تم نسخ النصتم نسخ العنوان
قال الله تعالى : << و لاتجادلوا أهل الكتاب إ... - ابن عثيمينالتفسيرُقال الله تعالى:  ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتِي هي أحْسَن  لا تجادلوا الخطاب هنا لِلأمة جميعًا وهو نهي، وقوله: تجادِلُوا ما هي المجادَلَة؟ ال...
العالم
طريقة البحث
قال الله تعالى : << و لاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا ءامنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم وإلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون >>
الشيخ محمد بن صالح العثيمين
التفسيرُ
قال الله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتِي هي أحْسَن لا تجادلوا الخطاب هنا لِلأمة جميعًا وهو نهي، وقوله: تجادِلُوا ما هي المجادَلَة؟ المجادَلَة مُنَازَعَة الخصم لِأمرين لِلظُّهور عليه وإبطَال حجَّتِه، هذه هي المجادلة تنازِع خصمك مِن أجل أن تعلُوَ عليه وتظْهَر عليه وتبطِل حجَّتَه، مأخوذة مِن فَتْلِ الرأس مِن فَتْل الحبْل لأنَّ الجَدْل اللي هو فتْل الحبل وش المقصُود به؟ إحكامُه وتقوِيَتُه كأنَّ المنازع يُريد أن يقوِّي حجتَه على خصمِه وأظنُّنا نعرف في اللغة العامية نسَمِّي قُرون المرأة جدايل لأنَّها تَفْتِلُه وتقَوِّيه، وقوله: لا تجادِلُوا أهل الكتاب يعني الذين أُوتُوه وأهْلُ الشيء يُرَاد به مَن أُوتِيَهُ وإن لم يعمَل به، ويُراد به مَن أوتيه وعَمِلَ به، ومحَلُّ الثناء الثاني ولَّا الأول؟
الطالب: الثاني

الشيخ : محل الثناء الثاني، فأهلُ القرآن مَن هم؟ الذِين حَفِظُوه فقط تلَاوَةً أو حفظُوه وعَمِلُوا به؟
الطالب: حفظِوه وعملوا به.

الشيخ : نعم كلُّهم يقال لهم أهل فالأوَّلُون أهل والآخِرُون أهْل، لكن حقيقة الأمر أنَّ الثناء والمدح على مَن كانوا أهلَه تلاوةً وعملًا، فأهلُ الكتاب هم الذين أوتوه: إن عمِلوا به صاروا أهلًا حقًّا وإن لم يعملُوا لم يكونوا أهلًا حقًّا، وقوله: أهل الكتاب المراد بالكتاب هنا الجنس وإلَّا فهما كتابَان التوراة والإنجيل: التَّوراة لِمَن؟ لليهود والإنجيل للنصارى، وقوله: إلا بالتي هي أحسَن هذا الاستثناء مفرَّغ مِن عُمُومِ الأحوال يعني في أيِّ حالٍ مِن الأحوال لا تجادِلُوهم إلَّا بالتي هي أحسن، وهذا كقولِه تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وقوله: إلا بالتي هي أحسن بالتي لم يقُل: بالذي قال: بالتي، والتي كما نعرف جميعا مؤنث ولَّا مذكر؟ للمؤنث أي إلَّا بالطَّريقة التي هي أحسَن لأنَّ المجادلة ما هي كلمةٌ تُلقَى بل هي طُرُق، ولذلك عندهم في علْمِ الأدَب والمناظرة عندَهم للمناظرة طُرُق يتمَكَّن بها الإنسان مِن الوصول إلى إقناَعِ الخصم وإقامَةِ الحجة عليه، ولهذا قال: بالتي أي بالطريقة التي هي أحسَن، وقوله: بالتي هي أحسن عندنا المجادَلة بالتي هي أحسن ما يخالِف التي هي أحسن هُنَا أتَى باسم التفضيل مُطْلَقًا لِيَعُمّ الحُكْم في سياق الأدلة مثلًا، في سياق المجادَلة، والحُسْن أيضًا في كيفية هذه المجادلَة لأنَّه لا بُدَّ مِن الأمرين لا بد مِن حُسْن الطريق بمعنى أن نأتِي بأقرب الطرق لِإقناعِ الخصم، ولا بد أيضًا مِن كيفِيَّة وضعِ هذه الطريق أو إلقاء هذه الطريق كيفية إلقائِها، نضرب مثلًا للأمرين: إنسان عنده قُوَّة في المناظرة وإِيراد الحجج لكن إذا جاء يُجادل يقول: أنت بليد أنت حمار ما تعرِف القضية كذا وكذا وكذا وكذا أنا الحقيقة مخطئ أنِّي أجَادِل مثل هذا الحِمَار هذي أَحْسَن ولَا لا؟ ليست أحسَن وإن كان عرضُ الطريق جيِّدًا لكن هذا كيفِيَّة إلقَاء هذه الطريق ليس بجيِّد، إنسانٌ آخر ليِّنُ الكلام مُهَذَّب لكن ما يُحْسِن يُنَاظِر هذا أيضًا ليس داخلًا في قوله: بالتي هي أحسَن، انظر إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لَمَّا حاجَّه الرجل في رَبِّه قال إبراهيم ربِّي الذي يُحيِي ويميت قال: أنا أحيي وأميت ما رَاح ينازعه إبراهيم يقول أنت ما تُحيي ولا تميت أنت إنَّما تبقي الحياة أو تفعَل السبب الذي يكون به الموْت لأن حقيقة الأمْر الإنسَان ما هو بيحيي ولا يُمِيت لكنّه يفعَل السبب الذي به يموت أو يستَبْقِي حياةً مِن غيرِه أليس كذلك؟ ما راح يُنازِع هذه المنازَعة لأنَّها قد تطُول أتى له بايش؟ بدليل آخر ما يقدر ينفلت منه قال إبراهيم فإنَّ الله يأتي بالشمس مِن المشرق فأْتِ بها مِن المغرب بسيطة يقدر؟
الطالب: لا.

