَاجَّة غيره تجدُه يسُبّ ويشْتم لاسيَّما على أهلِ الرأي أبِي حنيفة وأصحابِه وهذا ليس مِن الأمور الحسنة ما ينْبَغِي، وقوله تعالى: إلَّا الذين ظَلَمُوا منهم هذا مستثنى مِن قوله: أهلَ الكتاب إلا الذين ظلموا وهذا الاستثناء هل يجِب فيه النصْب أو يجُوز فيه النصب والبَدَل؟
الطالب: ...

الشيخ : لِمَاذا؟
الطالب: لأنه مسبوق بـلا

الشيخ : بنهي، يعني وهو بمعنى النفي قال ابن مالك:
وبعد نفيٍ أو كنفيٍ انْتُخِب اتباع ما اتَّصَل
قال: إلا الذين ظلموا منهم بأن حارَبُوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجِزْية فجادلوهم بالسيف حتى يسْلِمُوا أو يُعْطُوا الجزية " نعم، تقدم أيضًا الكلام على قول المؤلف: المجادلة بآيات الله والتنبيه على حججِه وقلنا إن المجادلة بالآيات تشمَل الآيات الكونية والشرعية، نعم وقوله: إلا الذين ظلموا منهم قال: " بأن حاربوا وأبوا أن يُقِرُّوا بالجزية فجادِلُوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية " هؤلاء هم الذين ظلَمُوا ولعلَّ الآية أعمّ مما قالَ المؤلف ويكون المراد بالذين ظلموا الذين كابَرُوا وعانَدُوا ولم يرضَخُوا للحقِّ الذي تبيَّن فهؤلَاء لا يُجَادَلُون بالتي هي أحسن لأنه تبيَّن عنادُهم، ولكن هل الآية تدل على مُتَارَكَتِهم وأنهم يُتْرُكون أم أنّ الآية تدل على أنهم يُجَادلون بالتي هي أسوأ؟ اختلَف كلام المفسرين في هذه المسألة فمِنهم مَن قال: إلا الذين ظلموا منهم فاتركُوهم ولا تجادلوهم لأنَّه لا فائدةَ مِن جدالهم ما دام قد ظهرَ عنادُهم وظلمُهم فلا فائدة، ومنهم مَن قال -كما قال المؤلف- إلا الذين ظلموا منهم يعني فجالِدُوهم لا تجادلوهم جَالِدُوهم بالسيف حتى يُسلِمُوا أو يعطوا الجزية، وعندي أنَّ الآية تحتمل المعنَيَيْنِ جميعًا وأنه ينبغي أن تُنَزَّل على الحالين وتُستَعْمَل كُل حال بما يليق ويناسِب، حطوا بالكم فإذا كان المقام يقتضِي أن نجالِدَهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية فعَلْنا ذلك بأن يكون لَدينا مِن القوة والقدرة ما نتمَكَّنُ به من ذلك، وإذا لم يكن فينا القُدْرَة وكانت المصلحة تقتضي متاركتَهم فإنَّنا نتركهم وهذا والله أعلم هو السِّرّ في أن الله سبحانه وتعالى لم يذْكُرْ حكم هذا المستثْنَى صريحًا ما قال: إلَّا الذين ظلموا منهم فجادِلْهم بالتي هي أسوأ ولا قال: إلا الذين ظلموا منهم فلا تجادِلُوهم إطلاقًا بل جعلَ حكم هذا المستثنَى صالحًا للأمرين.
إلَّا الذين ظلموا منهم وقولوا لِمَن قَبِلَ الإقرار بالجزية إذا أخبَرُوكم بشيء مما في كتبِهم آمَنَّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم "
هذه مِن تهْدِئَةِ الخصم عند المنازعَة والمحاجَّة لأنَّ بعضَ الناس إذا نَازَع أو خاصَم صار يسُبّ محَلَّ الحجة مِن خصمِه وهذا غلط يعني مثلًا افرض أنَّك تجادِلُ إنسانًا في مسألة مِن الفقه فقال لك هذا المنازع: إنَّه قاله فلان في الكتاب الفلاني بعض الناس يصُبّ جامَ السَّبِّ والغضَب على هذا الكتاب وهذا خطَأ ما ينبغي هذا العمل لأنَّ هذه قضية عاجِز إنما هَدِّئْ بالك وقرِّر وإذا كان ما احتَجَّ به مما يُقْبَل فاقبَلْه وليس كل ما يقبل في شيء يُقبل في جميع الأشياء فهنا نقول لهؤلاء المجادلين مِن أهل الكتاب: آمنَّا بالذي أنزل إلينا وهو القرآن، وأُنزل إليكم: وهو التوراة إذا كانوا مِن اليهود أو الإنجيل إذا كانوا مِن النصارى، فنحن لا ننكر ما أُنزل إليكم نقول: هو حق لكن نؤمن أيضًا بما أنزل إلينا ونقول: إنَّه حق وإذا آمنا بهذا وبهذا صار الحكم لأَيِّهما؟ لِمَا نَزَلَ أخيرًا وهو القرآن لأنَّه ناسخ وحينئِذٍ يكون في قولِنا هذا أولًّا تهدِئَة لهم ولِنفوسِهم، وثانيًا إلزامٌ لهم بالإيمان بما أُنزِل إلينا لأنَّ الإنسان -مهما كان- بَشَر فإذا قيل له أنا آمنْتُ بما أُنزِل إليك فآمِن بما أُنزِل إليّ سيأخذه الخجَل والفشل وربما يُوافِق يقول: كيف هذا الرجل يؤمِن بما أُنزِل إلي وما أُنزل إليه وأنا أُكَذِّب بما أنزل إليه فيكون في هذا مصلحَة مِن وجهين: أولًّا تهدئَتُه وثانيًا إلزامُه بالإيمان بما أُنزِلَ إليَّ كما أنني أنا مؤمِنٌ بما أنزل إليه وهذه في الحقيقة مِن المجادَلَة بالتي هي أحسن، وقوله: آمنا بالذي أنزل إلينا قولوا آمنا كلَّما جاء الأمر بالقول فالمراد به القول باللسان بعد الإقرار بالجَنَان لأنَّ مُجَرَّد القول باللسان لا يكُون إيمانًا كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8] فالإيمانُ الذي لا يتطَابَقُ فيه القلب واللسان هذا ليس بإيمان هذا نِفَاق والعياذ بالله فلا بد مِن القول باللسان بعد الاعترَاف بالجنان، وقوله: آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم هذا مِن بلاغة القرآن لم يقل: وما قلتم أو وما جئتم به قال: والذي أنزل إليكم لِمَاذا لم يعبِّر بالأول؟ لأنَّ لديهم مِن التحريف والتبْدِيل ما لا يُمكِنُ معه أن نقبَل كلَّ ما جاءوا به لكن نُؤمِن بأي شيء؟ بالمنزل إليهم أمَّا بما جاءُوا به فهم قد حرُّفوا وكذَّبُوا ولِهذا جاء في الحديث الصحيح: لا تُصَدِّقُوهم ولا تكذِّبُوهم وقولوا آمَّنا بهذا اللفظ في البخاري وقولُوا آمنا بالذي أُنزِلَ إلينا وأنزل إليكم فنحن مؤمنون بالمنَزَّل لا بالمبَدَّل، المبَدَّل ما نؤمن به إنَّما نؤمن بالـمُنَزَّل، وصفةُ الإيمان بما أنزل إلينا هل هُو كصفَة الإيمان بما أنزل إليهم؟ لا، لأن إيمانَنا بما أُنزل إلينا مُلْزِمٌ بالإتباع، وإيمانُنا بما أنزل إليهم ليس مُلزِمًا فإذا وُجِد في شرعنا ما يُخَالِفُ شرعَهم فالمتَّبَع شرعُنا لكنَّنا نؤمن بأنَّ ما نزل إليهم مِن عند الله وأنَّه حق وأنَّه يجِب عليهم اتباعُه في حال قيامه وعدم نسخِه، وقوله: بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم مِن أي أحد؟ مِن الله عز وجل لأنَّ جميع الكتب المنزَّلَة على الأنبياء مِن الله.
ثانيًا: وإلهُنا وإلهُكُم واحد أي معبودُنا لأن إله بمعنى مألُوه والمألوه بمعنَى المعبُود وهو يُطلق على المعبود بحقّ يا حسين! وعلى المعبود بغير حَقّ، لكن الله وحدَه هو المعبود بحق وما عداه فمعْبُودٌ بالباطل، قال الله تعالى: ذلك أن الله هو الحقُّ وأنَّ ما يدعون مِن دونِه هو الباطل إذًا هذه الأصنام تُسَمَّى آلِهَة ولكنَّ أُلُوهِيَّتها باطلةٌ شرعًا ولهذا صحَّ النفي في قوله: لا إله إلا الله صحَّ النفي فهذا النفي لا يعنِي أنَّه ما يُوجَد إله في الكون إلا الله، يوجد إله لكن إلهٌ باطل، ما عدا الله سبحانَه وتعالى فأُلوهيته باطلة

Webiste