الشيخ : ولهذا قال: فَبُهِتَ الذي كَفَرَ ما اسْتَطَاع أن يتخلَّص مِن هذا الإيراد أبدًا، هذه أيضًا مِن الأحسن في المناظَرَة أنَّك إذا رأيْت أنَّك بسُلُوكِك هذه الطريق ينفَتِح عليك باب المعارَضَة تسلك الطريق الآخر، قد يقول الإنسان في نفسه: أنا ما وُدِّي أنهزم وُدِّي أُثَّبِت هذه الحجة التي أدْلَيْت بها خلوا بالكم يا جماعة قد يقول إنسان في نفسه: أنَا أُحِبُّ أن أبقَى على الحجة التي أدْليت بها ولا أُورِدُ الأخرى لأنِّي أخشَى أن يكون ذلك انهزامًا أليس هذا واردًا؟ هذا وارِد قد يصِير الإنسان يُدِلي بحُجَّة ثم يبدأ ينازِع فيها لِأجل يُحَقِّقْها ويُثْبِتْها وذاك يفتح عليه أبواب النقْض، بدلًا مِن هذا ما دام عندك حُجَّة واضِحَة تُبطِل بها قولَ خصمك فإنَّ المقْصُود ما هو؟ المقصود بالذات مِن المجادَلة المقصود الأول ما هو؟ إبطَال حجة الغير المنازِع فما دام عندي حجَّة أعرف أنَّه ما يستطيع أن يُنازع بها أتْرُك الذي أتيت به أولًّا أقول: دعنا مِن كذا فما تقول في كذا؟ لأن هذا يفتح لك أوَّلًا إفحام الخصم بسرعة، وثانيًا لئَلَّا يكُون بالمنازَعة في الحجة الأولى يظهَر عليك لأنَّ الإنسان قد يكون كما تعرفون قد يكون عند الخصم استعدَادٌ في المناظَرة في مسألَةٍ مِن المسائل وعنده لها دليل واضِح، ثم عند المجادَلَة يَغلبك بينما يكون عندك أنت ما هو أقوى منه لكن لو سلَكْت طريقًا آخر وصلْتَ إلى مقصُودِك، المهم أنَّنا نقول في المجادلة التي هي أحسن: يشمَل أي شيء؟ الطريقَة التي بها تندَفِع حجةُ الخصم وتقومُ عليه الحجة، ويشمَل كذلك كيفيةَ إلقَاء هذه الحجة في المجادَلة فهو شامل لِهذا وهذا، نعم وقوله: إلا بالتي هي أحسن عندنا أَحْسَن وحَسَن، شوف في المجادلة مع أنَّ الإنسان عند المجادلة تجِدُه وُدُّه بس في الشيء الذي يغِيظُ الخصم ومع ذلك أمَرَ الله بالتي هي أحسَن لأنَّ المقصُود الوُصُول إلى الحق لا مُجرَّد الغَلَبة، الذي يَقْصِد بمجادلَتِه مجَرَّد الغلبة لا لله ولكن لِنفسِه هذا في الحقيقة خاسِر وإن نَجَح، نعم مَن قَصَدَ الظهور والغلبة على خصمِه لله لأنَّه يعتقد أنَّ الحق معَه فيُرِيد أن يعْلُوَ هذا الحقّ فهذا لا شكَّ أنه حَسَن ولا يُلَام عليه المرْء، لكن أعلَى منه مَن قَصَد إظْهَار الحق بقَطْعِ النظر عن كَونِ ذلكم صَار لنفسه أو لا، فالمراتب إذًا ثلاثة عند المناظرة:
1- مِن الناس مَن يناظر مِن أجل ظهورِه هو وغلبَتِه فقط هذا خاسِر، وهذا معناه أنَّه سيناظِر على قولِه وإن كان باطلًا،
2- ومِن الناس مَن يُناظِر ويُريد الغلبة أو الانتصَار لنفسه لأنَّ قولَه يرى أنه الحق فهذه مرتَبَة الإنسان فيها سالم وناجي،
3- المرتبة الثالِثة أعلاها أن يقْصِد بذلك إظْهَار الحق بقَطْعِ النظر عن كونِه انتصر أو ما انتصر ما يهم، نعم؟ ولذلك قد مثلًا يرَى مِن نفسِه أنه في هذا المكان أنقَص مرتَبَةً ولكنَّه لا يهمه أن يكون ناقصَ المرتبة لأنَّه يريد ظهُور الحق فهذا لا شك أنَّه أعلى المراتب.
وقوله تعالى: إلَّا بالتي هي أحسن كالدعاء إلى الله بآياته والتنبيهِ على حُجَجِه " الدعاء إلى الله بآياته أيّ الآيات؟ الشرعية والكونِيَّة الشرعية والكونِيَّة لأنَّ الله تعالى يُقِيم الحُجَّةَ بهما جميعًا قال الله تعالى: فلا تطع الكافِرين وجاهدْهُم به - بالقرآن - جهادًا كبيرًا فالمجادَلَة بالآيات الكونية وبالآيات الشرعية، طيب الآيات الشرعية صحيح أنَّها حَقّ لِلمُجادَلَة بها كيف أُجادل بالآيات الشرعية؟ أُبَيِّن ما في الشريعة ما في شريعة الله مِن الحكم والأسْرَار فإنَّ هذه الشريعة إذا بانت حكَمُها وأسرَارُها لِكُلِّ ذي عقلٍ تبَيَّن له أنَّها هي الحق، كذلك أيضًا أُبَيِّن ما في آيات الله الشرعية مِن الالْتِئَام والانْتِظَام وعدَمِ الاخْتِلَاف ولو كان مِن عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا هذه مُجَادَلَة بالآيات الايش؟
الطالب: الشرعية

الشيخ : الشرعية، المجادَلَة بالآيات الكونية أن نُرِيَهم آيات الله الكونية وأقول: مَن فعل كذا؟ مَن فعل كذا؟ قال الله تعالى: أم خُلِقُوا مِن غير شيء أم هم الخالِقُون * أم خلَقُوا السماوات هذه الآيات اللي في الطور مناظَرَة في الآيات الكونِيَّة والشَّرْعِيَّة أو لا؟ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ 35 أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ 36 أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ 37 أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ 33 فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ها الأخيرة هذه بالآيات الشرعية والأولى بالآيات الكونية، فتُجَادَل المعاند بالآيات الكونية وتُبَيِّنُ له، ومِن ذلك مناظرة إبراهيم عليه الصلاة السلام للذي حاجَّه في ربِّه فإنَّه ناظرَهُ بالآيات الكونية، وقوله: "
والتنبيه على حُجَجِه " حُجَج الحُجَج جمع حُجَّة وهي الدِّلِيل الـمُقْنِع والمفحِم للخصم

Webiste